النصح والتبيين
لمن أراد إقامة الخير من تجار المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحق المبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أنعم على عباده بنعم كثيرة، وآلاء جسيمة، اختبارًا لهم وامتحانًا، ليعلم من يقوم بحقها فيزيده، ومن يضيعها ويصرفها في غير وجهها فيبيده، قال تعالى:﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾، ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون﴾، ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾.
وإن من هذه النعم التي يؤتيها الله من يشاء من عباده فيختبره فيها ويمتحنه أيقوم بحقها أم لا: نعمة المال.
عباد الله! إن هذه النعمة تحتاج من صاحبها إذا أراد بقاءها إلى قلب يقظ، وفؤاد صالح، مراقب لله سبحانه وتعالى، فكم من أناس آتاهم الله مالًا وكنوزًا فبغوا وطغوا، وصرفوها في نصرة باطلهم ورد الحق، أو في الوصول إلى شهواتهم المحرمة، فحلت بهم العقوبات الشديدة، والنكبات المريرة، ولنا في فرعون وقارون وأمثالهما ممن قص الله علينا عبرة وعظة، قال تعالى في شأن فرعون: ﴿ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون﴾ فماذا كانت النتيجة وهو متمرد معاند؟ أبقي له ملكه؟! أدام له سلطانه؟ قال تعالى: ﴿فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين﴾، وقال تعالى: ﴿فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين﴾، وقال تعالى: ﴿فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى﴾. وقال تعالى في شأن قارون: ﴿إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ فهل أثر فيه نصح الناصحين؟ وهل انتفع بوعظ الواعظين؟ أم أنه اغتر بكثرة ماله، وعظيم ملكه؟ انظر بماذا أجاب: ﴿قال إنما أوتيته على علم عندي﴾ فجحد نعمة الله عليه وأنكرها، فقال تعالى متهددًا ومتوعدًا: ﴿أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعًا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون﴾ إلى أن قال: ﴿فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين﴾، وتذكَّر قصة أصحاب الجنة المذكورة في سورة القلم، والأخرى المذكورة في الكهف وأمثالها، لما لم يقوموا بأداء حق هذه النعمة سلبت منهم، بل وعوقبوا عليها.
وإني إذ رأيت كثيرًا من التجار وأهل الأموال –هداهم الله وأصلحهم- ينصرون بأموالهم الباطل والبدعة والحزبية والشر –شعروا بذلك أم لم يشعروا- أحببت أن أشارك في نصحهم وتذكيرهم في هذه الأسطر بنعمة الله عليهم، بأن يرعوها بطاعة الله، ويبتعدوا عن الباطل ومواطن الفتن والريب والغفلة، وأن يبذلوا جهدهم في الوصول إلى ما يرضي الله –حقًّا- فينصروه إن أرادوا الأجر والمثوبة، وإلا فلا يجوز لهم مناصرة أهل الفتن والقلاقل ودعاة الشر والفساد.
وإن التجار في صرف أموالهم على ثلاثة أحوال:
الحال الأول: من يريد نصرة السنة، وهو أحد رجلين: إما أنه ممن هدي لذلك، لكونه بذل جهده بصدق في التعرف على الحق وأهله، وكان على بصيرة وفهم، وإما أنه لم يُهدَ إليه بسبب تفريطه وضعف بحثه وركونه وميله إلى ما يقوله الناس، قال تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾، وقال ﷺ: «صدق اللهَ فصدقه اللهُ».
الحال الثاني: من يريد تمتيع نفسه في هذه الدنيا بالتوسع في المأكولات والمشروبات والمركوبات والبيوت والأثاث ونحوها، فهذا ينصح:
أولًا: بالحذر من المحرمات والمنكرات من الدشوش والتلافز والقات والدخان والمخدرات وسائر المسكرات والمخالفات.
ثانيًا: ننصحه بعدم التبذير والإسراف، قال تعالى: ﴿ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾، وقال تعالى: ﴿ولا تبذر تبذيرًا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورًا﴾.
ثالثًا: ننصحه بأن يكون مقصده بذلك إظهار نعمة الله عليه، فلا يتبختر ويتكبر على الفقراء والمساكين فتسلب منه هذه النعمة، وإنما عليه بالتواضع وخفض الجناح للمسلمين.
الحال الثالث: من يريد نصرة الشر والباطل ويتجلد لذلك، فتراه ناصرًا للشركيات أو لبدع الشيعة والصوفية، أو للحزبية المقيتة، أو للفجور والفسق بشتى أنواعه، ولأي شيء يحذر منه أهل السنة، فهذا إن استمر على هذه الأعمال القبيحة يخشى عليه من عقوبة الله العاجلة والآجلة.
وإن من الأمور التي ينصح فيها من يريد الخير والبر هو: شدة الحذر من نصرة الحزبيات المغلفة التي لم يتبين أمرها وخطرها وقبحها عند كثير ممن عرف بالنصيحة لدين الله، والأمر لله من قبل ومن بعد، فهذه فرقة الإخوان المسلمين والتبليغ مع كثرة بدعهم وضلالاتهم لم يتبين أمرها جليًّا عند بعض كبار أئمة العصر إلا بعد فترة طويلة، فما بالكم بالحزبيات المغلفة، والتكتلات المتكتكة: كحزبية عبدالرحمن العدني والذي صار أداة لتنفيذ ما يتمناه أهل البدع والأهواء من شق دعوة أهل السنة في بلاد اليمن، بل وإظهار ذلك في معقل السلفيين الشامخ، ولولا لطف الله بعباده إذ يسر من يكشفها ويوضحها من أمثال شيخنا الكريم أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري –حفظه الله- وإلا لانجرفت الأعداد الهائلة في أوحالها، فلذا ننصح من يرجو خيرًا ألا يقحم نفسه في نصرة هذا الحزب المقيت بدفع الأموال، أو ببناء مقرِّهم الذي لو بني لفاح نتن حزبيتهم للقاصي والداني.
وكم من صاحب شرٍّ يتمسكن حتى يتمكن، فإذا تمكن وقويت عضلاته أظهر حنقه وباطله، كما قال هذا شيخنا الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.
وأنا أذكِّر هؤلاء: بمواقف من دافع عن أبي الحسن المصري -بداية- بل وناصره برهة من الزمن، حتى انكشف الغبار، وانجلى المخبأ، وعرف حينها أن الرجل كان يخفي شرًّا بالدعوة لم يظهره إلا بعد أن استمال بماله من جهة، وبلسانه من جهة أخرى كثيرًا ممن كان يظهر منه حب السنة والتفاني من أجلها، فآل أمره -بعد أن رأى شر هذا الرجل بأمِّ عينيه، وقد أُعلم بمكره ورأى منه من قبل بوادر ذلك فلم يحتط- إلى الندم على ما صدر منه، وعاد ساعيًا في إصلاح ما قد حصل بسبب دفاعه ونصرته من الفساد، وضياع كثير ممن ربته هذه الدعوة على طريق الخير والرشاد، مع أنه كان في غنية عن هذا، فمن كان في سعة فلا يدخل نفسه في الضيق، فيتندم بعد أن أنفق الأموال الطائلة عليهم، وهو يشاهدها تخدم البدعة والحزبية والهوى، وتعادي أهل الحق والسنة والهدى، فالسعيد من اتعظ بغيره، ولم ينجرف في جحر من سبقه، وقد قال ﷺ: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» متفق عليه عن أبي هريرة –رضي الله عنه-.
هذا نصح لمن يرجو الخير في بذل ماله وإنفاقه، وإلا والله لن يضرنا من بذل لهم وأعانهم وإنما يضر نفسه، وأما من يبغيها عوجًا، ويريدها بدعًا، ويتمنى تفريقًا، فالله حسيبه، وكيده عائد عليه طال الزمان أو قصر قال تعالى: ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾، ﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله﴾. وإننا إذ ننصح التجار بهذا لا ندعوهم لأن يعطونا ويمدونا، فإن الله هو المتوكل بأرزاق العباد الفاجر منهم فكيف بمن كان برًّا تقيًا صالحًا؟! ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.
يا أهل السنة اعلموا بأن الله لم يرفع دعوتكم، وينصر قولكم، بكثرة مالكم وعرضكم، وإنما ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾، ﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾، فإذا علمتم هذا فلا تعلقوا أنفسكم بغير الله، ولا تلجأوا إلا إليه، ولا تبغوا غير وجهه، ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا﴾.
إن كثيرًا من المنفقين هو في الحقيقة ساعٍ لا يدفع من كيسه، فإذا لم يوفق لمن يرشده كان أداة في تمزيق دعوة أهل السنة عن طريق ضعفاء النفوس المتشرفين للعاعة الدنيا وحلاوتها الزائلة.
فحذارِ حذارِ من نصرة هذا الحزب وأمثاله، الذي كما أخبرني أحد المشايخ الذين لم تتبين له حزبيته إلى اليوم: انظر! الآن المشايخ يتصارعون وهو ساكت يتفرج!!!!!. اهـ
هذا نصح وتذكير تم بوجيز العبارة، والاكتفاء بوميض الإشارة، لمن أراد الخير وطريق الإنارة،
ولشيخنا الإمام الوادعي نصح جميل للتجار في كتابه (ذم المسألة) حيث قال ناصحًا لهم في بداية مقدمة الطبعة الأولى: لا يتحرون إنفاقه في مصاريفه الشرعية، بل ربما بعضهم لا يؤدي الزكاة، وبعضهم يصرفها في غير مصارفها الشرعية، فهو يدعم الحزبية التي شتت المسلمين وأضعفت قواهم. والتجار بصنيعهم هذا لا يدرون أنهم يعاونون على الباطل. اهـ كذا يقول شيخنا –رحمه الله- مع أنه كان يؤيدهم بعض العلماء على ما لم يظهر لهم من حزبيتهم، فافهم هذا جيدًا يا أيها التاجر تفلح بإذن الله.
والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه ناصحًا ومذكرًا:
أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن باجمال
أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن باجمال
صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام 1431هـ
تعليق