تَحْذِيرُ الْجَلِيسِ وَالأَنِيسِ مِنْ فِتْنَةِ الْجَوَاسِيسِ
|| تم تصحيح بعض الأخطاء المطبعية ||
لفضيلة الشَّيخ:
أَبي عَبْدِ السَّلاَم حَسَن بن قَاسِم الرِّيمِي
-حفظه الله تعالى-
|| تم تصحيح بعض الأخطاء المطبعية ||
لفضيلة الشَّيخ:
أَبي عَبْدِ السَّلاَم حَسَن بن قَاسِم الرِّيمِي
-حفظه الله تعالى-
مقدمة العلامة الفقيه الشيخ :
أحمد بن يحيى النجمي
-رحمه الله تعالى-
مفتي جنوب المملكة العربية السعودية
أحمد بن يحيى النجمي
-رحمه الله تعالى-
مفتي جنوب المملكة العربية السعودية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد : فقد عرض علىّ الأخ الكريم أبو عبدالسلام حسن بن قاسم الحسني الريمي السلفي رسالة ألفها سماها ( تحذير الجليس والأنيس من فتنة الجواسيس ) ضمنها عشرة مباحث بعد مقدمة ذكر فيها أغلب أحاديث الفتن ومن ضمن تلك المباحث الاستدلال على قبح التجسس المذموم ثم خصص بحثاً لِلَوْمِ من يتهمون علماء السنة بالعمالة لدولهم وهذا من إفك أصحاب البدع البنائيين والسروريين والقطبيين عليهم من الله ما يستحقون وبالجملة فالبحث جيد والحمد لله تجدر قرائته والاستفادة منه وبالله التوفيق .
كتبه /أحمد بن يحي النجمي
29/10/1427هـ
29/10/1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} المقدمة
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال الإمام البخاري رحمه الله (1/15) : - حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) .
وقال البخاري (1/44) : حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن سالم قال سمعت أبا هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج ) قيل يا رسول الله وما الهرج ؟ فقال : هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل " ، وانظر نحوه في مسلم ( 4/2056) .
وقال البخاري (1/54) : 15 - حدثنا صدقة أخبرنا ابن عبيينة عن معمر عن الزهري عن هند عن أم سلمة وعمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري عن هند عن أم سلمة قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال : ( سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن أيقظوا صواحبات الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ) .
وقال البخاري (1/262) : 798 - حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرنا عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ) . فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟ فقال : ( إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ) أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب ما يستعاذ منه في الصلاة رقم 587 ، 589
وقال البخاري (2/520) : 1368 - حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال عمر رضي الله عنه أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة ؟ قال قلت أنا أحفظه كما قال . قال إنك عليه لجريء فكيف ؟ قال قلت فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف - قال سليمان قد كان يقول الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - قال ليس هذه أريد ولكني أريد التي تموج كموج البحر قال قلت ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس بينك وبينها باب مغلق قال فيكسر الباب أو يفتح ؟ قال قلت لا بل يكسر قال فإنه إذا كسر لم يغلق أبدا . قال قلت أجل . فهبنا أن نسأله من الباب ؟ فقلنا لمسروق سله قال فسأله فقال عمر رضي الله عنه . قال قلنا فعلم عمر من تعني ؟ قال نعم كما أن دون غد ليلة وذلك أني قد حدثته حديثا ليس بالأغاليط " ، وانظر مسلم ( 4/2217) .
وقال البخاري (2/644) : حدثنا علي حدثنا سفيان حدثنا ابن شهاب قال أخبرني عروة سمعت أسامة رضي الله عنه قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطام من آكام المدينة فقال :(هل ترون ما أرى إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر )،وأخرجه مسلم (4/2211).
وقال البخاري (5/2341) : 6004 - حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك عن مصعب : كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بهن : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا - يعني فتنة الدجال - وأعوذ بك من عذاب القبر ) ، وانظر نحوه في مسلم من حديث أنس (4/2079) .
وقال البخاري (5/2344) : 6016 - حدثنا محمد أخبرنا أبو معاوية أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم )، وأخرجه مسلم (4/2078) .
وقال البخاري (5/2409) : 6220 - حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ) . فكان ابن أبي مليكة يقول : " اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا " . وأخرجه مسلم في الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته رقم 2293
وقال البخاري (6/2594) : 6670 - حدثنا محمد بن عبيد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال إبراهيم وحدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به ) ، ورواه مسلم (4/2211) .
وقال البخاري (6/2597) : 6678 - حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال : ( لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم ) . فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟ فقال ( أبوك حذافة ) . ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من سوء الفتن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط ) .
وقال الإمام مسلم رحمه الله ( 1/110) : 186 - حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعا عن إسماعيل بن جعفر قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل قال أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ) .
و قال مسلم ( 1/128) : 144 ) وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبو خالد يعني سليمان بن حيان عن سعد بن طارق عن ربعي عن حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ) .
وقال مسلم ( 3/1472) : 46 - حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ( قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير ) عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبدالله ابن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ) فدنوت منه فقلت أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } [ 4 / النساء / 29 ] قال : فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله
قال الإمام أبو داود رحمه الله ( 4/ 459) : 4262 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عاصم الأحول عن أبي كبشة قال سمعت أبا موسى يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي " قالوا فما تأمرنا ؟ قال " كونوا أحلاس ( جمع حلس بالكسر ) بيوتكم " . وصححه شيخنا الألباني كما في صحيح أبي داود ( 3/ 803) .
قال أبودود (4/460) : 4263 - حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي قال ثنا حجاج يعني ابن محمد قال ثنا الليث بن سعد قال حدثني معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود قال : ( ايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها " ( كلمة تلهف وترحم وقد توضع موضع الإعجاب بالشىء) . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1637 في صحيح الجامع .
قال الإمام أبو يعلى رحمه الله في مسنده ( 10/373) : 5965 - حدثنا وهب أخبرنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( ستكون فتن كرياح الصيف القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي من استشرف لها استشرفته ) . قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح
( الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها ) الرافعي عن أنس ذكرها الهندي في كنز العمال برقم 30891، ) قال النجم رواه الرافعي في أماليه عن أنس وعند نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن ابن عمر بلفظ : إن الفتنة راتعة في بلاد الله تطأ في خطامها لا يحل لأحد أن يوقظها ويل لمن أخذ بخطامها قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 4024 في ضعيف الجامع ، وقال أيضاً في السلسلة الضعيفة برقم 3258 " منكر"
قلتُ : من هذه النصوص وغيرها ممن هي على منوالها كثيرة وكثيرة جداً تحذر المسلم من الوقوع في الفتن ، ألا وإن من الفتن التي تموج موج البحار ما انتشر بين صفوف المسلمين من أُناس باعوا دينهم وذممهم بأبخس الأثمان فامتهنوا مهنة مهينة واتصفوا بخصلة رذيلة ذميمة ألا وهي التجسس على المسلمين لأي جهة كانت ، ولما للأمر من خطورة أحببت أن أبين فداحة هذا المسلك البذئ والعمل السئ المهين ، حتى يكون هذا البيان زاجراً وموعظة لمن انخرط فيه بأن يقلع عنه وتحذيراً لمن تسول له نفسه السير فيه علّه أن يرعوي عنه ويفر منه فراره من الأسد ، أقول : أحببت أن أبين ذلك نصحاً للأمة وتبرئة للذمة ، فأعددت بحثاً متواضعاً لطيفاً مختصراً في ذلك وأسميته ( تحذير الجليس والأنيس من فتنة الجواسيس )
- وجعلته على عشرة مباحث وهي على التالي :
- المبحث الأول : المعنى اللغوي للتجسس .
- المبحث الثاني : المعنى الشرعي للتجسس .
- المبحث الثالث : آيات في ذم التجسس .
- المبحث الرابع : أحاديث في ذم التجسس .
- المبحث الخامس : أنواع التجسس .
- المبحث السادس : جريمة رمي علماء السنة بالجاسوسية والعمالة .
- المبحث السابع : الموقف الشرعي من التجسس .
- المبحث الثامن : وقفة عتاب لأهل التجسس .
- المبحث التاسع : فتاوى العلماء في التجسس والمتجسسين .
- المبحث العاشر: أهم الجرائم التي يرتكبها الجاسوس وبها يعرف .
والله أسأل أن ينفع به وأن يجعله ذخراً لي يوم أن ألقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
وكتبه / أبو عبد السلام حسن بن قاسم الحسني الريمي السلفي
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولعامة المسلمين
3/ رجب / 1427هـ
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولعامة المسلمين
3/ رجب / 1427هـ
- المبحث الأول : المعنى اللغوي للتجسس .
ولا تَجَسَّسُوا أي : خُذُوا ما ظَهَرَ ودعُوا ما سَتَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أو لا تَفْحَصُوا عن بَواطِنَ الامُورِ أو لا تَبْحَثُوا عن العَوْرَاتِ . القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/690) .
[ جسس ] ج س س : جَسَّهُ بيده أي مسه وبابه رد و اجْتَسَّهُ أيضا مثله و جَسَّ الأخبار و تَجَسَّسَها تفحص عنها ومنه الجاسوس . مختار الصحاح للرازي صـ119
( جسس ) : "........ والجَسُّ جَسُّ الخَبَرِ ومنه التَجَسُّسُ وجَسَّ الخَبَرَ وتَجَسَّسه بحث عنه وفحَصَ قال اللحياني تَجَسَّسْتُ فلاناً ومن فلان بحثت عنه كتَحَسَّسْتُ ومن الشاذ قراءة من قرأَ فَتَجَسَّسُوا من يوسف وأَخيه والمَجَسُّ والمَجَسَّة مَمَسَّةُ ما جَسَسْتَه بيدك وتَجَسَّسْتُ الخبر وتَحَسَّسْته بمعنى واحد وفي الحديث لا تَجَسَّسُوا التَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأُمور وأَكثر ما يقال في الشر والجاسُوسُ صاحب سِرِّ الشَّر والناموسُ صاحب سرِّ الخير وقيل التَّجَسُّسُ بالجيم أَن يطلبه لغيره وبالحاء أَن يطلبه لنفسه وقيل بالجيم البحث عن العورات وبالحاء الاستماع وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأَخبار ..........والجاسُوسُ العَيْنُ يَتَجَسَّسُ الأَخبار ثم يأْتي بها " . لسان الميزان لابن منظور (6/ 38) .
****************
- المبحث الثاني : المعنى الشرعي للتجسس
" وأما قوله في هذا الحديث ( ولا تجسسوا ولا تحسسوا ) فهما لفظتان معناهما واحد وهو البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم إذا غابت واستترت لم يحل لأحد أن يسأل عنها ولا يكشف عن خبرها ، قال ابن وهب ومنه لا يلي أحدكم استماع ما يقول فيه أخوه " التمهيد لابن عبد البر ( 18/20) .
قوله" ( ولا تجسسوا ) أي لا تسألوا عن السر ، وقيل : التجسس التبحث " فتح الباري ( 1/98) .
قال الخطابي : " معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها ، قال الله تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السلام :{اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} "فتح الباري (10/ 482) .
( ولا تجسسوا ) " بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي : التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس " فيض القدير للمناوي ( 3/122) .
********************
- المبحث الثالث : آيات في ذم التجسس .
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } (الحجرات : 12 ) .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( 4/ 271 ) :" { ولا تجسسوا } أي على بعضكم بعضا والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب أنه قال { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله } وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ] وقال الأوزاعي : التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم " .
قال القرطبي رحمه الله تفسيره الجامع ( 16/282) : " قوله تعالى : { ولا تجسسوا } وقرأ أبو رجاء و الحسن باختلاف وغيرهما ( ولا تحسسوا ) بالحاء واختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين فقال الأخفش : ليس تبعد إحداهما من الأخرى لأن التجسس البحث عما يكتم عنك والتحسس ( بالحاء ) طلب الأخبار والبحث عنها وقيل : إن التجسس ( بالجيم ) هو البحث ومنه قيل : رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور وبالحاء : هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه وقول ثان في الفرق : أنه بالحاء تطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولا لغيره قاله ثعلب والأول أعرف جسست الأخبار وتحسستها أي تفحصت عنها ومنه الجاسوس ومعنى الآية خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله وفي كتاب أبي داود [ عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ] فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها
وعن المقدام بن معدي كرب عن أبي أمامة [ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ]
وعن زيد بن وهب قال : أتي ابن مسعود فقيل : هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به
وعن أبي برزة الأسلمي قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من اتبع عوراتهم يتيع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته]
وقال عبد الرحمن بن عوف : حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى ! ؟ قلت : أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه قال الله تعالى : { ولا تجسسوا } وقد تجسسنا فانصرف عمر وتركهم
وقال أبو قلابة : حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل فقال أبو محجن إن هذا لا يحل لك ! قد نهاك الله عن التجسس فخرج عمر وتركه
وقال زيد بن أسلم : خرج عمر وعبد الرحمن يعسان إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح الباب فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح فقال عمر : وأنت بهذا يا فلان ؟ فقال : وأنت بهذا يا أمير المؤمنين ! قال عمر : فمن هذه منك ؟ قال امرأتي قال فما في هذا القدح ؟ قال ماء زلال فقال للمرأة : وما الذين تغنين ؟ فقالت :
( تطاول هذا الليل وأسود جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله أني أراقبه ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
ولكن عقلي والحياء يكفني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه )
ثم قال الرجل : ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين ! قال الله تعالى : ( ولا تجسسوا ) قال صدقت " . فوالله لولا الله أني أراقبه ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
ولكن عقلي والحياء يكفني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه )
قلت : لا يفهم من هذا الخبر أن المرأة كانت غير زوجة الرجل لأن عمر لا يقر على الزنى وإنما غنت بتلك الأبيات تذكارا لزوجها وأنها قالتها في مغيبه عنها والله أعلم
وقال عمرو بن دينار : كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت فكان يعودها فماتت فدفنها فكان هو الذي نزل في قبرها فسقط من كمه كيس من دنانير فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال : لأكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا فجاء إلى أمه فقال : أخبريني ما كان عمل أختي ؟ فقال : قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها ! فلم يزل بها حتى قالت له : كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلاة عن مواقيتها وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم فألقمت أذنها أبوابهم فتتجسس عليهم وتخرج أسرارهم فقال : بهذا هلكت .
قال البغوي في تفسيره معالم التنزيل صـ344 : { ولا تجسسوا } التجسس : هو البحث عن عيوب الناس نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها .
وقال السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره صـ 801 : " { ولاتجسسوا } : " أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي " .
وقال تعالى : {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } (التوبة : 47 ).
{وفيكم سماعون لهم } قال مجاهد : معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس وقال قتادة : معناه وفيكم مطيعون لهم أي : يسمعون كلامهم ويطيعونهم تفسير البغوي (1/56) .
قال ابن تيمية في الجواب الصحيح ( 2/ 286) : " وكذلك سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون كما قال في حق المنافقين وفيكم سماعون لهم أي مستجيبون مطيعون لهم ومن قال إن المراد به الجاسوس فهو غالط كغلط من قال سماعون لهم هم الجواسيس فإن الجاسوس إنما ينقل خبر القوم إلى من لا يعرفه ومعلوم أن النبي كان ما يذكره ويأمر به ويفعله يراه ويسمعه كل من بالمدينة مؤمنهم ومنافقهم ولم يكن يقصد أن يكتم يهود المدينة ما يقوله ويفعله خلاف من كان يأتيه من اليهود وهم يصدقون الكذب ويطيعون لليهود ....."
وقاله أيضاً في دقائق التفسير ( 2/ 60) .
وقال ابن القيم كما في بدائع الفوائد ( 2/308) : " ومن الرابع قوله تعالى : {سماعون للكذب} المائدة 41، أي قابلون له ومنقادون غير منكرين له ومنه على أصح القولين {وفيكم سماعون لهم }التوبة 47 ، أي قابلون ومنقادون وقيل عيون وجواسيس وليس بشيء فإن العيون والجواسيس إنما تكون بين الفئتين غير المختلطتين فيحتاج إلى الجواسيس والعيون وهذه الآية إنما هي في حق المنافقين وهم كانوا مختلطين بالصحابة بينهم فلم يكونوا محتاجين إلى عيون وجواسيس وإذا عرف هذا فسمع الإدراك يتعدى بنفسه وسمع القبول يتعدى باللام تارة وبمن أخرى وهذا بحسب المعنى فإذا كان السياق يقتضي القبول عدي ب من وإذا كان يقتضي الإنقياد عدي باللام وأما سمع الإجابة فيتعدى باللام نحو سمع الله لمن حمده لتضمنه معنى استجاب له ولا حذف هناك وإنما هو مضمن وأما سمع الفهم فيتعدى بنفسه لأن مضمونه يتعدى بنفسه " . وانظر نحوه في الصواعق المرسلة (1/305) ، ومدارج السالكين ( 1/ 484) .
وقال تعالى : {..... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة : 2 ) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر وترك المنكرات وهو التقوى وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم .... " تفسير القرآن العظيم ( 2/7) .
وقال السعدي رحمه الله :" { الإثم} التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها ويحرج , {والعدوان } وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، ...." تيسير الكريم الرحمن صـ 219.
قلت : والتجسس من المنكرات والباطل وهو تعاون على الإثم وفيه التعدي على أعراض المسلمين ، والله المستعان .
وقال تعالى : {ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم)
وقال تعالى : { ويل لكل همزة لمزة } ، وصاحب التجسس لا يخرج عن هذا وذاك .
********************
- المبحث الرابع: أحاديث في ذم التجسس.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه ( 5/ 1976) : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال : قال أبو هريرة يأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ) واللفظ له وأخرجه مسلم ( 4/ 1985) .
أخرج البخاري في صحيحه (6/2581) : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ ) ،
قال الحافظ في الفتح (12/ 428): " ..... وأما الوعيد على ذلك بصب الآنك في أذنه فمن الجزاء من جنس العمل والآنك بالمد وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب وقيل هو خالص الرصاص وقال الداودي هو القصدير... " .
قال الإمام أحمد في المسند ( 2/291) : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنبأنا عبد الملك بن قدامة ثنا إسحاق بن بكر بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة ) .
قال شعيب الأرنؤوط : " حسن وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الملك بن قدامة وجهالة إسحاق بن بكر بن أبي الفرات" اهـ ،
ورواه ابن ماجة في السنن ( 2/1339) بلفظ : (قال الرجل التافه ) في أمر العامة ) قال شيخنا الألباني رحمه الله : " صحيح " انظر حديث رقم : 3650 في صحيح الجامع .
قال محمد فؤاد عبدالباقي : " ( الرويبضة ) تصغير رابضة . وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها " .
قلت : والجاسوس رضى على نفسه بالسفول وترك معالي الأمور .
وقال البخاري ( 6/2583) : 6640 - حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه ( هل رأى أحد منكم من رؤيا ) . قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال ذات غداة ( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان ؟ قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه - قال وربما قال أبو رجاء فيشق - قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل مل فعل المرة الأولى قال قلت سبحان الله ما هذان ؟ قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور - قال وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء ؟ قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان ؟ قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا ؟ قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هذا ما هؤلاء ؟ قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت ؟ قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) . قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم ) وأخرجه مسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم رقم 2275
قلت : وما أكثر الكذبات التي يتناقلها الجواسيس ، حتى أن الكذبة الواحدة يكون لها الأثر البالغ على المكذوب عليه والله حسيبهم في ذلك ، ومعلوم أن الكذب من صفات أهل النفاق العملي عياذاً بالله ،
قال البخاري في صحيحه ( 1/21) : 33 - حدثنا سليمان أبو الربيع قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) . أخرجه مسلم في الإيمان باب بيان خصال المنافق رقم 59
وقال أبو داود في السنن ( 5/199) : حدثنا عيسى بن محمد الرملي وابن عوف وهذا لفظه قالا ثنا الفريابي عن سفيان عن ثور عن راشد بن سعد عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم " فقال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها . وصححه شيخنا الألباني رحمه الله كما في صحيح أبي داود ( 3/924) .
وقال أبو داود في السنن ( 5/200) : حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ثنا إسماعيل بن عياش ثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود والمقدام بن معد يكرب وأبي أمامة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم " قال شيخنا الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1585 في صحيح الجامع.
وقال أبو داود في السنن ( 5/200) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : أتى ابن مسعود فقيل [ له ] هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شىء نأخذ به. قال شيخنا الألباني رحمه الله صحيح الإسناد كما في صحيح أبي داود ( 3/ 925) .
****************************
- المبحث الخامس : أنواع التجسس .
(التَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأُمور وأَكثر ما يقال في الشر والجاسُوسُ صاحب سِرِّ الشَّر)
من هذا التعريف اللغوي الذي ذكره ابن كثير وابن منظور آنفاً للتجسس يظهر جلياً أن من التجسس ما يكون مطلوباً بل مشروعا وقد جاء ما يؤيد ذلك من السنة المطهرة ، فمن ذلك : ما بوب به البخاري في صحيحه حيث قال : ( باب فضل الطليعة ) قال العيني رحمه الله : " أي هذا باب في بيان فضل الطليعة بفتح الطاء وكسر اللام وطليعة الجيش من بعث ليعلم العدو ويطلع على أحوالهم ويجمع على طلائع ، وقال ابن الأثير : الطلائع هم القوم الذين يبعثون ليطلعوا طلع العدو كالجواسيس والطليعة تطلق على الواحد وعلى الجماعة ، قلت طلع العدو بكسر الطاء وسكون اللام اسم من اطلع على الشيء إذا علمه " . عمدة القارئ (14/ 141) .
قال البخاري في صحيحة ( 3/1046) : حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب ) قال الزبير : أنا ثم قال : ( من يأتيني بخبر القوم ) قال الزبير : أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير ) .
قال العيني : " مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله من يأتيني بخبر القوم انتداب لأحد يأتيه بخبر العدو فانتدب له الزبير فاستحق الفضل بذلك ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن وكيع وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه وفي السير عن قاسم بن زكريا وأخرجه ابن ماجه في السنة عن علي ابن محمد عن وكيع ذكر معناه ، قوله : ( من يأتيني بخبر القوم ) أراد بهم بني قريظة من اليهود وعند النسائي قال وهب بن كيسان أشهد لسمعت جابرا يقول لما اشتد الأمر يوم بني قريظة من اليهود قال رسول الله من يأتينا بخبرهم فلم يذهب أحد فذهب الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر أيضا فقال النبي من يأتينا بخبرهم فلم يذهب أحد فذهب الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر أيضا فقال النبي إن لكل نبي حواري وإن الزبير حواري وعند ابن أبي عاصم من حديث وهب بن كيسان عن جابر لما كان يوم الخندق واشتد الأمر قال النبي ألا رجل يأتي بني قريظة فيأتينا بخبرهم فانطلق الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر فقال ألا رجل ينطلق إلى بني قريظة الحديث وفي لفظ ثلاث مرات فلما رجع جمع له أبويه ..........." عمدة القارئ (14/ 141) .
وقال الإمام مسلم (3/1414) : حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير قال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال حذيفة أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ؟ ) فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال ( ألا برجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ ) فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال ( ألا برجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ؟ ) فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم قال ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله ( ولا تذعرهم علي ) ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قُرِرت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال ( قم يا نومان ) رواه مسلم (3/1414-1415)
قال النووي في الشرح ( 12/357) : " وفي هذا الحديث أنه ينبغي للإمام وأمير الجيش بعث الجواسيس والطلائع لكشف خبر العدو والله أعلم " .
قال أبو المظفر منصور التميمي : " وكان النبي يرسل الطلائع والجواسيس في ديار الكفر ويقتصر على الواحد في ذلك ويقبل قوله إذا رجع وربما أقدم عليهم بالقتل والنهب بقوله وحده " الانتصار لأهل الحديث صـ40
قال البخاري ( 3/1108) : حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي وهو حليف لبني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا .
قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك
فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك .
والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا
فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين
ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددا :
ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا .
وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا
قلت : فظهر من ذلك أن التجسس المشروع يكون على الكفار وبأمر من ولي الأمر لمصلحة راجحة لا على عامة المسلمين فضلاً على أهل العلم وطلبته فإن ذلك يُعد من ذميم الفعال وقبيح الخصال .
ومما تجدر الإشارة إليه إن التجسس المشروع يشترط في صاحبه شروطاً منها : ماقال صاحب صبح العشى (1/159) : " وقد شرطوا في الجاسوس شروطا منها:
- أن يكون ممن يوثق بنصيحته وصدقه فإن الظنين لا ينتفع بخبره وإن كان صادقا لأنه ربما أخبر بالصدق فاتهم فيه فتفوت فيه المصلحة بل ربما آثر الضرر لمن هو عين له ....
- ومنها أن يكون عارفا بلسان أهل البلاد التي يتوجه إليها ليلتقط ما يقع من الكلام فيما ذهب بسببه ممن يخالطه من أهل تلك المملكة وسكان البلاد العالمين بأخبارها ولا يكون مع ذلك ممن يتهم بممالأة أهل ذلك اللسان من حيث إن الغالب على أهل كل لسان اتحاد الجنس والجنسية علة الضم
- ومنها أن يكون صبورا على ما لعله يصير إليه من عقوبة إن ظفر به العدو بحيث لا يخبر بأحوال ملكه ولا يطلع على وهن في مملكته فإن ذلك لا يخلصه من يد عدوه ولا يدفع سطوته عنه بل ولا يعرف أنه جاسوس أصلا فإن ذلك مما يحتم هلاكه ويفضي إلى حتفه
- إلى غير ذلك من الأمور التي لا يسع استيعابها
- ومنها أن يكون ذا حدس صائب وفراسة تامة ليدرك بوفور عقله وصائب حدسه من أحوال العدو بالمشاهدة ما كتموه عن النطق به ويستدل فيما هو فيه ببعض الأمور على بعض فإذا تفرس في قضية ولاح له أمر آخر يعضدها قوي بحثه فيها بانضمام بعض القرائن إلى بعض
- ومنها أن يكون كثير الدهاء والحيل ليتوصل بدهائه إلى كل موصل ويدخل بحيلته في كل مدخل ويدرك مقصده من أي طريق أمكنه فإنه متى كان قاصرا في هذا الباب أوشك أن يقع ظفر العدو به أو يعود صفر اليدين من طلبته
- ومنها أن يكون له دربة بالأسفار ومعرفة بالبلاد التي يتوجه إليها ليكون أغنى له عن السؤال عنها وعن أهلها فربما كان في السؤال تنبه له وتيقظ لأمره"
قلت : كل ذلك حتى يُضيق الخناق على ممن يذل نفسه ويمتهن هذه المهنة الدنيئة الوضيعة فيستخدمها في التجسس على المسلمين ، فلو تأملنا هذه الشروط المذكورة آنفاً ونظرنا بعين الإنصاف في حال الذين يتجسسون على المسلمين خصوصاً على طلبة العلم منهم لتذكرنا قول الشاعر :
سارت مشرقة وسرت مغرباً *** شتان بين مشرق ومغرب
وقول القائل : أيها المنكح الثريا سهيلاً *** عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يماني
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يماني
بل إن العلماء فرضوا للذي يتجسس على الأعداء لصالح المسلمين من الغنيمة : ففي مغني المحتاج ( 4/230) : " والجاسوس إذا بعثه الإمام لينظر عدد المشركين وينقل أخبارهم إلينا يشارك الجيش فيما غنم في غيبته لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف " .
وجاء في المغني : " 7524" مسألة : حكم من بعثه الأمير لمصلحة الجيش فلم يحضر الغنيمة مسألة : قال : ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش فلم يحضر الغنيمة أسهم له : هذا مثل الرسول والدليل والطليعة والجاسوس وأشباههم يبعثون لمصلحة الجيش فإنهم يشاركون الجيش وبهذا قال أبو بكر بن أبي مريم وراشد بن سعد وعطية بن قيس قالوا : [ وقد تخلف عثمان يوم بدر فأجرى له رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من الغنيمة ] ويروى عن ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يعني يوم بدر فقال : إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وإني أبايع له فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه ولم يضرب لأحد غاب غيره ] رواه أبو داود وعن ابن عمر قال : [ إنما تغيب عثمان عن بدر لأنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ] رواه البخاري ولأنه في مصلحتهم فاستحق سهما من غنيمتهم كالسرية مع الجيش والجيش مع السرية " المغني (10/457) .
إن الوقوع في عرض العلماء والطعن فيهم ليس وليد العصر بل ذلك ديدن أهل البدع منذ غابر الأزمان ، بل ارتقى بهم الحال إلى الوقوع في الأنبياء والمرسلين بل حتى في رب العالمين تقليداً منهم لأهل الكفر والإلحاد والله المستعان ، فمن ذلك ما قاله ربنا تبارك وتعالى : { ....وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } (النساء : 171 ) وقال تعالى :{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الأنعام : 101 ) وقال تعالى : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (الأعراف : 28 ) وقال تعالى : { لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } (آل عمران : 181 ) وقال تعالى : { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } (النمل : 13 ) وقال تعالى : { بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }(الصف : 6 ) وقال تعالى : { فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ }( ئالمدّثر : 24 ) وقال تعالى :{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذاريات : 52 )
قال البخاري (2/1299) - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد ) .
وهكذا طُعن في عرضه عليه الصلاة والسلام ،
فقد قال البخاري ( 2/942) : حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه أحمد بن يونس حدثنا فليح بن سليمان عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحهم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أيتنا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض وإنما يدخل فيسلم ثم يقول ( كيف تيكم ) . لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال ( كيف تيكم ) . فقلت ائذن لي إلى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي فقلت لأمي ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها . فقلت سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا ؟ قالت فبت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال ( يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك ) . فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الدواجن فتأكله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) . فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك . فقام سعد ابن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك . فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر الله والله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي قالت فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت فتشهد ثم قال ( يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ) فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } . ثم تحولت إلى فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي ( يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله ) . فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } . الآيات فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة . فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة - إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } . فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال ( يا زينب ما علمت ما رأيت ) . فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرا . قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع " وانظر صحيح مسلم ( 4/2120) .
وهكذا من التهم والإفك على أم المؤمنين ماقاله علي غروي أحد كبار الرُّفَّض حيث قال : " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابد أن يدخل فرجه النار ، لأنه وطئ بعض المشركات"
قال السيد حسين المسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ صـ19-20: " يريد بذلك زواجه من عائشة وحفصة ، وهذا كما هو معلوم فيه إساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله ، لأنه لو كان فرج رسول صلى الله عليه وآله يدخل النار ، فلن يدخل الجنة أبداً " .
أضف إلى ذلك الطعنات التي من قِبل المنافقين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقد قال الطبري في تفسيره ( 6/ 408) : حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء ! فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق ! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال عبد الله بن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول : ( يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ! ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال أخبرنا أيوب عن عكرمة في قوله : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله : { بأنهم كانوا مجرمين } قال : فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : ( اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد : أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت ) قال : فأصيب يوم اليمامة فما أحد من المسلمين إلا وجد غيره
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } الآية قال : [ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا : ( يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها ! هيهات هيهات ) ! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : احبسوا علي الركب ! فأتاهم فقال : قلتم كذا قلتم كذا قالوا : ( يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب ) فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون ]
قال الشيخ مقبل رحمه الله : " ... وأخرجه الطبري من طريقه (هشام بن سعد ) ...وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم 4/64 من حديث كعب بن مالك" . الصحيح المسند من أسباب النزول صـ 77
وطعنات الرافضه معلومة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان .
إلى غير تلكم الافتراآت على الله وعلى كتابه العزيز وعلى رسل الله عليهم الصلاة والسلام وعلى خيرة هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام ، هذا وإن أهل البدع والأهواء قد أخذوا هذا البلاء وورثوه من أهل الشرك والنفاق قال تعالى { أتواصوا به .. } فكم من الطعنات التي توجه لأهل العلم وحملة هذا الدين من ذلك : أنهم حشوية ونابتة ومجسمة ويعادون أولياء الله ( الموتى ) وعلماء حيض ونفاس ولا يفقهون الواقع ومقلدة وهلم جراً ، وعليه فقد عُدَّ ذلك من علامة أهل البدع والضلال ، قال أبو زرعة الرازي : " علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر " فمن تلكم التهم الباطلة الهابطة رمي العلماء بالتجسس والعمالة حتى لا يثق الناس بهم على تلك القاعدة الآثمة ( إذا أردت أن تسقط فكرة فأسقط حاملها ) وما علم هذا المسكين وأضرابه أن ذلك يعد من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ، قال الشيخ مقبل رحمه الله : " ورمي الدعاة إلى الله بالعمالة علم من أعلام النبوة " انظر رياض الجنة ..... صـ4، ثم أورد حديث الرويبضة .
أقول : ومن أولئك الأفاكين والمدسوسين في أوساط المسلمين المدعو محمد سرور زين العابدين فقد قال وبئس ما قال في مجلته السنة وحق لها أن تسمى بالبدعة في عددها الثالث والعشرون : " ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم عبيد عبيد عبيد عبيد العبيد وسيدهم الأخير نصراني "وقد تم بحمدلله وتوفيقه دحض هذه الشبهة واستإصالها من جذورها في كتابي المسمى بـ ( إرشاد البرية إلى شرعية الانتساب للسلفية ودحض الشبه البدعية ) صـ 149- 153.
إن من يرم أهل العلم وطلبته السلفيين بهذه البلية لا يخلو من أن يكون أحد رجلين :
- إما صاحب هوى وبدعة وضلالة قد أعمت ظلمات البدع الدرب أمامة فأصبح يتخبط خبط عشواء نعوذ بالله من الهوى والضلال .
- وإما صاحب غلو ووسوسة حتى أصبح يشك في كل من حوله شعر بذلك أو لم يشعر حتى أرداه غلوه إلى الطعن في حملة هذا الذين ورواده والمنافحين عن حياضه فرماهم بما يعجز القلم عن تسطيره والفم عن التفوه به من أنهم جواسيس ودُسساء ومسَيسُون وعملاء وعبيد للسلاطين ونحو هذا الهراء ،فالشيء إذا زاد عن حدّه انقلب ضده ، فأدى غلو صاحب هذا الصنف إلى رمي أولئك الأئمة الأعلام بما ذُكر ،والله حسيبه في ذلك .
وقد ذم المولى تبارك وتعالى هذا الصنف وعابه وعاب أفعالهم ، فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ ..... }
قال الإمام النسائي رحمه الله ( 5/ 268) : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا ابن علية قال حدثنا عوف قال حدثنا زياد ابن حصين عن أبي العالية قال : قال ابن عباس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : غداة العقبة وهو على راحلته : ( هات ألقط لي ) فلقطت له حصيات هن حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال: ( بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) ، قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2680 في صحيح الجامع .
وجاء في المغني : " 7524" مسألة : حكم من بعثه الأمير لمصلحة الجيش فلم يحضر الغنيمة مسألة : قال : ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش فلم يحضر الغنيمة أسهم له : هذا مثل الرسول والدليل والطليعة والجاسوس وأشباههم يبعثون لمصلحة الجيش فإنهم يشاركون الجيش وبهذا قال أبو بكر بن أبي مريم وراشد بن سعد وعطية بن قيس قالوا : [ وقد تخلف عثمان يوم بدر فأجرى له رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من الغنيمة ] ويروى عن ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يعني يوم بدر فقال : إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وإني أبايع له فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه ولم يضرب لأحد غاب غيره ] رواه أبو داود وعن ابن عمر قال : [ إنما تغيب عثمان عن بدر لأنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ] رواه البخاري ولأنه في مصلحتهم فاستحق سهما من غنيمتهم كالسرية مع الجيش والجيش مع السرية " المغني (10/457) .
**********************
- المبحث السادس : جريمة رمي العلماء وطلبة العلم السلفيين بالجاسوسية والعمالة
قال البخاري (2/1299) - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد ) .
وهكذا طُعن في عرضه عليه الصلاة والسلام ،
فقد قال البخاري ( 2/942) : حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه أحمد بن يونس حدثنا فليح بن سليمان عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحهم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أيتنا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض وإنما يدخل فيسلم ثم يقول ( كيف تيكم ) . لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال ( كيف تيكم ) . فقلت ائذن لي إلى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي فقلت لأمي ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها . فقلت سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا ؟ قالت فبت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال ( يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك ) . فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الدواجن فتأكله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) . فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك . فقام سعد ابن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك . فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر الله والله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي قالت فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت فتشهد ثم قال ( يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ) فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } . ثم تحولت إلى فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي ( يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله ) . فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } . الآيات فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة . فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة - إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } . فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال ( يا زينب ما علمت ما رأيت ) . فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرا . قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع " وانظر صحيح مسلم ( 4/2120) .
وهكذا من التهم والإفك على أم المؤمنين ماقاله علي غروي أحد كبار الرُّفَّض حيث قال : " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابد أن يدخل فرجه النار ، لأنه وطئ بعض المشركات"
قال السيد حسين المسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ صـ19-20: " يريد بذلك زواجه من عائشة وحفصة ، وهذا كما هو معلوم فيه إساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله ، لأنه لو كان فرج رسول صلى الله عليه وآله يدخل النار ، فلن يدخل الجنة أبداً " .
أضف إلى ذلك الطعنات التي من قِبل المنافقين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقد قال الطبري في تفسيره ( 6/ 408) : حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء ! فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق ! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال عبد الله بن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول : ( يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ! ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال أخبرنا أيوب عن عكرمة في قوله : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله : { بأنهم كانوا مجرمين } قال : فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : ( اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد : أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت ) قال : فأصيب يوم اليمامة فما أحد من المسلمين إلا وجد غيره
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } الآية قال : [ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا : ( يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها ! هيهات هيهات ) ! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : احبسوا علي الركب ! فأتاهم فقال : قلتم كذا قلتم كذا قالوا : ( يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب ) فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون ]
قال الشيخ مقبل رحمه الله : " ... وأخرجه الطبري من طريقه (هشام بن سعد ) ...وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم 4/64 من حديث كعب بن مالك" . الصحيح المسند من أسباب النزول صـ 77
وطعنات الرافضه معلومة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان .
إلى غير تلكم الافتراآت على الله وعلى كتابه العزيز وعلى رسل الله عليهم الصلاة والسلام وعلى خيرة هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام ، هذا وإن أهل البدع والأهواء قد أخذوا هذا البلاء وورثوه من أهل الشرك والنفاق قال تعالى { أتواصوا به .. } فكم من الطعنات التي توجه لأهل العلم وحملة هذا الدين من ذلك : أنهم حشوية ونابتة ومجسمة ويعادون أولياء الله ( الموتى ) وعلماء حيض ونفاس ولا يفقهون الواقع ومقلدة وهلم جراً ، وعليه فقد عُدَّ ذلك من علامة أهل البدع والضلال ، قال أبو زرعة الرازي : " علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر " فمن تلكم التهم الباطلة الهابطة رمي العلماء بالتجسس والعمالة حتى لا يثق الناس بهم على تلك القاعدة الآثمة ( إذا أردت أن تسقط فكرة فأسقط حاملها ) وما علم هذا المسكين وأضرابه أن ذلك يعد من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ، قال الشيخ مقبل رحمه الله : " ورمي الدعاة إلى الله بالعمالة علم من أعلام النبوة " انظر رياض الجنة ..... صـ4، ثم أورد حديث الرويبضة .
أقول : ومن أولئك الأفاكين والمدسوسين في أوساط المسلمين المدعو محمد سرور زين العابدين فقد قال وبئس ما قال في مجلته السنة وحق لها أن تسمى بالبدعة في عددها الثالث والعشرون : " ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم عبيد عبيد عبيد عبيد العبيد وسيدهم الأخير نصراني "وقد تم بحمدلله وتوفيقه دحض هذه الشبهة واستإصالها من جذورها في كتابي المسمى بـ ( إرشاد البرية إلى شرعية الانتساب للسلفية ودحض الشبه البدعية ) صـ 149- 153.
إن من يرم أهل العلم وطلبته السلفيين بهذه البلية لا يخلو من أن يكون أحد رجلين :
- إما صاحب هوى وبدعة وضلالة قد أعمت ظلمات البدع الدرب أمامة فأصبح يتخبط خبط عشواء نعوذ بالله من الهوى والضلال .
- وإما صاحب غلو ووسوسة حتى أصبح يشك في كل من حوله شعر بذلك أو لم يشعر حتى أرداه غلوه إلى الطعن في حملة هذا الذين ورواده والمنافحين عن حياضه فرماهم بما يعجز القلم عن تسطيره والفم عن التفوه به من أنهم جواسيس ودُسساء ومسَيسُون وعملاء وعبيد للسلاطين ونحو هذا الهراء ،فالشيء إذا زاد عن حدّه انقلب ضده ، فأدى غلو صاحب هذا الصنف إلى رمي أولئك الأئمة الأعلام بما ذُكر ،والله حسيبه في ذلك .
وقد ذم المولى تبارك وتعالى هذا الصنف وعابه وعاب أفعالهم ، فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ ..... }
قال الإمام النسائي رحمه الله ( 5/ 268) : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا ابن علية قال حدثنا عوف قال حدثنا زياد ابن حصين عن أبي العالية قال : قال ابن عباس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : غداة العقبة وهو على راحلته : ( هات ألقط لي ) فلقطت له حصيات هن حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال: ( بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) ، قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2680 في صحيح الجامع .
وعلى كل فإن كلا الصنفين يلتقيان في الطعن والوقيعة ، والله المستعان ،
ألا فليتق الله من كان هذا شأنه وديدنه وليعلم أن كلامه مرصود عليه وغداً ما هي إلا حسنات وسيئات وليتذكر حديث المفلس الذي عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عله يرعوي ويرتدع وإلا فالموعد بين يدي رب العالمين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
ألا فليتق الله من كان هذا شأنه وديدنه وليعلم أن كلامه مرصود عليه وغداً ما هي إلا حسنات وسيئات وليتذكر حديث المفلس الذي عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عله يرعوي ويرتدع وإلا فالموعد بين يدي رب العالمين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
إننا والله نشفق عليه من سوء الخاتمة والعاقبة ،فالنصوص من الكتاب والسنة تثني عليهم وهذا المخذول يطعن فيهم ،فقد قال الإمام ابن عساكر رحمه الله : " اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يغشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} " انظر التبيان في آداب حملة القرآن للنووي صـ29.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذي الله تعالى عزوجل" المجموع للنووي (1/24).
ولكن هذا لا يُستغرب عن أصحاب اللفلفة الجديدة ، فقد سبقهم إخوانهم كما أسلفت ورموا أهل السنة بكل نقيصة حتى يخلو لهم الجو – حسب زعمهم – وكأني بهم نسوا أو تناسوا أن الله تبارك وتعالى حافظ دينه لا شك ولا مرية ، قال تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، وقال :{ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
ألا فلترجع يا من تطعن في أهل الحديث وتقدح ،
فباب التوبة مفتوح ، فقد ثبت في مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم في صحيحه ،
وثبت عند أحمد والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله كما في صحيح الجامع برقم 1903 .
إن الكلام إذا أُطلق عن التجسس والمتجسسين فالمتبادر إلى الذهن المحرم منه لأن أكثره لا يكون إلا في الشر عياذاً بالله ، وعليه فالواجب الحذر والتحذير منهم ومن فتنتهم ولكن لا بد من التأكد من وقوعهم في هذا الداء العضال لأن الأصل في الأعراض التحريم
قال البخاري ( 1/37) : حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - قال أي يوم هذا . فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال ( أليس يوم النحر ) . قلنا بلى قال ( فأي شهر هذا ) . فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال ( أليس بذي الحجة ) . قلنا بلى قال ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) وانظر مسلم (3/1305) .
وقال أبوداود (2/685) : حدثنا محمد بن عوف ثنا أبو اليمان ثنا شعيب ثنا عبد الله بن أبي حسين ثنا نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " .
قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2203 في صحيح الجامع
وقال أبو داود (2/693) : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم " . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 137 في صحيح الجامع
وقال أبو داود ( 4/23) : حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد قال : جلسنا لعبد الله بن عمر فخرج إلينا فجلس فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال " . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6196 في صحيح الجامع
إلى غير تلكم النصوص التي تحرّم الوقيعة في عرض المسلم بغير بينة وبرهان وإنما مجرد الظن ، ولقد أحسن السعدي حين أن قال في قواعده الفقهية :
أقول : فالواجب هو التحذير منهم إذا استيقن ذلك عليهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها للحذر من الجواسيس ، فقد بوب البخاري في صحيحه فقال : ( باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس ) وأورد هذا الحديث .
قال البخاري (3/1078) : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : أن عبد الله بن كعب رضي الله عنه وكان قائد كعب من بنيه قال سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها ) قال العيني : " أي هذا باب في بيان ما جاء من أمر من أراد غزوة فورى بغيرها أي بغير تلك الغزوة التي أرادها يريد بذلك غِرّة العدو ولئلا تسبقه الجواسيس ويحذروهم " المصدر السابق ( 14/ 216) .
وقال النووي عند حديث توبة كعب بن مالك وصاحبية ، كما في الشرح (17/100) : " أنه ينبغى لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير الا اذا كانت سفرة بعيدة فيستحب أن يعرفهم البعد ليتأهبوا " .
وهكذا ينبغي على من عرف حالهم باليقين أن يهتك سترهم ويعريهم للمجتمع نصحاً للأمة وتبرئة للذمة ،
بل ذهب البعض إلى وجوب تعزيره بل إلى قتله والله المستعان ،
قال الإمام مسلم ( 4/ 1941) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر - واللفظ لعمرو - ( قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا ) سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد أخبرني عبيدالله بن أبي رافع وهو كاتب علي قال : سمعت عليا رضي الله عنه وهو يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا ؟ قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ( قال سفيان كان حليفا لهم ولم يكن من أنفسها ) وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال : ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة / 1 ]
وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان .
قال النووي ( 16/ 273) :ً ( فإن بها ظعينة معها كتاب ) الظعينة هنا الجارية وأصلها الهودج وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلا أو امرأة وفيه هتك ستر المفسدة اذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك وهذا الجنس كبيرة قطعا لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى :{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله }الآية وفيه أنه لا يحد العاصي ولا يعزر إلا بإذن الإمام وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب ومذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله وقال بعض المالكية يقتل إلا أن يتوب وبعضهم يقتل وإن تاب وقال مالك : يجتهد فيه الإمام ) .
وقال الشوكاني ( 8/112) : قوله : " أنه قد شهد بدرا " ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا ولولا ذلك لكان مستحقا للقتل ، ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين " .
" والجاسوس المسلم يعاقب " الإقناع (2/10) .
وجاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعلاء الدين المرداوي ( 10/249-250) : " وجوز ابن عقيل : قتل مسلم جاسوس للكفار "
وزاد ابن الجوزي إن خيف دوامه وتوقف فيه الإمام أحمد رحمه الله ،
وقال ابن الجوزي : في كشف المشكل دل حديث حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه على أن الجاسوس المسلم لا يقتل ورده في الفروع وهو كما قال ،
وعند القاضي يعنف ذو الهيئة وغيره يعزر .
وقال الأصحاب : ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه ولا أخذ شيء من ماله قال في الفروع فيتوجه أن إتلافه أولى مع أن ظاهر كلامهم لا يجوز
وجوز الشيخ تقي الدين رحمه الله التعزير بقطع الخبز والعزل عن الولايات
ونقل ابن منصور لا نفي إلا للزاني والمخنث
وقال القاضي : نفيه دون سنة
واحتج به الشيخ تقي الدين رحمه الله
وبنفي عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج
وقال في الفنون : للسلطان سلوك السياسة وهو الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع .
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله :" وقوله الله أكبر عليك كالدعاء عليه وشتمه بغير فرية نحو يا كلب فله قوله له أو تعزيره ولو لعنه فهل له أن يلعنه ينبني على جواز لعنة المعين " اهـ .
" ويجوز استرقاق العرب وقتل الجاسوس " الدرر البهية للشوكاني صـ 455.
" وأما قتل الجاسوس فلحديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وغيره قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطلبوه فاقتلوه فسبقهم إليه فقتله فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وهو متفق على قتل الجاسوس الحربي وأما المعاهد والذمى فقال مالك والأوزعي ينتقص عهده بذلك ... " الدراري المضيئة للشوكاني صـ456
قلت : هذا في الجاسوس الحربي المستأمن ،
فقد قال البخاري ( 3/1110) : حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو العميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اطلبوه واقتلوه ) . فقتله فنفله سلبه ) .
وقد بوب أبو داود في سننه عند هذا الحديث باباً سماه : باب في الجاسوس المستأمن .
ومما يؤيد قتل الجاسوس الذمي رواية أبي دواد الآتية : قال أبو داود ( 3/111) : حدثنا محمد بن بشار قال ثنا محمد بن محبب أبو همام الدلال قال ثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وكان عينا لأبي سفيان وكان حليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة من الأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يارسول الله إنه يقول إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن منكم رجالا نكلهم إلى أيمانهم منهم فرات بن حيان " وصححه شيخنا الألباني في صحيح أبي داود ( 2/ 503)
قلت : وقد عد الإمام الذهبي رحمه الله التجسس من كبائر الذنوب ، فقد ذكرها في الكبيرة التاسعة والستين من كتابه الكبائر حيث قال رحمه الله : " الكبيرة التاسعة و الستون : من جس على المسلمين و دل على عوراتهم فيه حديث حاطب بن أبي بلتعة و أن عمر أراد قتله بما فعل فمنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قتله لكونه شهد بدرا إذا ترتب على جسه وهن على الإسلام و أهله و قتل أو سبي أو نهب أو شيء من ذلك فهذا ممن سعى في الأرض فسادا و أهلك الحرث و النسل فيتعين قتله و حق عليه العذاب فنسأل الله العفو و العافية ، و بالضرورة يدري كل ذي جس أن النميمة إذا كانت من أكبر المحرمات فنميمة الجاسوس أكبر و أعظم نعوذ بالله من ذلك و نسأله العفو و العافية إنه لطيف خبير جواد كريم " اهـ الكبائر صـ 236.
قلت : تأمل عزيزي القارئ الكريم - وفقك الله لما يحبه ويرضاه - كلام أهل العلم الآنف الذكر تجده متفق على إقامة العقوبة الرادعة من قِبل ولي الأمر على من يزاول هذه المهنة المهينة ثم حصل الاختلاف بينهم في قتل المتجسس المسلم فضلاً عن غيره ، كل ذلك مما يدلك - رعاك الله - على مدى جرم هذه المهنة الرذيلة الهابطة التي تذل صاحبها وتجعله في عداد السفلة الأنذال ، والله المستعان .
ومن هنا أنادي كل من سلك هذا المسلك الردئ والطريق الأعوج من أبناء المسلمين ممن باعوا دينهم وذممهم وجعلوها رخيصة أمام حفنة من الدريهمات أن يتقوا الله ربهم ويراجعوا حساباتهم ويصلحوا ما أفسدوه بالتوبة الصادقة فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل ، قال تعالى :{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } (البقرة : 281 )
أخي القارئ الكريم : إنك لتعجب كل العجب من أُناس أصبح لاهمَّ لهم ولا قرار واستقرار إلا تتبع العثرات والزلات(*) وكأن الإنسان عندهم معصوم لا يقع في شيئ من ذلك بل إن بعض هؤلاء يفرح إن وقع أخوه المسلم في زلة أو خطأ فتراه لا يقوم بالواجب المناط به من الستر والنصح بل على العكس من ذلك يبادر برصد ذلكم الخطأ وتلكم الزلة في ملف ويؤرخها ويبدأ بتجميع الأخطاء على حسب ظنه ثم يقوم بإشاعتها في المجالس والمحافل بل يتقرب إلى الله تعالى برفعها إلى من له المكانة في العلم ليوغر صدر ذلكم العالم على الشخص الذي هو في نظره المؤآخَذ يريد من وراء ذلك كله إسقاط ذلك الشخص وكأن الأمر مخول إليه من رب العالمين ، فنقول لهذا الصنف الدخيل بفكره هذا على الإسلام بله الدعوة السلفية : أربِعْ على نفسك فالأمر من قبل ومن بعد لله تبارك وتعالى فهو الذي يرفع من يشاء ويعزه ويضع من يشاء ويذله ، قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران : 26 )
وإنني أذكِّر هذا الصنف بحديث أبي أيوب الأنصاري: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ) ،
وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه وحسنه شيخنا الألباني انظر حديث رقم : 4515 في صحيح الجامع .
وأقول له : أين أنت من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
وكأني بهذا ومن كان على شاكلته جهلوا أو تجاهلوا أحاديت حرمة الأعراض التي قد ذكرنا شيئا ً منها فيما تقدم ،
ثم أين هم من أحاديث الستر ، والتي منها : ماجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال – وفيه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ) واللفظ لمسلم .
و أذكِّر أصحاب هذا الصنف الذي ينهشون في أعراض الناس بغير حق بقول الله تبارك وتعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (قـ : 18 ) وبقوله تعالى : { ....سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا....} ْآل عمران : 181 ) وقوله : {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } (النور : 15 ) وأذكرهم بحديث المفلس ، فقد أخرج مسلم ( 4/1997) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) وأيضاً بحديث : ( يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة ، قال ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) رواه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنها ، قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7985 في صحيح الجامع .
وبحديث أبي سعيد الخدري : ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ) رواه ابن ماجة قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( حسن ) انظر حديث رقم : 351 في صحيح الجامع .
وأحذرهم من هذا المسلك الأعوج لأنه يعد من آفات اللسان ، وقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيما ً فعن سعيد بن جبير قال : "رأيت ابن عباس رضي الله عنهما آخذا بثمرة لسانه وهو يقول : يا لساناه قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم قبل أن تندم " الدر النثور للسيوطي (2/ 6681) .
وأختم هذا العتاب بكلام نفيس للعلامة الفوزان حفظه الله حيث قال في أثناء كلامه عن آفات اللسان كما في الخطب المنبرية ( 1/ 303) قال : " الآفة الثانية : الخوض في الباطل وهو الكلام في المعاصي والتحدث عنها بما يروجها بين الناس ويشيع الفاحشة بينهم ، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد - فإن التحدث عنها في المجالس يفرح الأشرار والمنافقين ،ويشيع الفاحشة في المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (النور : 19 ) ، والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه ، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أما أن يتخذ من زلته موضوعاً يتحدث عنه في المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال وذميم الفعال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم ، فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته ) رواه الإمام أحمد " اهـ .
قلت : إن عتابي السابق حقيقة ينصب أكثره على أناس تزيوا بزي العلم والسلفية زعموا وهم يمارسون مثل هذه الأعمال ، وحقيقة القول أن هؤلاء لا يخرجون أن يكونوا أحد رجلين لا ثالث لهم :
- إما أن يكونوا مدسوسين في الصف السلفي للتفريق بين أهله ، فهؤلاء نسأل أن يهديهم أو يقصم ظهورهم .
- وإما أن يكونوا ممن هم على الخط السلفي- إن أحسنا الظن بهم - ولكنهم ابتلوا بهذا المرض الفتاك ، فعليهم أن يراجعوا سلفيتهم ،
فإن أهل السنة هم خير الناس للناس كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم : " أهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس " منهاج السنة النبوية ( 5/158) .
وعلى كل فعلى الجميع أن يراقب الله تعالى في السر والعلن ، وليلعم الجميع أننا غداً بين يدي الجبار موقوفون وعن أعمالنا محاسبون ومجزيون ، قال تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}(الصافات : 24 ) وقال :{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (الزلزلة 7-8) .
سئلت اللجنة الدائمة سؤلاً حول التجسس وما يقام من أنشطة إسلامية في المسجد؟
فأجابت :
" لا يجوز تهديد المسلمين وحملهم على ترك ما يقومون به من أنشطة إسلامية في مساجدهم ولا يجوز تفتيش بيوتهم والتجسس عليهم ، لأن الله سبحانه نهى عن التجسس ولأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، قد حرمه الله تعالى بقوله : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.
وسئل العلامة شيخنا الألباني رحمه الله سؤال هذا نصه : بالنسبة لأهل الحسبة هل لهم أن يراقبوا إذا شكُّوا في بعض البيوت أن هذه البيوت تستغل في إباحة بعض الأعراض وهتك بعض الأعراض ووالخ ، هل يجوز لهم أن يراقبوا مثل هذه البيوت ووضع الأعين عليها ؟
الجواب:" المراقبة من الخارج يجوز وأما التجسس فلا يجوز ".
وهكذا سائر علماء الدعوة السلفية على هذا ينكرون وبشدة التجسس على المسلمين ويبغضون أصحاب هذه المهنة المهينة ويعدون ذلك من كبائر الذبوب التي يخشى على صاحبها دخول النار إن لم يتب قبل الممات .
وقال أيضاً : " وخصوم أهل الحديث الجدد يرددون الطعون التي يطعن بها الشيوعيون والعلمانيون والبعثيون في خصومهم من المسلمين وغيرهم وهي جواسيس ،عملاء امريكا ،وعلماء البلاط ،وعلماء الصحون "
(ومما تجدر الإشارة إليه أن الشيخ الفاضل التاصح الأمين / يحي بن علي الحجوري أخرج شريطاً في التحذير من الجاسوسية والجواسيس سماه ( النصيحة والتهجين لسفلة الجواسيس والصحفيين ) .
وعلى كل فإن أهل السنة بحمد الله لا يعبهون بهم ولا يقيمون لهم وزناً ، فبضاعة أهل السنة هي الكتاب والسنة والآثار السلفية ،فليست عندهم السريات المبتدعة ولا البيعات الحزبية ولا الثورات والانقلابات على الحكومات وإنما عندهم الخير العاجل والآجل للحاكم والمحكوم والصغير والكبير والذكر والأنثى بل حتى للحيوانات لذا فهم لايشغلون الأوقات بهم وإنما هي لطمات على الطريق يجدها الجاسوس وأمثاله ، ولقد أحسن من قال :
إن الجرائم التي يرتكبها الجاسوس كثيرة وسأذكر شيئاً منها باختصار ، مستقاة من شريط أخينا الفاضل الشيخ / يحي بن علي الحجوري حفظه الله المسمى ( النصيحة والتهجين لسفلة الجواسيس والصحفيين ) ،
فمنها :
1- الكذب .
2- التلفيق .
3- التلبيس .
4- الصد عن الحق .
5- السعي بالفساد .
6- تقليب الحقائق .
7- قول الزور .
8- بيع الذمم .
9- أكل السحت .
10- التطاول على العلماء .
11- التحريش بين الدعاة وبينهم وبين الحكام .
12- استماع حديث قوم وهم له كارهون .
13- فساد ذات البين .
14- عدم العدل في الأقوال والأفعال .
15- الإرجاف .
16- السفه وعدم الحياء .
وأخيراً مما ينصح به هؤلاء مايلي :
1- تقوى الله .
2- الصدق .
3 - عدم الإعراض عن الحق .
4 - التوبة النصوح .
لقد اتضح بجلاء من هذا البحث المتواضع بمباحثه العشرة مايلي :
1- أن الجاسوسية تعتبر من أعظم فتن العصر .
2- أن العمل في التجسس على المسلمين يعد من قبيح الخصال وذميم الفعال بل من كبائر الذنوب .
3- أن التجسس يكون أكثره في الشر .
4- من التجسس ما هو مشروع وهو ما كان على الكفار بإذن ولي الأمر إذا ترتب على ذلك مصالح للمسلمين .
5- خطورة رمي العلماء ( أهل السنة ) بالجاسوسية .
6- التغليظ في عقوبة الجاسوس وزجره .
7- وجوب احترام المسلم وعدم التعرض للوقيعة في عرضه إلا ببرهان أوضح من الشمس في رابعة النهار .
8- وجوب تقديم النصح لكل من احتاجه والبعد عن التشهير ما أمكن .
9- وجوب أخذ السلفية من جميع الجوانب .
10- إطباق العلماء على التحذير من الجاسوسية والمتجسسين .
11- ارتكاب الجاسوس عدداً من الجرائم المنهي عنها .
وغير ذلك مما هو في ثنايا البحث ،
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لما يحبه ويرضى ويأخذ بنواصينا للبر والتقى وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ويجنبنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأسأله سبحانه أن يحسن لنا الختام ويلحقنا بدار السلام اللهم آمين ,
والحمد لله رب العالمين
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذي الله تعالى عزوجل" المجموع للنووي (1/24).
ولكن هذا لا يُستغرب عن أصحاب اللفلفة الجديدة ، فقد سبقهم إخوانهم كما أسلفت ورموا أهل السنة بكل نقيصة حتى يخلو لهم الجو – حسب زعمهم – وكأني بهم نسوا أو تناسوا أن الله تبارك وتعالى حافظ دينه لا شك ولا مرية ، قال تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، وقال :{ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
ألا فلترجع يا من تطعن في أهل الحديث وتقدح ،
فباب التوبة مفتوح ، فقد ثبت في مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم في صحيحه ،
وثبت عند أحمد والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله كما في صحيح الجامع برقم 1903 .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه . **********************
- المبحث السابع : الموقف الشرعي من التجسس والمتجسسين .
إن الكلام إذا أُطلق عن التجسس والمتجسسين فالمتبادر إلى الذهن المحرم منه لأن أكثره لا يكون إلا في الشر عياذاً بالله ، وعليه فالواجب الحذر والتحذير منهم ومن فتنتهم ولكن لا بد من التأكد من وقوعهم في هذا الداء العضال لأن الأصل في الأعراض التحريم
قال البخاري ( 1/37) : حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - قال أي يوم هذا . فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال ( أليس يوم النحر ) . قلنا بلى قال ( فأي شهر هذا ) . فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال ( أليس بذي الحجة ) . قلنا بلى قال ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) وانظر مسلم (3/1305) .
وقال أبوداود (2/685) : حدثنا محمد بن عوف ثنا أبو اليمان ثنا شعيب ثنا عبد الله بن أبي حسين ثنا نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " .
قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2203 في صحيح الجامع
وقال أبو داود (2/693) : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم " . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 137 في صحيح الجامع
وقال أبو داود ( 4/23) : حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد قال : جلسنا لعبد الله بن عمر فخرج إلينا فجلس فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال " . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6196 في صحيح الجامع
إلى غير تلكم النصوص التي تحرّم الوقيعة في عرض المسلم بغير بينة وبرهان وإنما مجرد الظن ، ولقد أحسن السعدي حين أن قال في قواعده الفقهية :
والأصل في الأبضاع واللحوم *** والنفس والأموال للمعصوم
تحريمـــها حتى يجئ الحِل *** فافهم هناك الله مايمـــل
قال السعدي في الشرح : " ... وكذلك الأصل في المعصوم وهو المسلم أو المعاهد : تحريم دمه وماله وعرضه فلا تباح إلا بحق ....." القواعد الفقهية صـ 28.تحريمـــها حتى يجئ الحِل *** فافهم هناك الله مايمـــل
أقول : فالواجب هو التحذير منهم إذا استيقن ذلك عليهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها للحذر من الجواسيس ، فقد بوب البخاري في صحيحه فقال : ( باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس ) وأورد هذا الحديث .
قال البخاري (3/1078) : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : أن عبد الله بن كعب رضي الله عنه وكان قائد كعب من بنيه قال سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها ) قال العيني : " أي هذا باب في بيان ما جاء من أمر من أراد غزوة فورى بغيرها أي بغير تلك الغزوة التي أرادها يريد بذلك غِرّة العدو ولئلا تسبقه الجواسيس ويحذروهم " المصدر السابق ( 14/ 216) .
وقال النووي عند حديث توبة كعب بن مالك وصاحبية ، كما في الشرح (17/100) : " أنه ينبغى لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير الا اذا كانت سفرة بعيدة فيستحب أن يعرفهم البعد ليتأهبوا " .
وهكذا ينبغي على من عرف حالهم باليقين أن يهتك سترهم ويعريهم للمجتمع نصحاً للأمة وتبرئة للذمة ،
بل ذهب البعض إلى وجوب تعزيره بل إلى قتله والله المستعان ،
قال الإمام مسلم ( 4/ 1941) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر - واللفظ لعمرو - ( قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا ) سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد أخبرني عبيدالله بن أبي رافع وهو كاتب علي قال : سمعت عليا رضي الله عنه وهو يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا ؟ قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ( قال سفيان كان حليفا لهم ولم يكن من أنفسها ) وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال : ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة / 1 ]
وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان .
قال النووي ( 16/ 273) :ً ( فإن بها ظعينة معها كتاب ) الظعينة هنا الجارية وأصلها الهودج وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلا أو امرأة وفيه هتك ستر المفسدة اذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك وهذا الجنس كبيرة قطعا لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى :{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله }الآية وفيه أنه لا يحد العاصي ولا يعزر إلا بإذن الإمام وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب ومذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله وقال بعض المالكية يقتل إلا أن يتوب وبعضهم يقتل وإن تاب وقال مالك : يجتهد فيه الإمام ) .
وقال الشوكاني ( 8/112) : قوله : " أنه قد شهد بدرا " ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا ولولا ذلك لكان مستحقا للقتل ، ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين " .
" والجاسوس المسلم يعاقب " الإقناع (2/10) .
وجاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعلاء الدين المرداوي ( 10/249-250) : " وجوز ابن عقيل : قتل مسلم جاسوس للكفار "
وزاد ابن الجوزي إن خيف دوامه وتوقف فيه الإمام أحمد رحمه الله ،
وقال ابن الجوزي : في كشف المشكل دل حديث حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه على أن الجاسوس المسلم لا يقتل ورده في الفروع وهو كما قال ،
وعند القاضي يعنف ذو الهيئة وغيره يعزر .
وقال الأصحاب : ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه ولا أخذ شيء من ماله قال في الفروع فيتوجه أن إتلافه أولى مع أن ظاهر كلامهم لا يجوز
وجوز الشيخ تقي الدين رحمه الله التعزير بقطع الخبز والعزل عن الولايات
ونقل ابن منصور لا نفي إلا للزاني والمخنث
وقال القاضي : نفيه دون سنة
واحتج به الشيخ تقي الدين رحمه الله
وبنفي عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج
وقال في الفنون : للسلطان سلوك السياسة وهو الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع .
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله :" وقوله الله أكبر عليك كالدعاء عليه وشتمه بغير فرية نحو يا كلب فله قوله له أو تعزيره ولو لعنه فهل له أن يلعنه ينبني على جواز لعنة المعين " اهـ .
" ويجوز استرقاق العرب وقتل الجاسوس " الدرر البهية للشوكاني صـ 455.
" وأما قتل الجاسوس فلحديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وغيره قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطلبوه فاقتلوه فسبقهم إليه فقتله فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وهو متفق على قتل الجاسوس الحربي وأما المعاهد والذمى فقال مالك والأوزعي ينتقص عهده بذلك ... " الدراري المضيئة للشوكاني صـ456
قلت : هذا في الجاسوس الحربي المستأمن ،
فقد قال البخاري ( 3/1110) : حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو العميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اطلبوه واقتلوه ) . فقتله فنفله سلبه ) .
وقد بوب أبو داود في سننه عند هذا الحديث باباً سماه : باب في الجاسوس المستأمن .
ومما يؤيد قتل الجاسوس الذمي رواية أبي دواد الآتية : قال أبو داود ( 3/111) : حدثنا محمد بن بشار قال ثنا محمد بن محبب أبو همام الدلال قال ثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وكان عينا لأبي سفيان وكان حليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة من الأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يارسول الله إنه يقول إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن منكم رجالا نكلهم إلى أيمانهم منهم فرات بن حيان " وصححه شيخنا الألباني في صحيح أبي داود ( 2/ 503)
قلت : وقد عد الإمام الذهبي رحمه الله التجسس من كبائر الذنوب ، فقد ذكرها في الكبيرة التاسعة والستين من كتابه الكبائر حيث قال رحمه الله : " الكبيرة التاسعة و الستون : من جس على المسلمين و دل على عوراتهم فيه حديث حاطب بن أبي بلتعة و أن عمر أراد قتله بما فعل فمنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قتله لكونه شهد بدرا إذا ترتب على جسه وهن على الإسلام و أهله و قتل أو سبي أو نهب أو شيء من ذلك فهذا ممن سعى في الأرض فسادا و أهلك الحرث و النسل فيتعين قتله و حق عليه العذاب فنسأل الله العفو و العافية ، و بالضرورة يدري كل ذي جس أن النميمة إذا كانت من أكبر المحرمات فنميمة الجاسوس أكبر و أعظم نعوذ بالله من ذلك و نسأله العفو و العافية إنه لطيف خبير جواد كريم " اهـ الكبائر صـ 236.
قلت : تأمل عزيزي القارئ الكريم - وفقك الله لما يحبه ويرضاه - كلام أهل العلم الآنف الذكر تجده متفق على إقامة العقوبة الرادعة من قِبل ولي الأمر على من يزاول هذه المهنة المهينة ثم حصل الاختلاف بينهم في قتل المتجسس المسلم فضلاً عن غيره ، كل ذلك مما يدلك - رعاك الله - على مدى جرم هذه المهنة الرذيلة الهابطة التي تذل صاحبها وتجعله في عداد السفلة الأنذال ، والله المستعان .
ومن هنا أنادي كل من سلك هذا المسلك الردئ والطريق الأعوج من أبناء المسلمين ممن باعوا دينهم وذممهم وجعلوها رخيصة أمام حفنة من الدريهمات أن يتقوا الله ربهم ويراجعوا حساباتهم ويصلحوا ما أفسدوه بالتوبة الصادقة فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل ، قال تعالى :{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } (البقرة : 281 )
*************************
- المبحث الثامن : وقفة عتاب لأهل التجسس .
أخي القارئ الكريم : إنك لتعجب كل العجب من أُناس أصبح لاهمَّ لهم ولا قرار واستقرار إلا تتبع العثرات والزلات(*) وكأن الإنسان عندهم معصوم لا يقع في شيئ من ذلك بل إن بعض هؤلاء يفرح إن وقع أخوه المسلم في زلة أو خطأ فتراه لا يقوم بالواجب المناط به من الستر والنصح بل على العكس من ذلك يبادر برصد ذلكم الخطأ وتلكم الزلة في ملف ويؤرخها ويبدأ بتجميع الأخطاء على حسب ظنه ثم يقوم بإشاعتها في المجالس والمحافل بل يتقرب إلى الله تعالى برفعها إلى من له المكانة في العلم ليوغر صدر ذلكم العالم على الشخص الذي هو في نظره المؤآخَذ يريد من وراء ذلك كله إسقاط ذلك الشخص وكأن الأمر مخول إليه من رب العالمين ، فنقول لهذا الصنف الدخيل بفكره هذا على الإسلام بله الدعوة السلفية : أربِعْ على نفسك فالأمر من قبل ومن بعد لله تبارك وتعالى فهو الذي يرفع من يشاء ويعزه ويضع من يشاء ويذله ، قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران : 26 )
وإنني أذكِّر هذا الصنف بحديث أبي أيوب الأنصاري: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ) ،
وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه وحسنه شيخنا الألباني انظر حديث رقم : 4515 في صحيح الجامع .
وأقول له : أين أنت من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
وكأني بهذا ومن كان على شاكلته جهلوا أو تجاهلوا أحاديت حرمة الأعراض التي قد ذكرنا شيئا ً منها فيما تقدم ،
ثم أين هم من أحاديث الستر ، والتي منها : ماجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال – وفيه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ) واللفظ لمسلم .
و أذكِّر أصحاب هذا الصنف الذي ينهشون في أعراض الناس بغير حق بقول الله تبارك وتعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (قـ : 18 ) وبقوله تعالى : { ....سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا....} ْآل عمران : 181 ) وقوله : {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } (النور : 15 ) وأذكرهم بحديث المفلس ، فقد أخرج مسلم ( 4/1997) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) وأيضاً بحديث : ( يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة ، قال ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) رواه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنها ، قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7985 في صحيح الجامع .
وبحديث أبي سعيد الخدري : ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ) رواه ابن ماجة قال شيخنا الألباني رحمه الله : ( حسن ) انظر حديث رقم : 351 في صحيح الجامع .
وأحذرهم من هذا المسلك الأعوج لأنه يعد من آفات اللسان ، وقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيما ً فعن سعيد بن جبير قال : "رأيت ابن عباس رضي الله عنهما آخذا بثمرة لسانه وهو يقول : يا لساناه قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم قبل أن تندم " الدر النثور للسيوطي (2/ 6681) .
وأختم هذا العتاب بكلام نفيس للعلامة الفوزان حفظه الله حيث قال في أثناء كلامه عن آفات اللسان كما في الخطب المنبرية ( 1/ 303) قال : " الآفة الثانية : الخوض في الباطل وهو الكلام في المعاصي والتحدث عنها بما يروجها بين الناس ويشيع الفاحشة بينهم ، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد - فإن التحدث عنها في المجالس يفرح الأشرار والمنافقين ،ويشيع الفاحشة في المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (النور : 19 ) ، والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه ، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أما أن يتخذ من زلته موضوعاً يتحدث عنه في المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال وذميم الفعال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم ، فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته ) رواه الإمام أحمد " اهـ .
قلت : إن عتابي السابق حقيقة ينصب أكثره على أناس تزيوا بزي العلم والسلفية زعموا وهم يمارسون مثل هذه الأعمال ، وحقيقة القول أن هؤلاء لا يخرجون أن يكونوا أحد رجلين لا ثالث لهم :
- إما أن يكونوا مدسوسين في الصف السلفي للتفريق بين أهله ، فهؤلاء نسأل أن يهديهم أو يقصم ظهورهم .
- وإما أن يكونوا ممن هم على الخط السلفي- إن أحسنا الظن بهم - ولكنهم ابتلوا بهذا المرض الفتاك ، فعليهم أن يراجعوا سلفيتهم ،
فإن أهل السنة هم خير الناس للناس كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم : " أهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس " منهاج السنة النبوية ( 5/158) .
وعلى كل فعلى الجميع أن يراقب الله تعالى في السر والعلن ، وليلعم الجميع أننا غداً بين يدي الجبار موقوفون وعن أعمالنا محاسبون ومجزيون ، قال تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}(الصافات : 24 ) وقال :{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (الزلزلة 7-8) .
***********************
- المبحث التاسع : فتاوى العلماء في التجسس .
فأجابت :
" لا يجوز تهديد المسلمين وحملهم على ترك ما يقومون به من أنشطة إسلامية في مساجدهم ولا يجوز تفتيش بيوتهم والتجسس عليهم ، لأن الله سبحانه نهى عن التجسس ولأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، قد حرمه الله تعالى بقوله : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.
.....
فتاوى اللجنة الدائمة ( 26/ 5) رقم 3429،
برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله .
فتاوى اللجنة الدائمة ( 26/ 5) رقم 3429،
برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله .
وسئل العلامة شيخنا الألباني رحمه الله سؤال هذا نصه : بالنسبة لأهل الحسبة هل لهم أن يراقبوا إذا شكُّوا في بعض البيوت أن هذه البيوت تستغل في إباحة بعض الأعراض وهتك بعض الأعراض ووالخ ، هل يجوز لهم أن يراقبوا مثل هذه البيوت ووضع الأعين عليها ؟
الجواب:" المراقبة من الخارج يجوز وأما التجسس فلا يجوز ".
سلسلة الهدى والنور 776 .
قلت : وكم قد حذر العلامة الوادعي رحمه الله تعالى من هؤلاء الجواسيس وبين رحمه الله أن غالب الصحفيين من هذا الصنف ، فقد قال رحمه الله : " ... على أن الصحفيين يجوز أن يكون غالبهم جواسيس .......... فالغالب عليهم أنهم يريدون أن يفتنوا بين الدعاة إلى الله وبين الدعاة إلى الله والحكومات وكذلك مسألة الكذب فأحدهم مستعد أن يكذب ولا يبالي وعدم الصراحة ، وربنا يقول في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }... فمن الذي يصدقهم أو يصدق جرائدهم أو أنهم يريدون نشر الحقيقة ، فأنصح نفسي وإخواني أنه إذا أتى صحفيون ألاّ نضيع وقتنا معهم ، فهم يفرحون بالكلمة يختطفونها ... " تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب صـ 231-232.
وهذا العلامة شيخنا ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في معرض إنكاره الشديد على ما يسمى بعلم فقه الواقع يجعل من أهدافه الخطيرة اعتماده على التجسس ، حيث قال حفظه الله : " اعتماده على التجسس؛ فالإخوان المسلمون، وإن كانت لهم شبكات تجسس واسعة على أهل الحديث والسلفيين؛ إلا أنهم يعجزون تمام العجز عن اكتشاف أسرار الأعداء وإحباط خططهم، وواقعهم في مصر وسوريا والعراق أكبر شاهد على ذلك ". أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية صـ 65.
وهكذا سائر علماء الدعوة السلفية على هذا ينكرون وبشدة التجسس على المسلمين ويبغضون أصحاب هذه المهنة المهينة ويعدون ذلك من كبائر الذبوب التي يخشى على صاحبها دخول النار إن لم يتب قبل الممات .
وقال أيضاً : " وخصوم أهل الحديث الجدد يرددون الطعون التي يطعن بها الشيوعيون والعلمانيون والبعثيون في خصومهم من المسلمين وغيرهم وهي جواسيس ،عملاء امريكا ،وعلماء البلاط ،وعلماء الصحون "
رسالة " نور السنة والتوحيد عند أهل الحديث " ص76
(ومما تجدر الإشارة إليه أن الشيخ الفاضل التاصح الأمين / يحي بن علي الحجوري أخرج شريطاً في التحذير من الجاسوسية والجواسيس سماه ( النصيحة والتهجين لسفلة الجواسيس والصحفيين ) .
وعلى كل فإن أهل السنة بحمد الله لا يعبهون بهم ولا يقيمون لهم وزناً ، فبضاعة أهل السنة هي الكتاب والسنة والآثار السلفية ،فليست عندهم السريات المبتدعة ولا البيعات الحزبية ولا الثورات والانقلابات على الحكومات وإنما عندهم الخير العاجل والآجل للحاكم والمحكوم والصغير والكبير والذكر والأنثى بل حتى للحيوانات لذا فهم لايشغلون الأوقات بهم وإنما هي لطمات على الطريق يجدها الجاسوس وأمثاله ، ولقد أحسن من قال :
النار تأكل نفسها *** إن لم تجد ما تأكله
***********************
***********************
- المبحث العاشر : أهم الجرائم التي يرتكبها الجاسوس وبها يعرف .
إن الجرائم التي يرتكبها الجاسوس كثيرة وسأذكر شيئاً منها باختصار ، مستقاة من شريط أخينا الفاضل الشيخ / يحي بن علي الحجوري حفظه الله المسمى ( النصيحة والتهجين لسفلة الجواسيس والصحفيين ) ،
فمنها :
1- الكذب .
2- التلفيق .
3- التلبيس .
4- الصد عن الحق .
5- السعي بالفساد .
6- تقليب الحقائق .
7- قول الزور .
8- بيع الذمم .
9- أكل السحت .
10- التطاول على العلماء .
11- التحريش بين الدعاة وبينهم وبين الحكام .
12- استماع حديث قوم وهم له كارهون .
13- فساد ذات البين .
14- عدم العدل في الأقوال والأفعال .
15- الإرجاف .
16- السفه وعدم الحياء .
وأخيراً مما ينصح به هؤلاء مايلي :
1- تقوى الله .
2- الصدق .
3 - عدم الإعراض عن الحق .
4 - التوبة النصوح .
***********************
- الخاتمــــــة
لقد اتضح بجلاء من هذا البحث المتواضع بمباحثه العشرة مايلي :
1- أن الجاسوسية تعتبر من أعظم فتن العصر .
2- أن العمل في التجسس على المسلمين يعد من قبيح الخصال وذميم الفعال بل من كبائر الذنوب .
3- أن التجسس يكون أكثره في الشر .
4- من التجسس ما هو مشروع وهو ما كان على الكفار بإذن ولي الأمر إذا ترتب على ذلك مصالح للمسلمين .
5- خطورة رمي العلماء ( أهل السنة ) بالجاسوسية .
6- التغليظ في عقوبة الجاسوس وزجره .
7- وجوب احترام المسلم وعدم التعرض للوقيعة في عرضه إلا ببرهان أوضح من الشمس في رابعة النهار .
8- وجوب تقديم النصح لكل من احتاجه والبعد عن التشهير ما أمكن .
9- وجوب أخذ السلفية من جميع الجوانب .
10- إطباق العلماء على التحذير من الجاسوسية والمتجسسين .
11- ارتكاب الجاسوس عدداً من الجرائم المنهي عنها .
وغير ذلك مما هو في ثنايا البحث ،
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لما يحبه ويرضى ويأخذ بنواصينا للبر والتقى وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ويجنبنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأسأله سبحانه أن يحسن لنا الختام ويلحقنا بدار السلام اللهم آمين ,
والحمد لله رب العالمين
وكتب: أبو عبد السلام حسن بن قاسم الحسني الريمي السلفي
3/ رجب / 1427
3/ رجب / 1427
تعليق