هذه نصيحة للإخوة
الخارجين دعوة
لفضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
فرغها واعتنى بها
أبو بكر منير بن سالم الحضرمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه: "نصيحة للإخوة، الخارجين دعوة"
وهي عبارة عن سؤال أجاب عنه شيخنا الناصح الأمين أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ورعاه- ليلة الأحد 17 شعبان 1430، بدار الحديث بدماج، ثم راجعه وأصلح فيه، فجزاه الله خيرًا. وجزى الله خيرًا من تعاون على إخراجها ونشرها.
نسأل الله عز وجل أن ينفع بها.
* * *
السؤال: أخ يقول: نرى الخارجين دعوة هذه الأيام كثير، فهل من نصيحة لهم، في كيفية الدعوة إلى الله عز وجل؟
الجواب: غالب من يخرج –ولله الحمد- لهم خبرة بالدعوة إلى الله عز وجل؛ حفاظ قرآن وما فتح الله عليهم من السنة، وعندهم من الخير كثير، وهؤلاء إن كان لهم من توجيه؛ فلمزيد التثبيت على ما هم عليه، أو لفت النظر إلى ما قد يغفل عنه أمثالهم ومن فوقهم ومن دونهم.
1- وهذا الذي ننصح به إخواننا, ألا يخرج دعوة إلا من ينفع الله به، في بلده، أو في غير بلده.
• والإخوة الأفاضل الذين يُخرجون إخوانهم معهم يتحرون من يرونه إن شاء الله ينفع الله به، وليس صغار السن الذين ما عندهم قدرة على الدعوة إلى الله، ولا على إمامة الناس، فهذا يتزود ويكمل القرآن، حتى يكون له قدرة على الدعوة إلى الله ويخرج. ولا بأس أن يخرج مثله إلى بلده، فأهل البلد يغضون الطرف عما يحصل من صاحبهم أكثر من غيرهم, لاسيما إخوانه وأهله.
• وفعلاً الذي يخرج من هذا المكان الناس له ناظرون، الزلة منه ما هي يسيرة، يستعظمونها، وهم يفعلون أمثالها.
2- فليحافظ السني على العلم والسنة، وعلى حسن الخلق، وعلى الرفق، وعلى دعوة الناس ببصيرة، ولا يخالطهم إلا في حدود ما ينتفعون، ويلازم الصيانة لعلمه؛ كما هو عليه من العفة والخير.
والناس يختلفون في ذلك:
فمنهم من يجد طلابًا مقبلين على الخير، فيربض في ذلك المكان يعلم، ويصلي بهم، وينعش دعوة في ذلك الموضع الذي هو فيه.
ومنهم من يجد قلة، إلا في وقت التراويح وكذا، وإلا فهم أصحاب أشغال، فهذا لا بأس أن يتجول من حين إلى آخر، إلى قرى مجاورة، يحثهم على الخير، ويدلهم عليه.
3- والحاصل أن الطالب المحنك الذي هو على ثبات من أمره أينما ذهب ربط الناس بالخير والسنة، والعلم والهدى، والله رأيناهم يفرحون جدًا، حتى ما يحبون يذهب من عندهم هذا الطالب، ولهذا ترون الذين فتنوا بعد ما أحبهم الناس, بقوا في ذلك البلد لهم تأثير إلى أمد، حتى يتبين لهم بعد حين أنه على غير ما كان عليه قبل, لأن الناس يفرحون بمن يأتي, قد يكونون في غفلة، وفي شيء من الجهل، فإذا جمعهم شخص صالح عنده من العلم والسنة والخير، على علم، على عبادة، على خير، ترق قلوبهم، وتصلح أحوالهم، وتستقيم أخلاقهم، يشعرون بالخير، ويشعرون بالراحة النفسية، ففي هذا الحال ما يحبون أن يذهب، وإن ذهب يذهب من عندهم وهم راغبون في بقائه.
4- فكونوا عند حسن ظن الناس؛ علمًا وعملاً ودعوة و استقامة وأخلاقًا وصيانةً. ولنكن جميعًا كذلك إن شاء الله، نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا.
• يعتبر نكبة على البلد وحسرة عليه ودهشة أيضًا، يندهشون أن يأتي الطالب، يرون منه نصحًا وعلمًا وعملاً يبهرهم، فيكون في موطن الإجلال والإكرام؛ إن شَفَعَ شُفِّع، وإن أصلح قُبِل صُلحه، وإن تكلم سُمِع له، وغير ذلك من الأمور، فهو عندهم بمنزلة أحد سراتهم وكبرائهم، لرفعة العلم!، ولا يدرون إلا وينقلب؛ إما إلى دنيا، وإما إلى أفكار، وإما يتكلم في الدار التي تعلم فيها أو على معلمه أو...، هذا يقولون: مال هذا؟! ممسوخ، فيصابون بالإحباط.
أخبرنا إخوان من قرية يقال لها: "دَيْر الحسي" نحو حرض: أن حسنًا الحملي -أصلحه الله- كان عندهم، وعنده أفكار جهادية، وهو شغوف بالدنيا جدًا.
وفيهم أثرياء كثير كانوا محبين للخير جدًا مقبلين عليه, بل قال لنا بعض الزوار: كان واحد هناك تاجر يقال له فلان إذا جاء مسكين أو رأى سنيًا محبًا للخير, يكرمه إكرامًا بالغًا .وبعد ذلك سُقط في أيديهم، لا دروا إلا وهو يجلب لهم الفتن، ومع جماعة الجهاد، ويربي أبناءهم على التمرد عليهم, وحصلت منه هنات وهنات، واتهم أنه أخذ قاربًا. وتارة مع جمعية الحكمة، وتارة مع جمعية كذا وكذا، ويتنقَّل إلى الرقية، بعد ذلك رأوا منه ما لا يتوقعونه من حب الدنيا، والانشغال بها، وعدم تربيتهم تربية صحيحة, وبعض افتئات بعض أبنائهم عليهم ببعض الأفكار, وشيء من ذلك جعلهم ينقبضون من ذلك الحين إلى قريب وهم ما زالوا منقبضين من هذا الصنف. الحاصل تَشَوَّه، وشَوَّه الدعوة هناك, وصار الطلاب هناك -وفقهم الله- الذين عرفوا السنة وعرفوا مضاديها، وعرفوا أصحاب الدنيا؛ ممن تلبسوا بها وأصحاب المطامع، وعرفوا المتلصصين على الدعوة، هؤلاء يُصَفُّون ما عَلِقَ بأذهان بعض عوام الناس من هذه الأحوال السيئة، نسأل الله السلامة.
هذا نموذج لمن يضرب الدعوة بأفعاله الدنيوية، وتصرفاته السيئة المنحرفة عن جادة الدعوة السلفية، يضربها والله في بلده، ويضربها في نفسه، ويضربها في إخوانه، يُشَّوه نفسه وغيره.
• فحرام عليك أيها السني، ومعاذ الله –يعني- من سني يحب الله والدار الآخرة؛ أن تحصل منه هذه الأفعال، إلا إذا كان مجرد زلة يسرع منها الفَيئة، وإلا فليكن عند حسن ظن الصالحين.
5- عوام الناس إذا حببتهم في الخير يحبونه، لا سيما الذين لم تلوث أذهانهم وفطرهم بالشُّبه والفتن والبدع والخرافات، تأتي وهم على فطرة، فتربيهم تربية صحيحة. فلان يدخن، فلان يخزن، فلان يحلق لحيته، فلان كذا، على فطرهم مساكين، وجدوا الناس على هذا الحال مشوا عليه، يماسكهم السني، ويحبب إليهم دين الله، يحبب إليهم العلم والسنة، ولا ترى إلا واعترفوا بذنوبهم، ولجأوا إلى الحق، والمسيء منهم يبقى خجلانًا من الخير وأهله؛ ففيه خير ما هو معاند. فهؤلاء وأمثالهم إذا جاءتهم صدمة من سني بأفعال تقارب أفعالهم وأخطائهم، يُصْدَمون.
6- السنن تنشر، ففيها بركة على الناس، فيها رحمة بهم؛ دين الله الحق هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف، تنشر، ولكن تُقَّدم للناس بأساليب طيبة، وبرفق حسن، وبأدلة وثيقة، وبجذبهم إلى الخير، وإشعارهم أنك تحب لهم ما ينفعهم. مًن قَبِلَها قَبِلَها، ومن لم يقبلها ما يضرك. الحق لازم يمشي، لأن الميزان هو الحق، وليس الناس.
7- ليكن اهتمام إخواننا -حفظهم الله- بنشر العلم والسنة، وهؤلاء المزَوبِعون في أوساط الدعوة السلفية، والذين صاروا حجار عثرة أمامها، يضربون أنفسهم بأنفسهم ﴿يخربون بيوتهم بأيديهم﴾[الحشر:2]. فأنت امش على ما أنت عليه، وعند السؤال والمناقشة تبين الحق، وتحذر من الباطل بحسبه، وتمضي، والخير يتبع الخير، والشر يتبع الشر، والهدى يتبع الهدى ، والردى يتبع الردى.
8- وإياك يا طالب العلم أن تشعر من نفسك بالزيغ إلى الرياء، والسمعة؛ ثم ترضى بذلك، جاهد نفسك، ربما ترى من الناس اندفاعًا عليك فتتلوث النفس بمثل هذا جاهدها، واعرف الضعف من نفسك، أنها بحاجة إلى الإخلاص، وإلى الصدق مع الله، ومعها ومع الناس، وبحاجة إلى اللجوء إليه عز وجل، إن رأيت قصورًا منك في الإخلاص أو الاتباع أو العمل الصالح، فاجتهد في تكميل النقص الذي فيك، اضبط نفسك على الاتباع للسنة، اضبطها بالحق، كلنا إن شاء الله نرجو أن نسير على ذلك إلى أن نلقى الله عز وجل.
• ثم يا أخي ما أنت إلا سبب، ربما تجد في البلد الذي تذهب فيه من هو أغير منك على دين الله، ربما تظن أنك ستواجه أناسًا بحاجة إلى كذا، وإلى كذا، ولا تأتي في البلد إلا وأنت تضيف لهم معلومات من جنس ما عندهم، وخيرًا مما عندهم من الخير، وكذلك أيضًا من باب: ﴿سنشد عضدك بأخيك﴾[القصص:35]. وعندهم من الغيرة على السنة، والحب لها، والدعوة إليها، والمعاضدة، وما إلى ذلك من الخير ما عندك وزيادة، وفي كل وادٍ بنو سعد، كما يُقال. واعتبر ففي الزوايا خبايا، والحمد لله الدعوة انتشرت، والخير محبوب، والشر مبغوض.
الساحة اليمنية الآن - ولله الحمد- لكثرة الدعوة، ومضيها بين الناس، ولِمَا أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، «الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان». محبِّون للخير إلا من تلوثت فطرته ببدعة، فيبقى منزويًا من الحق وأهله، أو مضادًا لهما، وإن كان قد عرفه، -نسأل الله العافية- وما يضر إن شاء الله تعالى.
9- لا نبقى يا أهل السنة نحوس وندوس في موضع واحد، الفتنة تمر، ونمشي للأمام، ما نبقى نحوس وندوس في موضع واحد، ونكون عند ظن الذين يريدون أن يضيعونا، لا، أي فتنة تمضي خلاص، مضت، واستبانت ونمشي للأمام، وما جاء كما يقال: لكل حادثة حديث. كان شيخنا -رحمه الله- يقول: هذه المسألة قد تجاوزناها وراحت.
10- الإخوة الذين يتكلمون في مجامع الناس أنصحهم بالتحضير، انتبه بارك الله فيك، أنت تتكلم، وربما تعلن لك محاضرة إعلاناً موسعًا؛ والشيخ الفلاني، والشيخ الفلاني، فإذا جئت والكلام ليس مضبوطًا بأدلة، ما كان ذلك عند ظنهم بك، صحيح! ربما كانوا يظنون نفعًا أعظم، بدون تكلف كتاب الله وسنة رسوله بركة، عدة أدلة تحفظها وتشرحها، ينفعهم الله بذلك.
• رتب موضوعك، واطرحه للناس، واشرح الكلمات، وعد إلى تفاسير أهل العلم، وإلى شروح الأحاديث، حتى لا تزلق لسانك، وكن هادئًا في الكلام، قال الله تعالى: ﴿ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ [الروم:60].
- وأيضًا لا تتكلم إلا في حدود ما تحسن، ولا تتكلم في أشياء تخمينية، ولا تنقل إلا ما كان مضبوطًا عندك.
وهكذا يكون همك نصرة الحق والسنة، والإخلاص لله والاتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
• هذا نصح لنا جميعًا في هذا الوقت وفي غيره، فإننا بحاجة إلى مثل ذلك، والله إذا رأيت طالبًا تكلم بكلام مضبوط مؤيدًا بالأدلة أفرح. وأقول: كلامه موزون مضبوط، مثل هذا الكلام ينفع الله به، مضبوط بالأدلة، والكلام الذي فيه زيادة ونقص، و مجاوزة وتقصير، وأشياء من ذلك، هذا صاحبه يحتاج أن يتزود. وإن كان على خير لكن يحتاج أن يتعلم يتفقه، يحتاج يبقى في أماكن العلم، حتى يتمكن ويرسخ، لأن الله يقول: ﴿والراسخون في العلم في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾[آل عمران:7]. فالشطط والغلط والزلقات والشطحات ما تأتي من الراسخين، تأتي ممن بحاجه إلى التزود، وإلى ضبط كلامه؛ كتابيًا وخطابيًا ودعويًا، هذا هو، الله يبارك فيكم، وخير القول ما قل ودل.
بدلاً من أن تكثر الكلام، وعليك أخطاء من هنا ومن هنا، لا, خذ ما كنت تعرف، ولو كان كلامًا قليلاً موزونًا مضبوطًا، ينفع الله به. ودع ما اشتبه عليك.
11- وأيضًا فيما يتعلق بالدروس للعامة وغيرهم كلٌ على مستواه، فهم يحبون ما يفهمون، وما يصعب عليهم يتعقدون منه، يقولون: نحن عوام ما نستطيع نفهم هذا، فإذا فهموا ازداد اندفاعهم للخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل لما سمعه يخطب: «بئس خطيب القوم أنت». قال أهل العلم كالنووي وغيره: لأنه حصل منه إجمال في موضع التفصيل، والتفصيل أنفع للناس، سواءً في الخطابة أو التدريس أو غير ذلك. فهناك دروس مثلاً في التفسير، "تفسير ابن كثير" جميل جدًا، عند من يحسنه، ويتقنه، ويفيد الناس فيه، إما جزء عم مثلا، من قصار السور ونحو ذلك، ويصعد بهم كل يوم في سورة، أو يبدأ من جزء عم، ويفسر لهم تفسيرًا حسنًا، مع مواعظ.
12- النصح للناس نافع، للخاصة والعامة، وهو هدي الأنبياء وطريقهم، فخلل دروسك بالنصح، عند المناسبة النصح المناسب في موضعه، والتحذير من المعاصي، والتحذير من البدع، وتحبيب السنة والعلم إلى الناس، سواء فيما يتعلق بأمور رمضان أو غير ذلك، فالدين شامل كامل.
13- الذي يخرج دعوة مثلاً في مدة شهر، يحاول أن يأخذ من الدروس للطلاب الذين لهم نهمة في العلم ما يكمل لهم ذلك، فالكتاب إذا أُكْمِل فرح به الطالب، مثلا "كتاب التوحيد" المتن، أو "الواسطية" المتن، أو كذلك ما كان يسهل على الناس، مما يفهمونه، ويكمله لهم، ولو تأخر من أجل إكمال ذلك الدرس لإخوانه، فييسر الله من يقوم بتدريسه بعده، وينقله لغيره، يكون ذلك الطالب الذكي ينقل هذا العلم لغيره عنك، ينفع الله بذلك.
• فأكملوا ما فتحتموه من الدروس هنا وغير هنا، من فتح درسًا لا ينبغي أن يكون مُحَبـّـِطًَـا لإخوانه، بل يَجِدّ فيه ويواصل فيه مع الصبر حتى وإن كان الكتاب كبيرًا، يصبر حتى ينهيه لنفسه ولإخوانه، هذا فيه بركة عليك وعلى إخوانك، الذين يجلسون معك ويأخذون عنك. إكمال الدروس فيه بركة، والتقطع بهم يتعبهم، ويتعبك حتى أنت.
• لهذا صار من ميزة أهل السنة في هذا المكان -ولله الحمد- المثابرة على العلم، وإكمال الكتب، وجردها. أي كتاب يبدأ فيه المدرس يكمله في وقت مبكِّر، لا لأنه ما يفيد؛ ولكن للمثابرة والاستمرار، إلا لعرض أو مرض.
وكثير من الناس يدرسون عند أناس، بعضهم علماء، إما في النحو مثلا؛ "التحفة" أو"المتممة"، أو في "الواسطية" فقد يمكث معه السنة في "الواسطية" إما درس إسبوعي أو شهري، يأتي وقد نسي الأول، وهو عبارة عن محاضرة شهرية يلقيها.
• فالدرس الأسبوعي والشهري قليل البركة، بالنسبة لِمَا كان كل يوم مستمرًا، فإكمال الكتب أمر مهم، فالمدرس نفسه يشعر بارتياح، إذا أكمل الكتاب؛ وبحصيلة، فضلاً عن الطالب، والطالب أكثر.
14- وبقدر مكنة الطالب وثباته واستمراره على الخير يحصل النفع، بإذن الله عز وجل.
جزى الله أخانا عدنان خيرًا، لمَّا مكث في مسجد شرقين، أكمل لهم دروسًا كثيرة، وأحبوه، ونعش الدعوة هناك نعشة طيبة، وغيره كثير من أمثاله، والذين يخرجون سواء في اليمن أو في غيره. بقدر ثبات الطالب على الحق ينفع الله به.
• ولايزهِّد في الطالب الثابت على الحق إلا من لا يُبَالى به، ولا بتزهيده، كما قيل:
ومنزلة الفقيه من السفيه كمنــزلة السفيه من الفقيـه
فهذا زاهد في علم هــذا وهذا أزهـد منـــه فيـه
• المكاتب العلمية تشتاق للطالب المنكب على العلم، وهو نفسه يشتاق لها، بين الطالب الجاد وبين المكتبة تآلف عجيب، فهو يألفها ويستريح لإخراج كنوز العلم منها، ما أصحاب الكتب إلا هؤلاء، الذين لهم نهمة في العلم، فالحمد لله أينما ذهب الطالب الثابت الجاد فهو في خير، وبقاؤه في العلم أخير، لأنه بقدر مكنة الطالب الخَيِّر ينفع.
15- والبادئون وأشباه العوام تُحَفِّظْهم من الأحاديث القصار، ما تجلس مجلسًا فيه عامة وتحملهم الأحاديث الطوال، وتقول: اقرأ يا شيبة، اقرأ يا والد، يا أخي هذا يُخَجِّلهم، إن كنت تريده أن يحفظ هو ومثله؛ فخذ حديثًا قصيرًا، وحفِّظه إياه، مثل: عن معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين »، ومثل: عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . أما أن تحفظ أنت حديثًا بإسناده ربما مكثت فيه نحو نصف ساعة تدوك، وتحفِّظه إخوانك الجالسين الذين هم عندك في المجلس، ومنهم عوام، هذا يخجِّل بعضهم، وبعضهم يحفظه بإجهاد لنفسه، وهذا يسبب لهم الحرج والملل من الحفظ.
• كتاب "الأربعين النووية" جيد لو شُرِح للبادئين، فيه بركة عظيمة، كله بين صحيح لذاته أو لغيره، أو حسن لذاته أو لغيره، عند المحاققة تجد الكتاب لا يخرج عن هذا، باعتبار ما فيه من الشواهد والمتابعات، لما قد ضُعِّف فيه.
• إذا رأيت منهم محبة للمصطلح فحفِّظهم ودرسهم مثل "البيقونية" فهي جيدة سَلِسَة، وأرفع منها "الموقظة" للذهبي -رحمه الله-.
16- ومما يُتَنَبَّه له أن الحزبيين قد يؤثرون على بعض الناس بتلاوة القرآن، فيأتون بإمام مجود وحسن الصوت، ويجعلونه دعوة لهم يجذب الناس إلى أفكارهم الحزبية المنحرفة، يجلب الناس بصوته الحسن، وبتجويده.
• فالتجويد مع الصوت الحسن مع الإتقان دعوة عظيمة، والله! تلاوة القرآن بصوت حسن، مع تجويد، وعدم التثقيل على الناس، دعوة عظيمة.
كان طالب عنده صوت حسن، حَفِظَ القرآن جيدًا، وذهب إلى قرية ويصلي بهم، وأعجب الناس صوته؛ أخبرنا بعض الناس من هناك قال: والله، حتى النساء كن يصعدن على ظهور البيوت، يقلن من أين هذا الإمام؟ قالوا لهم: هذا من طلاب الشيخ مقبل. يقلن: الله يغفر للشيخ مقبل، ويدعون له، وللشيخ مقبل، لأن هؤلاء يخرجون من عنده، هذه ثمرة عظيمة، حتى المرأة تجلس على البيت تسمع التلاوة وتبكي.
تم بحمد الله
الخارجين دعوة
لفضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
فرغها واعتنى بها
أبو بكر منير بن سالم الحضرمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه: "نصيحة للإخوة، الخارجين دعوة"
وهي عبارة عن سؤال أجاب عنه شيخنا الناصح الأمين أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ورعاه- ليلة الأحد 17 شعبان 1430، بدار الحديث بدماج، ثم راجعه وأصلح فيه، فجزاه الله خيرًا. وجزى الله خيرًا من تعاون على إخراجها ونشرها.
نسأل الله عز وجل أن ينفع بها.
* * *
السؤال: أخ يقول: نرى الخارجين دعوة هذه الأيام كثير، فهل من نصيحة لهم، في كيفية الدعوة إلى الله عز وجل؟
الجواب: غالب من يخرج –ولله الحمد- لهم خبرة بالدعوة إلى الله عز وجل؛ حفاظ قرآن وما فتح الله عليهم من السنة، وعندهم من الخير كثير، وهؤلاء إن كان لهم من توجيه؛ فلمزيد التثبيت على ما هم عليه، أو لفت النظر إلى ما قد يغفل عنه أمثالهم ومن فوقهم ومن دونهم.
1- وهذا الذي ننصح به إخواننا, ألا يخرج دعوة إلا من ينفع الله به، في بلده، أو في غير بلده.
• والإخوة الأفاضل الذين يُخرجون إخوانهم معهم يتحرون من يرونه إن شاء الله ينفع الله به، وليس صغار السن الذين ما عندهم قدرة على الدعوة إلى الله، ولا على إمامة الناس، فهذا يتزود ويكمل القرآن، حتى يكون له قدرة على الدعوة إلى الله ويخرج. ولا بأس أن يخرج مثله إلى بلده، فأهل البلد يغضون الطرف عما يحصل من صاحبهم أكثر من غيرهم, لاسيما إخوانه وأهله.
• وفعلاً الذي يخرج من هذا المكان الناس له ناظرون، الزلة منه ما هي يسيرة، يستعظمونها، وهم يفعلون أمثالها.
2- فليحافظ السني على العلم والسنة، وعلى حسن الخلق، وعلى الرفق، وعلى دعوة الناس ببصيرة، ولا يخالطهم إلا في حدود ما ينتفعون، ويلازم الصيانة لعلمه؛ كما هو عليه من العفة والخير.
والناس يختلفون في ذلك:
فمنهم من يجد طلابًا مقبلين على الخير، فيربض في ذلك المكان يعلم، ويصلي بهم، وينعش دعوة في ذلك الموضع الذي هو فيه.
ومنهم من يجد قلة، إلا في وقت التراويح وكذا، وإلا فهم أصحاب أشغال، فهذا لا بأس أن يتجول من حين إلى آخر، إلى قرى مجاورة، يحثهم على الخير، ويدلهم عليه.
3- والحاصل أن الطالب المحنك الذي هو على ثبات من أمره أينما ذهب ربط الناس بالخير والسنة، والعلم والهدى، والله رأيناهم يفرحون جدًا، حتى ما يحبون يذهب من عندهم هذا الطالب، ولهذا ترون الذين فتنوا بعد ما أحبهم الناس, بقوا في ذلك البلد لهم تأثير إلى أمد، حتى يتبين لهم بعد حين أنه على غير ما كان عليه قبل, لأن الناس يفرحون بمن يأتي, قد يكونون في غفلة، وفي شيء من الجهل، فإذا جمعهم شخص صالح عنده من العلم والسنة والخير، على علم، على عبادة، على خير، ترق قلوبهم، وتصلح أحوالهم، وتستقيم أخلاقهم، يشعرون بالخير، ويشعرون بالراحة النفسية، ففي هذا الحال ما يحبون أن يذهب، وإن ذهب يذهب من عندهم وهم راغبون في بقائه.
4- فكونوا عند حسن ظن الناس؛ علمًا وعملاً ودعوة و استقامة وأخلاقًا وصيانةً. ولنكن جميعًا كذلك إن شاء الله، نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا.
• يعتبر نكبة على البلد وحسرة عليه ودهشة أيضًا، يندهشون أن يأتي الطالب، يرون منه نصحًا وعلمًا وعملاً يبهرهم، فيكون في موطن الإجلال والإكرام؛ إن شَفَعَ شُفِّع، وإن أصلح قُبِل صُلحه، وإن تكلم سُمِع له، وغير ذلك من الأمور، فهو عندهم بمنزلة أحد سراتهم وكبرائهم، لرفعة العلم!، ولا يدرون إلا وينقلب؛ إما إلى دنيا، وإما إلى أفكار، وإما يتكلم في الدار التي تعلم فيها أو على معلمه أو...، هذا يقولون: مال هذا؟! ممسوخ، فيصابون بالإحباط.
أخبرنا إخوان من قرية يقال لها: "دَيْر الحسي" نحو حرض: أن حسنًا الحملي -أصلحه الله- كان عندهم، وعنده أفكار جهادية، وهو شغوف بالدنيا جدًا.
وفيهم أثرياء كثير كانوا محبين للخير جدًا مقبلين عليه, بل قال لنا بعض الزوار: كان واحد هناك تاجر يقال له فلان إذا جاء مسكين أو رأى سنيًا محبًا للخير, يكرمه إكرامًا بالغًا .وبعد ذلك سُقط في أيديهم، لا دروا إلا وهو يجلب لهم الفتن، ومع جماعة الجهاد، ويربي أبناءهم على التمرد عليهم, وحصلت منه هنات وهنات، واتهم أنه أخذ قاربًا. وتارة مع جمعية الحكمة، وتارة مع جمعية كذا وكذا، ويتنقَّل إلى الرقية، بعد ذلك رأوا منه ما لا يتوقعونه من حب الدنيا، والانشغال بها، وعدم تربيتهم تربية صحيحة, وبعض افتئات بعض أبنائهم عليهم ببعض الأفكار, وشيء من ذلك جعلهم ينقبضون من ذلك الحين إلى قريب وهم ما زالوا منقبضين من هذا الصنف. الحاصل تَشَوَّه، وشَوَّه الدعوة هناك, وصار الطلاب هناك -وفقهم الله- الذين عرفوا السنة وعرفوا مضاديها، وعرفوا أصحاب الدنيا؛ ممن تلبسوا بها وأصحاب المطامع، وعرفوا المتلصصين على الدعوة، هؤلاء يُصَفُّون ما عَلِقَ بأذهان بعض عوام الناس من هذه الأحوال السيئة، نسأل الله السلامة.
هذا نموذج لمن يضرب الدعوة بأفعاله الدنيوية، وتصرفاته السيئة المنحرفة عن جادة الدعوة السلفية، يضربها والله في بلده، ويضربها في نفسه، ويضربها في إخوانه، يُشَّوه نفسه وغيره.
• فحرام عليك أيها السني، ومعاذ الله –يعني- من سني يحب الله والدار الآخرة؛ أن تحصل منه هذه الأفعال، إلا إذا كان مجرد زلة يسرع منها الفَيئة، وإلا فليكن عند حسن ظن الصالحين.
5- عوام الناس إذا حببتهم في الخير يحبونه، لا سيما الذين لم تلوث أذهانهم وفطرهم بالشُّبه والفتن والبدع والخرافات، تأتي وهم على فطرة، فتربيهم تربية صحيحة. فلان يدخن، فلان يخزن، فلان يحلق لحيته، فلان كذا، على فطرهم مساكين، وجدوا الناس على هذا الحال مشوا عليه، يماسكهم السني، ويحبب إليهم دين الله، يحبب إليهم العلم والسنة، ولا ترى إلا واعترفوا بذنوبهم، ولجأوا إلى الحق، والمسيء منهم يبقى خجلانًا من الخير وأهله؛ ففيه خير ما هو معاند. فهؤلاء وأمثالهم إذا جاءتهم صدمة من سني بأفعال تقارب أفعالهم وأخطائهم، يُصْدَمون.
6- السنن تنشر، ففيها بركة على الناس، فيها رحمة بهم؛ دين الله الحق هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف، تنشر، ولكن تُقَّدم للناس بأساليب طيبة، وبرفق حسن، وبأدلة وثيقة، وبجذبهم إلى الخير، وإشعارهم أنك تحب لهم ما ينفعهم. مًن قَبِلَها قَبِلَها، ومن لم يقبلها ما يضرك. الحق لازم يمشي، لأن الميزان هو الحق، وليس الناس.
7- ليكن اهتمام إخواننا -حفظهم الله- بنشر العلم والسنة، وهؤلاء المزَوبِعون في أوساط الدعوة السلفية، والذين صاروا حجار عثرة أمامها، يضربون أنفسهم بأنفسهم ﴿يخربون بيوتهم بأيديهم﴾[الحشر:2]. فأنت امش على ما أنت عليه، وعند السؤال والمناقشة تبين الحق، وتحذر من الباطل بحسبه، وتمضي، والخير يتبع الخير، والشر يتبع الشر، والهدى يتبع الهدى ، والردى يتبع الردى.
8- وإياك يا طالب العلم أن تشعر من نفسك بالزيغ إلى الرياء، والسمعة؛ ثم ترضى بذلك، جاهد نفسك، ربما ترى من الناس اندفاعًا عليك فتتلوث النفس بمثل هذا جاهدها، واعرف الضعف من نفسك، أنها بحاجة إلى الإخلاص، وإلى الصدق مع الله، ومعها ومع الناس، وبحاجة إلى اللجوء إليه عز وجل، إن رأيت قصورًا منك في الإخلاص أو الاتباع أو العمل الصالح، فاجتهد في تكميل النقص الذي فيك، اضبط نفسك على الاتباع للسنة، اضبطها بالحق، كلنا إن شاء الله نرجو أن نسير على ذلك إلى أن نلقى الله عز وجل.
• ثم يا أخي ما أنت إلا سبب، ربما تجد في البلد الذي تذهب فيه من هو أغير منك على دين الله، ربما تظن أنك ستواجه أناسًا بحاجة إلى كذا، وإلى كذا، ولا تأتي في البلد إلا وأنت تضيف لهم معلومات من جنس ما عندهم، وخيرًا مما عندهم من الخير، وكذلك أيضًا من باب: ﴿سنشد عضدك بأخيك﴾[القصص:35]. وعندهم من الغيرة على السنة، والحب لها، والدعوة إليها، والمعاضدة، وما إلى ذلك من الخير ما عندك وزيادة، وفي كل وادٍ بنو سعد، كما يُقال. واعتبر ففي الزوايا خبايا، والحمد لله الدعوة انتشرت، والخير محبوب، والشر مبغوض.
الساحة اليمنية الآن - ولله الحمد- لكثرة الدعوة، ومضيها بين الناس، ولِمَا أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، «الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان». محبِّون للخير إلا من تلوثت فطرته ببدعة، فيبقى منزويًا من الحق وأهله، أو مضادًا لهما، وإن كان قد عرفه، -نسأل الله العافية- وما يضر إن شاء الله تعالى.
9- لا نبقى يا أهل السنة نحوس وندوس في موضع واحد، الفتنة تمر، ونمشي للأمام، ما نبقى نحوس وندوس في موضع واحد، ونكون عند ظن الذين يريدون أن يضيعونا، لا، أي فتنة تمضي خلاص، مضت، واستبانت ونمشي للأمام، وما جاء كما يقال: لكل حادثة حديث. كان شيخنا -رحمه الله- يقول: هذه المسألة قد تجاوزناها وراحت.
10- الإخوة الذين يتكلمون في مجامع الناس أنصحهم بالتحضير، انتبه بارك الله فيك، أنت تتكلم، وربما تعلن لك محاضرة إعلاناً موسعًا؛ والشيخ الفلاني، والشيخ الفلاني، فإذا جئت والكلام ليس مضبوطًا بأدلة، ما كان ذلك عند ظنهم بك، صحيح! ربما كانوا يظنون نفعًا أعظم، بدون تكلف كتاب الله وسنة رسوله بركة، عدة أدلة تحفظها وتشرحها، ينفعهم الله بذلك.
• رتب موضوعك، واطرحه للناس، واشرح الكلمات، وعد إلى تفاسير أهل العلم، وإلى شروح الأحاديث، حتى لا تزلق لسانك، وكن هادئًا في الكلام، قال الله تعالى: ﴿ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ [الروم:60].
- وأيضًا لا تتكلم إلا في حدود ما تحسن، ولا تتكلم في أشياء تخمينية، ولا تنقل إلا ما كان مضبوطًا عندك.
وهكذا يكون همك نصرة الحق والسنة، والإخلاص لله والاتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
• هذا نصح لنا جميعًا في هذا الوقت وفي غيره، فإننا بحاجة إلى مثل ذلك، والله إذا رأيت طالبًا تكلم بكلام مضبوط مؤيدًا بالأدلة أفرح. وأقول: كلامه موزون مضبوط، مثل هذا الكلام ينفع الله به، مضبوط بالأدلة، والكلام الذي فيه زيادة ونقص، و مجاوزة وتقصير، وأشياء من ذلك، هذا صاحبه يحتاج أن يتزود. وإن كان على خير لكن يحتاج أن يتعلم يتفقه، يحتاج يبقى في أماكن العلم، حتى يتمكن ويرسخ، لأن الله يقول: ﴿والراسخون في العلم في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾[آل عمران:7]. فالشطط والغلط والزلقات والشطحات ما تأتي من الراسخين، تأتي ممن بحاجه إلى التزود، وإلى ضبط كلامه؛ كتابيًا وخطابيًا ودعويًا، هذا هو، الله يبارك فيكم، وخير القول ما قل ودل.
بدلاً من أن تكثر الكلام، وعليك أخطاء من هنا ومن هنا، لا, خذ ما كنت تعرف، ولو كان كلامًا قليلاً موزونًا مضبوطًا، ينفع الله به. ودع ما اشتبه عليك.
11- وأيضًا فيما يتعلق بالدروس للعامة وغيرهم كلٌ على مستواه، فهم يحبون ما يفهمون، وما يصعب عليهم يتعقدون منه، يقولون: نحن عوام ما نستطيع نفهم هذا، فإذا فهموا ازداد اندفاعهم للخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل لما سمعه يخطب: «بئس خطيب القوم أنت». قال أهل العلم كالنووي وغيره: لأنه حصل منه إجمال في موضع التفصيل، والتفصيل أنفع للناس، سواءً في الخطابة أو التدريس أو غير ذلك. فهناك دروس مثلاً في التفسير، "تفسير ابن كثير" جميل جدًا، عند من يحسنه، ويتقنه، ويفيد الناس فيه، إما جزء عم مثلا، من قصار السور ونحو ذلك، ويصعد بهم كل يوم في سورة، أو يبدأ من جزء عم، ويفسر لهم تفسيرًا حسنًا، مع مواعظ.
12- النصح للناس نافع، للخاصة والعامة، وهو هدي الأنبياء وطريقهم، فخلل دروسك بالنصح، عند المناسبة النصح المناسب في موضعه، والتحذير من المعاصي، والتحذير من البدع، وتحبيب السنة والعلم إلى الناس، سواء فيما يتعلق بأمور رمضان أو غير ذلك، فالدين شامل كامل.
13- الذي يخرج دعوة مثلاً في مدة شهر، يحاول أن يأخذ من الدروس للطلاب الذين لهم نهمة في العلم ما يكمل لهم ذلك، فالكتاب إذا أُكْمِل فرح به الطالب، مثلا "كتاب التوحيد" المتن، أو "الواسطية" المتن، أو كذلك ما كان يسهل على الناس، مما يفهمونه، ويكمله لهم، ولو تأخر من أجل إكمال ذلك الدرس لإخوانه، فييسر الله من يقوم بتدريسه بعده، وينقله لغيره، يكون ذلك الطالب الذكي ينقل هذا العلم لغيره عنك، ينفع الله بذلك.
• فأكملوا ما فتحتموه من الدروس هنا وغير هنا، من فتح درسًا لا ينبغي أن يكون مُحَبـّـِطًَـا لإخوانه، بل يَجِدّ فيه ويواصل فيه مع الصبر حتى وإن كان الكتاب كبيرًا، يصبر حتى ينهيه لنفسه ولإخوانه، هذا فيه بركة عليك وعلى إخوانك، الذين يجلسون معك ويأخذون عنك. إكمال الدروس فيه بركة، والتقطع بهم يتعبهم، ويتعبك حتى أنت.
• لهذا صار من ميزة أهل السنة في هذا المكان -ولله الحمد- المثابرة على العلم، وإكمال الكتب، وجردها. أي كتاب يبدأ فيه المدرس يكمله في وقت مبكِّر، لا لأنه ما يفيد؛ ولكن للمثابرة والاستمرار، إلا لعرض أو مرض.
وكثير من الناس يدرسون عند أناس، بعضهم علماء، إما في النحو مثلا؛ "التحفة" أو"المتممة"، أو في "الواسطية" فقد يمكث معه السنة في "الواسطية" إما درس إسبوعي أو شهري، يأتي وقد نسي الأول، وهو عبارة عن محاضرة شهرية يلقيها.
• فالدرس الأسبوعي والشهري قليل البركة، بالنسبة لِمَا كان كل يوم مستمرًا، فإكمال الكتب أمر مهم، فالمدرس نفسه يشعر بارتياح، إذا أكمل الكتاب؛ وبحصيلة، فضلاً عن الطالب، والطالب أكثر.
14- وبقدر مكنة الطالب وثباته واستمراره على الخير يحصل النفع، بإذن الله عز وجل.
جزى الله أخانا عدنان خيرًا، لمَّا مكث في مسجد شرقين، أكمل لهم دروسًا كثيرة، وأحبوه، ونعش الدعوة هناك نعشة طيبة، وغيره كثير من أمثاله، والذين يخرجون سواء في اليمن أو في غيره. بقدر ثبات الطالب على الحق ينفع الله به.
• ولايزهِّد في الطالب الثابت على الحق إلا من لا يُبَالى به، ولا بتزهيده، كما قيل:
ومنزلة الفقيه من السفيه كمنــزلة السفيه من الفقيـه
فهذا زاهد في علم هــذا وهذا أزهـد منـــه فيـه
• المكاتب العلمية تشتاق للطالب المنكب على العلم، وهو نفسه يشتاق لها، بين الطالب الجاد وبين المكتبة تآلف عجيب، فهو يألفها ويستريح لإخراج كنوز العلم منها، ما أصحاب الكتب إلا هؤلاء، الذين لهم نهمة في العلم، فالحمد لله أينما ذهب الطالب الثابت الجاد فهو في خير، وبقاؤه في العلم أخير، لأنه بقدر مكنة الطالب الخَيِّر ينفع.
15- والبادئون وأشباه العوام تُحَفِّظْهم من الأحاديث القصار، ما تجلس مجلسًا فيه عامة وتحملهم الأحاديث الطوال، وتقول: اقرأ يا شيبة، اقرأ يا والد، يا أخي هذا يُخَجِّلهم، إن كنت تريده أن يحفظ هو ومثله؛ فخذ حديثًا قصيرًا، وحفِّظه إياه، مثل: عن معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين »، ومثل: عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . أما أن تحفظ أنت حديثًا بإسناده ربما مكثت فيه نحو نصف ساعة تدوك، وتحفِّظه إخوانك الجالسين الذين هم عندك في المجلس، ومنهم عوام، هذا يخجِّل بعضهم، وبعضهم يحفظه بإجهاد لنفسه، وهذا يسبب لهم الحرج والملل من الحفظ.
• كتاب "الأربعين النووية" جيد لو شُرِح للبادئين، فيه بركة عظيمة، كله بين صحيح لذاته أو لغيره، أو حسن لذاته أو لغيره، عند المحاققة تجد الكتاب لا يخرج عن هذا، باعتبار ما فيه من الشواهد والمتابعات، لما قد ضُعِّف فيه.
• إذا رأيت منهم محبة للمصطلح فحفِّظهم ودرسهم مثل "البيقونية" فهي جيدة سَلِسَة، وأرفع منها "الموقظة" للذهبي -رحمه الله-.
16- ومما يُتَنَبَّه له أن الحزبيين قد يؤثرون على بعض الناس بتلاوة القرآن، فيأتون بإمام مجود وحسن الصوت، ويجعلونه دعوة لهم يجذب الناس إلى أفكارهم الحزبية المنحرفة، يجلب الناس بصوته الحسن، وبتجويده.
• فالتجويد مع الصوت الحسن مع الإتقان دعوة عظيمة، والله! تلاوة القرآن بصوت حسن، مع تجويد، وعدم التثقيل على الناس، دعوة عظيمة.
كان طالب عنده صوت حسن، حَفِظَ القرآن جيدًا، وذهب إلى قرية ويصلي بهم، وأعجب الناس صوته؛ أخبرنا بعض الناس من هناك قال: والله، حتى النساء كن يصعدن على ظهور البيوت، يقلن من أين هذا الإمام؟ قالوا لهم: هذا من طلاب الشيخ مقبل. يقلن: الله يغفر للشيخ مقبل، ويدعون له، وللشيخ مقبل، لأن هؤلاء يخرجون من عنده، هذه ثمرة عظيمة، حتى المرأة تجلس على البيت تسمع التلاوة وتبكي.
تم بحمد الله
تعليق