فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:
وَهُوَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِنَسَبِهِ مِنْ الشّرَفِ أَعْلَى ذِرْوَةٍ وَأَعْدَاؤُهُ كَانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا شَهِدَ لَهُ بِهِ عَدُوّهُ إذْ ذَاكَ أَبُو سُفْيَانَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الرّومِ فَأَشْرَفُ الْقَوْمِ قَوْمُهُ وَأَشْرَفُ الْقَبَائِلِ قَبِيلَتُهُ وَأَشْرَفُ الْأَفْخَاذِ فَخِذُهُ . فَهُوَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَة َ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَبْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ إلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصّحّةِ مُتّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النّسّابِينَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتّةَ وَمَا فَوْقَ " عَدْنَانَ " مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنّ " عَدْنَانَ " مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيل َ [ ص 71 ] وَإِسْمَاعِيلَ : هُوَ الذّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصّوَابِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصّحَابَةِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
[ بُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنّ الذّبِيحَ هُوَ إسْحَاقُ ]
وَأَمّا الْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ إنّمَا هُوَ مُتَلَقّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ أَنّهُ بَاطِلٌ بِنَصّ كِتَابِهِمْ فَإِنّ فِيهِ إنّ اللّهَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ وَفِي لَفْظٍ وَحِيَدَهُ وَلَا يَشُكّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنّ إسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ وَاَلّذِي غَرّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ فِي التّوْرَاةِ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ اذْبَحْ ابْنَك إسْحَاقَ قَالَ وَهَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ لِأَنّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ اذْبَحْ بِكْرَك وَوَحِيدَك وَلَكِنّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشّرَفِ وَأَحَبّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَأَنْ يَسُوقُوهُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ وَيَأْبَى اللّهُ إلّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ . وَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إنّ الذّبِيحَ إسْحَاقُ وَاَللّهُ تَعَالَى قَدْ بَشّرَ أُمّ إسْحَاقَ بِهِ وَبِابْنِهِ يَعْقُوبَ فَقَالَ تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ إنّهُمْ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ لَمّا أَتَوْهُ بِالْبُشْرَى : { لَا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هُود : 7071 ] فَمُحَالٌ أَنْ يُبَشّرَهَا بِأَنّهُ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ ثُمّ يَأْمُرُ بِذَبْحِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْبِشَارَةِ فَتَنَاوُلُ الْبِشَارَةِ لِإِسْحَاقِ وَيَعْقُوبَ فِي اللّفْظِ وَاحِدٌ وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَسِيَاقُهُ . فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَكَانَ " يَعْقُوبُ " مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى [ ص 72 ] إسْحَاقَ فَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } أَيْ وَيَعْقُوبُ مِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ . قِيلَ لَا يَمْنَعُ الرّفْعُ أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ مُبَشّرًا بِهِ لِأَنّ الْبِشَارَةَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ وَهِيَ أَوّلُ خَبَرٍ سَارّ صَادِقٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } جُمْلَةٌ مُتَضَمّنَةٌ لِهَذِهِ الْقُيُودِ فَتَكُونُ بِشَارَةً بَلْ حَقِيقَةُ الْبِشَارَةِ هِيَ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيّةُ . وَلَمّا كَانَتْ الْبِشَارَةُ قَوْلًا كَانَ مَوْضِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ نَصْبًا عَلَى الْحِكَايَةِ بِالْقَوْلِ كَأَنّ الْمَعْنَى : وَقُلْنَا لَهَا : مِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ بَشّرْتُ فُلَانًا بِقُدُومِ أَخِيهِ وَثِقَلِهِ فِي أَثَرِهِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ إلّا بِشَارَتُهُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا . هَذَا مِمّا لَا يَسْتَرِيبُ ذُو فَهْمٍ فِيهِ الْبَتّةَ ثُمّ يُضْعِفُ الْجَرّ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ ضَعْفُ قَوْلِك : مَرَرْت بِزَيْدٍ وَمِنْ بَعْدِهِ عَمْرٍو وَلِأَنّ الْعَاطِفَ يَقُومُ مَقَامَ حَرْفِ الْجَرّ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ كَمَا لَا يُفْصَلُ بَيْنَ حَرْفِ الْجَرّ وَالْمَجْرُورِ . وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمّا ذَكَرَ قِصّةَ إبْرَاهِيمَ وَابْنَهُ الذّبِيحِ فِي سُورَةِ ( الصّافّاتِ ) قَالَ { فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَا إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } [ الصّافّاتُ 103 - 111 ] . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنَ الصّالِحِينَ } [ الصّافّاتُ 112 ] . فَهَذِهِ بِشَارَةٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى لَهُ شُكْرًا عَلَى صَبْرِهِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدّا فِي أَنّ الْمُبَشّرَ بِهِ غَيْرُ الْأَوّلِ بَلْ هُوَ كَالنّصّ فِيهِ . فَإِنْ قِيلَ فَالْبِشَارَةُ الثّانِيَةُ وَقَعَتْ عَلَى نُبُوّتِهِ أَيْ لَمّا صَبَرَ الْأَبُ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ لِأَمْرِ اللّهِ جَازَاهُ اللّه عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَعْطَاهُ النّبُوّةَ . قِيلَ الْبِشَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَبِيّا وَلِهَذَا نُصِبَ " نَبِيّا " عَلَى الْحَالِ الْمُقَدّرِ أَيْ مُقَدّرًا نُبُوّتَهُ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبِشَارَةِ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَصْلِ ثُمّ تُخَصّ بِالْحَالِ التّابِعَةِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ هَذَا مُحَالٌ مِنْ الْكَلَامِ بَلْ إذَا وَقَعَتْ الْبِشَارَةُ عَلَى نُبُوّتِهِ فَوُقُوعُهَا عَلَى وُجُودِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى [ ص 73 ] كَانَ بِمَكّةَ وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْقَرَابِينُ يَوْمَ النّحْرِ بِهَا كَمَا جُعِلَ السّعْيُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَذْكِيرًا لِشَأْنِ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهِ وَإِقَامَةً لِذِكْرِ اللّهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهُ هُمَا اللّذَانِ كَانَا بِمَكّةَ دُونَ إسْحَاقَ وَأُمّهِ وَلِهَذَا اتّصَلَ مَكَانُ الذّبْحِ وَزَمَانُهُ بِالْبَيْتِ الْحَرَام ِ الّذِي اشْتَرَكَ فِي بِنَائِهِ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَكَانَ النّحْرُ بِمَكّةَ مِنْ تَمَامِ حَجّ الْبَيْتِ الّذِي كَانَ عَلَى يَدِ إبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إسْمَاعِيلَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَلَوْ كَانَ الذّبْحُ بِالشّامِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنْ تَلَقّى عَنْهُمْ لَكَانَتْ الْقَرَابِينُ وَالنّحْرُ بِالشّامِ لَا بِمَكّةَ . وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ سَمّى الذّبِيحَ حَلِيمًا . لِأَنّهُ لَا أَحْلَمَ مِمّنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِلذّبْحِ طَاعَةً لِرَبّهِ . وَلَمّا ذَكَرَ إسْحَاقَ سَمّاهُ عَلِيمًا فَقَالَ تَعَالَى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } [ الذّارِيَاتُ 24 25 ] إلَى أَنْ قَالَ { قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } [ الذّارِيَاتُ 28 ] وَهَذَا إسْحَاقُ بِلَا رَيْبٍ لِأَنّهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ الْمُبَشّرَةُ بِهِ وَأَمّا إسْمَاعِيلُ فَمِنْ السّرّيّةِ . وَأَيْضًا فَإِنّهُمَا بُشّرَا بِهِ عَلَى الْكِبَرِ وَالْيَأْسِ مِنْ الْوَلَدِ وَهَذَا بِخِلَافِ إسْمَاعِيلَ فَإِنّهُ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ . وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى الْعَادَةَ الْبَشَرِيّةَ أَنّ بِكْرَ الْأَوْلَادِ أَحَبّ إلَى الْوَالِدَيْنِ مِمّنْ بَعْدَهُ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا سَأَلَ رَبّهُ الْوَلَدَ وَوَهَبَهُ لَهُ تَعَلّقَتْ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ بِمَحَبّتِهِ وَاَللّهُ تَعَالَى قَدْ اتّخَذَهُ خَلِيلًا وَالْخُلّةُ مَنْصِبٌ يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبّةِ وَأَنْ لَا يُشَارِكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِيهَا فَلَمّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِ الْوَالِدِ جَاءَتْ غَيْرَةُ الْخُلّةِ تَنْتَزِعُهَا مَنْ قَلْبِ الْخَلِيلِ فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْمَحْبُوبِ فَلَمّا أَقْدَمَ عَلَى ذَبْحِهِ وَكَانَتْ مَحَبّةُ اللّهِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ مَحَبّةِ الْوَلَدِ خَلَصَتْ الْخُلّةُ حِينَئِذٍ مِنْ شَوَائِبَ الْمُشَارَكَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الذّبْحِ مَصْلَحَةٌ إذْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ إنّمَا هِيَ فِي الْعَزْمِ وَتَوْطِينِ النّفْسِ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَنُسِخَ الْأَمْرُ وَفُدِيَ الذّبِيحُ وَصَدّقَ الْخَلِيلُ الرّؤْيَا وَحَصَلَ مُرَادُ الرّبّ . [ ص 74 ] حَصَلَ عِنْدَ أَوّلِ مَوْلُودٍ وَلَمْ يَكُنْ لِيَحْصُلَ فِي الْمَوْلُودِ الْآخَرِ دُونَ الْأَوّلِ بَلْ لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ الْمَوْلُودِ الْآخَرِ مِنْ مُزَاحَمَةِ الْخُلّةِ مَا يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِذَبْحِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ . وَأَيْضًا فَإِنّ سَارَةَ امْرَأَةُ الْخَلِيلِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَارَتْ مِنْ هَاجَرَ وَابْنِهَا أَشَدّ الْغَيْرَةِ فَإِنّهَا كَانَتْ جَارِيَةً فَلَمّا وَلَدَتْ إسْمَاعِيلَ وَأَحَبّهُ أَبُوهُ اشْتَدّتْ غَيْرَةُ " سَارَةَ " فَأَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُبْعِدَ عَنْهَا " هَاجَرَ " وَابْنَهَا وَيُسْكِنَهَا فِي أَرْضِ مَكّةَ لِتَبْرُدَ عَنْ " سَارَةَ " حَرَارَةُ الْغَيْرَةِ وَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَرَأْفَتِهِ فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهَا وَيَدَعَ ابْنَ الْجَارِيَةِ بِحَالِهِ هَذَا مَعَ رَحْمَةِ اللّهِ لَهَا وَإِبْعَادِ الضّرَرِ عَنْهَا وَجَبْرِهِ لَهَا فَكَيْفَ يَأْمُرُ بَعْدَ هَذَا بِذَبْحِ ابْنِهَا دُونَ ابْنِ الْجَارِيَةِ بَلْ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ اقْتَضَتْ أَنْ يَأْمُرَ بِذَبْحِ وَلَدِ السّرّيّةِ فَحِينَئِذٍ يَرِقّ قَلْبُ السّيّدَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا وَتَتَبَدّلُ قَسْوَةُ الْغَيْرَةِ رَحْمَةً وَيَظْهَرُ لَهَا بَرَكَةُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ بَيْتًا هَذِهِ وَابْنُهَا مِنْهُمْ وَلِيُرِيَ عِبَادَهُ جَبْرَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَلُطْفَهُ بَعْدَ الشّدّةِ وَأَنّ عَاقِبَةَ صَبْرِ " هَاجَرَ " وَابْنِهَا عَلَى الْبُعْدِ وَالْوَحْدَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالتّسْلِيمِ إلَى ذَبْحِ الْوَلَدِ آلَتْ إلَى مَا آلَتْ إلَيْهِ مِنْ جَعْلِ آثَارِهِمَا وَمَوَاطِئِ أَقْدَامِهِمَا مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُتَعَبّدَاتٍ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذِهِ سُنّتُهُ تَعَالَى فِيمَنْ يُرِيدُ رَفْعَهُ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَمُنّ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِضْعَافِهِ وَذُلّهِ وَانْكِسَارِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [ الْقَصَصُ 5 ] وَذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُاَللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
[ مَوْلِدُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَلْنَرْجِعْ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَدْيِهِ وَأَخْلَاقِهِ لَا خِلَافَ أَنّهُ وُلِدَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَوْفِ مَكّةَ وَأَنّ مَوْلِدَهُ كَانَ عَامَ الْفِيلِ وَكَانَ أَمْرُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَصْحَابُ الْفِيلِ كَانُوا نَصَارَى أَهْلَ كِتَابٍ وَكَانَ دِينُهُمْ خَيْرًا مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ إذْ ذَاكَ لِأَنّهُمْ كَانُوا عُبّادَ أَوْثَانٍ فَنَصَرَهُمْ اللّهُ عَلَى [ ص 75 ] وَتَقْدِمَةً لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الْحَرَام .ِ
[ وَفَاةُ أَبِيهِ ]
وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ هَلْ تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمْلٌ أَوْ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحّهُمَا : أَنّهُ تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمْلٌ . وَالثّانِي : أَنّهُ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ . وَلَا خِلَافَ أَنّ أُمّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ " بِالْأَبْوَاءِ " مُنْصَرَفَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إذْ ذَاكَ سَبْعَ سِنِينَ . وَكَفَلَهُ جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَتُوُفّيَ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ وَقِيلَ سِتّ وَقِيلَ عَشْرٌ ثُمّ كَفَلَهُ عَمّهُ أَبُو طَالِب ٍ وَاسْتَمَرّتْ كَفَالَتُهُ لَهُ فَلَمّا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً خَرَجَ بِهِ عَمّهُ إلَى الشّامِ وَقِيلَ كَانَتْ سِنّهُ تِسْعَ سِنِينَ وَفِي هَذِهِ الْخَرْجَةِ رَآهُ بَحِيرَى الرّاهِبُ وَأَمَرَ عَمّهُ أَلّا يَقْدَمَ بِهِ إلَى الشّامِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْيَهُودِ فَبَعَثَهُ عَمّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إلَى مَكّةَ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ التّرْمِذِيّ وَغَيْرِهِ أَنّهُ بَعْثُ مَعَهُ بِلَالًا وَهُوَ مِنْ الْغَلَطِ الْوَاضِحِ فَإِنّ بِلَالًا إذْ ذَاكَ لَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَ عَمّهِ وَلَا مَعَ أَبِي بَكْر ٍ . وَذَكَرَ الْبَزّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَرْسَلَ مَعَهُ عَمّهُ بِلَالًا وَلَكِنْ قَالَ رَجُلًا . فَلَمّا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ فَوَصَلَ إلَى [ ص 76 ] " بُصْرَى " ثُمّ رَجَعَ فَتَزَوّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ . وَقِيلَ تَزَوّجَهَا وَلَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً . وَقِيلَ إحْدَى وَعِشْرُونَ وَسِنّهَا أَرْبَعُونَ وَهِيَ أَوّلُ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا وَأَوّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السّلَامَ مِنْ رَبّهَا . ثُمّ حَبّبَ اللّهُ إلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتّعَبّدَ لِرَبّهِ وَكَانَ يَخْلُو ب " غَارِ حِرَاءٍ " يَتَعَبّدُ فِيهِ اللّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَبُغّضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .
منقول من كتاب زاد المعاد لإبن القيم الجوزية رحمه الله[ الجزء الأول ص70 على حسب فهرسة المكتبة الشاملة]
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:
وَهُوَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِنَسَبِهِ مِنْ الشّرَفِ أَعْلَى ذِرْوَةٍ وَأَعْدَاؤُهُ كَانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا شَهِدَ لَهُ بِهِ عَدُوّهُ إذْ ذَاكَ أَبُو سُفْيَانَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الرّومِ فَأَشْرَفُ الْقَوْمِ قَوْمُهُ وَأَشْرَفُ الْقَبَائِلِ قَبِيلَتُهُ وَأَشْرَفُ الْأَفْخَاذِ فَخِذُهُ . فَهُوَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَة َ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَبْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ إلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصّحّةِ مُتّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النّسّابِينَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتّةَ وَمَا فَوْقَ " عَدْنَانَ " مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنّ " عَدْنَانَ " مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيل َ [ ص 71 ] وَإِسْمَاعِيلَ : هُوَ الذّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصّوَابِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصّحَابَةِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
[ بُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنّ الذّبِيحَ هُوَ إسْحَاقُ ]
وَأَمّا الْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ إنّمَا هُوَ مُتَلَقّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ أَنّهُ بَاطِلٌ بِنَصّ كِتَابِهِمْ فَإِنّ فِيهِ إنّ اللّهَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ وَفِي لَفْظٍ وَحِيَدَهُ وَلَا يَشُكّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنّ إسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ وَاَلّذِي غَرّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ فِي التّوْرَاةِ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ اذْبَحْ ابْنَك إسْحَاقَ قَالَ وَهَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ لِأَنّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ اذْبَحْ بِكْرَك وَوَحِيدَك وَلَكِنّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشّرَفِ وَأَحَبّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَأَنْ يَسُوقُوهُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ وَيَأْبَى اللّهُ إلّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ . وَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إنّ الذّبِيحَ إسْحَاقُ وَاَللّهُ تَعَالَى قَدْ بَشّرَ أُمّ إسْحَاقَ بِهِ وَبِابْنِهِ يَعْقُوبَ فَقَالَ تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ إنّهُمْ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ لَمّا أَتَوْهُ بِالْبُشْرَى : { لَا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هُود : 7071 ] فَمُحَالٌ أَنْ يُبَشّرَهَا بِأَنّهُ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ ثُمّ يَأْمُرُ بِذَبْحِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْبِشَارَةِ فَتَنَاوُلُ الْبِشَارَةِ لِإِسْحَاقِ وَيَعْقُوبَ فِي اللّفْظِ وَاحِدٌ وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَسِيَاقُهُ . فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَكَانَ " يَعْقُوبُ " مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى [ ص 72 ] إسْحَاقَ فَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } أَيْ وَيَعْقُوبُ مِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ . قِيلَ لَا يَمْنَعُ الرّفْعُ أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ مُبَشّرًا بِهِ لِأَنّ الْبِشَارَةَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ وَهِيَ أَوّلُ خَبَرٍ سَارّ صَادِقٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } جُمْلَةٌ مُتَضَمّنَةٌ لِهَذِهِ الْقُيُودِ فَتَكُونُ بِشَارَةً بَلْ حَقِيقَةُ الْبِشَارَةِ هِيَ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيّةُ . وَلَمّا كَانَتْ الْبِشَارَةُ قَوْلًا كَانَ مَوْضِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ نَصْبًا عَلَى الْحِكَايَةِ بِالْقَوْلِ كَأَنّ الْمَعْنَى : وَقُلْنَا لَهَا : مِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ بَشّرْتُ فُلَانًا بِقُدُومِ أَخِيهِ وَثِقَلِهِ فِي أَثَرِهِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ إلّا بِشَارَتُهُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا . هَذَا مِمّا لَا يَسْتَرِيبُ ذُو فَهْمٍ فِيهِ الْبَتّةَ ثُمّ يُضْعِفُ الْجَرّ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ ضَعْفُ قَوْلِك : مَرَرْت بِزَيْدٍ وَمِنْ بَعْدِهِ عَمْرٍو وَلِأَنّ الْعَاطِفَ يَقُومُ مَقَامَ حَرْفِ الْجَرّ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ كَمَا لَا يُفْصَلُ بَيْنَ حَرْفِ الْجَرّ وَالْمَجْرُورِ . وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمّا ذَكَرَ قِصّةَ إبْرَاهِيمَ وَابْنَهُ الذّبِيحِ فِي سُورَةِ ( الصّافّاتِ ) قَالَ { فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَا إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } [ الصّافّاتُ 103 - 111 ] . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنَ الصّالِحِينَ } [ الصّافّاتُ 112 ] . فَهَذِهِ بِشَارَةٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى لَهُ شُكْرًا عَلَى صَبْرِهِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدّا فِي أَنّ الْمُبَشّرَ بِهِ غَيْرُ الْأَوّلِ بَلْ هُوَ كَالنّصّ فِيهِ . فَإِنْ قِيلَ فَالْبِشَارَةُ الثّانِيَةُ وَقَعَتْ عَلَى نُبُوّتِهِ أَيْ لَمّا صَبَرَ الْأَبُ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ لِأَمْرِ اللّهِ جَازَاهُ اللّه عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَعْطَاهُ النّبُوّةَ . قِيلَ الْبِشَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَبِيّا وَلِهَذَا نُصِبَ " نَبِيّا " عَلَى الْحَالِ الْمُقَدّرِ أَيْ مُقَدّرًا نُبُوّتَهُ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبِشَارَةِ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَصْلِ ثُمّ تُخَصّ بِالْحَالِ التّابِعَةِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ هَذَا مُحَالٌ مِنْ الْكَلَامِ بَلْ إذَا وَقَعَتْ الْبِشَارَةُ عَلَى نُبُوّتِهِ فَوُقُوعُهَا عَلَى وُجُودِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى [ ص 73 ] كَانَ بِمَكّةَ وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْقَرَابِينُ يَوْمَ النّحْرِ بِهَا كَمَا جُعِلَ السّعْيُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَذْكِيرًا لِشَأْنِ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهِ وَإِقَامَةً لِذِكْرِ اللّهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهُ هُمَا اللّذَانِ كَانَا بِمَكّةَ دُونَ إسْحَاقَ وَأُمّهِ وَلِهَذَا اتّصَلَ مَكَانُ الذّبْحِ وَزَمَانُهُ بِالْبَيْتِ الْحَرَام ِ الّذِي اشْتَرَكَ فِي بِنَائِهِ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَكَانَ النّحْرُ بِمَكّةَ مِنْ تَمَامِ حَجّ الْبَيْتِ الّذِي كَانَ عَلَى يَدِ إبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إسْمَاعِيلَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَلَوْ كَانَ الذّبْحُ بِالشّامِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنْ تَلَقّى عَنْهُمْ لَكَانَتْ الْقَرَابِينُ وَالنّحْرُ بِالشّامِ لَا بِمَكّةَ . وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ سَمّى الذّبِيحَ حَلِيمًا . لِأَنّهُ لَا أَحْلَمَ مِمّنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِلذّبْحِ طَاعَةً لِرَبّهِ . وَلَمّا ذَكَرَ إسْحَاقَ سَمّاهُ عَلِيمًا فَقَالَ تَعَالَى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } [ الذّارِيَاتُ 24 25 ] إلَى أَنْ قَالَ { قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } [ الذّارِيَاتُ 28 ] وَهَذَا إسْحَاقُ بِلَا رَيْبٍ لِأَنّهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ الْمُبَشّرَةُ بِهِ وَأَمّا إسْمَاعِيلُ فَمِنْ السّرّيّةِ . وَأَيْضًا فَإِنّهُمَا بُشّرَا بِهِ عَلَى الْكِبَرِ وَالْيَأْسِ مِنْ الْوَلَدِ وَهَذَا بِخِلَافِ إسْمَاعِيلَ فَإِنّهُ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ . وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى الْعَادَةَ الْبَشَرِيّةَ أَنّ بِكْرَ الْأَوْلَادِ أَحَبّ إلَى الْوَالِدَيْنِ مِمّنْ بَعْدَهُ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا سَأَلَ رَبّهُ الْوَلَدَ وَوَهَبَهُ لَهُ تَعَلّقَتْ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ بِمَحَبّتِهِ وَاَللّهُ تَعَالَى قَدْ اتّخَذَهُ خَلِيلًا وَالْخُلّةُ مَنْصِبٌ يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبّةِ وَأَنْ لَا يُشَارِكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِيهَا فَلَمّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِ الْوَالِدِ جَاءَتْ غَيْرَةُ الْخُلّةِ تَنْتَزِعُهَا مَنْ قَلْبِ الْخَلِيلِ فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْمَحْبُوبِ فَلَمّا أَقْدَمَ عَلَى ذَبْحِهِ وَكَانَتْ مَحَبّةُ اللّهِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ مَحَبّةِ الْوَلَدِ خَلَصَتْ الْخُلّةُ حِينَئِذٍ مِنْ شَوَائِبَ الْمُشَارَكَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الذّبْحِ مَصْلَحَةٌ إذْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ إنّمَا هِيَ فِي الْعَزْمِ وَتَوْطِينِ النّفْسِ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَنُسِخَ الْأَمْرُ وَفُدِيَ الذّبِيحُ وَصَدّقَ الْخَلِيلُ الرّؤْيَا وَحَصَلَ مُرَادُ الرّبّ . [ ص 74 ] حَصَلَ عِنْدَ أَوّلِ مَوْلُودٍ وَلَمْ يَكُنْ لِيَحْصُلَ فِي الْمَوْلُودِ الْآخَرِ دُونَ الْأَوّلِ بَلْ لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ الْمَوْلُودِ الْآخَرِ مِنْ مُزَاحَمَةِ الْخُلّةِ مَا يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِذَبْحِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ . وَأَيْضًا فَإِنّ سَارَةَ امْرَأَةُ الْخَلِيلِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَارَتْ مِنْ هَاجَرَ وَابْنِهَا أَشَدّ الْغَيْرَةِ فَإِنّهَا كَانَتْ جَارِيَةً فَلَمّا وَلَدَتْ إسْمَاعِيلَ وَأَحَبّهُ أَبُوهُ اشْتَدّتْ غَيْرَةُ " سَارَةَ " فَأَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُبْعِدَ عَنْهَا " هَاجَرَ " وَابْنَهَا وَيُسْكِنَهَا فِي أَرْضِ مَكّةَ لِتَبْرُدَ عَنْ " سَارَةَ " حَرَارَةُ الْغَيْرَةِ وَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَرَأْفَتِهِ فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهَا وَيَدَعَ ابْنَ الْجَارِيَةِ بِحَالِهِ هَذَا مَعَ رَحْمَةِ اللّهِ لَهَا وَإِبْعَادِ الضّرَرِ عَنْهَا وَجَبْرِهِ لَهَا فَكَيْفَ يَأْمُرُ بَعْدَ هَذَا بِذَبْحِ ابْنِهَا دُونَ ابْنِ الْجَارِيَةِ بَلْ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ اقْتَضَتْ أَنْ يَأْمُرَ بِذَبْحِ وَلَدِ السّرّيّةِ فَحِينَئِذٍ يَرِقّ قَلْبُ السّيّدَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا وَتَتَبَدّلُ قَسْوَةُ الْغَيْرَةِ رَحْمَةً وَيَظْهَرُ لَهَا بَرَكَةُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ بَيْتًا هَذِهِ وَابْنُهَا مِنْهُمْ وَلِيُرِيَ عِبَادَهُ جَبْرَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَلُطْفَهُ بَعْدَ الشّدّةِ وَأَنّ عَاقِبَةَ صَبْرِ " هَاجَرَ " وَابْنِهَا عَلَى الْبُعْدِ وَالْوَحْدَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالتّسْلِيمِ إلَى ذَبْحِ الْوَلَدِ آلَتْ إلَى مَا آلَتْ إلَيْهِ مِنْ جَعْلِ آثَارِهِمَا وَمَوَاطِئِ أَقْدَامِهِمَا مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُتَعَبّدَاتٍ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذِهِ سُنّتُهُ تَعَالَى فِيمَنْ يُرِيدُ رَفْعَهُ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَمُنّ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِضْعَافِهِ وَذُلّهِ وَانْكِسَارِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [ الْقَصَصُ 5 ] وَذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُاَللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
[ مَوْلِدُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَلْنَرْجِعْ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَدْيِهِ وَأَخْلَاقِهِ لَا خِلَافَ أَنّهُ وُلِدَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَوْفِ مَكّةَ وَأَنّ مَوْلِدَهُ كَانَ عَامَ الْفِيلِ وَكَانَ أَمْرُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَصْحَابُ الْفِيلِ كَانُوا نَصَارَى أَهْلَ كِتَابٍ وَكَانَ دِينُهُمْ خَيْرًا مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ إذْ ذَاكَ لِأَنّهُمْ كَانُوا عُبّادَ أَوْثَانٍ فَنَصَرَهُمْ اللّهُ عَلَى [ ص 75 ] وَتَقْدِمَةً لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الْحَرَام .ِ
[ وَفَاةُ أَبِيهِ ]
وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ هَلْ تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمْلٌ أَوْ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحّهُمَا : أَنّهُ تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمْلٌ . وَالثّانِي : أَنّهُ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ . وَلَا خِلَافَ أَنّ أُمّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ " بِالْأَبْوَاءِ " مُنْصَرَفَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إذْ ذَاكَ سَبْعَ سِنِينَ . وَكَفَلَهُ جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَتُوُفّيَ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ وَقِيلَ سِتّ وَقِيلَ عَشْرٌ ثُمّ كَفَلَهُ عَمّهُ أَبُو طَالِب ٍ وَاسْتَمَرّتْ كَفَالَتُهُ لَهُ فَلَمّا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً خَرَجَ بِهِ عَمّهُ إلَى الشّامِ وَقِيلَ كَانَتْ سِنّهُ تِسْعَ سِنِينَ وَفِي هَذِهِ الْخَرْجَةِ رَآهُ بَحِيرَى الرّاهِبُ وَأَمَرَ عَمّهُ أَلّا يَقْدَمَ بِهِ إلَى الشّامِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْيَهُودِ فَبَعَثَهُ عَمّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إلَى مَكّةَ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ التّرْمِذِيّ وَغَيْرِهِ أَنّهُ بَعْثُ مَعَهُ بِلَالًا وَهُوَ مِنْ الْغَلَطِ الْوَاضِحِ فَإِنّ بِلَالًا إذْ ذَاكَ لَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَ عَمّهِ وَلَا مَعَ أَبِي بَكْر ٍ . وَذَكَرَ الْبَزّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَرْسَلَ مَعَهُ عَمّهُ بِلَالًا وَلَكِنْ قَالَ رَجُلًا . فَلَمّا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ فَوَصَلَ إلَى [ ص 76 ] " بُصْرَى " ثُمّ رَجَعَ فَتَزَوّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ . وَقِيلَ تَزَوّجَهَا وَلَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً . وَقِيلَ إحْدَى وَعِشْرُونَ وَسِنّهَا أَرْبَعُونَ وَهِيَ أَوّلُ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا وَأَوّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السّلَامَ مِنْ رَبّهَا . ثُمّ حَبّبَ اللّهُ إلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتّعَبّدَ لِرَبّهِ وَكَانَ يَخْلُو ب " غَارِ حِرَاءٍ " يَتَعَبّدُ فِيهِ اللّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَبُغّضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .
منقول من كتاب زاد المعاد لإبن القيم الجوزية رحمه الله[ الجزء الأول ص70 على حسب فهرسة المكتبة الشاملة]