قائل يقول: إن سبب ضلال اليهود والنصارى هو أخذهم بأقوال أحبارهم ورهبانهم، وسبب ضلال الشيعة هو أخذهم أقوال أئمتهم، وستضل هذه الأمة إذا أخذت بأقوال سلف الأمة!؟
هذا القول ضلال، فالله عزوجل يقول: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، ويقول تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فكيف ستضل هذه الأمة إذا أخذت بأقوال سلفها، الضلال بعينه إذا تركت أقوال وفهم سلفها الصالح، فكيف تفسر القرآن؟ وكيف تفهم الحديث؟ وغير ذلك، فلا يفهم الكتاب والسنة إلا بفهمهم وأقوالهم وبمسلكهم، ونحن متعبدون بذلك، فهذا القول ضلال ومن لوازمه أن كتب العلم ضلال كمصنف ابن عبدالرزاق وابن أبي شيبة! فكلاهما مبني على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لهم بإحسان، كلها بالأسانيد، ومن لوازمه أن كتاب السنن الكبرى كتاب ضلال! وكذا تفسير ابن كثير وابن جرير! وهذه الكتب مبنية على أقوال العلماء سلف الأمة، وآثارهم وفهمهم للكتاب والسنة، وصاحب هذا القول يريد فصل الكتاب والسنة عن فهم السلف، وأنك تفهم الكتاب والسنة كما تريد، والتزهيد في أهل العلم ضلال، في كل زمان ومكان، فأمة تعيش منفصلة عن علمائها أمة تائهة، تلقي بنفسها إلى الهلكة: إلى أيدي الجهال وإلى الاستحسانات الباطلة، وإلى البلاء.قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء:83]، أما الاستدلال بفعل اليهود أنهم أخذوا بأقوال علمائهم؛ فهذا باطل فسبب ضلالهم أنهم لم يأخذوا بأقوال أنبيائهم وعلمائهم، قال الله تعالى: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87]، فمن علمائهم موسى وعيسى عليهما السلام، فخالفوا أقوال علمائهم وأنبيائهم، قال الله عنهم: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ} [البقرة:58]، فهل أخذوا بأقوال علمائهم؟ لا لم يأخذوا، تركوا أقوال علمائهم فهلكوا، والذين نصحوهم يوم السبت هل قبلوا منهم أم أعرضوا عنهم؟ أعرضوا عنهم، قال الله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَهمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:163-166]، فالله نجا الصالحين وأهلك المتمردين، فما أخذوا بأقوال علمائهم في هذه القضية ولا في غيره، فهم أبعد الناس عن أخذ أقوال العلماء هم اليهود والنصارى، واليهود والنصارى قدسوا أحبارهم ورهبانهم حتى جعلوهم أربابًا من دون الله، وهذا من عدم أخذهم لأقوال العلماء، فهل العلماء ينصحونهم بالشرك؟ لا، فالعلماء الصادقون ينصحون بالتوحيد، ويدعونهم إلى توحيد الله، وقد دعتهم أنبياؤهم وعلماؤهم إلى توحيد الله فأبوا أن يقبلوا كلام الله وكلام رسله وكلام سائر أهل العلم، وعظموا أولئك حتى جعلوهم أربابًا من دون الله، قال الله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31]، ووالله ما المسيح راضي بهذا ولا كذلك موسى عليهما السلام، ليسوا براضين أن يشرك بالله عزوجل، ولا كذلك علماؤهم الصالحون، فأبعد الناس عن العلماء هم اليهود والنصارى، وإنما هم خدم الشيطان بالشرك وبغيره، فمن من العلماء من يرضى أن يكون يقدس ويعبد من دون الله!؟ فالذي يرضى يعتبر طاغوتًا، فمن الطواغيت من عُبِد من دون الله وهو راضٍ.أما تزهيد الناس في أهل العلم بحجة قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة:31]، أنها بمعنى أنهم أخذوا فتاواهم ونصائحهم؛ فهذا من الجهل المطبق، فهذه الآية فيها أنه لا يجوز الشرك بالله من أحد، ولا يجعل لله ندًا من أحد من خلقه، ولا مع الله، والأدلة الكثيرة تحث على سؤال أهل العلم وتقديرهم وإجلالهم، فلا يؤخذ المجمل ويترك المبين، فهذا من شأن أهل الهوى، فهم يأخذون من الأدلة ما كان مجملًا ويعارضون بها الأدلة الواضحة الجلية، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه القيم اقتضاء الصراط المستقيم أن من سبب ضلال اليهود والنصارى وسائر أهل البدع أنهم ردوا المبين بالمجمل، ولم يردوا المجمل إلى المبين ليبينه.فهم السلف هو الأصل في الدين، ففهم السلف لابد منه.مداخلة:رجل يقال له إدريس يتبنى هذا الفكر، وينتقد فهم السلف ويرده؟الشيخ:هذا كلام ثرثرة، غير منضبط، ولا يعبأ به، والكلام الباطل يأخذ فترة ثم يترك، وكذا الزجلة الباطلة تأخذ دورها أيامًا ثم تضمحل، والذي يبقى هو الحق، وهو الأصل، وما عداه زائل، فليحذر كل إنسان من مخالفة الأصول.وهذا إدريس ألف كتابًا دافع فيه عن ابن سلول المنافق، فما بقي إلا أن يؤلف كتابًا في الدفاع عن إبليس، فالشيطان عنده توحيد ربوبية، كما فعل من قبله مثل صديق إبليس، والإبليسية، ويدافع عن أبي جهل وأبي لهب! فمن الذي تسمح له نفسه أن يدافع عن ابن سلول وقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سلم منه عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس يبغضونه جميعًا من الصحابة وغيرهم، إنما لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم من باب: ((لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه))، لأنه يظهر الإسلام، والله أخبر عنه أنه في الدرك الأسفل من النار، ويأتي هذا ويكتب باب فضل عبدالله بن سلول، فما عساه يكتب له من الفضائل، فأنا أنصح إخواننا في المحويت أن يهجروا هذا المسمى إدريس، يهجروه جميعًا رجالًا ونساءً، وإن استطاعوا أن لا يحضروا له درسًا في الكلية ولا في غيره فليفعلوا، حتى يمل ويذهب إلى ما من كان على شاكلته من الحزبيين وغيرهم من أهل الشر، وقد لبث في أهل المحويت قريبًا من ثمان سنين، وهو متستر ثم ظهر على حقيقته السيئة بأمور منها دفاعه عن ابن سلول، ومثل الطعن في منهج السلف، وهذا منه باطل شديد البطلان، فكيف يطعن في منهج السلف وهو يعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السلف، وأبو بكر هو السلف، وعمر وعثمان وعلي والصحابة جميعًا هم السلف، فكيف يطعن فيهم، فماذا أبقى لنا من السلف، وهذا نظير رجل يقال له: زاكر، انتقد الشيخ ابن باز رحمه الله في قوله: (على فهم السلف).وقد كان الشيخ الألباني رحمه الله يكرر في دعوته وفي كتبه وفي أشرطته: (منهج السلف، دعوة السلف...)، وهكذا شيخنا رحمه الله، وسائر علماء الدين من المتقدمين والمتأخرين يضبطون الناس بالكتاب والسنة على فهم السلف، ويربطونهم بسلفهم الصالح، فدعوة من ينكر منهج السلف دعوة عقلانية