منزلة السنة في الإسلام
بقلـــــــم
فضيلة الشيخ سليم الهلالي
حفظه الله
تبين لنا معنى السُّنة، وتيقنا من حجيتها، وبقي أن نوضح منزلتها من الكتاب العزيز:
1* نوعية ما تَرِدُ به من أحكام، ونسبته إلى الكتاب العزيز.
2* إمكان تخصيص الكتاب بها، وعدمه.
3* إمكان نسخ الكتاب بها، وعدمه.
3* إمكان نسخ الكتاب بها، وعدمه.
4* رتبتها من الكتاب عند الاستدلال والمعارضة.
1* نوعية أحكامها.
1* نوعية أحكامها.
من خلال استقراء السنة في مصادرها: يتبين أن أحكامها لا تخرج عن أحد وجوه ثلاثة:
النوع الأول: تأكيد ما ورد في الكتاب من أحكام عامة، ومثاله: أحاديث وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالأحاديث الناهية عن الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، وما أهلّ به لغير الله.
النوع الأول: تأكيد ما ورد في الكتاب من أحكام عامة، ومثاله: أحاديث وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالأحاديث الناهية عن الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، وما أهلّ به لغير الله.
النوع الثاني: شرح ما ورد من آيات عامة في القرآن، وبيان أساليب أدائها وامتثالها، والتعرض لكل ما يتصل بها من أجزاء وشروط وموانع؛ كالأحاديث المحددة للمراد من الصلاة والصيام والحج، والمبينة لأجزائها وشروطها وموانعها، وكل ما يرتبط بها من شؤون الأداء.
قال -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
النوع الثالث: بيان أحكام لم يتعرض لها الكتاب في آيات أحكامه؛ مثل: حرمان القاتل من الميراث، وتحريم الجمع بين نكاح العمة وابنة أخيها أو الخالة وابنة أختها، وكتحريم لبس الحرير للرجال، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير.
قال ابن قيم الجوزية في «إعلام الموقعين» (4/ 84-85): «والسُّنة مع القرآن ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
والثاني: أن تكون بيانًا لما أريد بالقرآن، وتفسيرًا له.
والثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه».
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
والثاني: أن تكون بيانًا لما أريد بالقرآن، وتفسيرًا له.
والثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه».
2* بيان السنة للقرآن:
لما كان للسنة صفة الشرح والبيان؛ فليس هناك ما يمنع من تخصيص الكتاب بها، ما دام المخصص بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العام، وهذا المقام موضع اتفاق المسلمين، وهذا البيان والشرح يتمثل في عدة جوانب؛ منها:
1- بيان مجمله: فقد جاءت كثير من أحكام القرآن العملية مجملة، فبينت السنة إجمالها.
ومن ذلك: أن الله أمر بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها وغير ذلك؛ فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليمه لأصحابه كيفيتها، وأمره لهم بأدائها كما أداها، فقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وفرض الله الزكاة من غير بيان لمقاديرها وأوقاتها وأنصبتها، وما يزكَّى وما لا يزكَّى، فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله.
وشرع الله الحج من غير أن يبين مناسكه، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله تلك المناسك، وقال في حجة الوداع: «لتأخذوا عني مناسككم».
وكذلك بين صلى الله عليه وسلم أحكام الصوم مما لم ينص عليه في الكتاب، وأحكام الطهارة، والذبائح والصيد، والأنكحة، وأحكام البيوع، والجنايات، والحدود، وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وفصله النبي صلى الله عليه وسلم.
2- تخصيص عامه: فقد وردت في القرآن أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها، ومن ذلك: قوله -تعالى-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]؛ فهذه الآية عامة في كل أصل موروث، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «لا نوْرَثُ؛ ما تركنا صدقة».
3- تقييد مطلقه: فقد ورد في القرآن آيات مطلقه، جاءت السنة بتقييدها، ومن ذلك: قوله -تعالى-: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]؛ فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم تحدد مقدارها، فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث.
4- توضيح المشكل: فقد أشكل فهم بعض الآيات على الصحابة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما أشكل عليهم، ومن ذلك: ما ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-؛ أنه قال: لما نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّه ليس بذاك، ألا تسمعون إلى قول لقمان:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]» ، ففهم الصحابة -رضي الله عنهم- أن المراد بالظلم في الآية عموم الظلم، فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض الحقوق، فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال؛ بأن الظلم ليس على عمومه، وإنما المقصود منه أعظم أنواع الظلم: الذي هو الشرك بالله -عز وجل-.
3- نسخ الكتاب بالسنة:
الظاهر أن النسخ واقع في الكتاب من الكتاب ومن السنة، على خلاف في قلة وكثرة الأحكام التي يدعى لها النسخ؛ كما سيأتي مفصلاً -إن شاء الله-.
4* رتبة السنة من الكتاب:
من الكلمات المألوفة: إن رتبة السنة متأخرة عن رتبة الكتاب في الاعتبار!
وهو كلام لا دليل يمكن الاطمئنان إليه؛ للاضطراب في تحديد معنى الرتبة هنا.
ومن أدلتهم: إن الكتاب مقطوع والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح على الجملة لا على التفصيل بخلاف الكتاب؛ فإنه مقطوع به على الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدم على المظنون، ولعله لا يوجد من متواترها القولي شيء.
وهو كلام لا دليل يمكن الاطمئنان إليه؛ للاضطراب في تحديد معنى الرتبة هنا.
ومن أدلتهم: إن الكتاب مقطوع والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح على الجملة لا على التفصيل بخلاف الكتاب؛ فإنه مقطوع به على الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدم على المظنون، ولعله لا يوجد من متواترها القولي شيء.
وهذا الدليل يصلح لو فرضت المعارضة بين الكتاب والسنة.
والمعارضة لا تتصور بين الكتاب والسنة بما هي قول أو فعل أو تقرير؛ لاستحالة تناقض الشارع على نفسه {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء: 82].
والمعارضة لا تتصور بين الكتاب والسنة بما هي قول أو فعل أو تقرير؛ لاستحالة تناقض الشارع على نفسه {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء: 82].
ثانيها: قولهم: «إن السنة؛ إما بيان للكتاب، أو زيادة على ذلك»: فإن كانت بيانًا؛ فالبيان تال للمبين في الاعتبار، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان لا العكس، وما شأنه هذا؛ فهو أولى بالتقدم، وإن لم يكن بيانًا؛ فلا يعتبر إلا بعد ألاّ يوجد في الكتاب، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب، وهذا الدليل يصلح للاستدلال به على التقديم من حيث الشرف والأولوية، لا من حيث الاقتصار على الكتاب مع وجوده؛ لعدم إمكان الاستغناء عن البيان بحال، وما دامت السنة بيانًا للكتاب؛ فهي متممة للاستدلال به، بل كلاهما يكونان دليلاً واحدًا؛ لبداهة أن ما يحتاج إلى البيان لا ينهض بالدليلية إلا به، ولكن اعتبار التقدم في الرتبة على أساس التفاضل في المكانة لا معنى لإدراجه في مباحث الأصول والتماس الأدلة له؛ لعدم إعطائه أية ثمرة عملية في مجالات الاستنباط.
ثالثها: ما دل على ذلك من الأخبار؛ كحديث معاذ في الرأي والقياس، وهو حديث لا يصح سندًا ولا متنًا.
وهذا المذهب من أغرب المذاهب؛ إذ كيف يعقل الاستغناء بالكتاب عن السنة وهي مبينة وشارحة له؟!
فالحق: أنَّ السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته، بل هما واحد من حيث انتسابهما إلى الشرع الكريم، ولا يمكن الاستغناء به عنها، وما أروع ما قاله الأوزاعي: «الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب؛ وذلك لأنها تبين المراد منه».
وقال رجل لمطرف بن عبد الله: لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال: «والله ما نريد بالقرآن بدلاً؛ ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا».
ومن أجل هذا كله؛ فإن الله -عز وجل- قد حفظ السُّنة إلى يوم القيامة، وهذه مسألة مهمة يجب التنبه لها؛ لأهميتها وغفلة الكثيرين عنها، وهي: أن السُّنة من الذكر، وأنها محفوظة عن الضياع، مأمونة من الاختلاط بغيرها.
ومن الأدلة على حفظ السُّنة: قوله -تبارك وتعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]؛ ففي هذه الآية الكريمة وعد قاطع من الله -تعالى- بحفظ الذكر، فما هو الذكر؟
لا شك أنه يشمل أول ما يشمل القرآن الكريم، ولكنه عند التأمل والتدقيق يشمل -أيضًا- السنة النبوية الشريفة؛ فإن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله -عز وجل- لا شك في ذلك {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4]، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله -تعالى- فهو ذكر؛ فالوحي كله محفوظ بحفظ الله -تعالى- له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون أن لا يضيع منه، وأن لا يحرف منه شيء أبدًا تحريفًا لا يأتي البيان ببطلانه؛ إذ لو جاء غير ذلك؛ لكان كلام الله -تعالى- كذبًا، وضمانه خائسًا -أي: فاسدًا وناقصًا-، وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ، بتولي الله -تعالى- حفظه، مبلَّغ كما هو إلى كل من طلبه ممن يأتي أبدًا إلى انقضاء الدنيا، قال الله -تعالى-: {لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورة ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطًا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين؛ إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} كذبًا ووعدًا مخلفًا، وهذا لا يقوله مسلم.
والقرآن محفوظ؛ لكونه منقولاً إلينا بالتواتر، وهو أعلى درجة من درجات ثبوت الأخبار، وبما أن السُّنة هي المبيِّنة للقرآن والشارحة له، والمخصّصة لعمومه، والمقيدة لمطلقه، ولا يمكن فهم القرآن ولا العمل به إلا بواسطتها، كما قال -تبارك وتعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بسنته هو الذي يبين ويشرح للناس ما نُزِّل إليهم من كلام الله -تبارك وتعالى-؛ فلزم من ذلك لزومًا حتميًّا أن يحفظ الله -سبحانه- السُّنة، ويتعهد ببقائها، وعلى هذا تنطبق القاعدة الأصولية الصحيحة القائلة: (ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب)، فحجة الله -تعالى- على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، وهذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ السُّنة؛ فلزم من ذلك حفظ السُّنة، وهو المطلوب.
ومن أجل هذا كله؛ فإن الله -عز وجل- قد حفظ السُّنة إلى يوم القيامة، وهذه مسألة مهمة يجب التنبه لها؛ لأهميتها وغفلة الكثيرين عنها، وهي: أن السُّنة من الذكر، وأنها محفوظة عن الضياع، مأمونة من الاختلاط بغيرها.
ومن الأدلة على حفظ السُّنة: قوله -تبارك وتعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]؛ ففي هذه الآية الكريمة وعد قاطع من الله -تعالى- بحفظ الذكر، فما هو الذكر؟
لا شك أنه يشمل أول ما يشمل القرآن الكريم، ولكنه عند التأمل والتدقيق يشمل -أيضًا- السنة النبوية الشريفة؛ فإن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله -عز وجل- لا شك في ذلك {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4]، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله -تعالى- فهو ذكر؛ فالوحي كله محفوظ بحفظ الله -تعالى- له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون أن لا يضيع منه، وأن لا يحرف منه شيء أبدًا تحريفًا لا يأتي البيان ببطلانه؛ إذ لو جاء غير ذلك؛ لكان كلام الله -تعالى- كذبًا، وضمانه خائسًا -أي: فاسدًا وناقصًا-، وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ، بتولي الله -تعالى- حفظه، مبلَّغ كما هو إلى كل من طلبه ممن يأتي أبدًا إلى انقضاء الدنيا، قال الله -تعالى-: {لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورة ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطًا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين؛ إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} كذبًا ووعدًا مخلفًا، وهذا لا يقوله مسلم.
والقرآن محفوظ؛ لكونه منقولاً إلينا بالتواتر، وهو أعلى درجة من درجات ثبوت الأخبار، وبما أن السُّنة هي المبيِّنة للقرآن والشارحة له، والمخصّصة لعمومه، والمقيدة لمطلقه، ولا يمكن فهم القرآن ولا العمل به إلا بواسطتها، كما قال -تبارك وتعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بسنته هو الذي يبين ويشرح للناس ما نُزِّل إليهم من كلام الله -تبارك وتعالى-؛ فلزم من ذلك لزومًا حتميًّا أن يحفظ الله -سبحانه- السُّنة، ويتعهد ببقائها، وعلى هذا تنطبق القاعدة الأصولية الصحيحة القائلة: (ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب)، فحجة الله -تعالى- على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، وهذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ السُّنة؛ فلزم من ذلك حفظ السُّنة، وهو المطلوب.
تعليق