إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فوائد من شرح الشيخ العثيمين رحمه الله على كتاب رياض الصالحين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فوائد من شرح الشيخ العثيمين رحمه الله على كتاب رياض الصالحين

    فوائد من شرح الشيخ العثيمين رحمه الله على كتاب رياض الصالحين
    عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد رواه مسلم .
    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في
    الشرح:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله في كتابه رياض الصالحين في باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن بغير حاجة شرعية عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة قال اصرف بصرك نظر الفجأة هو الذي يفاجأ الإنسان مثل أن تمر به امرأة مفاجأة وتكون قد كشفت وجهها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اصرف بصرك يعني أدره يمينا أو شمالا حتى لا تنظر فيستفاد من هذا الحديث تحريم نظر الرجل إلى المرأة لكن إذا حصل هذا فجأة فإنه يعفى عنه لأنه بغير اختيار من الإنسان وما كان بغير اختيار من الإنسان فإن الله قد عفى عنه وأما الحديث الثاني حديث أم سلمة أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فدخل عبد الله ابن أم مكتوم وكان رجل أعمى وكان ذلك بعد نزول الحجاب فأمرهما أن تحتجبا منه يعني قال لأم سلمة وميمونة احتجبا منه يعني من ابن أم مكتوم وهو أعمى فقالتا يا رسول الله إنه رجل أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال: أفعمياوان أنتما احتجبا منه فأمرهما أن تحتجبا عن الرجل ولو كان أعمى لكن هذا الحديث ضعيف لأن الأحاديث الصحيحة كلها ترده فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس: اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده وهذا الحديث في الصحيحين وأما هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله فقد قال الإمام أحمد إن رفعه خطأ يعني لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل ولو كان أجنبي بشرط ألا يكون نظرها بشهوة أو لتمتع يعني نظر عادي ولذلك نجد الرجال يمشون في الأسواق كاشفين وجوههم والنساء ينظرون إلى الوجوه وكذلك النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحضرن إلى المسجد ولا يحتجب الرجال عنهن ولو كان الرجل لا يحل للمرأة أن تراه لوجب عليه أن يحتجب كما تحتجب المرأة عن الرجل فالصحيح أن المرأة لها أن تنظر من الرجل لكن بغير شهوة ولا استمتاع أو تلذذ وأما الرجل فيحرم عليه أن يرى المرأة كما مر علينا الآن وكما مر علينا فيما سبق وأما الحديث الأخير فحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا الرجل إلى عورة الرجل ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد فقوله صلى الله عليه وسلم لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة هذا نهى للناظرة أن تنظر إلى عورة المنظورة يعني لو انكشفت عورة المرأة المنظورة بريح أو بقضاء حاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يحل للأخرى أن تنظر إلى عورتها وهي ما بين السرة والركبة وكذلك الرجل لو انكشفت عورته بريح أو لغير هذا من الأسباب فلا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل وهذا الحديث تشبث به بعض النساء فقلن إن المرأة لا يلزمها أن تستر من بدنها إلا ما بين السرة والركبة وهذا فهم خاطئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للمرأة أن تقتصر على ثوب يستر ما بين السرة والركبة وإنما هي المرأة الأخرى أن تنظر إلى عورة المرأة والفرق بين الأمرين ظاهر فالمرأة اللابسة يجب أن يكون لباسها ساترا وكان نساء الصحابة رضي الله عنهم يسترن ما بين كعب القدم إلى كف اليد كل هذا مستور لكن لو قدر أن امرأة انكشفت عورتها لحاجة أو انكشفت من ريح أو غير هذا فإن المرأة لا تنظر إلى ما بين السرة والركبة بالنسبة للأخرى وكذلك يقال للرجل لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل وهي ما بين السرة والركبة وهذا بالنسبة للرجل يجوز له أن يكشف الصدر والكتف لأخيه بدليل أنه يجوز للإنسان الرجل أن يقتصر على الإزار كما في حديث الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه الواهبة امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله وهبت نفسي لك فصعد فيها النظر وصوبه ولم تطب نفسه بها فسكت فجلست المرأة ثم قال رجل من القوم زوجنيها يا رسول الله قال ما معك من الصداق قال معي إزاري قال سهل راوي الحديث ليس له رداء ما عليه إلا إزار فقط فقال له الرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إزارك بقيت بلا إزار وإن أبقيته لك لم يكن لها مهر اطلب ابحث التمس ولو خاتما من حديد فذهب يلتمس فلم يجد ولو خاتما من حديد فإنه فقير فقال هل معك شيء من القرآن قال نعم سورة كذا وكذا قال زوجتكها بما معك من القرآن يعني علمها الذي معك من القرآن وهذا هو مهرها فالشاهد من هذا أن الرجل لا بأس أن يقتصر على لبس الإزار أما المرأة فلا يمكن أن تقتصر على لبس الإزار وليس هذا من عادة نساء الصحابة رضي الله عنهم والله الموفق .

  • #2
    باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية
    قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وقال تعالى { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } وقال تعالى: { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله }

    الشَّرْحُ

    قال المؤلف باب الإخلاص النية محلها القلب، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة أو الصوم أو الحج أو الوضوء أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعاً قائلاً في دين الله ما ليس منه .
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ويصلي ويتصدق ويصوم ويحج ولم ينطق بالنية وذلك لأن النية محلها القلب .
    والله عز وجل يعلم ما في القلب ولا يخفى عليه شيء كما قال تعالى في الآية التي ساقها المؤلف: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويجب على الإنسان أن يخلص النية لله في جميع عباداته، وأن لا ينوي بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة .
    وهذا هو الذي أمر الله به في قوله: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } أي مخلصين له العمل .
    وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات .
    فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله وأنه توضأ امتثالاً لأمر الله .
    فهذه ثلاثة أشياء: 1 - نية العبادة .
    2 - ونية أن تكون لله .
    3 - ونية أنه قام بها امتثالا لأمر الله .
    هذا أكمل شيء في النية كذلك في الصلاة وفي كل العبادات .
    وذكر المؤلف عدة آيات كلها تدل على أن النية محلها القلب، وأن الله سبحانه عالم بنية العبد .
    ربما يعمل عملاً يظهر أمام الناس أنه عمل صالح وهو عمل فاسد أفسدته النية لأن الله يعلم ما في القلب .
    وما يجازى الإنسان يوم القيامة إلا على ما في قلبه لقول الله تعالى: { إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر } أي يوم تختبر السرائر - البواطن - كقوله: { أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور } ففي الآخرة يكن الثواب والعقاب والاعتبار بما في القلب، أما في الدنيا فالعبرة بما ظهر، فيعامل الناس بظواهر أحوالهم .
    ولكن هذه الظواهر إن وافقت ما في البواطن صلح ظاهره وباطنه وسريرته وعلانيته وإن خالفت وصار القلب منطوياً على نية فاسدة فما أعظم خسارته .
    يعمل ويتعب ولا حظ له في العمل كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قال أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه فالله الله أيها الإخوة بالإخلاص لله .
    واعلم أن الشيطان قد يأتيك عند إرادة عمل الخير فيقول إنك إنما تعمل هذا رياء فيحبط همتك ويثبطها ولكن لا تلتفت إلى هذا ولا تطعه بل اعمل لأنك لو سئلت هل أنت الآن تعمل هذا رياء وسمعة ؟ قلت: لا إذن فهذا الوسواس الذي أدخله الشيطان في قلبك لا تلتفت له .

    تعليق


    • #3
      الصدق
      الصدق معناه مطابقة الخبر الواقع هذا في الأصل ويكون في الإخبار فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقاً للواقع قيل أنه صدق مثل أن تقول عن هذا اليوم يوم الأحد فهذا خبر صدق وإذا قلت اليوم يوم الإثنين فهذا خبر كذب فالخبر إن وافق الواقع فصدق وإلا فكذب .
      وكما يكون الصدق في الأقوال فهو في الأفعال وهو أن يكون الإنسان باطنه موافقاً لظاهره بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقاً لما في قلبه .
      فالمرائي مثلاًليس بصادق لأنه يظهر للناس بأنه من العابدين وليس كذلك .
      والمشرك مع الله ليس بصادق لأنه يظهر بأنه موحد وليس كذلك .
      والمنافق ليس بصادق لأنه يظهر بأنه موحد وليس كذلك .
      والمنافق ليس بصادق لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن .
      والمبتدع ليس بصادق لأنه يظهر الاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام وليس بمتبع
      المهم أن الصدق مطابقة الخبر للواقع وهو من سمات المؤمنين وعكسه الكذب وهو من سمات المنافقين .

      تعليق


      • #4
        عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً متفق عليه .
        قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
        قوله عليكم بالصدق أي ألزموا الصدق والصدق مطابقة الخبر للواقع وقد سبق في حديث كعب وصاحبيه ما يدل على فضيلة الصدق وحسن عاقبته وأن الصادق هو الذي له العاقبة والكاذب هو الذي يكون عمله هباء لهذا يذكر أن بعض العامة قال إن الكذب ينجي فقال له أخوه الصدق أنجى وأنجى هذا صحيح واعلم أن الكذب يكون باللسان ويكون بالأركان .
        أما باللسان فهو القول وأما بالأركان فهو الفعل ولكن يكون الكذب بالفعل إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله فالمنافق مثلاً كاذب لأنه يظهر للناس أنه مؤمن يصلي مع الناس ويصوم مع الناس ويتصدق ولكنه بخيل وربما يحج فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح ولكن هذه الأفعال لا تنبئ عما في الباطن فهي كذب .
        ولهذا نقول الصدق يكون باللسان وبالأركان فمتى طابق الخبر الواقع فهو صدق وهذا باللسان ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلب فهي صدق وهذا صدق بالأقوال .
        ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمر بالصدق بين عاقبتهم فقال: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة .
        البر كثرة الخير ومنه من أسماء الله البر أي كثير البر والإحسان عز وجل .
        والبر من نتائج الصدق وقوله وإن البر يهدي إلى الجنة فصاحب البر نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منه يهديه بره إلى الجنة والجنة غاية كل مطلب .
        ولهذا يؤمر الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاح الغرور وقوله إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وفي رواية: ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً .
        الصديق في المرتبة الثانية من الخلق من الذين أنعم الله عليهم كما قال الله سبحانه { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } فالرجل الذي يتحرى الصدق يكتب عند الله صديقاً ومعلوم أن الصديقية درجة عظيمة لا ينالها إلا أفذاذ من الناس .
        وتكون في الرجال وتكون في النساء قال الله تعالى { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة } وأفضل الصديقين على الإطلاق أصدقهم، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة الذي استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام ولم يحصل عنده أي تردد وأي توقف بمجرد ما دعاه الرسول إلى الإسلام أسلم، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذبه قومه، وصدقه حين تحدث عن الإسراء والمعراج وكذبه الناس وقالوا كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة ثم تقول إنك صعدت إلى السماء هذا لا يمكن .
        ثم ذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له أما تسمع ما يقول صاحبك ؟ قال ماذا قال ؟ قالوا إنه قال كذا وكذا قال إن كان قد قال ذلك فقد صدق فمنذ ذلك اليوم سمى الصديق رضي الله عنه .
        وأما الكذب فإنه قال وإياكم والكذب .
        إياكم التحذير أي احذروا الكذب وهو الإخبار بما يخالف الواقع سواء كان بالقول أو بالفعل .
        فإذا قال قائل ما اليوم فقلت اليوم يوم الخميس أو يوم الثلاثاء فكذب لأنه لا يطابق الواقع لأن اليوم الأربعاء .
        والمنافق كاذب لأن ظاهره يدل على أنه مسلم وهو كافر فهو كاذب بفعله .
        وقوله وإن الكذب يهدي إلى الفجور يعني الخروج عن طاعة الله لأن الإنسان يفسق ويتعدى طوره ويخرج عن طاعة الله إلى معصيته وأعظم الفجور الكفر .
        فإن الكفرة فجرة كما قال الله تعالى { أولئك هم الكفرة الفجرة } وقال تعالى { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين } وقال تعالى { وإن الفجار لفي جحيم } فالكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار .
        وقوله وإن الرجل ليكذب وفي لفظ: لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا والكذب من الأمور المحرمة بل قال بعض العلماء إنه من كبائر الذنوب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعده بأنه يكتب عند الله كذاباً .
        ومن أعظم الكذب ما يفعله الناس اليوم يأتي بالمقالة كذبا لكن من أجل أن يضحك الناس وقد جاء في الحديث الوعيد على هذا فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له وهذا وعيد على أمر سهل عند كثير من الناس .
        فالكذب كله حرام وكله يهدي إلى الفجور ولا يستثنى منه شيء ورد في الحديث أنه يستثنى من ذلك ثلاثة أشياء في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث المرأة زوجها وحديثه إياها .
        ولكن بعض أهل العلم قال: إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية وليس الكذب الصريح وقال التورية قد تسمى كذبا كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين فيهن في ذات الله تعالى قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة الحديث وهو لم يكذب إنما ورى تورية هو فيها صادق .
        وسواء كان هذا أو هذا فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم .
        وأشد شيء في الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل مثل أن يدعي عليه بحق ثابت فينكر ويقول والله مالك على حق أو يدعي ما ليس له فيقول لي عندك كذا وكذا وهو كاذب فهذا إذا حلف على دعواه وكذب فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار والعياذ بالله .
        وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فالحاصل أن الكذب حرام ولا يجوز للإنسان أن يكذب مطلقا إلا على المسائل الثلاث على الخلاف السابق .

        تعليق


        • #5
          الصبر
          الصبر لغة الحبس وشرعاً حبس النفس على ثلاثة أمور .
          الأول: طاعة الله الثاني عن محارم الله الثالث على أقدار الله المؤلمة هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم .
          الأمر الأول أن يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس تصعب على الإنسان وكذلك ربما ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب وكذلك أيضاً يكون فيها مشقة من الناحية المالية كمسألة الزكاة ومسألة الحج .
          المهم أن الطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن فتحتاج إلى صبر وإلى معاناة قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
          الأمر الثاني الصبر عن محارم الله بحيث يكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلى السوء فيصبر الإنسان نفسه، مثل الكذب والغش في المعاملات وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره والزنى وشرب الخمر والسرقه وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها وهذا يحتاج أيضاً إلى معاناة ويحتاج إلى كف النفس والهوى .
          أما الأمر الثالث: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة لأن أقدار الله عز وجل على الإنسان ملائمة ومؤلمة .
          الملائمة: تحتاج إلى الشكر والشكر من الطاعات فالصبر عليه من النوع الأول ومؤلمة بحيث لا تلائم الإنسان فيبتلى الإنسان في بدنه يبتلى في ماله - يفقده - يبتلى في أهله ويبتلى في مجتمعه، المهم أن أنواع البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة فيصبر الإنسان نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان أو بالقلب أو بالجوارح، لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات: الحال الأولى: أن يتسخط، والحال الثانية أن يصبر، والحال الثالثة أن يرضى، والحال الرابعة: أن يشكر .
          هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة .
          أما الحال الأولى: أن يسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه .
          التسخط بالقلب أن يكون في قلبه شيء على ربه من السخط والشره على الله والعياذ بالله وما أشبهه، ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة .
          وأما باللسان فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه يا ثبوراه وأن يسب الدهر فيؤذي الله عز وجل وما أشبهه التسخط بالجوارح مثل أن يلطم خده أو يصفع رأسه أو ينتف شعره أو يشق ثوبه وما أشبه هذا .
          هذا حال السخط حال الهلعين الذين حرموا من الثواب ولم ينجوا من المصيبة بل الذين اكتسبوا الإثم فصار عندهم مصيبتان مصيبة في الدين بالسخط ومصيبة في الدنيا لما أتاهم مما يؤلمهم .
          أما الحال الثانية فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه هو يكره المصيبة ولا يحبها ولا يحب أن وقعت لكن يصبر نفسه لا يتحدث باللسان بما يسخط الله ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله ولا يكون في قلبه على الله شيء أبداً صابر لكنه كاره لها .
          والحال الثالثة الرضى بأن يكون الإنسان منشرحاً صدره بهذه المصيبة ويرضى بها رضاءاً تاماً وكأنه لم يصب بها .
          والحال الرابعة الشكر فيشكر الله عليها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال .
          فيشكر الله من أجل أن الله يرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه ولهذا يذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها فحمدت الله على ذلك فقالوا لها كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه قالت إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها والله الموفق .

          تعليق


          • #6
            باب تحريم التجسس
            قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
            التجسس هو: أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر، بأن يذهب هو بنفسه يتجسس لعله يجد عسرة أو عورة، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت، أو كان عن طريق الهاتف فكل شيء يوصل الإنسان إلى عورات أخيه مسالبه فإن ذلك من التجسس، وهو محرم، لأن الله سبحانه وتعالى قال: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا فنهى سبحانه وتعالى عن التجسس، ولما كان التجسس إذاء لأخيك المسلم، أردف المؤلف رحمه الله ما استشهد به من هذه الآية بقول الله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } لأن التجسس أذية، يتأذى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله، نسأل الله العافية، ومن ذلك أيضا أن يتجسس على البيوت، يعني من التجسس أن يتجسس على البيوت، يقف عند الباب ويستمع لما يقال في المجلس ثم يبني عليه الظن الكاذب، والتهم التي ليس لها أصل، ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة في رواياته وأكثرها قد مر علينا لكن من أهم ما ذكر إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وهذا مطابق لقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } لكن في هذه الآية قال الله تعالى: { اجتنبوا كثيرا من الظن } ولم يقل الظن كله ؛ لأن الظن المبني على قرائن لا بأس به، فهو من طبيعة الإنسان أنه إذا وجد قرائن قوية توجب الظن الحسن أو غير الحسن، فإنه لابد أن يخضع لهذا القرائن، ولا بأس بذلك، لكن الظن المجرد هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه أكذب الحديث، لأن الإنسان إذا ظن صارت نفسه تحدثه، تقول له فعل فلان كذا وهو يفعل كذا وهو يريد كذا وما أشبه ذلك، وهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه إنه اكذب الحديث، وفيه أيضا مما لم يمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كونوا عباد الله إخوانا كما أمركم يعني أنه يجب على الإنسان أن يكون أخا لأخيه، بالمعنى المطابق للأخوة، لا يكن عدوا له، فإن بعض الناس إذا صار بينه وبين أخيه معاملة وساء الظن بينهما في هذه المعاملة اتخذوا عدوا، وهذا لا يجوز، الواجب أن الإنسان يكون أخا لأخيه، في المحبة والألفة وعدم التعرض له بالسوء والدفاع عن عرضه وغير ذلك من مقتضيات الأخوة المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه وهذا أيضا قد مر علينا سابقا وقال التقوى هاهنا يشير إلى صدره يعني في القلب، وإذا اتقى القلب اتقت الجوارح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلحت صلح الجسد كله يعني القلب، بعض الناس تنهاهم مثلا عن شيء من الأشياء، أعفي اللحية حرام عليك أنك تحلقها، فيقول لك التقوى هاهنا، أين التقوى ؟ لو اتقى ما هاهنا لأتقى ما هاهنا، يعني لو اتقى القلب اتقت الجوارح، بعض الناس تنصحه في طول الثوب، تجد ثوبه إلى أسفل من كعبه، تنصحه في ذلك، فيقول لك التقوى هاهنا أين التقوى، لو كان عندك تقوى في قلبك، لاتقيت الله تعالى في قولك وفعلك، لأنه إذا صلحت صلح الجسد كله، لكن بعض الناس والعياذ بالله يجادل بالباطل كالكافرين، جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ومع ذلك لا يخفى جدالهم بالباطل على من عنده بصيرة، يعرف أن هذا جدل ليس له أصل بل هو باطل، وهذا الحديث الذي ذكره المؤلف بألفاظه، ينبغي للإنسان أن يتخذه مسارا له ومنهجا يسير عليه ويبني عليه حياته فإنه جامع لكثير من مسائل الأخلاق التي إذا تجنبها الإنسان حصل على خير كثير والله الموفق

            تعليق


            • #7
              المحبة في الله من كمال الإيمان
              وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به فقال يا رسول الله إني لأحب هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أأعلمته قال لا قال أعلمه فلحقه فقال إني أحبك في الله فقال أحبك الذي أحببتني له رواه أبو داود بإسناد صحيح

              الشَّرْحُ

              هذه الأحاديث كلها في بيان المحبة وأن الإنسان ينبغي له أن يكون حبه لله وفي الله وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ففي هذا دليل على أن المحبة من كمال الإيمان وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب أخاه وأن من أسباب المحبة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه أي يظهره ويعلنه ويسلم على من لقيه من المؤمنين سواء عرفه أو لم يعرفه فإن هذا من أسباب المحبة ولذلك إذا مر بك رجل وسلم عليك أحببته وإذا أعرض كرهته ولو كان أقرب الناس إليك فالذي يجب على الإنسان أن يسعى لكل سبب يوجب المودة والمحبة بين المسلمين لأنه ليس من المعقول ولا من العادة أن يتعاون الإنسان مع شخص لا يحبه ولا يمكن التعاون على الخير والتعاون على البر والتقوى إلا بالمحبة ولهذا كانت المحبة في الله من كمال الإيمان وفي حديث معاذ رضي الله عنه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه وقوله لأنس لما قال له إني أحب هذا الرجل قال له أأعلمته فدل هذا على أنه من السنة إذا أحببت شخصا أن تقول إني أحبك وذلك لما في هذه الكلمة من إلقاء المحبة في قلبه لأن الإنسان إذا علم أنك تحبه أحبك مع أن القلوب لها تعارف وتآلف وإن لم تنطق الألسن وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف لكن إذا قال الإنسان بلسانه فإن هذا يزيده محبة في القلب فتقول إني أحبك في الله وفي قوله عليه الصلاة والسلام لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة يعني في آخر كل صلاة لأن دبر الشيء من الشيء كدبر الحيوان وقد ورد هذا الحديث بلفظ واضح يدل على أن الإنسان يقولها قبل أن يسلم فيقول قبل السلام اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.

              تعليق


              • #8
                باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة

                قال الله تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة }

                الشَّرْحُ

                قال المؤلف رحمه الله باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها العورة هنا هي العورة المعنوية لأن العورة نوعان عورة حسية وعورة معنوية فالعورة الحسية هي ما يحرم النظر إليه كالقبل والدبر وما أشبه ذلك مما هو معروف في الفقه .
                والعورة المعنوية وهي العيب والسوء الخلقي أو العملي ولا شك أن الإنسان كما وصفه الله عز وجل في قوله إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا فالإنسان موصوف بهذين الوصفين الظلم والجهل فإما أن يرتكب الخطأ عن عمد فيكون ظالما وإما أن يرتكب الخطأ عن جهل فيكون جهولا هذه حال الإنسان إلا من عصم الله عز وجل ووفقه للعلم والعدل فإنه يمشي بالحق ويهدي إلى الحق وإذا كان الإنسان من طبيعته التقصير والنقص والعيب فإن الواجب على المسلم نحو أخيه أن يستر عورته ولا يشيعها إلا من ضرورة فإذا دعت الضرورة إلى ذلك فلابد منه لكن بدون ضرورة فالأولى والأفضل أن يستر عورة أخيه لأن الإنسان بشر ربما يخطئ عن شهوة يعني عن إرادة سيئة أو عن شبهة حيث يشتبه عليه الحق فيقول بالباطل أو يعمل به والمؤمن مأمور بأن يستر عورة أخيه .
                هب أنك رأيت رجلا على كذب وغش في البيع والشراء فلا تفضحه بين الناس بل انصحه واستر عليه فإن توفق واهتدى وترك ما هو عليه كان ذلك هو المراد وإلا وجب عليك أن تبين أمره للناس لئلا يغتروا به وهب أنك وجدت إنسانا مبتلى بالنظر إلى النساء ولا يغض بصره فاستر عليه وانصحه وبين له أن هذا سهم من سهام إبليس لأن النظر والعياذ بالله سهم من سهام إبليس يصيب به قلب العبد فإن كان عنده مناعة اعتصم بالله من هذا السهم الذي ألقاه الشيطان في قلبه وإن لم يكن عنده مناعة أصابه السهم وتدرج به إلى أن يصل إلى الفحشاء والمنكر والعياذ بالله فما دام الستر ممكنا ولم يكن في الكشف عن عورة أخيك مصلحة راجحة أو ضرورة ملحة فاستر عليه ولا تفضحه ثم استدل المؤلف رحمه الله بقول الله تعالى
                { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } هؤلاء الذين يحبون أن تشيع فكيف بمن أشاع الفاحشة والعياذ بالله ولمحبة شيوع الفاحشة في الذين آمنوا معنيان: المعنى الأول: محبة شيوع الفاحشة في المجتمع المسلم ومن ذلك من يبثون الأفلام الخليعة والصحف الخبيثة الداعرة فإن هؤلاء لا شك أنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم ويريدون أن يفتتن المسلم في دينه بسبب ما يشاع من هذه المجلات الخليعة الفاسدة والأفلام الخليعة الفاسدة أو ما أشبه ذلك وكذلك تمكين هؤلاء مع القدرة على منعهم داخل في محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فالذي يقدر على منع هذه المجلات وهذه الأفلام الخليعة ويمكن من شيوعها في المجتمع المسلم هو ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا { لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } أي عذاب مؤلم في الدنيا والآخرة
                المعنى الثاني محبة أن تشيع الفاحشة في شخص معين وليس في المجتمع الإسلامي كله فهذا أيضا له عذاب أليم في الدنيا والآخرة فمن أحب أن تشيع الفاحشة في زيد من الناس لسبب ما هذا أيضا له عذاب أليم في الدنيا والآخرة لاسيما فيمن نزلت الآية في سياق الدفع عنه وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأن هذه الآية في سياق آيات الإفك والإفك هو الكذب الذي افتراه من يكرهون النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن يحبون أن يتدنس فراشه ومن يحبون أن يعير بأهله من المنافقين وأمثالهم وقضية الإفك مشهورة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وذلك من عدله عليه الصلاة والسلام فأيتهن خرج سهمها خرج بها فأقرع بين نسائه ذات سفر فخرج السهم لعائشة فخرج بها وفي أثناء رجوعهم عرسوا في الطريق يعني ناموا في آخر الليل فلما ناموا احتاجت عائشة رضي الله عنها أن تبرز لتقضي حاجتها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل في آخر الليل فجاء القوم فحملوا هودجها ولم يشعروا أنها ليست فيه لأنها كانت صغيرة ما أخذها اللحم فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها ست سنين ودخل عليها ولها تسع سنين ومات عنها ولها ثماني عشر سنة فحملوا الهودج وظنوا أنها فيه ثم ساروا ولما رجعت لم تجد القوم في مكانهم ولكن من عقلها وذكائها لم تذهب يمينا وشمالا تطلبهم بل بقيت في مكانها وقالت سيفقدونني ويرجعون إلى مكاني ولما طلعت الشمس إذا برجل يقال له صفوان بن المعطل وكان من قوم إذا ناموا لم يستيقظوا كما هو حال بعض الناس الذين إذا ناموا لا يستيقظون حتى ولو علت الأصوات من حوله فكان صفوان من جملة هؤلاء القوم فكان إذا نام تعمق في النوم فلا يمكن أن يستيقظ إلا إذا أيقظه الله عز وجل كأنه ميت فلما استيقظ وجاء وإذا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحدها في مكان في البر وكان يعرفها قبل أن ينزل الحجاب فما كان منه إلا أن أناخ بعيره ولم يكلمها بكلمة والسبب في أنه لم يتكلم هو احترامه لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد أن يتكلم مع أهله بغيبته رضي الله عنه فأناخ البعير ووضع يده على ركبة البعير ولم يقل اركبي ولا تكلم بشيء فركبت ثم ذهب بها يقودها وما نظر إليها رضي الله عنه ولا كلمها كلمة واحدة .
                ولما أقبل على القوم ضحى قد ارتفع النهار فرح المنافقون أعظم فرح أن يجدوا مدخلا للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتهموا الرجل بالعفاف الرزان الطاهرة النقية فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهموه بها وصاروا يشيعون الفاحشة بأن هذا الرجل فعل ما فعل وسقط في ذلك أيضا ثلاثة من الصحابة الخلص وقعوا فيما وقع فيه المنافقون مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر وحسان بن ثابت رضي الله عنهما وحمنة بنت جحش فصارت ضجة وصار الناس يتكلمون ما هذا وكيف يكون من مشتبه عليه الأمر ومن منكر غاية الإنكار وقالوا لا يمكن يتدنس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أطهر الفراش على وجه الأرض وأراد الله بعزته وقدرته وحكمته أن تمرض عائشة رضي الله عنها وبقيت حبيسة البيت لا تخرج وكان النبي صلى الله عليه وسلم من عادته إذا عادها في مرضها سأل وتكلم أما في ذلك الوقت فكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم يأتي ويدخل ويقول كيف تيكم ؟ أي كيف هذه ثم ينصرف وقد استنكرت ذلك منه رضي الله عنها ولكنها ما كان يخطر ببالها أن أحدا يتكلم في عرضها وفيما فيه دنس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أشاع المنافقون هذه الفرية لا كراهة لعائشة رضي الله عنها لذاتها فإنهم يكرهون كل المؤمنين وإنما بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة لإيذائه والانتقام منه قاتلهم الله أنى يوفكون ولكن الله تعالى أنزل في هذه القصة عشر آيات من القرآن ابتدأها بقوله
                { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } والذي تولى كبره هو رأس المنافقين عبد الله بن أبي المنافق فإنه هو الذي كان يشيع الخبر لكنه خبيث لا يشيعه بلفظ صريح فيقول مثلا إن فلانا زنى بفلانة لكنه يشيع ذلك بالتعريض والتلميح لأن المنافقين جبناء يتسترون ولا يصرحون بما في نفوسهم فيقول عز وجل { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين } وفي هذا توبيخ من الله عز وجل للذين تكلموا في هذا الأمر يقول هلا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وذلك أن أم المؤمنين أمهم فكيف يظنون بها ما لا يليق وكان الواجب عليهم لما سمعوا هذا الخبر أن يظنوا بأنفسهم خيرا ويتبرءوا منه وممن قاله { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } يعني هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء يشهدون على هذا الأمر { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } ولو صدقوا ولهذا لو أن شخصا شاهد إنسانا يزني وجاء إلى القاضي وقال أنا أشهد أن فلانا يزني قلنا هات أربعة شهداء فإذا لم يأت بأربعة شهداء جلدناه ثمانين جلدة فإن جاء برجل ثان معه جلدناهم كل واحد ثمانين جلدة وثالث أيضا نجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة فمثلا لو جاءنا ثلاثة يشهدون بأنهم رأوا فلانا يزني بفلانة ولم يثبت ذلك فإننا نجلد كل واحد ثمانين جلدة ولهذا قال الله تعالى { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم } ولولا الفضل والرحمة من الله لأصابكم فيما أفضتم فيه العقاب المذكور وفي قوله { أفضتم فيه } دليل على أن الحديث انتشر وفاض واستفاض واشتهر لأنه أمر جلل عظيم خطير . والعادة جرت بأن الأمور الكبيرة تنتشر بسرعة وتملأ البيوت وتملأ الأفواه والآذان { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } .
                { إذ تلقونه بألسنتكم } من غير روية ومن غير بينة ومن غير يقين { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } لأنه قذف لأطهر امرأة على وجه الأرض هي وصاحباتها زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر صعب وعظيم وفي ذلك أيضا تعريض(من المنافقين) برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى يقول { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } فإذا كانت عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحصل منها هذا الأمر وحاشاها منه فإن ذلك يدل على خبث زوجها والعياذ بالله لأن الخبيثات للخبيثين ولكنها رضي الله عنها طيبة وزوجها طيب فزوجها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها ولهذا يقول تعالى { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } ثم قال الله تعالى { ولولا إذ سمعتموه } يعني هلا إذ سمعتموه { قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } وهذا هو الواجب عليك أن تنزه الله أن يقع مثل هذا من زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال { سبحانك هذا بهتان عظيم } وتأمل كيف جاءت هذه الكلمة التي تتضمن تنزيه الله عز وجل إذ أنه لا يليق بحكمة الله تعالى ورحمته وفضله وإحسانه أن يقع مثل هذا من زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى
                { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين }
                يعني لا تعودوا لمثل هذا أبدا إن كنتم مؤمنين
                ثم قال تعالى { ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } والحمد لله على بيانه ولهذا أجمع العلماء على أن من رمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما جاء في حديث الإفك فإنه كافر مرتد كالذي يسجد للصنم فإن تاب وأكذب نفسه وإلا قتل كافرا لأنه كذب القرآن .

                على أن الصحيح أن من رمى زوجة من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فإنه كافر لأنه متنقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل من رمى زوجة من زوجات الرسول بما برأ الله منه عائشة فإنه يكون كافرا مرتدا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل بالسيف وألقيت جيفته في حفرة من الأرض بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة لأن الأمر خطير.

                تعليق


                • #9
                  الأمر بالدعاء وفضله
                  قال الله تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } وقال تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } وقال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقال تعالى { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }

                  الشَّرْحُ


                  قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب الدعوات: الدعوات جمع دعوة وهي دعوة الإنسان ربه عز وجل يقول يا رب يا رب وما أشبه ذلك يسأل الله تعالى أن يعطيه ما يريد وأن يكشف عنه ما لا يريد ثم قال باب الأمر بالدعاء وفضله ثم ذكر الآيات ادعوني أستجب لكم وهذا قول من الله عز وجل ووعد والله تعالى لا يخلف الميعاد { ادعوني أستجب لكم } والمراد بالدعاء هنا دعاء العبادة ودعاء المسألة أما دعاء العبادة فهو أن يقوم الإنسان بعبادة الله لأن القائم بعبادة الله لو سألته لماذا أقمت الصلاة لم آتيت الزكاة لماذا صمت ؟ لماذا حججت ؟ لماذا جاهدت ؟ لماذا بررت الوالدين ؟ لماذا وصلت الرحم ؟ لقال أريد بذلك رضا الله عز وجل وهذه عبادة متضمنة للدعاء .
                  أما دعاء المسألة فهو أن تسأل الله الشيء فتقول يا رب اغفر لي يا رب ارحمني يا رب ارزقني وما أشبه ذلك ..
                  وهذا أيضا عبادة كما جاء في الحديث الدعاء عبادة وهو عبادة لما فيه من صفة التوجه إلى الله عز وجل والاعتراف بفضله فيكون قوله { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة { أستجب لكم } والاستجابة في دعاء العبادة هي قبولها والاستجابة في دعاء المسألة إعطاء الإنسان مسألته وهذا وعد من الله تعالى لكن لابد من أمور فلابد لإجابة الدعاء من شروط
                  الشرط الأول: الإخلاص: أن تخلص لله فتكون داعيا له حقا إن كنت في عبادة لا تشرك به شيئا لا تعبده رياء ولا سمعة ولا من أجل أن يقال فلان حاج فلان سخي فلان كثير الصوم إذا قلت هذا أحبط عملك فلابد من الإخلاص في المسألة أيضا ادع الله وأنت تشعر بأنك في حاجة إليه وأنه غني عنك وقادر على إعطائك ما تسأل.
                  الشرط الثاني: أن يكون الدعاء لا عدوان فيه: فإن كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله ولو من الأب لابنه أو من الأم لابنها إذا كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله لقول الله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } فلو دعا الإنسان بإثم بأن سأل ربه شيئا محرما فهذا لا يقبل لأنه معتد ولو سأل ما لا يمكن شرعا مثل أن يقول اللهم اجعلني نبيا هذا لا يجوز وهو عدوان لا يقبل ولو دعا على مظلوم فإنه لا يقبل ولو دعت المرأة على ابنها لأنه يحب زوجته فإنه لا يقبل وكذلك الأب لو دعا على ابنه لأنه صاحب أناسا طيبين فإنه لا يقبل فيشترط أن يكون في الدعاء عدوان.
                  الشرط الثالث: أن يدعو الله تعالى وهو موقن بالإجابة لا دعاء تجربة :لأن بعض الناس قد يدعو ليجرب ليرى هل يقبل الدعاء أم لا ؟ هذا لا يقبل منه ادع الله وأنت موقن بأن الله تعالى سوف يجيبك فإن كنت دعوته وأنت في شك فإن الله لا يقبله منك.
                  الشرط الرابع: اجتناب الحرام: بأن لا يكون الإنسان آكلا للحرام فمن أكل الحرام من ربا أو فوائد غش أو كذب أو ما أشبه ذلك فإنه لا يستجاب له والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله لهذا مع أنه فعل من أسباب الإجابة ما يكون جديرا بالإجابة ولكن لما كان يأكل الحرام صار بعيدا أن يقبل الله منه.
                  فهذه أربعة شروط للدعاء لابد منها
                  والله الموفق
                  التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 20-12-2010, 09:12 AM.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X