بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين .وبعد:"وإنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف :
أعظمها الإخلاص والفهم والإنصاف, ورابعها وهو أقلها وجودا وأكثرها فقدانا الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة إلى ذلك .
والبدع قد كثرت , والمحدثات قد عمت البلوى بالاشراك ,وكثر الدعاء إليها, والتعويل عليها ,وطلاب الحق اليوم شبه طلابه في أيام الفترة وهم سلمان الفارسي ,وزيد بن عمر بن نفيل, وأضرابهما ,فإنهم قدوة لطالب الحق وفيهم له أعظم أسوة لما حرصوا على الحق وبذلوا الجهد في طلبه حتى بلغهم الله إليه وأوقفهم عليه وفازوا من بين العوالم الجمة, فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة وكم عمي عنه من طلبه في زمن النبوة ,فاعتبر بذلك ,واقتد بأولئك الكرام ,فإن الحق ما زال مصونا عزيزا نفيسا كريما ,لا ينال مع الإضراب عن طلبه, وعدم التشوق والإشراف إلى سببه ,ولا يهجم على البطالين المعرضين ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين .
ما أعظم المصاب بالغفلة ,والإغترار بطول المهلة, فليعرف مريد الحق قدر ما هو طالبه, فإنه طالب لأعلى المراتب{ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }[الاسراء:19].{ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ }[البقرة:63].
فليس في الوجود بأسره أعز من الإيمان بالله وكتبه ورسله ,ومتابعتها ,ومعرفة ما جاءوا به إلا تطلب ذلك أهون الطلب فإن طلبة الدنيا وزخارفها الفانية ,يرتكبون الأخطاء والمتالف الكبار, وينفق أحدهم غضارة عمره, ونضارة شبابه ,وأبان أيامه, فيها وهي لا تحصل لهم على حسب المراد ,فكيف بما هو أبقى وخير منها ؟ولم يرفعوا له رأسا ولم يبنوا لها أساسا.
وإنما أطلنا القول لأني أعلم بالضرورة في نفسي وغيري أن جهل الحقائق أكثرها إنما سببه عدم الإهتمام بمعرفتها على الانصاف ,وترك الإعتساف ,لا عدم الفهم والإدراك ,فإن من اهتم بشيء أدركه, فكيف لا يفهم طالب الحق مقاصد الانبياء والمرسلين والسلف الصالحين ,مع الاهتمام فيه ,وبذل الجهد فيه, وحسن القصد ولطف أرحم الراحمين ؟.
ولا ينبغي لطالب الحق والصواب أن يصغي إلى من يصده عن كتب الله ,وما أنزل فيها من الهدى والنور, والرحمة لطفا للمؤمنين ونعمة للشاكرين ,وليحذر كل الحذر من زخرفتهم وتشكيكهم ,وليعتبر بقول الله لرسوله المعصوم {إِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ }[الاسراء:73].ويا لها من موعظة موقظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ولا يستوحش من ظفر بالحق بكثرة المخالفين ,وليوطن نفسه على الصبر واليقين ,نسأل الله تعالى أن يرحم غربتنا في الحق ويهدي ضالنا ولا يردنا من أبواب رجائه ودعائه وطلبه ورحمته محرومين .
وخامسها وهو أصعبها المشاركة في العلم والتمييز والفهم والدراية حتى يتمكن من معرفة الحق ومقدار ما يقف عليه فيرغب فيه من غير تقليد ,لأنه لا يعرف المقادير إلا ذو بصر نافذ, وفهم ماض, فإن عرضت له محنة ,لم يتطير بطلب الحق, فيكون ممن يعبد الله على حرف ,وليثق بمواعيد الله وقرب الفرج قال تعالى{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }[النمل:79],{فاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }[الروم:60], وليعلم يقينا أنه تعالى مع الصابرين والصادقين والمحسنين ,وأن الله سبحانه ناصر من ينصره ,وذاكره من يذكره ... إلخ
مقتطف من خاتمة الرسالة(قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر) لصديق حسن خان القنوجي رحمه الله
تعليق