بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..............وبعد،
فأقدّم بين يدي إخواني طلبة العلم هذه الفوائد الذهبية من شرح
الأربعين النووية لشيخنا العلامة المحدث أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- اقتطفتها من ذلك الكتاب الماتع (شرح الأربعين النووية).
هذا ، وأسال الله أن ينفعنا جميعا بهذه الفوائد وأن يجزي شيخنا خيرا ويبارك فيه وفي علمه.
وستكون هذه الفوائد على شكل سلسلة :
-------------------------------
(الحديث العاشر)
قال الإمام مسلم –رحمه الله-:
.وحدثني أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا فضيل بن مرزوق حدثني عدي بن ثابت(1)عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم }[المؤمنون: 51]، وقال:{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }[البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)).
.ومعنى الحديث أن الله -سبحانه وتعالى- نزه نفسه عن النقائص، والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول:((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))، وهذا اسم وصف الله –سبحانه وتعالى-، فلا يقبل الله من العبد إلا ما كان طيباً وابتغي به وجه الله من الأعمال، ولا يكون العمل طيباً ويصعد إلى الله-عز وجل- إلا إذا خَلُصَ وكان متابعاً به النبي-صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى:{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }[فاطر: 10].
.لا يقبل الله-عز وجل- ما كان مخلوطاً برياء، قال تعالى كما في الحديث القدسي عند مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-:((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).
. ولا يقبل الله-عز وجل- ما كان مخالفاً به الإتباع، اتباع النبي-صلى الله عليه وسلم-، لحديث:((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
. ولا يكون العمل المتعبد به لله طيباً، إلا إذا تُحرِّي في ذلك الإخلاص والمتابعة ،وما عدا ذلك ما هو طيب، ولا هو مقبول.
.أحل الله لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، وقال عن النبي-صلى الله عليه وسلم-:{ ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم }[الأعراف: 157]، وأمر بالأكل من الطيبات والبعد عن الخبائث وهذا لفظ عام، فمثل الفواكه، وبهيمة الأنعام بشروطها، إذا ذُكِّيت...إلى آخره من الطيبات.
.من اللباس أيضاً ما كان على منوال لبس رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، سواء كان إزاراً، أو قميصاً، أو عمامة، أما البنطال فليس من اللباس الطيب، وكذلك (الكرفتة) تلك التي مثل ذيل الحمار ليست من اللباس الطيب هذا، بل (البنطالات) من اللباس الخبيث.
.وقل ذلك في المعتقد ما وافق الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، فهو معتقد طيب وما خالف هذا المعتقد فهو معتقد خبيث بطال، وهكذا ترى من خَبُثَ معتقده تراه خبيثاً، ترى أصحاب المعتقدات الخبيثة عندهم خبث، وعندهم عناد، وعندهم حقد.
.قوله:((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))، حتى إذا بني مسجداً، أو حفر بئراً، أو عمل بعض مسائل الخير، وكان من مال حرام ليس فيه أجر، ونحن نرى أن المال الربوي الذي هو من أرباح الربا لا يؤخذ، كيف هذا؟ لأنه لو أخذه مثلاً وبنى به مسجداً، ماله فيه أجر، وإذا أخذه على أن يجعله في مصالح الناس ماله فيه أجر، وإذا أكله بعض المحتاجين صار مؤكله ملعوناً؛ لحديث:((لعن الله آكل الربا وموكله))، والسلامة ترك ذلك، قال تعالى:{ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}[البقرة: 279]، فأخذ ما يسمونه بالفوائد الربوية أخذٌ لأموال الناس، وهذا ظلم.
.ولا يستفيد منه في آخرته أبداً سواء كان المال من ربا، أو من جمارك، أو من رشوة، لو أنفقه في وجوه الخير ما يؤجر عليه، والذي هو معروف من هذا الدليل أن الأموال المحرمة ما فيها زكاة، واحد يقول: عندي مليون ريال، زكاة خَمْرٍ، أو عندي مليون ريال من الربا.....، أو من بيع الدخان، أو القات ،أو الشمة، ما فيه زكاة:((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))، والزكاة النماء والطُّهْر، وكيف تنمي وتطهر شيئاً محرماً؟! وإذا بني مسجداً تصح الصلاة فيه من مال حرام، لكنه ما يؤجر عليه، وهكذا إذا أنفق على أهله من هذا المال الحرام ما يؤجر على نفقته؛ لأن الإنسان ينفق على أهله، والنفقة عليهم واجبة، ويؤجر على ذلك الواجب، ولكن هذا ما يؤجر عليه، بل يأثم عليه؛ لحديث:((ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة))، ولقول الله سبحانه وتعالى:{ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة }[التحريم: 6]، وحديث((أي جسم نبت من سحت فالنار أولى به))، ثابت من حديث جابر بن عبد الله، وبنحوه عن كعب بن عجرة، كلاهما في الصحيح المسند لشيخنا رحمه الله.
.وكذلك الصلاة، لو صلى ولم يأت بها على ما ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ فإنها لا تصلح ما هي طيبة، فقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم- لذلك الصحابي الجليل:((صل؛ فإنك لم تصل)).
.وكذلك الحج، لو حج من مال حرام؛ فإن جماعة من أهل العلم يقولون: إنه لا يصح، والذي يظهر أن يجزئه عن حجة الإسلام، ولا يرجع كيوم ولدته أمه، وهكذا إذا أخرج الزكاة جبراً، لا يريد من ذلك وجه الله-عز وجل- إنما أجبر أجزأته ولا يؤجر عليها.
.وقوله:((وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين))، يدل هذا على التأسي بالمرسلين، فكما أمر الله المرسلين بالأكل من الطيبات كذلك أمر الله المؤمنين بالأكل من الطيبات، وأنبياء الله منهم من كان نجاراً، ومنهم من كان حداداً، ويأكلون من الطيب، من كسب أيديهم حلالاً طيباً، ومن أفضل المكاسب مكسب الغنيمة والفيء كما ذكر أهل العلم، ونقلناه بحمد الله في كتاب البيوع بأوسع من هذا؛ لأنه مكسب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، القائل:((وجعل رزقي تحت ظل رمحي))، كما ذكر عنه من حديث ابن عمر.
.قوله:((ثم ذكر الرجل يطيل السفر))، وأنت تعلم أن السفر لطاعة أو لأمر مباح من أسباب الاستجابة.
.قوله:((أشعث أغبر))، وهذا المنكسر في طاعة الله والذي هو من أصحاب التواضع يطيل السفر، معناه: يطيل السفر في طاعة الله.
.قوله:((يرفع يديه إلى السماء))، هذا من أسباب استجابة الدعاء؛ لحديث:((إن الله يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)).
.قوله:((يا رب، يا رب))، هذا الإلحاح في الدعاء، ويدعو الله بربوبيته، بصفة من صفاته، وهو من أسباب استجابة الدعاء، لقوله تعالى:{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }[الأعراف: 180]، ولكن هناك مانع لهذا الدعاء، وهو: عدم طيب المطعم، والمشرب، والملبس.
.قوله:((فأنى يستجاب له))، ربما يكون عنده مرض، وبحاجة إلى تفريج كربه، في كل حال، ويكون بحاجة إلى أن يفتح الله عليه بالعلم، ويكون محروماً بسبب ذلك المطعم البطال، فيحرم خيراً كثيراً بسبب سوء المطعم، والمشرب، وسوء الملبس، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ<?xml:namespace prefix = o /><o:p></o:p>
<HR align=right width="33%" SIZE=1>
(1)المعروف بـ: قاص الشيعة<o:p></o:p>