بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه، ونستغفره, ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا , من يهدهِ اللهُ فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهدُ أن لا اله إلا الله وحدهُ لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ .
أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار, أما بعد : هذه الخطبةُعنوانها : ( نفائسُ المنّة لمتّبع السنة ) . يقول في كتابه الكريم مخاطباً نبيه: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ ، فربُنا أخبر أن فضله عظيم على نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام , وهكذا فضل الله عظيم على مُتبعِ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا يقول ربُنا: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، ويقول : ﴿ َلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، ففضل الله على المؤمن عظيم يزيده هُدى, ويُكمل له التُقى ، وكمال التوفيق منه سبحانه وتعالى ، فربُ العالمين يختص من يشاء بإتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ويصطفي من يشاء لهذه الوظيفة العظمى ، ولهذه العبودية الكبرى ، لهذا أيها الإخوة ، إن منّة الله عظيمة وفضل الله واسع على من يتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام , يقول العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى , الذين أعلنوا ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام , لهم نصيب ٌ من قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك ﴾ فإن الله قد منّ على رسوله بالسعادة الدنيوية والأخروية , ومتّبعوه ينالون من السعادة ِ بقدر ما يتّبعون , وقال أيضاً في فمن اتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام إتّباعاً مطلقا اعُطيى , اعُطيى الكرامة العامة ومن اتّبعه إتّباعاً ناقصاً فبقدر ما يتّبع , فهنيئاً لمن وطّن نفسه على أن يكون محمديا , على أن يكون محمديا , ربُنا يخبرنا عن خليلهِ إبراهيم ، قال : ﴿ وَإِذْ قَالَإِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَننّعْبُدَ الأصْنَامَ رَبّ إِنّهُنّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مّنَ النّاسِ فَمَنتَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي ﴾ ، انظروا إلي عظيم الإتّباع والي عظيم الشرف فيه﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي ﴾ ، أنت عند أن تتبع رسولك تصيرُ من رسولك , تصيرُ من رسولك عليه الصلاة والسلام وعند أن تترك الإتّباع تُفارق رسولك عليه الصلاة والسلام , وها هو ربُنا يخبرنا متحدثاً عن , عن عيسى عليه السلام وعن أتباعه ، قال ﴿ وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىَيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ، قال العلماء فوقهم بالنصر والغلبة , فالمتّبعون للأنبياء والرسل دائما وبإذن رب العالمين الغلبةُ لهم على الأعداء والنصر من الله لهم والتمكين في الأرض لهم من الله إن كانوا صادقين في الإتّباع وإن كانوا ثابتين عليه, وهكذا أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام من هذه الأمة، قال ربُ العالمين في كتابه ﴿ يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَاللّهُ ، يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، أي الله يكفيك ويكفي أتباعك , من شر كلِ ذي شر, فأتباع الرسول لهم من الكفاية الإلهية , بقدر ما يتّبعون , الرسول r, فمن اتّبع رسول الله إتّباعاً ناقصا كانت كفايته من الله ناقصة , ومن اتّبع رسول الله إتّباعاً مطلقا يكفيه الله شر كلِ ذي شر بقدر ما يكون متّبعا , كذلك من عظيم العطايا ومن عظيم المنن التي يُكرم الله بها من يتّبع رسوله عليه الصلاة والسلام ، ما قال في كتابه الكريم ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْتُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ ، عطاءان المحبة والمغفرة ولا يقدر أحدٌ أن يغفر لأحدٍ , فالله هو المالك وهو المتفضل بمغفرة الذنوب , ولهذا انظروا أيها الناس إلي هذا العطاء الذي أعطى الله نبينا والصحابة , قال الله تعالى : ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَوَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ ، فالصحابة المهاجرون والأنصار لمّا اتّبعوا الرسول في وقت الشدائد , في وقت الشدائد الله غفر لهم مغفرة تامة لأنهم اتّبعوا رسول الله إتّباعاً عاماً فغفر الله لهم مغفرةً عامة ، والتوبة من رب العالمين أنه يقبل أعمال العبد ويُثيبه عليها ويكفر من سيئاته, والمحبةُ من اللهِ لك إن كنت متّبعاً ، قال بعض السلف ليس الشأن أن تُحب الله فإنك فقيرٌ إليه ومحتاج إليه ، وهو المتفضل عليك وهو المعطي , المعطي لك والمدبر لكل أمورك , ولكن الشأن أن يحبك الله , إن احبك الله فهذا أعظم إكرامٍ وإنعام عليك , ينعم عليك في هذه الدنيا به ، أن يحبك وأنت العبد الفقير وأنت العبد الجاني وأنت العبد المفرط وأنت العبد المخطئ , ولكن محبته لك يوم أن تتوجه بقلبك وقالبك إلي إتّباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام مقدماً ذلك على كل شؤونك وعلى كلِ مصالحك الشخصية وعلى كلِ أمورك الدنيوية.
كذلك أيضا من المنن الإلهية على المتّبعين للسنة المحمدية النبوية ، أن الله عز وجل يُكرم هذا الصنف, بالرحمة الخاصة , وكذلك المعية الخاصة ، قال ربُ العالمين في كتابه الكريم ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَوَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَوَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ﴾ ، فالذين يخصون بالرحمة، والذين تعظم الرحمة من الله عليهم ، أولئك الذين اتّبعوه ولم يفارقوه وقال الله تعالى : ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ،لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، ومن ذا الذي يستغني عن رحمة الله طرفة عينٍ, كذلك أيضا من إتباع السلف ما قاله بعض السلف: من أمّر السنة على نفسه نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى نطق بالبدعة ، قال الله : ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ , فلا هداية إلا بطاعته في السراء والضراء وفي الأحوال كلها .
فاحذروا أيها الناس أن تُفارقوا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولتنظروا إلي حال المؤمن المتّبع عند الموت وما بعد الموت, فمن أدركه الموت وهو على السنة المحمدية فليبشر بكل خير , جاء عن عبد الله ابنُ المبارك أنه قال الموت كرامةٌ لكل مسلم يموت على السنة , لكن الموت نِقمة من الله على من يموت وهو في معصية الله أو هو واقع في بدعةٍ أو في انحراف , فالموت عليه نِقمة وأخذُ اللهِ له من باب النِقمةِ ومن باب الإسراع به إلى العذاب , عياذاً بالله , وقال ابنُ عون رحمه الله تعالى: من مات على السنة يعني ما غيّر ولا بدل لا ابتدع ولا تحزب ولا نصر العادات المخالفة للشرع , وإنما نصر منهاج النبوة ومن اجله , ومن اجله صبر وثبت وتحّمل, فله بشير بكل خير ، تبشره ملائكة الرحمة ابشر بالقدوم على الله على الكريم الرحيم ، فهنيئاً لك يوم أن تلقى الله عز وجل بوجهٍ ابيض , أما من لقي الله مغيراً مبدلا أحوالٌ سيئة وعواقب وخيمة عياذاً بالله , ولتسمعوا أيضاً إلى حال المتّبعين لرسول الله r وهم في قبورهم , جاء من حديث أسماء رضي الله تعالى عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام تحّدث عن افتتان الأمة في القبور , فقال الرسول عليه الصلاة والسلام " فأما الموقن فيقال له ماذا تقول في هذا الرجل ، يعني الرسول , ماذا تقول في هذا الرجل ، قال فيقول جاءنا بالبينات والهُدى فآمنا به واتّبعناه ، أمران اثنان , آمنا واتّبعنا ، فهُنالك من آمن ولم يتّبع الإتّباع المشروع وإنما جعل سنة الرسول عليه الصلاة والسلام على ما يريد وعلى ما يهوى فما وافقه , فما وافقه اخذ به وما خالف هواه رفضه ورد هذا متّبعٌ لهواه وليس متّبعاً لمنهاج النبوة ، فهذا الذي كان متّبعاً في الدنيا بماذا يُبشّر , قال عليه الصلاة والسلام " فيقول آمنا به واتّبعناه فيُقال له نمصالحا نم آمنا " ، فانظروا إلي الفارق بين المتّبع وغير المتّبع , فالمتّبع في قبره في نعيم وفي أمان , والمبتدع والمخالف والمنحرف في قبره في جحيم عياذاً بالله .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ .
أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار, أما بعد : هذه الخطبةُعنوانها : ( نفائسُ المنّة لمتّبع السنة ) . يقول في كتابه الكريم مخاطباً نبيه: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ ، فربُنا أخبر أن فضله عظيم على نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام , وهكذا فضل الله عظيم على مُتبعِ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا يقول ربُنا: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، ويقول : ﴿ َلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، ففضل الله على المؤمن عظيم يزيده هُدى, ويُكمل له التُقى ، وكمال التوفيق منه سبحانه وتعالى ، فربُ العالمين يختص من يشاء بإتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ويصطفي من يشاء لهذه الوظيفة العظمى ، ولهذه العبودية الكبرى ، لهذا أيها الإخوة ، إن منّة الله عظيمة وفضل الله واسع على من يتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام , يقول العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى , الذين أعلنوا ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام , لهم نصيب ٌ من قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك ﴾ فإن الله قد منّ على رسوله بالسعادة الدنيوية والأخروية , ومتّبعوه ينالون من السعادة ِ بقدر ما يتّبعون , وقال أيضاً في فمن اتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام إتّباعاً مطلقا اعُطيى , اعُطيى الكرامة العامة ومن اتّبعه إتّباعاً ناقصاً فبقدر ما يتّبع , فهنيئاً لمن وطّن نفسه على أن يكون محمديا , على أن يكون محمديا , ربُنا يخبرنا عن خليلهِ إبراهيم ، قال : ﴿ وَإِذْ قَالَإِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَننّعْبُدَ الأصْنَامَ رَبّ إِنّهُنّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مّنَ النّاسِ فَمَنتَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي ﴾ ، انظروا إلي عظيم الإتّباع والي عظيم الشرف فيه﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي ﴾ ، أنت عند أن تتبع رسولك تصيرُ من رسولك , تصيرُ من رسولك عليه الصلاة والسلام وعند أن تترك الإتّباع تُفارق رسولك عليه الصلاة والسلام , وها هو ربُنا يخبرنا متحدثاً عن , عن عيسى عليه السلام وعن أتباعه ، قال ﴿ وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىَيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ، قال العلماء فوقهم بالنصر والغلبة , فالمتّبعون للأنبياء والرسل دائما وبإذن رب العالمين الغلبةُ لهم على الأعداء والنصر من الله لهم والتمكين في الأرض لهم من الله إن كانوا صادقين في الإتّباع وإن كانوا ثابتين عليه, وهكذا أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام من هذه الأمة، قال ربُ العالمين في كتابه ﴿ يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَاللّهُ ، يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، أي الله يكفيك ويكفي أتباعك , من شر كلِ ذي شر, فأتباع الرسول لهم من الكفاية الإلهية , بقدر ما يتّبعون , الرسول r, فمن اتّبع رسول الله إتّباعاً ناقصا كانت كفايته من الله ناقصة , ومن اتّبع رسول الله إتّباعاً مطلقا يكفيه الله شر كلِ ذي شر بقدر ما يكون متّبعا , كذلك من عظيم العطايا ومن عظيم المنن التي يُكرم الله بها من يتّبع رسوله عليه الصلاة والسلام ، ما قال في كتابه الكريم ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْتُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ ، عطاءان المحبة والمغفرة ولا يقدر أحدٌ أن يغفر لأحدٍ , فالله هو المالك وهو المتفضل بمغفرة الذنوب , ولهذا انظروا أيها الناس إلي هذا العطاء الذي أعطى الله نبينا والصحابة , قال الله تعالى : ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَوَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ ، فالصحابة المهاجرون والأنصار لمّا اتّبعوا الرسول في وقت الشدائد , في وقت الشدائد الله غفر لهم مغفرة تامة لأنهم اتّبعوا رسول الله إتّباعاً عاماً فغفر الله لهم مغفرةً عامة ، والتوبة من رب العالمين أنه يقبل أعمال العبد ويُثيبه عليها ويكفر من سيئاته, والمحبةُ من اللهِ لك إن كنت متّبعاً ، قال بعض السلف ليس الشأن أن تُحب الله فإنك فقيرٌ إليه ومحتاج إليه ، وهو المتفضل عليك وهو المعطي , المعطي لك والمدبر لكل أمورك , ولكن الشأن أن يحبك الله , إن احبك الله فهذا أعظم إكرامٍ وإنعام عليك , ينعم عليك في هذه الدنيا به ، أن يحبك وأنت العبد الفقير وأنت العبد الجاني وأنت العبد المفرط وأنت العبد المخطئ , ولكن محبته لك يوم أن تتوجه بقلبك وقالبك إلي إتّباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام مقدماً ذلك على كل شؤونك وعلى كلِ مصالحك الشخصية وعلى كلِ أمورك الدنيوية.
كذلك أيضا من المنن الإلهية على المتّبعين للسنة المحمدية النبوية ، أن الله عز وجل يُكرم هذا الصنف, بالرحمة الخاصة , وكذلك المعية الخاصة ، قال ربُ العالمين في كتابه الكريم ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَوَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَوَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ﴾ ، فالذين يخصون بالرحمة، والذين تعظم الرحمة من الله عليهم ، أولئك الذين اتّبعوه ولم يفارقوه وقال الله تعالى : ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ،لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، ومن ذا الذي يستغني عن رحمة الله طرفة عينٍ, كذلك أيضا من إتباع السلف ما قاله بعض السلف: من أمّر السنة على نفسه نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى نطق بالبدعة ، قال الله : ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ , فلا هداية إلا بطاعته في السراء والضراء وفي الأحوال كلها .
فاحذروا أيها الناس أن تُفارقوا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولتنظروا إلي حال المؤمن المتّبع عند الموت وما بعد الموت, فمن أدركه الموت وهو على السنة المحمدية فليبشر بكل خير , جاء عن عبد الله ابنُ المبارك أنه قال الموت كرامةٌ لكل مسلم يموت على السنة , لكن الموت نِقمة من الله على من يموت وهو في معصية الله أو هو واقع في بدعةٍ أو في انحراف , فالموت عليه نِقمة وأخذُ اللهِ له من باب النِقمةِ ومن باب الإسراع به إلى العذاب , عياذاً بالله , وقال ابنُ عون رحمه الله تعالى: من مات على السنة يعني ما غيّر ولا بدل لا ابتدع ولا تحزب ولا نصر العادات المخالفة للشرع , وإنما نصر منهاج النبوة ومن اجله , ومن اجله صبر وثبت وتحّمل, فله بشير بكل خير ، تبشره ملائكة الرحمة ابشر بالقدوم على الله على الكريم الرحيم ، فهنيئاً لك يوم أن تلقى الله عز وجل بوجهٍ ابيض , أما من لقي الله مغيراً مبدلا أحوالٌ سيئة وعواقب وخيمة عياذاً بالله , ولتسمعوا أيضاً إلى حال المتّبعين لرسول الله r وهم في قبورهم , جاء من حديث أسماء رضي الله تعالى عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام تحّدث عن افتتان الأمة في القبور , فقال الرسول عليه الصلاة والسلام " فأما الموقن فيقال له ماذا تقول في هذا الرجل ، يعني الرسول , ماذا تقول في هذا الرجل ، قال فيقول جاءنا بالبينات والهُدى فآمنا به واتّبعناه ، أمران اثنان , آمنا واتّبعنا ، فهُنالك من آمن ولم يتّبع الإتّباع المشروع وإنما جعل سنة الرسول عليه الصلاة والسلام على ما يريد وعلى ما يهوى فما وافقه , فما وافقه اخذ به وما خالف هواه رفضه ورد هذا متّبعٌ لهواه وليس متّبعاً لمنهاج النبوة ، فهذا الذي كان متّبعاً في الدنيا بماذا يُبشّر , قال عليه الصلاة والسلام " فيقول آمنا به واتّبعناه فيُقال له نمصالحا نم آمنا " ، فانظروا إلي الفارق بين المتّبع وغير المتّبع , فالمتّبع في قبره في نعيم وفي أمان , والمبتدع والمخالف والمنحرف في قبره في جحيم عياذاً بالله .
أيها المسلمون هل تريدون أن تفوزوا بالدنيا والأخرى , هل تريدون سعادة الدنيا والأخرى , فلا يكون ذلك ولا يتحقق ذلك إلا بإتّباع إمامِ المتقين وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام , وبدون ذلك لا يتحقق لك , قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: طاعة الله وطاعة رسوله قطبُ السعادة , قطبُ السعادة الذي عليه تدور ومستقر النجاة الذي عنه لا تحور , نعم أيها الناس إن أردتم السعادة الأبدية الدنيوية والأخروية فكونوا مع رسول الله الذي جاءنا بالهُدى وبكلِ خيرٍ وحذّرنا من كل ِ شرٍ , استغفر الله انه هو الغفور الرحيم.
تعليق