صفات لا يخزي الله فاعلها
( فوالله لا يخزيك الله أبدا
1- إنك لتصل الرحم
2- تصدق الحديث
3- تحمل الكل
4- تقري الضيف
5- وتكسب المعدوم
6- تعين على نوائب الحق)
متفق عليه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين..
قال شيخ افسلام ابن تيمية :(( وأن من خصه الله بالفضائل فقد أراد به خيرا كما قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي وخاف على نفسه كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فاستدلت بعقلها على أن من جعل الله فيه هذه المحاسن والمكارم التي جعلها من أعظم أسباب السعادة لم تكن من سنة الله وحكمته وعدله أن يخزيه بل يكرمه ويعظمه فإنه قد عرف من سنة الله في عباده وإكرامه لأهل الخير وإهانته لأهل الشر ما فيه عبرة لأولى الأبصار...)) كتاب الصفدية لابن تيمية (ص: 150)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد (2/ 467):
((... فالمحسن المتصدق يستخدم جندا وعسكرا يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه وإن تأخرت مدة الظفر والله المستعان ))
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يسعى لقضاء حوائج المسلمين، ويحبُّ إعانتهم، والوقوف معهم فيما يلمُّ بهم مِن نوازل، وكان مجبولًا على ذلك مِن صغره وقبل بعثته، وقد بيَّنت ذلك أمُّنا خديجة رضي الله عنها عندما كانت تخفِّف مِن روع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند عودته مِن غار حراء بعد نزول الوحي عليه، وكان فزعًا، فقالت له:
كلا، والله
( فوالله لا يخزيك الله أبدا
1- إنك لتصل الرحم
2- تصدق الحديث
3- تحمل الكل
4- تقري الضيف
5- وتكسب المعدوم
6- تعين على نوائب الحق)
متفق عليه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين..
قال شيخ افسلام ابن تيمية :(( وأن من خصه الله بالفضائل فقد أراد به خيرا كما قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي وخاف على نفسه كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فاستدلت بعقلها على أن من جعل الله فيه هذه المحاسن والمكارم التي جعلها من أعظم أسباب السعادة لم تكن من سنة الله وحكمته وعدله أن يخزيه بل يكرمه ويعظمه فإنه قد عرف من سنة الله في عباده وإكرامه لأهل الخير وإهانته لأهل الشر ما فيه عبرة لأولى الأبصار...)) كتاب الصفدية لابن تيمية (ص: 150)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد (2/ 467):
((... فالمحسن المتصدق يستخدم جندا وعسكرا يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه وإن تأخرت مدة الظفر والله المستعان ))
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يسعى لقضاء حوائج المسلمين، ويحبُّ إعانتهم، والوقوف معهم فيما يلمُّ بهم مِن نوازل، وكان مجبولًا على ذلك مِن صغره وقبل بعثته، وقد بيَّنت ذلك أمُّنا خديجة رضي الله عنها عندما كانت تخفِّف مِن روع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند عودته مِن غار حراء بعد نزول الوحي عليه، وكان فزعًا، فقالت له:
كلا، والله
"لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين عَلَى نوائب الحق ".
"قالت ذلك للنبي صل الله عليه واله وسلم لما جاءه الوحي وجآها يرجف فؤاده وهو يقول{إني قد خشيت عَلَى نفسي }
ما المراد بالخشية المذكورة ؟
قال الحافظ :
والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا :
أولها الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة جاء مصرحا به في عدة طرق وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضرورى له أن الذي جاءه ملك وأنه من عند الله تعالى
ثانيها الهاجس وهو باطل أيضا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة
ثالثها الموت من شدة الرعب
رابعها المرض وقد جزم به بن أبي جمرة
خامسها دوام المرض
سادسها العجز عن حمل اعباء النبوة
سابعها العجز عن النظر إلى الملك من الرعب
ثامنها عدم الصبر على أذى قومه
تاسعها أن يقتلوه
عاشرها مفارقة الوطن
حادى عشرها تكذيبهم إياه
ثاني عشرها تعييرهم إياه
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده وما عداها فهو معترض والله الموفق
للفائدة كلام الشراح على الحديث
قال الحافظ ابن حجر :
" فقالت خديجة كلا معناها النفي والإبعاد ويحزنك بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزى ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق لأن الإحسان إما إلى الاقارب أو إلى الاجانب وإما بالبدن أو بالمال وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع فيما وصفته به .
والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى : "وهو كل على مولاه " وقوله وقولها وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله وعليها قال الخطابي :الصواب المعدم بلا واو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب قلت : ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لاتصرف له والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه وقال قاسم بن ثابت في الدلائل قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه قال أعرابي يمدح إنسانا كان أكسبهم لمعدوم واعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب كسوب كذا المعدوم من كسب واحد أي مما يكسبه وحده انتهى
ولغير الكشميهني وتكسب بفتح أوله قال عياض : وهذه الرواية أصح قلت قد وجهنا الأولى وهذه الراجحة ومعناها تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك فحذف أحد المفعولين ويقال كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات وقولها وتعين على نوائب الحق كلمة جامعة لافراد ما تقدم " ا هـ
قال الكوراني :
" وفي الحديث دلالة على أن الخصال الفاضلة تكون دافعة للآفات وعلى كمال أم المؤمنين وغزارة فهمها وعلو شأنها في البلاغة ، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو الأجانب وكل واحد منهما إما أن يستقل الإنسان به أو لا والإحسان أيضا إما بالمال أو بالبدن أو بكل منهما وقد استوفت هذه المحاسن فيه بأفصح اللغات وأرشق العبارات "
ا هـ
الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري
قال ابن بطال : " إنما هو قياس منها على العادات ، والأكثر في الناس في حسن عاقبة من فعل الخير"
*********************
أيها المؤمنون : أهل الجاهلية عَلَى ما فيهم، كانوا إذا اجتمع في الرجل منهم حب العدل والعفاف والكرم، توقعوا له الخير، وحسن العاقبة والسمعة الحسنة والقبول، لأن كل النفوس مجبولة عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عدل كريم يُجازي الإِنسَان من جنس ما يعمل، فهل يكون امرؤٌ يعمل هذه الأعمال الجليلة النبيلة التي تجمع العقول والفطر عَلَى نبلها وفضلها وشرفها، ويخزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
بينما رجل فاجر يتقحم في الموبقات، وفي المهلكات، والطغيان، والبغي، والعدوان ويكون له لواء المحامد والمناقب منشوراً مرفوعاً؟!
هذا لا يمكن وليس هذا من سنة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حتى عند الجاهليين عَلَى ما لحق بفطرهم، وعقولهم من الضلال، والزيغ والانحراف.
لما ابتلي المسلمون ـ أيام مكة ـ بالتعذيب والاضطهاد ـ خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ ( برك الغماد ) لقيه ابن الدغنة وهو سيد ( القارة ) فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي
فقال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله ، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل ،وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك ...
ونفع النّاس والسّعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرّسل، فالكريم يوسف عليه السّلام مع ما تعرّض له من مكر إخوته، جهّزهم بجهازهم، وموسى عليه السّلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أُمَّةً من النّاس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين فسقى لهما
لقد أقسمت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: وَالله لا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا
فما هو الخِزيُ: الذلُّ والمهانة والفضيحة.
وهذا الذي أقسمت عليه خديجة نصَّ الله عليه: {يوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} .
ومن دعاء إبراهيم عليه السلام: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .
ومن دعاء أولي الألباب: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
وأصحاب الخزي هم أصحاب النار: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}
وأهل الخزي هم: الفاسقون: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ، والكافرون: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } .
لقد استدلَّت خديجة رضي الله عنها على معية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وعدم خذلانه له بصفات ست:
الأول: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ
والكفار الذين كانوا ينأون بأنفسهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدون الناس عنه علموا أن من الأخلاق التي يدعو إليها صلة الرحم، فمن سؤالات هرقل لأبي سفيان: "بم يأمركم"؟ قال: "يأمرنا بالصدق والعفاف والصلة" رواه البخاري.
ولما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أقرباءه يدعوهم إلى توحيد الله قال لهم: «غير أنَّ لكم رحماً سأبُلُّها بِبَلالها» رواه مسلم.
الثاني: وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ
في الصحيحين، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»! فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ». فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ»؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
وكلمة يا صباحاه اعتادوها عند وقوع أمر عظيم، يقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له.
وسفح الجبل: عرضه من أسفله.
فدل الحديث على أن المشركين كانوا مقرين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين قال هرقل لأبي سفيان: "وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَزَعَمْتَ: أَنْ لا، فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى الله".
الثالث: وَتَحْمِلُ الْكَلَّ.
أي: الثِّقَل، أي: تحمل الأمر الثقيل عن الناس والتعبير " تحمل الكل" ، وليس " تعين الكل " فيه بلاغة ؛ حيث " تحمل الكل"، أي تعينه إعانة كاملة حتى وكأنك تحمله
والكل أيضاً هو العاجز وهذا قد يكون : المريض ، المعاق ، المسن ، اليتيم، ابن السبيل ، الطفل ... الخ.
فعن أبي قتادة صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرٍ أو يضع عنه". أخرجه مسلم برقم (1563) من سره: أفرحه وأدخل على نفسه السرور.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرجّ عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ".رواه البخاري في المظالم(2442)،ومسلم في البر والصلة(2580).
لا يظلمه:أي نوع من الظلم.ولا يسلمه:أي لا يسلمه لمن يظلمه يدافع عنه ويحميه من شره.
وفي رواية: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجةٍ وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين". الصحيحة (607).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
(نفس): أزال وفرًّج.(يسر على معسر): بالإبراء أن تصدق عليه أو بالانظار إلى ميسرة. يلتمس : يطلب.يتدارسونه : يتلونه ويتعلمونه. بطأ: قصر.
إعانة المحتاج وتفريج عنه الكروب قربة إلى الله وسبب في رحمة الله لعبده يوم القيامة.
وعن أبي موسى رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة قال: قيل: أرأيت إن لم يجد، قال: يعتمل بيديه فينفع ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: قيل له أرأيت إن لم يجد قال: يأمر بالمعروف أو الخير ، قال: أرأيت إن لم يفعل قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة. رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(6022)،ومسلم في الذكر والدعاء برقم (6868).
(ذا الحاجة الملهوف) يطلق على المتعسر وعلى المضطر وعلى المظلوم.
(يعدل بين الإثنين): أي يصلح بينهما بالعدل.
و عن ابن عمر وحده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان عبداً في حاجته ثبت الله له مقامه يوم تزول الأقدام". الصحيحة (608).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته".صحيح الجامع(6495)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبر ديناً أداه الله عنك؟ قل: "اللهم أكفني بحلالك عن حرامك وأغنني من فضلك عمن سواك".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض فإذا استنصح رجلٌ أخاه فلينصح له".السلسلة الصحيحة(1855).
وروى البيهقي عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال ( الإيمان بالله ، قلت : يا رسول الله إن مع الإيمان عملا ) لاحظ كيف الصحابي يفهم أن الإيمان لازم لابد له من عمل ( قال : يرضخ مما رزقه الله ) عطاء مال يعطي ( قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به ، قال : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قال : يصنع لأخرق ) وهو الجاهل الذي لا صنعة له يتكسب منها ، ( قلت : أرأيت إن كان أخرق -هو اخرق هو نفسه اخرق- لا يستطيع أن يصنع شيئا ،قال : يعين مظلوما ، قلت : أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما ، قال : ما تريد أن تترك في صاحبك من خير ليمسك أذاه عن الناس ، فقلت : يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة قال : ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وثبت عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ فَجَلَسَ فِي وَسَطِهِ، ثُمَّ قَالَ: «كِلْ لِلْقَوْمِ»، فَكِلْتُهُمْ، حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. رواه البخاري.
وفي سنن الترمذي، قال جابر جَابِرٌ: لَقِيَنِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ: «أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «مَا كَلَّمَ الله أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ»، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا}.
الرابع: وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ
قال الإمام مسلم في صحيحه: "باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال : لا" .
قال جابر : ما سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئا قط فقال : لا ، البخاري في هذا مفرد ومسلم في الفضائل .
ومن أولى بهذا البيت الذي قاله الفرزدق في زين العابدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ما قال (لا) قطُّ إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعمُ
فعلى كل مسلم يستطيع أن ينفع أخاه المسلم بأي وجه من وجوه النفع أن ينفعه فقال ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) رواه مسلم . تقرأ على مريض رقية من القرآن منفعة ينفعه.. تعلمه القرآن ،تدرسه في بعض افنون منفعة أي منفعة مباحة ، طبع المؤمن يا إخوان كالنخلة وكالنحلة بنقطة ومن غير نقطة ، نخلة لا يسقط ورقها صيفا ولا شتاءا يفيد رطب يفيد سعف يفيد بالظل يفيد صيفا شتاء، وكالنحلة أيضا متعدد المنافع آثاره فيها العلاج النافع للناس .
في صحيح البخاري، عن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلا كَذُوبًا وَلا جَبَانًا».
وغَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ الله دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً. فقَالَ صفوان: وَالله لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لابْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لاحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ. رواه مسلم.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يخبر عن أثر هذه السياسة الرشيدة، يقول: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. رواه مسلم.
وفي الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة".
وفيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس".
ولمسلمٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة".
وفي البخاري، عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ الله اكْسُنِيهَا. فَقَالَ: «نَعَمْ». فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ! سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ! لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالله مَا سَأَلْتُهُ إِلا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.
الخامس: وَتَقْرِي الضَّيْفَ
ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ! (أي: جائع)، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ. فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ الله»؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لا، إِلا قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» رواه مسلم. والشاهد: إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيوته ليضيفه.
السادس: وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ
أي: الحوادث على الخلق بتقدير الحق.
روى البخاري ومسلم ما يدل على معناه، عن أبي موسى الأشعري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، أَوْ بِالْعَدْلِ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَا بُدٌّ لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ.
ورواه عَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِي قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ. وصححه الألباني.
يقول عبد الله بن أَبِي أَوْفَى في نعته: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ" رواه النسائي.
الخلاصة:
وقد عاب الله على أهل قريش حين لم يستجيبوا لدعوة رسوله، وتساءل سبحانه - تَعَجّباً واسْتَنْكاراً -: لماذا لم يستجيبوا لمحمد؟! هَلْ لأنّهم لا يعرفونه؟! لذا فهم في حاجة إلى وقت حتى يسألوا عَنْ أصله وفصله وعَنْ خلقه وسلوكه؟! لا، ليس الأمر كذلك، فهذا احتمال مستبعد تماماً؛ لأنّهم يعرفونه معرفة تامة - صغيرهم وكبيرهم -، يعرفون شخصه ويعرفون نسبه، ويعرفون - أكثر مِنْ أي أحد - صفاته، يعرفون مِنْه كل خلق جميل، ويعرفون صدقه وأمانته حتى كانوا يسمونه قبل البعثة “الأمين”، فَلِمَ لَا يصدقونه حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين؟.. لذلك استنكر الله عليهم هذا السلوك العجيب في قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}[المؤمنون: 69].
فالسيرة الطيبة والأفعال الحميدة والأخلاق الزاكية تجعل صاحبها قدوة طيبة وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناس المعاني الجميلة والنبيلة فيقبلون عليها وينجذبون إليها.. ومعلوم أنّ التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر مِنْ التأثر بالكلام فقط، ولم ينسَ الحكماء أنْ يُضَمِّنوا هذا المعنى في أقوالهم، فقالوا: «عَمَل رَجُلٍ في أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِن كلام أَلْفِ رَجُلٍ في رَجُلٍ». وفي التنزيل الحميد موقف يختصر لنا المسافة ويعطينا المعنى في ألطف إشارة، حين قال الْفَتَيَانِ ليوسف - عليه السلام -: «نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين»، وكان هذا الطلب مِنْهما بعد أنْ أُعْجِبَا بصلاحه وسلوكه مع أهل السجن وحُسن معاملته لهم. ومِنْ وجوه الإحسان التي كان يمارسها - على ما يذكر الإمام القرطبي -: «أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ الْمَرْضَى وَيُدَاوِيهِمْ، فكَانَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السِّجْنِ قَامَ بِهِ، وَإِذَا ضَاقَ وَسَّعَ لَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ»، ويضيف ابن كثير «وَكَانَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدِ اشْتُهِرَ فِي السِّجْنِ بِالْجُودِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَمَعْرِفَةِ التَّعْبِيرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى أهل السجن وعيادة مَرْضَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ هَذَانِ الْفَتَيَانِ إِلَى السِّجْنِ، تَآلَفَا بِهِ وَأَحَبَّاهُ حُبّاً شَدِيداً، وَقَالَا لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حُبّاً زَائِداً».
خديجة
لقد قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (2/202): "وَفِيهِ أَعْظَم دَلِيل وَأَبْلَغ حُجَّة عَلَى كَمَال خَدِيجَة رَضِيَ الله عَنْهَا، وَجَزَالَة رَأْيهَا، وَقُوَّة نَفْسهَا، وَثَبَات قَلْبهَا، وَعِظَم فِقْههَا".
في سير أعلام النبلاء (2/110): "من كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها".
وثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِيهَا إِلَى خَلائِلِهَا" متفق عليه.
وعنها رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ؟! فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» رواه البخاري.
وعَنْ مَسْرُوقٍ رحمه الله، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ! قَدْ أَبْدَلَكَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: «مَا أَبْدَلَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ» رواه أحمد.
وفي الصحيحين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. والقصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في كبير الطبراني من حديث أبي هريرة ولفظه: "بيت من لؤلؤة مجوفة". والصخب: اختلاط الأصوات، والنصب: التعب.
فمن أراد –أيها الأحبة- أن يكون الله عونه ونصيره وعضده فعليه بهذه الست.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو الخطاب فؤاد بن علي السنحاني
اليمن ... المحويت
ليلة الجمعة
2 ربيع الأخر 1436 هـ
ما المراد بالخشية المذكورة ؟
قال الحافظ :
والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا :
أولها الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة جاء مصرحا به في عدة طرق وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضرورى له أن الذي جاءه ملك وأنه من عند الله تعالى
ثانيها الهاجس وهو باطل أيضا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة
ثالثها الموت من شدة الرعب
رابعها المرض وقد جزم به بن أبي جمرة
خامسها دوام المرض
سادسها العجز عن حمل اعباء النبوة
سابعها العجز عن النظر إلى الملك من الرعب
ثامنها عدم الصبر على أذى قومه
تاسعها أن يقتلوه
عاشرها مفارقة الوطن
حادى عشرها تكذيبهم إياه
ثاني عشرها تعييرهم إياه
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده وما عداها فهو معترض والله الموفق
للفائدة كلام الشراح على الحديث
قال الحافظ ابن حجر :
" فقالت خديجة كلا معناها النفي والإبعاد ويحزنك بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزى ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق لأن الإحسان إما إلى الاقارب أو إلى الاجانب وإما بالبدن أو بالمال وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع فيما وصفته به .
والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى : "وهو كل على مولاه " وقوله وقولها وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله وعليها قال الخطابي :الصواب المعدم بلا واو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب قلت : ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لاتصرف له والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه وقال قاسم بن ثابت في الدلائل قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه قال أعرابي يمدح إنسانا كان أكسبهم لمعدوم واعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب كسوب كذا المعدوم من كسب واحد أي مما يكسبه وحده انتهى
ولغير الكشميهني وتكسب بفتح أوله قال عياض : وهذه الرواية أصح قلت قد وجهنا الأولى وهذه الراجحة ومعناها تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك فحذف أحد المفعولين ويقال كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات وقولها وتعين على نوائب الحق كلمة جامعة لافراد ما تقدم " ا هـ
قال الكوراني :
" وفي الحديث دلالة على أن الخصال الفاضلة تكون دافعة للآفات وعلى كمال أم المؤمنين وغزارة فهمها وعلو شأنها في البلاغة ، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو الأجانب وكل واحد منهما إما أن يستقل الإنسان به أو لا والإحسان أيضا إما بالمال أو بالبدن أو بكل منهما وقد استوفت هذه المحاسن فيه بأفصح اللغات وأرشق العبارات "
ا هـ
الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري
قال ابن بطال : " إنما هو قياس منها على العادات ، والأكثر في الناس في حسن عاقبة من فعل الخير"
*********************
أيها المؤمنون : أهل الجاهلية عَلَى ما فيهم، كانوا إذا اجتمع في الرجل منهم حب العدل والعفاف والكرم، توقعوا له الخير، وحسن العاقبة والسمعة الحسنة والقبول، لأن كل النفوس مجبولة عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عدل كريم يُجازي الإِنسَان من جنس ما يعمل، فهل يكون امرؤٌ يعمل هذه الأعمال الجليلة النبيلة التي تجمع العقول والفطر عَلَى نبلها وفضلها وشرفها، ويخزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
بينما رجل فاجر يتقحم في الموبقات، وفي المهلكات، والطغيان، والبغي، والعدوان ويكون له لواء المحامد والمناقب منشوراً مرفوعاً؟!
هذا لا يمكن وليس هذا من سنة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حتى عند الجاهليين عَلَى ما لحق بفطرهم، وعقولهم من الضلال، والزيغ والانحراف.
لما ابتلي المسلمون ـ أيام مكة ـ بالتعذيب والاضطهاد ـ خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ ( برك الغماد ) لقيه ابن الدغنة وهو سيد ( القارة ) فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي
فقال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله ، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل ،وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك ...
ونفع النّاس والسّعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرّسل، فالكريم يوسف عليه السّلام مع ما تعرّض له من مكر إخوته، جهّزهم بجهازهم، وموسى عليه السّلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أُمَّةً من النّاس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين فسقى لهما
لقد أقسمت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: وَالله لا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا
فما هو الخِزيُ: الذلُّ والمهانة والفضيحة.
وهذا الذي أقسمت عليه خديجة نصَّ الله عليه: {يوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} .
ومن دعاء إبراهيم عليه السلام: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .
ومن دعاء أولي الألباب: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
وأصحاب الخزي هم أصحاب النار: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}
وأهل الخزي هم: الفاسقون: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ، والكافرون: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } .
لقد استدلَّت خديجة رضي الله عنها على معية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وعدم خذلانه له بصفات ست:
الأول: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ
والكفار الذين كانوا ينأون بأنفسهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدون الناس عنه علموا أن من الأخلاق التي يدعو إليها صلة الرحم، فمن سؤالات هرقل لأبي سفيان: "بم يأمركم"؟ قال: "يأمرنا بالصدق والعفاف والصلة" رواه البخاري.
ولما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أقرباءه يدعوهم إلى توحيد الله قال لهم: «غير أنَّ لكم رحماً سأبُلُّها بِبَلالها» رواه مسلم.
الثاني: وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ
في الصحيحين، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»! فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ». فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ»؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
وكلمة يا صباحاه اعتادوها عند وقوع أمر عظيم، يقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له.
وسفح الجبل: عرضه من أسفله.
فدل الحديث على أن المشركين كانوا مقرين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين قال هرقل لأبي سفيان: "وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَزَعَمْتَ: أَنْ لا، فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى الله".
الثالث: وَتَحْمِلُ الْكَلَّ.
أي: الثِّقَل، أي: تحمل الأمر الثقيل عن الناس والتعبير " تحمل الكل" ، وليس " تعين الكل " فيه بلاغة ؛ حيث " تحمل الكل"، أي تعينه إعانة كاملة حتى وكأنك تحمله
والكل أيضاً هو العاجز وهذا قد يكون : المريض ، المعاق ، المسن ، اليتيم، ابن السبيل ، الطفل ... الخ.
فعن أبي قتادة صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرٍ أو يضع عنه". أخرجه مسلم برقم (1563) من سره: أفرحه وأدخل على نفسه السرور.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرجّ عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ".رواه البخاري في المظالم(2442)،ومسلم في البر والصلة(2580).
لا يظلمه:أي نوع من الظلم.ولا يسلمه:أي لا يسلمه لمن يظلمه يدافع عنه ويحميه من شره.
وفي رواية: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجةٍ وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين". الصحيحة (607).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
(نفس): أزال وفرًّج.(يسر على معسر): بالإبراء أن تصدق عليه أو بالانظار إلى ميسرة. يلتمس : يطلب.يتدارسونه : يتلونه ويتعلمونه. بطأ: قصر.
إعانة المحتاج وتفريج عنه الكروب قربة إلى الله وسبب في رحمة الله لعبده يوم القيامة.
وعن أبي موسى رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة قال: قيل: أرأيت إن لم يجد، قال: يعتمل بيديه فينفع ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: قيل له أرأيت إن لم يجد قال: يأمر بالمعروف أو الخير ، قال: أرأيت إن لم يفعل قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة. رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(6022)،ومسلم في الذكر والدعاء برقم (6868).
(ذا الحاجة الملهوف) يطلق على المتعسر وعلى المضطر وعلى المظلوم.
(يعدل بين الإثنين): أي يصلح بينهما بالعدل.
و عن ابن عمر وحده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان عبداً في حاجته ثبت الله له مقامه يوم تزول الأقدام". الصحيحة (608).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته".صحيح الجامع(6495)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبر ديناً أداه الله عنك؟ قل: "اللهم أكفني بحلالك عن حرامك وأغنني من فضلك عمن سواك".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض فإذا استنصح رجلٌ أخاه فلينصح له".السلسلة الصحيحة(1855).
وروى البيهقي عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال ( الإيمان بالله ، قلت : يا رسول الله إن مع الإيمان عملا ) لاحظ كيف الصحابي يفهم أن الإيمان لازم لابد له من عمل ( قال : يرضخ مما رزقه الله ) عطاء مال يعطي ( قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به ، قال : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قال : يصنع لأخرق ) وهو الجاهل الذي لا صنعة له يتكسب منها ، ( قلت : أرأيت إن كان أخرق -هو اخرق هو نفسه اخرق- لا يستطيع أن يصنع شيئا ،قال : يعين مظلوما ، قلت : أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما ، قال : ما تريد أن تترك في صاحبك من خير ليمسك أذاه عن الناس ، فقلت : يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة قال : ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وثبت عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ فَجَلَسَ فِي وَسَطِهِ، ثُمَّ قَالَ: «كِلْ لِلْقَوْمِ»، فَكِلْتُهُمْ، حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. رواه البخاري.
وفي سنن الترمذي، قال جابر جَابِرٌ: لَقِيَنِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ: «أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «مَا كَلَّمَ الله أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ»، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا}.
الرابع: وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ
قال الإمام مسلم في صحيحه: "باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال : لا" .
قال جابر : ما سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئا قط فقال : لا ، البخاري في هذا مفرد ومسلم في الفضائل .
ومن أولى بهذا البيت الذي قاله الفرزدق في زين العابدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ما قال (لا) قطُّ إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعمُ
فعلى كل مسلم يستطيع أن ينفع أخاه المسلم بأي وجه من وجوه النفع أن ينفعه فقال ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) رواه مسلم . تقرأ على مريض رقية من القرآن منفعة ينفعه.. تعلمه القرآن ،تدرسه في بعض افنون منفعة أي منفعة مباحة ، طبع المؤمن يا إخوان كالنخلة وكالنحلة بنقطة ومن غير نقطة ، نخلة لا يسقط ورقها صيفا ولا شتاءا يفيد رطب يفيد سعف يفيد بالظل يفيد صيفا شتاء، وكالنحلة أيضا متعدد المنافع آثاره فيها العلاج النافع للناس .
في صحيح البخاري، عن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلا كَذُوبًا وَلا جَبَانًا».
وغَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ الله دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً. فقَالَ صفوان: وَالله لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لابْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لاحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ. رواه مسلم.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يخبر عن أثر هذه السياسة الرشيدة، يقول: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. رواه مسلم.
وفي الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة".
وفيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس".
ولمسلمٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة".
وفي البخاري، عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ الله اكْسُنِيهَا. فَقَالَ: «نَعَمْ». فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ! سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ! لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالله مَا سَأَلْتُهُ إِلا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.
الخامس: وَتَقْرِي الضَّيْفَ
ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ! (أي: جائع)، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ. فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ الله»؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لا، إِلا قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» رواه مسلم. والشاهد: إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيوته ليضيفه.
السادس: وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ
أي: الحوادث على الخلق بتقدير الحق.
روى البخاري ومسلم ما يدل على معناه، عن أبي موسى الأشعري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، أَوْ بِالْعَدْلِ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَا بُدٌّ لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ.
ورواه عَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِي قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ. وصححه الألباني.
يقول عبد الله بن أَبِي أَوْفَى في نعته: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ" رواه النسائي.
الخلاصة:
وقد عاب الله على أهل قريش حين لم يستجيبوا لدعوة رسوله، وتساءل سبحانه - تَعَجّباً واسْتَنْكاراً -: لماذا لم يستجيبوا لمحمد؟! هَلْ لأنّهم لا يعرفونه؟! لذا فهم في حاجة إلى وقت حتى يسألوا عَنْ أصله وفصله وعَنْ خلقه وسلوكه؟! لا، ليس الأمر كذلك، فهذا احتمال مستبعد تماماً؛ لأنّهم يعرفونه معرفة تامة - صغيرهم وكبيرهم -، يعرفون شخصه ويعرفون نسبه، ويعرفون - أكثر مِنْ أي أحد - صفاته، يعرفون مِنْه كل خلق جميل، ويعرفون صدقه وأمانته حتى كانوا يسمونه قبل البعثة “الأمين”، فَلِمَ لَا يصدقونه حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين؟.. لذلك استنكر الله عليهم هذا السلوك العجيب في قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}[المؤمنون: 69].
فالسيرة الطيبة والأفعال الحميدة والأخلاق الزاكية تجعل صاحبها قدوة طيبة وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناس المعاني الجميلة والنبيلة فيقبلون عليها وينجذبون إليها.. ومعلوم أنّ التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر مِنْ التأثر بالكلام فقط، ولم ينسَ الحكماء أنْ يُضَمِّنوا هذا المعنى في أقوالهم، فقالوا: «عَمَل رَجُلٍ في أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِن كلام أَلْفِ رَجُلٍ في رَجُلٍ». وفي التنزيل الحميد موقف يختصر لنا المسافة ويعطينا المعنى في ألطف إشارة، حين قال الْفَتَيَانِ ليوسف - عليه السلام -: «نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين»، وكان هذا الطلب مِنْهما بعد أنْ أُعْجِبَا بصلاحه وسلوكه مع أهل السجن وحُسن معاملته لهم. ومِنْ وجوه الإحسان التي كان يمارسها - على ما يذكر الإمام القرطبي -: «أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ الْمَرْضَى وَيُدَاوِيهِمْ، فكَانَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السِّجْنِ قَامَ بِهِ، وَإِذَا ضَاقَ وَسَّعَ لَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ»، ويضيف ابن كثير «وَكَانَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدِ اشْتُهِرَ فِي السِّجْنِ بِالْجُودِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَمَعْرِفَةِ التَّعْبِيرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى أهل السجن وعيادة مَرْضَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ هَذَانِ الْفَتَيَانِ إِلَى السِّجْنِ، تَآلَفَا بِهِ وَأَحَبَّاهُ حُبّاً شَدِيداً، وَقَالَا لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حُبّاً زَائِداً».
خديجة
لقد قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (2/202): "وَفِيهِ أَعْظَم دَلِيل وَأَبْلَغ حُجَّة عَلَى كَمَال خَدِيجَة رَضِيَ الله عَنْهَا، وَجَزَالَة رَأْيهَا، وَقُوَّة نَفْسهَا، وَثَبَات قَلْبهَا، وَعِظَم فِقْههَا".
في سير أعلام النبلاء (2/110): "من كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها".
وثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِيهَا إِلَى خَلائِلِهَا" متفق عليه.
وعنها رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ؟! فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» رواه البخاري.
وعَنْ مَسْرُوقٍ رحمه الله، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ! قَدْ أَبْدَلَكَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: «مَا أَبْدَلَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ» رواه أحمد.
وفي الصحيحين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. والقصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في كبير الطبراني من حديث أبي هريرة ولفظه: "بيت من لؤلؤة مجوفة". والصخب: اختلاط الأصوات، والنصب: التعب.
فمن أراد –أيها الأحبة- أن يكون الله عونه ونصيره وعضده فعليه بهذه الست.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو الخطاب فؤاد بن علي السنحاني
اليمن ... المحويت
ليلة الجمعة
2 ربيع الأخر 1436 هـ
تعليق