(( لَا يَتَصَدَّرُ إِلَّا فَائِقٌ أَوْ مَائِقٌ ))
قالها عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيَّ رحمه الله
أخرج البيهقي في شعب الإيمان (7894)
قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَمَةَ الْمُؤَدِّبَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيَّ، وَكَانَ مُؤَدِّبَ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ وَيُكْنَى أَبَا الْمِنْهَالِ، كَانَ يَقُولُ: (( لَا يَتَصَدَّرُ إِلَّا فَائِقٌ أَوْ مَائِقٌ )).
وَقَالُوا: لَا يَجْتَرِئُ عَلَى الْكَلَامِ إِلَّا فَائِقٌ أَوْ مَائِقٌ "
(جامع بيان العلم وفضله (1/549).).
والفائق: هو المتفوق، فيكون له صدر في الأمة، وصدر في الناس، وعلم يشار إليه؛ لأنه طول عمره وهو رجل فاضل ومحترم، يحافظ على وقته، ويذاكر ويحفظ، ويستمع كلام أهل العلم، ويحاول أن يحصل العلم من مصادره؛ حتى يكتب له التفوق والتصدر في الناس، وإن لم يبغ هو التصدر لكن الناس يقدرونه.وهذا يلحق بالنوع الأول .
والمائق : هو من كانت فيه الأوصاف الآتية وهي تنطبق تماما على المتصدر بغير أهلية ويغلب عليه الأوصاف القبيحة ..كما سترى .
قال أبو بكر الأنباري : وقولهم: فلانٌ مائِقٌ : فيه ثلاثة أقوال.
قال قوم: المائق : السيئ الخلق..
وقال قوم: المائق هو الأحمق، ليس له معنى غيره.
وقال قوم: المائق: السريع البكاء، القليل الحزم والثبات.الزاهر في معاني كلمات الناس (1/133) أبو بكر الأنباري تحقيق: حاتم صالح الضامن .
وفي لسان العرب (10/350)المائقُ:
الْهَالِكُ حُمْقاً وغَباوةً. وهو الرجل الهرش أي مائقٌ جافٍ .
وتجتمع هذه الأوصاف في المتصدر بغير أهلية ، لحمقه وغباوته وسيء خلقه بتهارشه للعلماء وطلاب العلم الكبار ، لذلك يتسرع الأمور قبل أوانها ويتصدر المجالس مع جهله وصفاقة وجهه ، وباختصار هو من كان على قاعدة : خالف لِتُذْكر، وقيل الخوض باللجج والماء العَكِر .
سئل الشيخ العباد هذا السؤال :
جاء كثير من العبارات عن السلف في النهي عن أخذ العلم عن حدثاء الأسنان، مع أننا نرى أن كثيراً من الأئمة تصدر للفتوى في سن مبكرة، فما هو معنى حدثاء الأسنان؟
الجواب :
لعل المقصود من ذلك الناس الذين يستعجلون في الفتوى قبل أن يتمكنوا من العلم الشرعي، أما من تمكن وصار يستفاد منه ولو كان في سن مبكرة فلا بأس بذلك، وإنما المقصود من ذلك الذين يستعجلون أن يبرزوا وأن يظهروا، فهؤلاء هم الذين يذمون، وأما من يوفقه الله عز وجل وكان في صغره أو في سن مبكرة ممن يستفاد منه فلا بأس بذلك، ولاسيما إذا كان لا يوجد غيره في البلد والناس يحتاجون إليه، فمثل هذا لا بأس به.
شرح سنن أبي داود للشيخ العباد (14/64).
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- معلقاً:
على ذلك في شرحه لحلية طالب العلم ( ص294-295)."
مما ينبغي الحذر منه: أن يتصدَّر الإنسان قبل أن يكون أهلًا للتصَّدُّر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلًا على أمور:
الأمر الأول : إعجابه بنفسه، فيرى نفسه عَلَمَ الأعلام.
الأمر الثاني:عدم فقهه ومعرفته للأمور، لأنه إذا تصدَّر، ربَّما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، فتَرِدُ عليه من المسائل ما يُبيِّن عواره.
الأمر الثالث: التقوُّلُ على الله ما لا يعلم، لأن الغالب أن من كان قصده التصدُّر لا يُبالي، فيُجيب عن كل ما سُئل، ويخاطر بدينه وبقوله على الله عز وجل.
الأمر الرابع: أنه لا يَقبلُ الحقَّ في الغالب، فيظنُّ -بسفهه- أنه إذا خضع لغيره لو كان معه الحق كان دليلًا على أنه ليس بعالم.وأنظر مجموع ورسائل وفتاوى الشيخ (26/241)
فالتصدُّر فيه آفات عظيمة؛ ولهذا يُروى عن عمر -رضي الله عنه - أنه قال:" تفقَّهوا قبل أن تَسُودوا"،" أوت ُسَوَّدوا". وكلاهما صحيح.[والأثر أخرجه البخاري معلقا:كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة .
قال فضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم :
إن الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا العلم الشرعي – وما هم من العلم الشرعي في شيء – لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والانحراف ؛ ذلك بأن تصدر الجهال – في حين فقد العلماء الصادقين والمتمكنين – باب واسع للضلال والإضلال .
وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه - :<< إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العلماء ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا >> أخرجه البخاري ومسلم .
ولقد تنبه أهل العلم المخلصون لخطورة هذا الصنف من الناس على دين الأمة وعقيدتها ومصيرها فقضوا بوجوب الحذر والتحذير منهم ، وعدم الأخذ عنهم.
انتهى كلامه .
قالها عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيَّ رحمه الله
أخرج البيهقي في شعب الإيمان (7894)
قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَمَةَ الْمُؤَدِّبَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيَّ، وَكَانَ مُؤَدِّبَ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ وَيُكْنَى أَبَا الْمِنْهَالِ، كَانَ يَقُولُ: (( لَا يَتَصَدَّرُ إِلَّا فَائِقٌ أَوْ مَائِقٌ )).
وَقَالُوا: لَا يَجْتَرِئُ عَلَى الْكَلَامِ إِلَّا فَائِقٌ أَوْ مَائِقٌ "
(جامع بيان العلم وفضله (1/549).).
والفائق: هو المتفوق، فيكون له صدر في الأمة، وصدر في الناس، وعلم يشار إليه؛ لأنه طول عمره وهو رجل فاضل ومحترم، يحافظ على وقته، ويذاكر ويحفظ، ويستمع كلام أهل العلم، ويحاول أن يحصل العلم من مصادره؛ حتى يكتب له التفوق والتصدر في الناس، وإن لم يبغ هو التصدر لكن الناس يقدرونه.وهذا يلحق بالنوع الأول .
والمائق : هو من كانت فيه الأوصاف الآتية وهي تنطبق تماما على المتصدر بغير أهلية ويغلب عليه الأوصاف القبيحة ..كما سترى .
قال أبو بكر الأنباري : وقولهم: فلانٌ مائِقٌ : فيه ثلاثة أقوال.
قال قوم: المائق : السيئ الخلق..
وقال قوم: المائق هو الأحمق، ليس له معنى غيره.
وقال قوم: المائق: السريع البكاء، القليل الحزم والثبات.الزاهر في معاني كلمات الناس (1/133) أبو بكر الأنباري تحقيق: حاتم صالح الضامن .
وفي لسان العرب (10/350)المائقُ:
الْهَالِكُ حُمْقاً وغَباوةً. وهو الرجل الهرش أي مائقٌ جافٍ .
وتجتمع هذه الأوصاف في المتصدر بغير أهلية ، لحمقه وغباوته وسيء خلقه بتهارشه للعلماء وطلاب العلم الكبار ، لذلك يتسرع الأمور قبل أوانها ويتصدر المجالس مع جهله وصفاقة وجهه ، وباختصار هو من كان على قاعدة : خالف لِتُذْكر، وقيل الخوض باللجج والماء العَكِر .
سئل الشيخ العباد هذا السؤال :
جاء كثير من العبارات عن السلف في النهي عن أخذ العلم عن حدثاء الأسنان، مع أننا نرى أن كثيراً من الأئمة تصدر للفتوى في سن مبكرة، فما هو معنى حدثاء الأسنان؟
الجواب :
لعل المقصود من ذلك الناس الذين يستعجلون في الفتوى قبل أن يتمكنوا من العلم الشرعي، أما من تمكن وصار يستفاد منه ولو كان في سن مبكرة فلا بأس بذلك، وإنما المقصود من ذلك الذين يستعجلون أن يبرزوا وأن يظهروا، فهؤلاء هم الذين يذمون، وأما من يوفقه الله عز وجل وكان في صغره أو في سن مبكرة ممن يستفاد منه فلا بأس بذلك، ولاسيما إذا كان لا يوجد غيره في البلد والناس يحتاجون إليه، فمثل هذا لا بأس به.
شرح سنن أبي داود للشيخ العباد (14/64).
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- معلقاً:
على ذلك في شرحه لحلية طالب العلم ( ص294-295)."
مما ينبغي الحذر منه: أن يتصدَّر الإنسان قبل أن يكون أهلًا للتصَّدُّر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلًا على أمور:
الأمر الأول : إعجابه بنفسه، فيرى نفسه عَلَمَ الأعلام.
الأمر الثاني:عدم فقهه ومعرفته للأمور، لأنه إذا تصدَّر، ربَّما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، فتَرِدُ عليه من المسائل ما يُبيِّن عواره.
الأمر الثالث: التقوُّلُ على الله ما لا يعلم، لأن الغالب أن من كان قصده التصدُّر لا يُبالي، فيُجيب عن كل ما سُئل، ويخاطر بدينه وبقوله على الله عز وجل.
الأمر الرابع: أنه لا يَقبلُ الحقَّ في الغالب، فيظنُّ -بسفهه- أنه إذا خضع لغيره لو كان معه الحق كان دليلًا على أنه ليس بعالم.وأنظر مجموع ورسائل وفتاوى الشيخ (26/241)
فالتصدُّر فيه آفات عظيمة؛ ولهذا يُروى عن عمر -رضي الله عنه - أنه قال:" تفقَّهوا قبل أن تَسُودوا"،" أوت ُسَوَّدوا". وكلاهما صحيح.[والأثر أخرجه البخاري معلقا:كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة .
قال فضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم :
إن الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا العلم الشرعي – وما هم من العلم الشرعي في شيء – لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والانحراف ؛ ذلك بأن تصدر الجهال – في حين فقد العلماء الصادقين والمتمكنين – باب واسع للضلال والإضلال .
وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه - :<< إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العلماء ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا >> أخرجه البخاري ومسلم .
ولقد تنبه أهل العلم المخلصون لخطورة هذا الصنف من الناس على دين الأمة وعقيدتها ومصيرها فقضوا بوجوب الحذر والتحذير منهم ، وعدم الأخذ عنهم.
انتهى كلامه .
تعليق