بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الجلال ولإكرام ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له ، ذي الإنعام على الأنام ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، الذي أرسله الله بشيرا ونذيرا وإتماما للنعم ، صلى عليه الله وعلى آله وصحبه وسلم مرّالسنين والأيام.
أما بعد : فقد أنعم الله علينا علماء كرام نرجع إليهم في المشكلات ، ونسألهم ونستفيد ونفيد ما نسمع منهم ، يحررون و يفصّلون ويقنعون بالبراهين ،
وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
وهذه رسالة بين أيديكم ، حررها أحد مشايخنا الكرام ، في إحدى المسائل التي كثر فيها الإشكال و الكلام، -مسألة قرءاة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها وما فيها من أحاديث -، وهو شيخنا العالم المحدّث المفضال ،، أبو عبدالرحمن جميل بن عبده الصلوي -حفظه الله تعالى وسدده وكرّمه ، وجعل الفردوس مأواه ومسكنه- قرأها علينا في بعض دورسه الماتعة الحديثية ، فخرّج أحاديثها أحسن تخريج - كعادته كما تعلمون منه - ، وفّند سقيمها من صحيحها ، وزال الإشكال عنها بما لا يحتاج إلى مزيد.
فأحببنا أن تعم الفائدة ويكثر النفع بها ، فاستأذنّاه من نشرها فأذن لنا - جزاه الله عنّا خير الجزاء -
ولا أطيل عليكم الكلام .
فهاكم الرسالة فلنستفد منها ولنفد .
قال الشيخ حفظه الله وأعانه :
بْســــــمِ الّـلـهِ الّرَحـْـــمن الرَّحــــــْيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :ففي أثناء تدريس العمدة للإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي مع شرحها للعلامة عبد الله البسام -رحمهماالله تعالى - مرّ بنا ضمن خصائص يوم الجمعة قراءة سورة الكهف ، فيسر الله بهذا التعليق على ما ورد من الأحاديث في ذلك ، فرغب بعض إخواننا -جزاه الله خيرا -في نشره لتعمّ الفائدة ، فوافقته على ذلك .
كتبه : جـــمـــيل بن عبده بن قايد الصــــلـــــويّ
في شهر الله المحرم 1436
قــــــراءة ســــورة الـــكهــــف
يـــــوم الجــــمعة ولــــيلة الجــــمــعة
جاء من طريق أبي هاشم الُرماني الواسطي ، واختلف عليه فيه فرواه عنه
1ـــ هـــشيم بن بشـــير ، واختلف عليه فيه أيضا .
فرواه عن نعيم بن حماد عند الحاكم( 436 ) ومن طريقه البيهقي في" الكبرى" ( 6063) ، والصغرى ( 608) ، ويزيد بن خالد بن يزيد بن موهب عند البيهقي في "شعب الإيمان " (2777)، و" فضائل الأوقات "(279)،
والحكم بن موسى كما في " العلل" لدارقطني (2301) ،
عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم-"من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من الّنور ما بين الحمعتين "
وذكر الحكم بن موسى الدعاء بعد الوضوء ، وسيأتي .
قال الحاكم :هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
قال الذهبي متعقبا :"نعيم ذو مناكير " أهـ
ورواه أحمد بن خلف البغدادي عند بن الضريس في "فضائل القرآن"، وسعيد بن منصور في "سننه" كما قي "تفسير ابن كثير " ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان"(2220) كلامهما عن هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال:{من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النّور ما بينه وبين البيت العتيق } قال البيهقي عقب الحديث :وهذا هو المحفوظ موقوف ، ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه . أهـ
وقال الدارقطني في "العلل" :ووقفه غيره ( يعني الحكم بن موسى ) عن هشيم وهو الصواب .
قلت:والموقوف أيضا لم يسلم ، ففي "العلل" ، و"معرفة الرجال"لأحمد برواية ابنه عبد الله (251/2) رقم (2153) قال سمعت أبي يقول :حدثنا هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس عن أبي سعيد الخدري قال:(إذا توضأ الرجل فقال: سبحانك اللهم وبحمدك) قال أبي:لم يسمعه هشيم من أبي هاشم . أهـ
2 ــ شـــعــبة بن الحجـــاج واختلف عليه فيه
فرواه يحيى پن كثير أبو غسان عند الطبراني في "الأوسط" (1455) ، والحاكم (2100) ، والنسائى في الكبرى (9829) ،(10722) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2221)، (2499) رواه عن شعبة عن أبي هاشم الّرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (من قرأسورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ بعشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضرّه، ومن توضأ فقال:سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا الله أنت استغفرك وأتوب إليك ، كتب في رقٍّ ثم جعلت في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة ).
هذا لفظ الطبراني والحاكم ، واقتصر النسائي في الموضع الأول على الدعاء بعد الوضوء، وفي الثاني على فضل قراءة الكهف والعشر الآيات من آخرها ، واقتصر البيهقي على قراءة سورة الكهف ، وزاد في الموضع الثاني الدعاء بعد الوضوء .
قال الطبراني عقب الحديث : لم يرو هذا الحديث مرفوعا عن شعبة إلا يحيى بن كثير . أهـ
وقال النسائي في الموضع الأول : هذا خطأ ، والصواب موقوف ، خالفه -يعني يحيى بن كثير -محمد بن جعفر فوقفه . أهـ
قال الدارقطني في " العلل " (2301) : وقيل ~عن ربيع بن يحيى عن شعبة مرفوعا، ولم يثبت ، ورواه غندر - وهو محمد بن جعفر ، وأصحاب شعبة عن شعبة موقوفا وذكر الذكر بعد الوضوء. أهـ
وذكر النسائي رواية محمد بن جعفر في " الكبرى " برقم(10723)، قال: حدثنا شعبة عن أبي هاشم الُرّماني عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري نحوه ، ولم يرفعه ، وقال (من حيث يقرأه إلى مكة )، وقال :(من قرأ آخر الكهف )،
3ـــ ســـفــيان الـــثوري واختلف عليه فيه
فرواه يوسف بن أسباط عند ابن السني في "عمل اليوم والليلة"
(30)، والبيهقي في "الدعوات الكبير "،( 59)، وأبو إسحاق الفزاري ، وعبد الملك الذماري، كمافي "العلل"للدارقطني(2301) ، رووه عن الثوري عن أبي هاشم به مرفوعا بلفظ"من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال عند فراغه من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش، فلم يكسر إلي يوم القيامة "
ويوسف بن أسباط وثقه ابن معين، وتكلم فيه بعضهم وكان يغلط كثيرا، والراوي عنه في هذا الحديث المسيب بن واضح صدوق يخطئ كثيرا،
وقال البيهقي عقب الحديث :روي أيضا عن شعبة عن أبي هاشم هكذا مرفوعا ، والمشهور موقوف .
ورواه عبد الرحمن بن مهدي عند النسائي في "الكبرى " (10724)، ونعيم بن حماد في "الفتن "(1582)
والحاكم (2101)، وقبيصة بن عقبة عند البيهقي في "شعب الإيمان" (2776)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (730)،(6023) ، ووكيع عند نعيم بن حماد في "الفتن "(1579)،وابن أبي شيبة (19 )(29893) ، وعبدالله بن المبارك عند النسائي في "الكبرى " (9831) ، خمستهم عن الثوري عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال:"من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه ، أو لم يكن له عليه سبيل .
ومن قرأ سورة الكهف كان له نور من حيث قرأها ما بينه وبين مكة " وقال قبيصة :"ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضيء له نور من حيث كان بينه وبين مكة " هذا لفظ ابن مهدي وقبيصة ، ولفظ عبد الرزق "من توضأ ثم فرغ من وضوئه ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ختم عليها بخاتم ثم وضعت تحت العرش، فلم تكسر إلي يوم القيامة، ومن قرأسورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه ، ولم يكن له عليه سبيل، ورفع له نور من حيث يقرؤها إلي مكة "
ولفظ وكيع عند نعيم بن حماد "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت أضاء له ما بينه وبين مكة، ومن قرأ آخرها ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه "
ولفظ عند ابن أبي شيبة وهكذا عبدالله بن المبارك الإقتصار علي الذكر بعد الوضوء ، ورواية هؤلاء الجماعة هي الراجحة
4 ــ 5 ــ 6ــــــ قيس بن الربيع والوليد بن مروان عند الطبراني في الدعاء رقم (388) ، (389)
وروح بن قاسم كمافي "العلل" للدارقطني ثلاثتهم عن أبي هاشم الرّماني عن أبي ملجز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخذري عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:" من قال إذا توضأ بسم الله وإذا فرغ قال سبحانك اللهم وبحمدك ..."
إلى أخر الذكر .
قيس بن الربيع هو الأسدي فيه ضعف .
والوليد بن مروان فال أبو حاتم :مجهول.
الخلاصة :
المــــحـــفوظ في حديث هشيم ، وشعبة، والثوري الوقف كما رجح ذلك الأئمة وأن تقييد فضل قراءة سورة (الكهف ) بيوم الجمعة لم يذكر إلا في رواية هشيم ، وأيضا هو منقطع كما دل عليه كلام الإمام أحمد .
فعلى هذا فيكون المحفوظ في هذا الحديث من فضل قراءة هذه السورة مطلقا، وله حكم الرفع إذ لايقال : من قبيل الرأي ،
وهكذا الذكر بعد الوضوء .
قال العلامة الألباني :" ولكنه في حكم المر فوع أنه لا يقال بمجرد الرأي ، كما لا يخفى. أهــ حاشية "الترغيب والترهيب ".
وقال ابن كثير في تفسيره : وروى الحافظ أبوبكر ابن مردويه "في تفسيره " بإسناد له غريب عن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه ، إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة ، وغفرله مابين الجمعتين" .
قال ابن كثير: وهذا الحديث في رفعه نظر وأحسن أحواله الوقف . أهـ
قلت : وخالد بن سعيد بن أبي مريم قال العقيلي في "الضعفاء "،: "لايتابع على حديثه ".
وقال البخاري : له أحاديث عن المطلب بن عبدالله مراسيل .
وقال ابن المديني : ﻻنعرفه .
وقال ابن القطان : مجهول .
وجاء من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ بالكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه ) . رواه الضياء المقدسي في المختارة (429) ، (430) ، وأبو الفضل الزهري في حديثه (127) من طريق عبد الله بن مصعب بن منظور بن خالد عن أبيه عن جده مرفوعا فذكره في "لسان الميزان " .
قال الذهبي : فرفع خطبة منكرة ، وفيهم جهالة . أهـ
قال ابن حجر : وقد جهل ابن القطان عبد الله بن مصعب، وأباه .أهــ
وعبد الله بن مصعب روى الحديث أيضا في المصدرين السابقين عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا .
قـــــراءة ســـورة الكــــهــــف لــــيلة الجــــمــــعة
وجاء حديث في فضل قراءتها ليلة الجمعة .
وهو "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أعطي نورا من حيث قرأها إلى مكة ، وغفر له إلى الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام ، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وعوفي من الداء والدبيلة وذات الجنب والبرص والجذام والجنون وفتنة الدجال"
من حديث ابن عباس وفيه إبراهيم بن محمد الطـيَّان عن الحسين بن القاسم عن إسماعيل بن زياد ، ظلمات بعضها فوق بعض.
(قلت) أورده الغزالي في "الإحياء" من حديث ابن عباس ، وأبي هريرة وعزاه العراقي في تخريجه" الكبير" إلى الديلمي من حديث ابن عباس، وأعلّه ممن ذكر .
وأما في "الصغير" ص(87 ) فقال : لم أجده من حديثهما .أهـ من "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " (69)،
وحديث ابن عباس في "تذكرة الموضوعات"للفتّني صـــ78
وقال منه :فيه إسماعيل كذاب ، وآخران مجروحان .أهــ
وإسماعيل هو ابن زياد أو ابن أبي زياد الكوفي قاضي الموصل السابق. في"التقريب " متروك كذبوه.
في أثر أبي سعيد الخدري "من قرأ سورة الكهف " -وفي بعض الروايات- "آخرها" ثم خرج الدجال لم يسلط عليه " .
وروى مسلم(809) من طريق هشام الدستوائي وهمام بن يحيى وأحمد (526/45-527) من طريق سعيد بن أبي عروبة وشيبان بن عبد الرحمن ، أربعتهم عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء :
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجّال "رواه عن همام بن يحيى هكذا عبد الحمن بن مهدي عند مسلم وحفص بن عمر الحوضي عند أبي داود (4323) وعفان عند أحمد (27542) والنسائي في "الكبرى" (10721) ورواه عبد الصمد عند أحمد عن همام به بلفظ " من حفظ عشر آيات من سورة الكهف ..."، ولم يقل: " من أول" ورواية الجماعة مقدمة.
ورواه شعبة بن الحجاج عن قتادة ، وقد اضطرب فيه .
فرواه مسلم (809) فقال :حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به ، غير أنه قال: " من آخر الكهف"،
وعند النسائي في "الكبرى"(10720) من طريق حجاج عن شعبة به " من قرأ العشر الآخر من الكهف..."
ورواه النسائي في" الكبرى" (10719)
فقال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن قتادة به بلفظ : "من قرأ عشرة آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال"
ورواه الترمذي (3104 ) ط الرسالة
فقال :حدثنا محمد بن بشار قال محمد بن جعفر قال: شعبة عن قتادة به بلفظ ":من قرأ ثلاث آيات من أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال" ورواه النسائي في الكبرى (10718) قال: أخبرنا محمد بن عبدالأعلى قال: حدثنا خالد-وهو ابن الحارث- قال : حدثنا شعبة أخبرني قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ العشر الاواخر من سورة الكهف فإنه عصمة له من الدجال" .
ورواية الحديث عن أبي الدرداء
بلفظ حديث سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي ومن تابعهما أرجح .
ففي "تهذيب التهذيب "
قال شعبة : كان هشام أحفظ مّني عن قتادة .
وقال : كان أعلم بحديث فتادة مّني
وفي" شرح العلل الترمذي "
قال عثمان بن سعيد :" هشام في قتادة أكبر من شعبة " . أهــ
وإذا روى هشام وسعيد بن أبي عروبة شيئا وخالفهما شعبة فالقول قولهما
وإذا اتفق هشام وسعيد بن أبي عروبة من رواية أهل الثبت عنهما وخالهما شعبة
كان القول قول هشام وسعيد...). أهـ
والذي يرجح رواية "أول سورة الكهف "
حديث النواس بن سمعان مرفوعا وفيه " فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ".
رواه مسلم (2937).
::::::::::::
الناشر : أخوكم في الله أبو عبدالفتاح
عـــبــد الله بن أحـــمـــد بن مــحــمــد الصومالي
الحمد لله ذي الجلال ولإكرام ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له ، ذي الإنعام على الأنام ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، الذي أرسله الله بشيرا ونذيرا وإتماما للنعم ، صلى عليه الله وعلى آله وصحبه وسلم مرّالسنين والأيام.
أما بعد : فقد أنعم الله علينا علماء كرام نرجع إليهم في المشكلات ، ونسألهم ونستفيد ونفيد ما نسمع منهم ، يحررون و يفصّلون ويقنعون بالبراهين ،
وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
وهذه رسالة بين أيديكم ، حررها أحد مشايخنا الكرام ، في إحدى المسائل التي كثر فيها الإشكال و الكلام، -مسألة قرءاة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها وما فيها من أحاديث -، وهو شيخنا العالم المحدّث المفضال ،، أبو عبدالرحمن جميل بن عبده الصلوي -حفظه الله تعالى وسدده وكرّمه ، وجعل الفردوس مأواه ومسكنه- قرأها علينا في بعض دورسه الماتعة الحديثية ، فخرّج أحاديثها أحسن تخريج - كعادته كما تعلمون منه - ، وفّند سقيمها من صحيحها ، وزال الإشكال عنها بما لا يحتاج إلى مزيد.
فأحببنا أن تعم الفائدة ويكثر النفع بها ، فاستأذنّاه من نشرها فأذن لنا - جزاه الله عنّا خير الجزاء -
ولا أطيل عليكم الكلام .
فهاكم الرسالة فلنستفد منها ولنفد .
قال الشيخ حفظه الله وأعانه :
بْســــــمِ الّـلـهِ الّرَحـْـــمن الرَّحــــــْيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :ففي أثناء تدريس العمدة للإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي مع شرحها للعلامة عبد الله البسام -رحمهماالله تعالى - مرّ بنا ضمن خصائص يوم الجمعة قراءة سورة الكهف ، فيسر الله بهذا التعليق على ما ورد من الأحاديث في ذلك ، فرغب بعض إخواننا -جزاه الله خيرا -في نشره لتعمّ الفائدة ، فوافقته على ذلك .
كتبه : جـــمـــيل بن عبده بن قايد الصــــلـــــويّ
في شهر الله المحرم 1436
قــــــراءة ســــورة الـــكهــــف
يـــــوم الجــــمعة ولــــيلة الجــــمــعة
جاء من طريق أبي هاشم الُرماني الواسطي ، واختلف عليه فيه فرواه عنه
1ـــ هـــشيم بن بشـــير ، واختلف عليه فيه أيضا .
فرواه عن نعيم بن حماد عند الحاكم( 436 ) ومن طريقه البيهقي في" الكبرى" ( 6063) ، والصغرى ( 608) ، ويزيد بن خالد بن يزيد بن موهب عند البيهقي في "شعب الإيمان " (2777)، و" فضائل الأوقات "(279)،
والحكم بن موسى كما في " العلل" لدارقطني (2301) ،
عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم-"من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من الّنور ما بين الحمعتين "
وذكر الحكم بن موسى الدعاء بعد الوضوء ، وسيأتي .
قال الحاكم :هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
قال الذهبي متعقبا :"نعيم ذو مناكير " أهـ
ورواه أحمد بن خلف البغدادي عند بن الضريس في "فضائل القرآن"، وسعيد بن منصور في "سننه" كما قي "تفسير ابن كثير " ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان"(2220) كلامهما عن هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال:{من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النّور ما بينه وبين البيت العتيق } قال البيهقي عقب الحديث :وهذا هو المحفوظ موقوف ، ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه . أهـ
وقال الدارقطني في "العلل" :ووقفه غيره ( يعني الحكم بن موسى ) عن هشيم وهو الصواب .
قلت:والموقوف أيضا لم يسلم ، ففي "العلل" ، و"معرفة الرجال"لأحمد برواية ابنه عبد الله (251/2) رقم (2153) قال سمعت أبي يقول :حدثنا هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس عن أبي سعيد الخدري قال:(إذا توضأ الرجل فقال: سبحانك اللهم وبحمدك) قال أبي:لم يسمعه هشيم من أبي هاشم . أهـ
2 ــ شـــعــبة بن الحجـــاج واختلف عليه فيه
فرواه يحيى پن كثير أبو غسان عند الطبراني في "الأوسط" (1455) ، والحاكم (2100) ، والنسائى في الكبرى (9829) ،(10722) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2221)، (2499) رواه عن شعبة عن أبي هاشم الّرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (من قرأسورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ بعشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضرّه، ومن توضأ فقال:سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا الله أنت استغفرك وأتوب إليك ، كتب في رقٍّ ثم جعلت في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة ).
هذا لفظ الطبراني والحاكم ، واقتصر النسائي في الموضع الأول على الدعاء بعد الوضوء، وفي الثاني على فضل قراءة الكهف والعشر الآيات من آخرها ، واقتصر البيهقي على قراءة سورة الكهف ، وزاد في الموضع الثاني الدعاء بعد الوضوء .
قال الطبراني عقب الحديث : لم يرو هذا الحديث مرفوعا عن شعبة إلا يحيى بن كثير . أهـ
وقال النسائي في الموضع الأول : هذا خطأ ، والصواب موقوف ، خالفه -يعني يحيى بن كثير -محمد بن جعفر فوقفه . أهـ
قال الدارقطني في " العلل " (2301) : وقيل ~عن ربيع بن يحيى عن شعبة مرفوعا، ولم يثبت ، ورواه غندر - وهو محمد بن جعفر ، وأصحاب شعبة عن شعبة موقوفا وذكر الذكر بعد الوضوء. أهـ
وذكر النسائي رواية محمد بن جعفر في " الكبرى " برقم(10723)، قال: حدثنا شعبة عن أبي هاشم الُرّماني عن أبي مجلز عن قيس بن عبّاد عن أبي سعيد الخدري نحوه ، ولم يرفعه ، وقال (من حيث يقرأه إلى مكة )، وقال :(من قرأ آخر الكهف )،
3ـــ ســـفــيان الـــثوري واختلف عليه فيه
فرواه يوسف بن أسباط عند ابن السني في "عمل اليوم والليلة"
(30)، والبيهقي في "الدعوات الكبير "،( 59)، وأبو إسحاق الفزاري ، وعبد الملك الذماري، كمافي "العلل"للدارقطني(2301) ، رووه عن الثوري عن أبي هاشم به مرفوعا بلفظ"من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال عند فراغه من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش، فلم يكسر إلي يوم القيامة "
ويوسف بن أسباط وثقه ابن معين، وتكلم فيه بعضهم وكان يغلط كثيرا، والراوي عنه في هذا الحديث المسيب بن واضح صدوق يخطئ كثيرا،
وقال البيهقي عقب الحديث :روي أيضا عن شعبة عن أبي هاشم هكذا مرفوعا ، والمشهور موقوف .
ورواه عبد الرحمن بن مهدي عند النسائي في "الكبرى " (10724)، ونعيم بن حماد في "الفتن "(1582)
والحاكم (2101)، وقبيصة بن عقبة عند البيهقي في "شعب الإيمان" (2776)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (730)،(6023) ، ووكيع عند نعيم بن حماد في "الفتن "(1579)،وابن أبي شيبة (19 )(29893) ، وعبدالله بن المبارك عند النسائي في "الكبرى " (9831) ، خمستهم عن الثوري عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال:"من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه ، أو لم يكن له عليه سبيل .
ومن قرأ سورة الكهف كان له نور من حيث قرأها ما بينه وبين مكة " وقال قبيصة :"ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضيء له نور من حيث كان بينه وبين مكة " هذا لفظ ابن مهدي وقبيصة ، ولفظ عبد الرزق "من توضأ ثم فرغ من وضوئه ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ختم عليها بخاتم ثم وضعت تحت العرش، فلم تكسر إلي يوم القيامة، ومن قرأسورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه ، ولم يكن له عليه سبيل، ورفع له نور من حيث يقرؤها إلي مكة "
ولفظ وكيع عند نعيم بن حماد "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت أضاء له ما بينه وبين مكة، ومن قرأ آخرها ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه "
ولفظ عند ابن أبي شيبة وهكذا عبدالله بن المبارك الإقتصار علي الذكر بعد الوضوء ، ورواية هؤلاء الجماعة هي الراجحة
4 ــ 5 ــ 6ــــــ قيس بن الربيع والوليد بن مروان عند الطبراني في الدعاء رقم (388) ، (389)
وروح بن قاسم كمافي "العلل" للدارقطني ثلاثتهم عن أبي هاشم الرّماني عن أبي ملجز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخذري عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:" من قال إذا توضأ بسم الله وإذا فرغ قال سبحانك اللهم وبحمدك ..."
إلى أخر الذكر .
قيس بن الربيع هو الأسدي فيه ضعف .
والوليد بن مروان فال أبو حاتم :مجهول.
الخلاصة :
المــــحـــفوظ في حديث هشيم ، وشعبة، والثوري الوقف كما رجح ذلك الأئمة وأن تقييد فضل قراءة سورة (الكهف ) بيوم الجمعة لم يذكر إلا في رواية هشيم ، وأيضا هو منقطع كما دل عليه كلام الإمام أحمد .
فعلى هذا فيكون المحفوظ في هذا الحديث من فضل قراءة هذه السورة مطلقا، وله حكم الرفع إذ لايقال : من قبيل الرأي ،
وهكذا الذكر بعد الوضوء .
قال العلامة الألباني :" ولكنه في حكم المر فوع أنه لا يقال بمجرد الرأي ، كما لا يخفى. أهــ حاشية "الترغيب والترهيب ".
وقال ابن كثير في تفسيره : وروى الحافظ أبوبكر ابن مردويه "في تفسيره " بإسناد له غريب عن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه ، إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة ، وغفرله مابين الجمعتين" .
قال ابن كثير: وهذا الحديث في رفعه نظر وأحسن أحواله الوقف . أهـ
قلت : وخالد بن سعيد بن أبي مريم قال العقيلي في "الضعفاء "،: "لايتابع على حديثه ".
وقال البخاري : له أحاديث عن المطلب بن عبدالله مراسيل .
وقال ابن المديني : ﻻنعرفه .
وقال ابن القطان : مجهول .
وجاء من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ بالكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه ) . رواه الضياء المقدسي في المختارة (429) ، (430) ، وأبو الفضل الزهري في حديثه (127) من طريق عبد الله بن مصعب بن منظور بن خالد عن أبيه عن جده مرفوعا فذكره في "لسان الميزان " .
قال الذهبي : فرفع خطبة منكرة ، وفيهم جهالة . أهـ
قال ابن حجر : وقد جهل ابن القطان عبد الله بن مصعب، وأباه .أهــ
وعبد الله بن مصعب روى الحديث أيضا في المصدرين السابقين عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا .
قـــــراءة ســـورة الكــــهــــف لــــيلة الجــــمــــعة
وجاء حديث في فضل قراءتها ليلة الجمعة .
وهو "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أعطي نورا من حيث قرأها إلى مكة ، وغفر له إلى الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام ، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وعوفي من الداء والدبيلة وذات الجنب والبرص والجذام والجنون وفتنة الدجال"
من حديث ابن عباس وفيه إبراهيم بن محمد الطـيَّان عن الحسين بن القاسم عن إسماعيل بن زياد ، ظلمات بعضها فوق بعض.
(قلت) أورده الغزالي في "الإحياء" من حديث ابن عباس ، وأبي هريرة وعزاه العراقي في تخريجه" الكبير" إلى الديلمي من حديث ابن عباس، وأعلّه ممن ذكر .
وأما في "الصغير" ص(87 ) فقال : لم أجده من حديثهما .أهـ من "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " (69)،
وحديث ابن عباس في "تذكرة الموضوعات"للفتّني صـــ78
وقال منه :فيه إسماعيل كذاب ، وآخران مجروحان .أهــ
وإسماعيل هو ابن زياد أو ابن أبي زياد الكوفي قاضي الموصل السابق. في"التقريب " متروك كذبوه.
في أثر أبي سعيد الخدري "من قرأ سورة الكهف " -وفي بعض الروايات- "آخرها" ثم خرج الدجال لم يسلط عليه " .
وروى مسلم(809) من طريق هشام الدستوائي وهمام بن يحيى وأحمد (526/45-527) من طريق سعيد بن أبي عروبة وشيبان بن عبد الرحمن ، أربعتهم عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء :
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجّال "رواه عن همام بن يحيى هكذا عبد الحمن بن مهدي عند مسلم وحفص بن عمر الحوضي عند أبي داود (4323) وعفان عند أحمد (27542) والنسائي في "الكبرى" (10721) ورواه عبد الصمد عند أحمد عن همام به بلفظ " من حفظ عشر آيات من سورة الكهف ..."، ولم يقل: " من أول" ورواية الجماعة مقدمة.
ورواه شعبة بن الحجاج عن قتادة ، وقد اضطرب فيه .
فرواه مسلم (809) فقال :حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به ، غير أنه قال: " من آخر الكهف"،
وعند النسائي في "الكبرى"(10720) من طريق حجاج عن شعبة به " من قرأ العشر الآخر من الكهف..."
ورواه النسائي في" الكبرى" (10719)
فقال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن قتادة به بلفظ : "من قرأ عشرة آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال"
ورواه الترمذي (3104 ) ط الرسالة
فقال :حدثنا محمد بن بشار قال محمد بن جعفر قال: شعبة عن قتادة به بلفظ ":من قرأ ثلاث آيات من أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال" ورواه النسائي في الكبرى (10718) قال: أخبرنا محمد بن عبدالأعلى قال: حدثنا خالد-وهو ابن الحارث- قال : حدثنا شعبة أخبرني قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ العشر الاواخر من سورة الكهف فإنه عصمة له من الدجال" .
ورواية الحديث عن أبي الدرداء
بلفظ حديث سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي ومن تابعهما أرجح .
ففي "تهذيب التهذيب "
قال شعبة : كان هشام أحفظ مّني عن قتادة .
وقال : كان أعلم بحديث فتادة مّني
وفي" شرح العلل الترمذي "
قال عثمان بن سعيد :" هشام في قتادة أكبر من شعبة " . أهــ
وإذا روى هشام وسعيد بن أبي عروبة شيئا وخالفهما شعبة فالقول قولهما
وإذا اتفق هشام وسعيد بن أبي عروبة من رواية أهل الثبت عنهما وخالهما شعبة
كان القول قول هشام وسعيد...). أهـ
والذي يرجح رواية "أول سورة الكهف "
حديث النواس بن سمعان مرفوعا وفيه " فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ".
رواه مسلم (2937).
::::::::::::
الناشر : أخوكم في الله أبو عبدالفتاح
عـــبــد الله بن أحـــمـــد بن مــحــمــد الصومالي
تعليق