السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
هذا شريط منهجي قيم و مفيد للشيخ الفاضل : عبد العزيز البرعي وفقه الله لكل خير وحفظه , يسرد فيه جزاه الله خيرا أسباب انحراف كثير ممن يحسبون على السلفية , وقد قمت بتفريغ جزء يسير منه ولكن المرض لحق بي و أتعبني وأسأل الله أن يعينني على إتمامه , فهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول لي ولا قوة لي إلا به سبحانه :
تنبيه : هناك بعض الكلام في الشريط لم أفهمه ؛ فأرجو مساعدة الإخوة جزاهم الله خيرا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ _ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً _ [النساء:1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً_ [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و على آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس ! نحمد الله تعالى على نعمة الإسلام, ونحمد الله تعالى على نعمة السنة, و نسأل الله تعالى الثبات على ذلك حتى نلقاه, فكم من مُنْعَمٍ عليه حرمه الله المواصلة , و ابتلاه بالانقطاع , وعاقبه بالخذلان , و أسلمه إلى شياطين الإنس والجن , فأضله بعد الهداية , و أغواه بعد الرشد , و انحرف بعد الاعتدال والاستقامة , وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ _ (175 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176 ) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ _ (الأعراف : 177 ) , وقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آله و سَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : - إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرسل إليه المَلَك فينفخ فيه الروح فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالله الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ! .
ومن هنا معشر الإخوة ينبغي أن يعلم كل مسلم أنه في أمس الحاجة إلى إعانة الله تبارك وتعالى , ولهذا نقرأ في كل ركعة , وعَلَّمَنَا الله ذلك ؛ فنقول : - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ _ (7) ( الفاتحة 6-7) , فلا غنى بك عن طلب الهداية من الله تبارك وتعالى ؛ فالله هو الهادي , والله هو الذي يضل من يشاء , وهو الذي قلوب العباد بيده , لا معقب لحكمه , ولا راد لقضائه , ولا إله غيره , قال الله عز وجل : - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..._ ( سورة الأنعام من 109 إلى 111) وقال الله تعالى : - إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ _ ( سورة يونس 96- 97) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن القلوب بيد الله , فكم من قلوب لا تهتدي , وكم من قلوب لا تضل , و كم من قلوب تهتدي بعد ضلال , وكم من قلوب تضل بعد هداية , فلهذا نسأل الله جل وعلا أن يربط على قلوبنا بالإيمان حتى نلقاه إذ لا حول لنا ولا قوة إلا به تبارك وتعالى ؛ فهو المعين وهو الهادي , والله عز وجل إذا أحب إنسانا وفقه و أخذ بيده ويسر له سبل الهداية , وأذهب عنه أسباب الغواية و الردى , والموفق من وفقه الله .
أيها الإخوة كثيرا ما نشاهد أحوال المتساقطين على الطريق , كثيرا ما ترى أناسا يكونون على خير وصلاح , وسنة و اتباع , فإذا بهم ينتقلون إلى معاص أو إلى بدع ومحدثات , وربما وصل بعضهم إلى ترك الصلوات , وربما وصل بعضهم إلى الطعن في السنة وأهلها , والانتصار للبدعة وأهلها و العياذ بالله , وما أحوج كل مسلم إلى أن يكون حارسا لنفسه , مستعينا بربه ؛ ألا يكون من هذا الصنف , وألا يكون ممن هذا حاله , ونحب في هذا المجلس المبارك أن نستعرض بعض الأسباب التي أضلت أناسا بعد هدى , لعلها أن تكون عبرة للمعتبرين , وعظة للمتعظين , وتحذيرا لمن خاف على نفسه , و التوفيق أولا وآخرا من الله , التوفيق من الله ؛ فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يحفر الخندق كان يتمثل بقول القائل :
وَ اللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
و الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني نفسه وغيره ويحلف بالله على ذلك ؛ فالهادي هو الله , ويقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم :- قلوب العباد بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرحمن يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ! , ولا يدري المسلم إلى أين ينقلب قلبه ! ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر من الدعاء : - يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ! ؛ فيطلب من الله أن يثبته على دينه .
من الأسباب التي يضل بها أناس بعد هدى :
1- أن قوما هداهم الله ليبصرهم الحق , وليعرفوه ليضلوا بعد ذلك على علم ؛ هداه الله ليضله ,- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا _ ؛ فيصبح متحملا حججا , وشبهه الله عز وجل بحمار محمل كتبا , ماذا تغني عنه تلك الأسفار ؟! و ماذا تنفعه تلك الكتب ؟! كما أن ذلك الذي ضل بعد هدى يحفظ من الآيات و الأحاديث الشيء الكثير ولكنه خالفها على علم , قال الله عز وجل :+ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ _ , وقال الله تعالى : - مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء _ , وقال الله تعالى :+ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ _ , يقول إنهم يكونون على بصيرة معينة , وتكون أفئدتهم مستقيمة , والهدى أمامهم واضح , فيقلب الله أبصارهم , ويقلب الله أفئدتهم حتى يصبحون عكس مائة بالمائة , يدورون دورة كاملة حتى يعطوا ظهورهم للحق الذي كانوا عليه , وكأنهم ما آمنوا به أول مرة :- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ .. _ ؛ يعني كأنهم ما عرفوا الحق و ولا كأنهم انتصروا للحق ؛ فالذي كانوا ينتصرونه بالأمس أصبحوا يستنصرون عليه , وأصبحوا ضد الحق الذي كانوا عليه , وأنصارا للباطل الذي كانوا ينكرونه , بعد أن كانوا ينكرون الباطل أصبحوا بعد ذلك أنصاره ومُتَبَنِّينَ له ؛ هذه مشيئة الله ! و هذه إرادة الله , حرفهم حرفة كاملة , وقلبهم انقلابا كاملا , وكأنهم ما عرفوا إلا هذا ! و هؤلاء يفعل الله بهم هذا حتى لا يكون لهم حجة عليه يوم القيامة + وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً _ .
2- و من الناس من يكون سبب انحرافه حب الدنيا وشهواتها وملذاتها و العياذ بالله , كما سمعتم في قصة الذي قال الله عنه - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا _ ؛ فهذا الرجل عرف الآيات والأحاديث وعرف كلام الأنبياء , ولكنه أخلد إلى الأرض ؛ أحب الدنيا وأحب شهواتها , وأحب ملذاتها ؛ فحرفته الدنيا عن الصراط المستقيم , وضل بعد هدى , وابتدع بعد اتباع , وعصى بعد طاعة و ربما كفر بعد إسلام , قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: - بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا و يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قليل ! , لا حظوا ما سبب حرف هذا الإنسان عن الصراط المستقيم, وما الذي نقله من إسلام إلى كفر بين عشية وضحاها , ما هو الذي استجد به ؟ وما هو الذي نزل به ؟ نزلت به الدنيا و زخارفها وشهواتها - إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ _ , وهكذا معشر الإخوة , تفعل الدنيا بأهلها , وأصحاب الباطل جعلوا الدنيا مصيدة , يصيدون بها من ضعف إيمانه , ومن قل علمه , انظروا إلى قصة نبي الله سليمان و ملكة سبأ , عندما أرسل إليها سليمان بالرسالة , وافتتحت الرسالة , وإذا فيها :- إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ _ ؛ كلام مختصر ما وراءه إلى السيف + أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ _ , و لكنها كانت أذكى منهم , و كانت أعقل منهم , وأدرى بعواقب الأمور ,- قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً _ قال الله مصدقا لها : - وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ _ وكأن قائلا يقول لها " و ما الحل ؟ " إذا كان القتال لهم والوقوف أمامهم ليس حلا ! فما هو الحل ؟ أرادت أن تختبر , هل هو من أصحاب المبادئ أم أنه إنسان يباع ويشترى بالمال ؟ فإن كان صاحب مبدأ, فلا مجال إلا أن يتابعوه , وإن كان ممن يباع و يشترى بالمال فعند ذلك الأمر سهل ؛ علاقات دولية , وصداقة مع الملوك فيما بينهم هي أدرى بها , تبادل هدايا , وتبادل زيارات و نحو ذلك وصلحت الأمور , قالت : - وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ _ , سيتبين لها ما عليه سليمان مع الرسول , فلما جاء سليمان :- قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ _ , نطق سليمان بما توقعته ؛ أنهم سيخرجهم أذلة صاغرين , فلما سمعت هذا الجواب , كان الجواب أنها قادمة إليه مسلمة + قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِين _ , ومن هنا يتبين لك أن الثبات على الحق سبب لهداية قوم آخرين ؛ ثبات سليمان كان سببا لهدايتها , وهكذا نجحت هذه المرأة العاقلة في ما أرادته , وعرفت النتيجة , وكان تعقلها ذلك سببا لإيمانها و سببا لإسلامها , ونفهم من هذا أن المال شبكة للصيد يصطاد بها أهل الباطل أهل الحق , وعندما حصل لكعب بن مالك ما حصل في تأخره عن غزوة تبوك مع اثنين من الصحابة الكرام , وهما هلال بن أمية , ومرارة بن الربيع , وأراد ملك غسان أن يخترق صفوف المسلمين و أن يستل كعب بن مالك ذلك الشاب النبيل النزيه الفصيح , الذي عنده قدرة على كثير من الأمور ؛ على الجدال وعلى النقاش وعلى القتال و غير ذلك فقال له : " إنه قد بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وما جعلك اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ " , هل قال له " اكفر بعد إسلامك ؟ ", هل قال له " نريدك أن تكون زانيا وسارقا وكذابا و غشاشا وخداعا و ارتد عن دينك الذي أنت عليه ؟ " ؛ لا ! المراد نواسيه فقط , و هكذا أهل الباطل , يأتي يقول لك على ما أنت على سنة , " أنت على سنة و الله ما نريد منك تترك آية ولا حديث , و لكن خذ هذه تصلح من قدرك صرف بها أمورك إذا كان لك حاجة , والله يعينك , ونسأل الله الإعانة , وأنا فاعل خير " , وبعدها فاعل شر ! وما هو فاعل خير ؛ هذا شرى , هذا شرى بارك الله فيكم ! و اختلاس وابتزاز لأناس يحرفون عن الصراط المستقيم , ومسالك : إن كنت تحب الكتب , قال لك اشتري بهذه كتبا , و إن كنت ممن يحب الملابس الفارهة اشترى لك بدلة حسنة ؛ نوعا حسنا من الثياب , ثوبا أو ساعة , أو نحو ذلك مما تشتهي من الملابس , وإن كنت ممن يشتهي المأكولات , ذبح لك عجلا , لإضلالك , ولو ذبح لك عجلا فأنت لا تساوي أكثر من ذلك , ولكنه ليس عجل إبراهيم , ولكنه عجل الإضلال , و الحرف عن الصراط المستقيم , نعم أيها الإخوة ! وكم من أناس ضلوا بسب الأكل , وإن كنت ممن تحب القات أعطاك أحسن ما تريد من الأنواع , وإن كنت معطلا ما عندك وظيفة وَفَّرَ لك وظيفة , أو أنك غريب عن بلدك ؛ طالب في مدينة وَفَّرَ لك سكنا تسكن فيه , و قرعة تصرف عليك , وكل إنسان على قيمته , واحد يسوى عجل واحد يسوى دجاجة , وهكذا بارك الله فيكم , وبعض الناس يوزع مجانا , إلى الله المشتكى ! و القصد أن هذه وسائل لحرف أناس عن الصراط المستقيم من خلال الدنيا وزخارفها , و شهواتها و لذاتها , وتجد الرجل قد جره السيل و هو لا يدري أن أصبح في المصيدة , وإذا أُغْدِقَت عليه النِّعَم أُمْلِيَتْ عليه المبادئ لأنه أصبح غير قادر على العيشة السابقة التي كان يعيشها .. .و أصبحت ترى أنه في رفاهية , وفي رغد عيش , لا يستطيع أن يفارقها , ثم يتدرجون معه في المبادئ المنحرفة حتى حتى وشيئا فشيئا حتى يُكَتِّفُوه , و يُمَشُّوه على مبادئهم كما يشاءون , وطريقة أخرى أنهم يأتون إليه , وهو محتاج إلى شيء من المال ؛ مُقْدِمٌ على زواج أو عمارة بيت أو فتح تجارة أو شراء سيارة , يأتي أنا محتاج إلى كذا وكذا , قال سهلة إن شاء الله , أنا أقترضها لك وأسند لمن أقرضني وأنت تسندني وبعد ذلك بارك الله فيكم هي من أموال الجمعيات ؛ أموال الفقراء و المساكين , واليتامى و الأرامل , وبعد ذلك وضع عليه السند الأول ثم السند الثاني والثالث و العاشر وإذا به قد أكل ديته ودية زوجته , نعم قد ابتلعها إلى داخل بطنه , فإذا جاء يوم من الأيام : يا قوم أنتم على بدعة , أنتم على حزبية , أنتم على باطل , قالوا و الله ماتريد إسمعنا الله يرضى عليك , كلم . ..و امش ؛ فيرى نفسه مضطرا للبقاء معهم , فما أحوج أناس إلى أن يكاتبوا على أنفسهم , نعم إخواني في الله اشتري نفسك ولو أن تبيع بيتك ولا أن تبقى على الضلال و الإضلال , و لكن هكذا يسلكون معهم هذه المسالك فكم من أناس لا يدري إلا وهو مُوَرَّط بمئات الآلاف بل بالملايين , وكما أُخْبِرنا عن شخص عندما أراد أن يتركهم و قد ضغطوا عليه أن يدفع ما أعطوه , قال " واحدة من اثنتين إما أن أكون مستحقا فقد وصلت أموال أهل الخير إلى صاحبها , وإما أن أكون غير مستحق , فأنتم تعبثون بأموال المسلمين في غير مصارفها " , فأسكتهم وكان سببا لنجاته كما يقال , على كل حال المقصود أن المال شبكة يصطاد المبتدعَةُ و العصاةُ المسلمينَ بها ؛ إما أن يحرفوه عن السنة و إما أن يحرفوه عن الطاعة إلى المعصية , وفي حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار , قال - أحدهم الذي يحب ابنة عمه , وكان يحبها أشد ما يحب الرجال النساء و أنه دعاها إلى نفسها فأبت , حتى ألمت بها سنة من السنين , فطلبت منه مائة و عشرين دينارا , فأبى إلا أن تخلي بينه وبين نفسها ففعلت , فلما قعد بين رجليها قالت " اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه " فقام عنها وترك لها المال ! , إنما الشاهد ألا ترى كيف أنه بالمال جرها إلى الزنا ولولا أن أنطقها الله بالنصيحة , و هيأ قلبه للقبول لوقعت في الزنا , فانظر إلى المال , إلى أين يجر المال ! فمن لنا بمثل هذه المرأة ومثل هذا الرجل ؟ كم من أناس يجرون إلى المعصية بسبب المال و يحرفون عن الصراط المستقيم بسبب المال , ومن هنا نعرف هذا البند الثاني من أسباب انحراف أناس عن جادة الصراط المستقيم .
3- و من ذلك أن أناسا يكونون مدسوسين في أوساط المسلمين لا يريدون الهداية و لا يريدون السنة و لا يريدون الحق , وإنما مرادهم أن يخلخلوا الصف و أن يحرفوا أناسا عن الصراط المستقيم ؛ يحرفوهم عن الهدى من السنة إلى البدعة إلى الحزبية إلى المعصية إلى الضلال , خلخلة في وسط المجتمع , قال الله عز وجل :- وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ _؛ لا حظ أظهروا إسلاما , ودخلوا في الصلاة و العبادة من أجل أن يكون ما تركوهم إلا أنهم رأوا عندهم ما لا ينبغي أن يبقى الواحد معهم , ما تركوهم إلا لشيء , هؤلاء قالوا يوما واحدا , هناك من يبقى سنة أو سنتين و العشرة سنوات من أجل أن يكون قد بلغ مبلغ الثقة ليكون تركه للسنة مشككا لأعداد هائلة من الناس , بل إنه ربما كان لهم أعمال صالحة , يظهرون بها من الصلاح عجب العجاب كحال أهل مسجد الضرار ؛ قال الله عز وجل : + وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ _ , سبحان الله المساجد التي تبنى لذكر الله ! أترى لماذا بنيت هنا ؟ ضرارا : يعني بالمساجد الأخرى , و كفرا ؛ المساجد للإيمان ! جعلوها للكفر , وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؛ أصبحت مقرا للباطل , ومقرا .. الكفرة لينشروا الكفر داخل المسجد , فلهذا معشر الإخوة , ينبغي أن تعلم أن أناسا ينحرفون لا أنهم كانوا على هداية , ولكن ليشككوا الناس في الحق الذي كانوا عليه , فكن على ثقة من الآيات و الأحاديث التي كنت عليها , وكن مشفقا لمن ضل , مشفقا على من ضل , راحما له من الضلال الذي هو فيه , و من العذاب الذي سيناله إن مات على ما هو عليه , مع ثباتك أنت على الحق , ما تتشكك ولا تهتز , و لا يصيبك أي ريب , لأنك بنيت نفسك على كتاب وسنة , وعلى فتاوى علماء , والعلماء أمامك جبال راسية , ومعالم ثابتة , بهم يهتدى ويقتدى , ومن قبلهم تأخذ الحق , و تبتعد عن الردى بإذن الله جل وعلا , و لكن هؤلاء لا كثرهم الله عز وجل , مقاصدهم سيئة و شيطانية , و العياذ بالله , لأنهم لا يريدون الخير للناس وإنما يريدون الناس أن يبتعدوا , فأول الشيعة من هذا النوع , عبد الله بن سبأ اليهودي , الذي أظهر حب آل البيت , بعد أن أظهر الإسلام , و ما قصده إلا تفريق المسلمين , وهكذا معشر الإخوة , كم من ضلال و زنادقة أظهروا في المسلمين إسلاما و لكنهم نشروا في أوساطهم الكفر و العياذ بالله , خمس مائة من علماء السلف يحكمون على جهم بن صفوان بأن كافر , بل يقولون الجهمية كفار , ذكر الخمس مائة الإمام اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة , وقال لولا الإطالة لذكرت الآثار إليهم بأسانيدها .
4- ومن الأسباب التي انحرف بسببها أناس عن الصراط المستقيم أن من الناس من يهتدي إلى السنة هداية صادقة و تبقى فيه رواسب , تبقى فيه شبهات , هذه الشبهات لا يستطيع أن يظهرها , ولا يستطيع التخلص منها , فتبقى في نفسه , فأول ما تأتي فتنة جارفة , يكون هو مأخوذا في غثاء السيل تنتعش هذه الرواسب و تظهر هذه البذور , وتؤثر عليه و تطغى عليه , هذه الرواسب , قد يكون فيها الرحمة بالمبتدعة والشفقة عليهم لماذا الكلام فيهم , قد يكون فيها حب دنيا , قد يكون فيها حب للعلو , قد ازدراء للعلماء , قد يكون فيها أي شيء , راسبة من الرواسب , قد تكون شبهات , من شبهات أهل الباطل يظن أنها حقا , فإذا جاءت فتنة انجرف معها , و علاج هذا أنك ما دمت قد اهتديت إلى السنة هداية صادقة , و بقيت فيك تلك الرواسب , لابد أن تكون واثقا بالعلماء ؛ علماء أهل السنة , لأنك معهم بصدق , هذا هو المفترض , أن من هداه الله بصدق ؛ يحب أهل السنة بصدق ويحب العلماء بصدق , فما دمت تحب العلماء فاجعلهم موضع سرك , و ضع أمامهم تلك الشبهات و الرواسب التي لا تزال لديك , و قل لهم أجيبوني عن هذه , و أخبرهم أنك متتلمذ لست معاندا و لا كارها للحق , ولا راغبا في الباطل , وإنما أنت تريد الحق , و قل لهم لقد كنت أعيش في بدع , و قد كنت أعيش في عصيان , وفي نفسي بعض الأمور , أريد أن أعرف عنها أشياء , و أريد أن أستوضحها , و أريد و أريد . وإذا وضع سره للعلماء , و جلس إليهم وناقشهم , و تكلم معهم , أجابوه بإذن الله بالحق والهدى , وفندوا له تلك الشبهات , و أبانوا له الحق , قال الله عز وجل عن العلماء رافعا لهم :+ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ _ ؛ يعني القرآن , فالقرآن آيات بينات الواضحات الجليات , قد حفظوا القرآن و فهموا معناه , و عملوا بمقتضاه , فلهذا رفع الله شأنهم , وقد أرشدك الله قائلا :+ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ _ ؛ ما دمت لا تعلم , وأن عندك بعض الشكوك , وأن عندك بعض الشبهات فسل حتى تكون على بينة , أما إن كنت تقول في نفسك " ولو أفتاني العالم الفلاني بكذا فلست مقتنعا , ولو أفتاني بكذا فلست مقتنعا , ولو جاءني بدليل فلست مقتنعا " , و تلقي هذا في نفسك , فاعلم أن من كان هكذا ؛ أنه طُعْمَةُ الفتن , هذا طعمة الفتن , و لَيَضِلَّنَّ قريبا أو بعيدا إلا أن يتداركه الله بلطفه , نعم معشر الإخوة , ومثله مثل إنسان يعيش و هو يحمل الحيات في محمله ؛ معه حِمْل , معه خُرْج , في خُرْجِه حية , يحمل معه حية , ولا يدري أنها حية , يظنها مما يؤكل , يظنها مما يُكْتَسَب , سل الناس قل لهم ما هذه ؟ ليخبروك أنها حية , ومن أبى أن يبعدها عن حِمْلِه ذلك لَتَلْدَغَنَّهُ ولو بعد حين , ولتعضنه ولو بعد حين , لأن الخطر معه , إلا أن يتداركه الله بلطفه , نعم ! ومن كان عنده إخلاص لله عز وجل , فإنه يكون جريئا على الحق , جريئا في طلب الحق و استيضاحه , بعض الناس قد يقول " لو ذهبت أسأل العالم الفلاني عن شبهة كذا وكذا سيظن . .أنني على بدعة أو على حزبية أو كذا و كذا " لا ! و بارك الله فيك , الطبيب يعرف المريض , يعرف المتمارض , ما يخفى على الطبيب , و هكذا لو أنك جلست إلى العالم , سيعلم ما لديك , أنك طالب حق , أو أنك صاحب ضلال تتنشط فيه شيئا فشيئا , وتظهره شيئا فشيئا . .بإذن الله , فكن جريئا على الحق و طالبا له , وتبحث عنه وبإذن الله عز وجل سيهديك الله عز وجل سبل الهداية , قال الله عز وجل : - وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَ لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا _ , إذا صدقت مع الله سيهديك الله إلى الحق , وقال تعالى :- وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا _ ؛ فإذا علم الله منك الصدق وفقك , إذا علم الله منك الصدق ؛ أنك تريد السنة , ولا تريد البدعة , و تريد الطاعة , و لا تريد المعصية , وتريد الهدى , و لا تريد الضلال , فإن الله يوفقك , ولكن : + وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً _ , إذا علم الله انك تريد ذلك بصدق فسيظهر عليك العمل بالسنة , و يظهر عليك العمل بطاعة الله , و يظهر عليك البعد عن مجالس أهل الباطل , و عن شبهاتهم وما هم عليه .
5- و من الأسباب التي أضلت كثيرا من الناس : الجدل و المناظرة لأهل البدع و عدم المبالاة بالجلوس معهم , و القراءة في كتبهم , و يظن أنه لا يضره ذلك , رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورقة من أوراق أهل الكتاب بيد عمر بن الخطاب , فقال : - أفي شك أنت يا بن الخطاب , والله لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه إلا إتباعي ! , فإذا كان هذا لعمر , فما بالك بنا نحن ! فنحن أولى أن نحتاط لأنفسنا من باب أولى , ومن تعرض للفتن افتتن , و من تعرض للشرور وقع فيها
و لقد يصير لنا بملك طعمة ***** من بات في غاب الليوث نزيلا
نعم , بعض الناس يظن أنه لا تضره الشبهات , ويظن أنه ولو قرأ في كتب أهل الضلال و البدع لا يضره ذلك , كم من أناس قرءوا في كتب الفلسفة فأضلتهم , فلم يستطيعوا أن يتخلصوا منها , ولم يستطيعوا أن يرجعوا إلى الهدى , وأصبحوا في حيرة حتى قال الفخر الرازي :
نهايةُ أقدامِ العـقولِ عِقالٌ *** وغايةُ سعي العالمينَ ضلالُ
وأرواحُنا في وحْشَةٍ من جسومنا *** و غاية دُنيانا أذىً ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طولَ عُمرنا *** سِوى أنْ جمعنا فيه قيلَ وقالوا
وقال الشهرستاني :
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا *** و قلدت طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ *** عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ
فأجابه الإمام الصنعاني بعد زمن.....
هذا شريط منهجي قيم و مفيد للشيخ الفاضل : عبد العزيز البرعي وفقه الله لكل خير وحفظه , يسرد فيه جزاه الله خيرا أسباب انحراف كثير ممن يحسبون على السلفية , وقد قمت بتفريغ جزء يسير منه ولكن المرض لحق بي و أتعبني وأسأل الله أن يعينني على إتمامه , فهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول لي ولا قوة لي إلا به سبحانه :
تنبيه : هناك بعض الكلام في الشريط لم أفهمه ؛ فأرجو مساعدة الإخوة جزاهم الله خيرا .
**********************
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ _ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً _ [النساء:1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً_ [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و على آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس ! نحمد الله تعالى على نعمة الإسلام, ونحمد الله تعالى على نعمة السنة, و نسأل الله تعالى الثبات على ذلك حتى نلقاه, فكم من مُنْعَمٍ عليه حرمه الله المواصلة , و ابتلاه بالانقطاع , وعاقبه بالخذلان , و أسلمه إلى شياطين الإنس والجن , فأضله بعد الهداية , و أغواه بعد الرشد , و انحرف بعد الاعتدال والاستقامة , وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ _ (175 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176 ) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ _ (الأعراف : 177 ) , وقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آله و سَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : - إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرسل إليه المَلَك فينفخ فيه الروح فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالله الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ! .
ومن هنا معشر الإخوة ينبغي أن يعلم كل مسلم أنه في أمس الحاجة إلى إعانة الله تبارك وتعالى , ولهذا نقرأ في كل ركعة , وعَلَّمَنَا الله ذلك ؛ فنقول : - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ _ (7) ( الفاتحة 6-7) , فلا غنى بك عن طلب الهداية من الله تبارك وتعالى ؛ فالله هو الهادي , والله هو الذي يضل من يشاء , وهو الذي قلوب العباد بيده , لا معقب لحكمه , ولا راد لقضائه , ولا إله غيره , قال الله عز وجل : - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..._ ( سورة الأنعام من 109 إلى 111) وقال الله تعالى : - إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ _ ( سورة يونس 96- 97) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن القلوب بيد الله , فكم من قلوب لا تهتدي , وكم من قلوب لا تضل , و كم من قلوب تهتدي بعد ضلال , وكم من قلوب تضل بعد هداية , فلهذا نسأل الله جل وعلا أن يربط على قلوبنا بالإيمان حتى نلقاه إذ لا حول لنا ولا قوة إلا به تبارك وتعالى ؛ فهو المعين وهو الهادي , والله عز وجل إذا أحب إنسانا وفقه و أخذ بيده ويسر له سبل الهداية , وأذهب عنه أسباب الغواية و الردى , والموفق من وفقه الله .
أيها الإخوة كثيرا ما نشاهد أحوال المتساقطين على الطريق , كثيرا ما ترى أناسا يكونون على خير وصلاح , وسنة و اتباع , فإذا بهم ينتقلون إلى معاص أو إلى بدع ومحدثات , وربما وصل بعضهم إلى ترك الصلوات , وربما وصل بعضهم إلى الطعن في السنة وأهلها , والانتصار للبدعة وأهلها و العياذ بالله , وما أحوج كل مسلم إلى أن يكون حارسا لنفسه , مستعينا بربه ؛ ألا يكون من هذا الصنف , وألا يكون ممن هذا حاله , ونحب في هذا المجلس المبارك أن نستعرض بعض الأسباب التي أضلت أناسا بعد هدى , لعلها أن تكون عبرة للمعتبرين , وعظة للمتعظين , وتحذيرا لمن خاف على نفسه , و التوفيق أولا وآخرا من الله , التوفيق من الله ؛ فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يحفر الخندق كان يتمثل بقول القائل :
وَ اللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
و الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني نفسه وغيره ويحلف بالله على ذلك ؛ فالهادي هو الله , ويقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم :- قلوب العباد بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرحمن يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ! , ولا يدري المسلم إلى أين ينقلب قلبه ! ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر من الدعاء : - يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ! ؛ فيطلب من الله أن يثبته على دينه .
من الأسباب التي يضل بها أناس بعد هدى :
1- أن قوما هداهم الله ليبصرهم الحق , وليعرفوه ليضلوا بعد ذلك على علم ؛ هداه الله ليضله ,- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا _ ؛ فيصبح متحملا حججا , وشبهه الله عز وجل بحمار محمل كتبا , ماذا تغني عنه تلك الأسفار ؟! و ماذا تنفعه تلك الكتب ؟! كما أن ذلك الذي ضل بعد هدى يحفظ من الآيات و الأحاديث الشيء الكثير ولكنه خالفها على علم , قال الله عز وجل :+ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ _ , وقال الله تعالى : - مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء _ , وقال الله تعالى :+ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ _ , يقول إنهم يكونون على بصيرة معينة , وتكون أفئدتهم مستقيمة , والهدى أمامهم واضح , فيقلب الله أبصارهم , ويقلب الله أفئدتهم حتى يصبحون عكس مائة بالمائة , يدورون دورة كاملة حتى يعطوا ظهورهم للحق الذي كانوا عليه , وكأنهم ما آمنوا به أول مرة :- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ .. _ ؛ يعني كأنهم ما عرفوا الحق و ولا كأنهم انتصروا للحق ؛ فالذي كانوا ينتصرونه بالأمس أصبحوا يستنصرون عليه , وأصبحوا ضد الحق الذي كانوا عليه , وأنصارا للباطل الذي كانوا ينكرونه , بعد أن كانوا ينكرون الباطل أصبحوا بعد ذلك أنصاره ومُتَبَنِّينَ له ؛ هذه مشيئة الله ! و هذه إرادة الله , حرفهم حرفة كاملة , وقلبهم انقلابا كاملا , وكأنهم ما عرفوا إلا هذا ! و هؤلاء يفعل الله بهم هذا حتى لا يكون لهم حجة عليه يوم القيامة + وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً _ .
2- و من الناس من يكون سبب انحرافه حب الدنيا وشهواتها وملذاتها و العياذ بالله , كما سمعتم في قصة الذي قال الله عنه - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا _ ؛ فهذا الرجل عرف الآيات والأحاديث وعرف كلام الأنبياء , ولكنه أخلد إلى الأرض ؛ أحب الدنيا وأحب شهواتها , وأحب ملذاتها ؛ فحرفته الدنيا عن الصراط المستقيم , وضل بعد هدى , وابتدع بعد اتباع , وعصى بعد طاعة و ربما كفر بعد إسلام , قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: - بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا و يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قليل ! , لا حظوا ما سبب حرف هذا الإنسان عن الصراط المستقيم, وما الذي نقله من إسلام إلى كفر بين عشية وضحاها , ما هو الذي استجد به ؟ وما هو الذي نزل به ؟ نزلت به الدنيا و زخارفها وشهواتها - إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ _ , وهكذا معشر الإخوة , تفعل الدنيا بأهلها , وأصحاب الباطل جعلوا الدنيا مصيدة , يصيدون بها من ضعف إيمانه , ومن قل علمه , انظروا إلى قصة نبي الله سليمان و ملكة سبأ , عندما أرسل إليها سليمان بالرسالة , وافتتحت الرسالة , وإذا فيها :- إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ _ ؛ كلام مختصر ما وراءه إلى السيف + أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ _ , و لكنها كانت أذكى منهم , و كانت أعقل منهم , وأدرى بعواقب الأمور ,- قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً _ قال الله مصدقا لها : - وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ _ وكأن قائلا يقول لها " و ما الحل ؟ " إذا كان القتال لهم والوقوف أمامهم ليس حلا ! فما هو الحل ؟ أرادت أن تختبر , هل هو من أصحاب المبادئ أم أنه إنسان يباع ويشترى بالمال ؟ فإن كان صاحب مبدأ, فلا مجال إلا أن يتابعوه , وإن كان ممن يباع و يشترى بالمال فعند ذلك الأمر سهل ؛ علاقات دولية , وصداقة مع الملوك فيما بينهم هي أدرى بها , تبادل هدايا , وتبادل زيارات و نحو ذلك وصلحت الأمور , قالت : - وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ _ , سيتبين لها ما عليه سليمان مع الرسول , فلما جاء سليمان :- قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ _ , نطق سليمان بما توقعته ؛ أنهم سيخرجهم أذلة صاغرين , فلما سمعت هذا الجواب , كان الجواب أنها قادمة إليه مسلمة + قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِين _ , ومن هنا يتبين لك أن الثبات على الحق سبب لهداية قوم آخرين ؛ ثبات سليمان كان سببا لهدايتها , وهكذا نجحت هذه المرأة العاقلة في ما أرادته , وعرفت النتيجة , وكان تعقلها ذلك سببا لإيمانها و سببا لإسلامها , ونفهم من هذا أن المال شبكة للصيد يصطاد بها أهل الباطل أهل الحق , وعندما حصل لكعب بن مالك ما حصل في تأخره عن غزوة تبوك مع اثنين من الصحابة الكرام , وهما هلال بن أمية , ومرارة بن الربيع , وأراد ملك غسان أن يخترق صفوف المسلمين و أن يستل كعب بن مالك ذلك الشاب النبيل النزيه الفصيح , الذي عنده قدرة على كثير من الأمور ؛ على الجدال وعلى النقاش وعلى القتال و غير ذلك فقال له : " إنه قد بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وما جعلك اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ " , هل قال له " اكفر بعد إسلامك ؟ ", هل قال له " نريدك أن تكون زانيا وسارقا وكذابا و غشاشا وخداعا و ارتد عن دينك الذي أنت عليه ؟ " ؛ لا ! المراد نواسيه فقط , و هكذا أهل الباطل , يأتي يقول لك على ما أنت على سنة , " أنت على سنة و الله ما نريد منك تترك آية ولا حديث , و لكن خذ هذه تصلح من قدرك صرف بها أمورك إذا كان لك حاجة , والله يعينك , ونسأل الله الإعانة , وأنا فاعل خير " , وبعدها فاعل شر ! وما هو فاعل خير ؛ هذا شرى , هذا شرى بارك الله فيكم ! و اختلاس وابتزاز لأناس يحرفون عن الصراط المستقيم , ومسالك : إن كنت تحب الكتب , قال لك اشتري بهذه كتبا , و إن كنت ممن يحب الملابس الفارهة اشترى لك بدلة حسنة ؛ نوعا حسنا من الثياب , ثوبا أو ساعة , أو نحو ذلك مما تشتهي من الملابس , وإن كنت ممن يشتهي المأكولات , ذبح لك عجلا , لإضلالك , ولو ذبح لك عجلا فأنت لا تساوي أكثر من ذلك , ولكنه ليس عجل إبراهيم , ولكنه عجل الإضلال , و الحرف عن الصراط المستقيم , نعم أيها الإخوة ! وكم من أناس ضلوا بسب الأكل , وإن كنت ممن تحب القات أعطاك أحسن ما تريد من الأنواع , وإن كنت معطلا ما عندك وظيفة وَفَّرَ لك وظيفة , أو أنك غريب عن بلدك ؛ طالب في مدينة وَفَّرَ لك سكنا تسكن فيه , و قرعة تصرف عليك , وكل إنسان على قيمته , واحد يسوى عجل واحد يسوى دجاجة , وهكذا بارك الله فيكم , وبعض الناس يوزع مجانا , إلى الله المشتكى ! و القصد أن هذه وسائل لحرف أناس عن الصراط المستقيم من خلال الدنيا وزخارفها , و شهواتها و لذاتها , وتجد الرجل قد جره السيل و هو لا يدري أن أصبح في المصيدة , وإذا أُغْدِقَت عليه النِّعَم أُمْلِيَتْ عليه المبادئ لأنه أصبح غير قادر على العيشة السابقة التي كان يعيشها .. .و أصبحت ترى أنه في رفاهية , وفي رغد عيش , لا يستطيع أن يفارقها , ثم يتدرجون معه في المبادئ المنحرفة حتى حتى وشيئا فشيئا حتى يُكَتِّفُوه , و يُمَشُّوه على مبادئهم كما يشاءون , وطريقة أخرى أنهم يأتون إليه , وهو محتاج إلى شيء من المال ؛ مُقْدِمٌ على زواج أو عمارة بيت أو فتح تجارة أو شراء سيارة , يأتي أنا محتاج إلى كذا وكذا , قال سهلة إن شاء الله , أنا أقترضها لك وأسند لمن أقرضني وأنت تسندني وبعد ذلك بارك الله فيكم هي من أموال الجمعيات ؛ أموال الفقراء و المساكين , واليتامى و الأرامل , وبعد ذلك وضع عليه السند الأول ثم السند الثاني والثالث و العاشر وإذا به قد أكل ديته ودية زوجته , نعم قد ابتلعها إلى داخل بطنه , فإذا جاء يوم من الأيام : يا قوم أنتم على بدعة , أنتم على حزبية , أنتم على باطل , قالوا و الله ماتريد إسمعنا الله يرضى عليك , كلم . ..و امش ؛ فيرى نفسه مضطرا للبقاء معهم , فما أحوج أناس إلى أن يكاتبوا على أنفسهم , نعم إخواني في الله اشتري نفسك ولو أن تبيع بيتك ولا أن تبقى على الضلال و الإضلال , و لكن هكذا يسلكون معهم هذه المسالك فكم من أناس لا يدري إلا وهو مُوَرَّط بمئات الآلاف بل بالملايين , وكما أُخْبِرنا عن شخص عندما أراد أن يتركهم و قد ضغطوا عليه أن يدفع ما أعطوه , قال " واحدة من اثنتين إما أن أكون مستحقا فقد وصلت أموال أهل الخير إلى صاحبها , وإما أن أكون غير مستحق , فأنتم تعبثون بأموال المسلمين في غير مصارفها " , فأسكتهم وكان سببا لنجاته كما يقال , على كل حال المقصود أن المال شبكة يصطاد المبتدعَةُ و العصاةُ المسلمينَ بها ؛ إما أن يحرفوه عن السنة و إما أن يحرفوه عن الطاعة إلى المعصية , وفي حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار , قال - أحدهم الذي يحب ابنة عمه , وكان يحبها أشد ما يحب الرجال النساء و أنه دعاها إلى نفسها فأبت , حتى ألمت بها سنة من السنين , فطلبت منه مائة و عشرين دينارا , فأبى إلا أن تخلي بينه وبين نفسها ففعلت , فلما قعد بين رجليها قالت " اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه " فقام عنها وترك لها المال ! , إنما الشاهد ألا ترى كيف أنه بالمال جرها إلى الزنا ولولا أن أنطقها الله بالنصيحة , و هيأ قلبه للقبول لوقعت في الزنا , فانظر إلى المال , إلى أين يجر المال ! فمن لنا بمثل هذه المرأة ومثل هذا الرجل ؟ كم من أناس يجرون إلى المعصية بسبب المال و يحرفون عن الصراط المستقيم بسبب المال , ومن هنا نعرف هذا البند الثاني من أسباب انحراف أناس عن جادة الصراط المستقيم .
3- و من ذلك أن أناسا يكونون مدسوسين في أوساط المسلمين لا يريدون الهداية و لا يريدون السنة و لا يريدون الحق , وإنما مرادهم أن يخلخلوا الصف و أن يحرفوا أناسا عن الصراط المستقيم ؛ يحرفوهم عن الهدى من السنة إلى البدعة إلى الحزبية إلى المعصية إلى الضلال , خلخلة في وسط المجتمع , قال الله عز وجل :- وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ _؛ لا حظ أظهروا إسلاما , ودخلوا في الصلاة و العبادة من أجل أن يكون ما تركوهم إلا أنهم رأوا عندهم ما لا ينبغي أن يبقى الواحد معهم , ما تركوهم إلا لشيء , هؤلاء قالوا يوما واحدا , هناك من يبقى سنة أو سنتين و العشرة سنوات من أجل أن يكون قد بلغ مبلغ الثقة ليكون تركه للسنة مشككا لأعداد هائلة من الناس , بل إنه ربما كان لهم أعمال صالحة , يظهرون بها من الصلاح عجب العجاب كحال أهل مسجد الضرار ؛ قال الله عز وجل : + وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ _ , سبحان الله المساجد التي تبنى لذكر الله ! أترى لماذا بنيت هنا ؟ ضرارا : يعني بالمساجد الأخرى , و كفرا ؛ المساجد للإيمان ! جعلوها للكفر , وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؛ أصبحت مقرا للباطل , ومقرا .. الكفرة لينشروا الكفر داخل المسجد , فلهذا معشر الإخوة , ينبغي أن تعلم أن أناسا ينحرفون لا أنهم كانوا على هداية , ولكن ليشككوا الناس في الحق الذي كانوا عليه , فكن على ثقة من الآيات و الأحاديث التي كنت عليها , وكن مشفقا لمن ضل , مشفقا على من ضل , راحما له من الضلال الذي هو فيه , و من العذاب الذي سيناله إن مات على ما هو عليه , مع ثباتك أنت على الحق , ما تتشكك ولا تهتز , و لا يصيبك أي ريب , لأنك بنيت نفسك على كتاب وسنة , وعلى فتاوى علماء , والعلماء أمامك جبال راسية , ومعالم ثابتة , بهم يهتدى ويقتدى , ومن قبلهم تأخذ الحق , و تبتعد عن الردى بإذن الله جل وعلا , و لكن هؤلاء لا كثرهم الله عز وجل , مقاصدهم سيئة و شيطانية , و العياذ بالله , لأنهم لا يريدون الخير للناس وإنما يريدون الناس أن يبتعدوا , فأول الشيعة من هذا النوع , عبد الله بن سبأ اليهودي , الذي أظهر حب آل البيت , بعد أن أظهر الإسلام , و ما قصده إلا تفريق المسلمين , وهكذا معشر الإخوة , كم من ضلال و زنادقة أظهروا في المسلمين إسلاما و لكنهم نشروا في أوساطهم الكفر و العياذ بالله , خمس مائة من علماء السلف يحكمون على جهم بن صفوان بأن كافر , بل يقولون الجهمية كفار , ذكر الخمس مائة الإمام اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة , وقال لولا الإطالة لذكرت الآثار إليهم بأسانيدها .
4- ومن الأسباب التي انحرف بسببها أناس عن الصراط المستقيم أن من الناس من يهتدي إلى السنة هداية صادقة و تبقى فيه رواسب , تبقى فيه شبهات , هذه الشبهات لا يستطيع أن يظهرها , ولا يستطيع التخلص منها , فتبقى في نفسه , فأول ما تأتي فتنة جارفة , يكون هو مأخوذا في غثاء السيل تنتعش هذه الرواسب و تظهر هذه البذور , وتؤثر عليه و تطغى عليه , هذه الرواسب , قد يكون فيها الرحمة بالمبتدعة والشفقة عليهم لماذا الكلام فيهم , قد يكون فيها حب دنيا , قد يكون فيها حب للعلو , قد ازدراء للعلماء , قد يكون فيها أي شيء , راسبة من الرواسب , قد تكون شبهات , من شبهات أهل الباطل يظن أنها حقا , فإذا جاءت فتنة انجرف معها , و علاج هذا أنك ما دمت قد اهتديت إلى السنة هداية صادقة , و بقيت فيك تلك الرواسب , لابد أن تكون واثقا بالعلماء ؛ علماء أهل السنة , لأنك معهم بصدق , هذا هو المفترض , أن من هداه الله بصدق ؛ يحب أهل السنة بصدق ويحب العلماء بصدق , فما دمت تحب العلماء فاجعلهم موضع سرك , و ضع أمامهم تلك الشبهات و الرواسب التي لا تزال لديك , و قل لهم أجيبوني عن هذه , و أخبرهم أنك متتلمذ لست معاندا و لا كارها للحق , ولا راغبا في الباطل , وإنما أنت تريد الحق , و قل لهم لقد كنت أعيش في بدع , و قد كنت أعيش في عصيان , وفي نفسي بعض الأمور , أريد أن أعرف عنها أشياء , و أريد أن أستوضحها , و أريد و أريد . وإذا وضع سره للعلماء , و جلس إليهم وناقشهم , و تكلم معهم , أجابوه بإذن الله بالحق والهدى , وفندوا له تلك الشبهات , و أبانوا له الحق , قال الله عز وجل عن العلماء رافعا لهم :+ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ _ ؛ يعني القرآن , فالقرآن آيات بينات الواضحات الجليات , قد حفظوا القرآن و فهموا معناه , و عملوا بمقتضاه , فلهذا رفع الله شأنهم , وقد أرشدك الله قائلا :+ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ _ ؛ ما دمت لا تعلم , وأن عندك بعض الشكوك , وأن عندك بعض الشبهات فسل حتى تكون على بينة , أما إن كنت تقول في نفسك " ولو أفتاني العالم الفلاني بكذا فلست مقتنعا , ولو أفتاني بكذا فلست مقتنعا , ولو جاءني بدليل فلست مقتنعا " , و تلقي هذا في نفسك , فاعلم أن من كان هكذا ؛ أنه طُعْمَةُ الفتن , هذا طعمة الفتن , و لَيَضِلَّنَّ قريبا أو بعيدا إلا أن يتداركه الله بلطفه , نعم معشر الإخوة , ومثله مثل إنسان يعيش و هو يحمل الحيات في محمله ؛ معه حِمْل , معه خُرْج , في خُرْجِه حية , يحمل معه حية , ولا يدري أنها حية , يظنها مما يؤكل , يظنها مما يُكْتَسَب , سل الناس قل لهم ما هذه ؟ ليخبروك أنها حية , ومن أبى أن يبعدها عن حِمْلِه ذلك لَتَلْدَغَنَّهُ ولو بعد حين , ولتعضنه ولو بعد حين , لأن الخطر معه , إلا أن يتداركه الله بلطفه , نعم ! ومن كان عنده إخلاص لله عز وجل , فإنه يكون جريئا على الحق , جريئا في طلب الحق و استيضاحه , بعض الناس قد يقول " لو ذهبت أسأل العالم الفلاني عن شبهة كذا وكذا سيظن . .أنني على بدعة أو على حزبية أو كذا و كذا " لا ! و بارك الله فيك , الطبيب يعرف المريض , يعرف المتمارض , ما يخفى على الطبيب , و هكذا لو أنك جلست إلى العالم , سيعلم ما لديك , أنك طالب حق , أو أنك صاحب ضلال تتنشط فيه شيئا فشيئا , وتظهره شيئا فشيئا . .بإذن الله , فكن جريئا على الحق و طالبا له , وتبحث عنه وبإذن الله عز وجل سيهديك الله عز وجل سبل الهداية , قال الله عز وجل : - وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَ لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا _ , إذا صدقت مع الله سيهديك الله إلى الحق , وقال تعالى :- وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا _ ؛ فإذا علم الله منك الصدق وفقك , إذا علم الله منك الصدق ؛ أنك تريد السنة , ولا تريد البدعة , و تريد الطاعة , و لا تريد المعصية , وتريد الهدى , و لا تريد الضلال , فإن الله يوفقك , ولكن : + وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً _ , إذا علم الله انك تريد ذلك بصدق فسيظهر عليك العمل بالسنة , و يظهر عليك العمل بطاعة الله , و يظهر عليك البعد عن مجالس أهل الباطل , و عن شبهاتهم وما هم عليه .
5- و من الأسباب التي أضلت كثيرا من الناس : الجدل و المناظرة لأهل البدع و عدم المبالاة بالجلوس معهم , و القراءة في كتبهم , و يظن أنه لا يضره ذلك , رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورقة من أوراق أهل الكتاب بيد عمر بن الخطاب , فقال : - أفي شك أنت يا بن الخطاب , والله لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه إلا إتباعي ! , فإذا كان هذا لعمر , فما بالك بنا نحن ! فنحن أولى أن نحتاط لأنفسنا من باب أولى , ومن تعرض للفتن افتتن , و من تعرض للشرور وقع فيها
و لقد يصير لنا بملك طعمة ***** من بات في غاب الليوث نزيلا
نعم , بعض الناس يظن أنه لا تضره الشبهات , ويظن أنه ولو قرأ في كتب أهل الضلال و البدع لا يضره ذلك , كم من أناس قرءوا في كتب الفلسفة فأضلتهم , فلم يستطيعوا أن يتخلصوا منها , ولم يستطيعوا أن يرجعوا إلى الهدى , وأصبحوا في حيرة حتى قال الفخر الرازي :
نهايةُ أقدامِ العـقولِ عِقالٌ *** وغايةُ سعي العالمينَ ضلالُ
وأرواحُنا في وحْشَةٍ من جسومنا *** و غاية دُنيانا أذىً ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طولَ عُمرنا *** سِوى أنْ جمعنا فيه قيلَ وقالوا
وقال الشهرستاني :
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا *** و قلدت طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ *** عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ
فأجابه الإمام الصنعاني بعد زمن.....
تعليق