شرح أثر عُمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
«لا عُذر لأحدٍ في ضلالة ركبها حسبها هدًى، ولا في هدًى تركه حسبه ضلالة»
«لا عُذر لأحدٍ في ضلالة ركبها حسبها هدًى، ولا في هدًى تركه حسبه ضلالة»
قالَ فضيلة الشَّيخ العلَّامة/ أحمد بن يحيى النَّجمي (ت: 1429هـ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في كتابه "إرشاد السَّاري": «قول الّمؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-: "قالَ عمر بن الخطَّاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «لا عُذر لأحدٍ في ضلالة ركبها حسبها هدًى، ولا في هدًى تركه حسبه ضلالة، فقد بيَّنت الأمور وثبتت الحجَّة وانْقطع العُذر»"، هذا كلامٌ عظيم خرج من رجلٍ عظيم، ذلكم الرَّجل هو الخليفة الثَّاني عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهذا يستلزم أنَّ من ركب ضلالة حسبها هدىً أوترك هدىً حسبه ضلالة، فإنَّه لا عذر له عند الله، لأنَّه لا يفعل ذلك إلاَّ من قصَّر في البحث عن الحق في الكتاب والسُّنَّة، فلذلك لا عذر له.
ولهذا قالَ: «فقد بيَّنت الأمور»، أيْ: وضحت من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن عمل الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وثبتت الحجَّة على النَّاس، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾، ﴿النِّساء: من الآية: 165﴾، فانقطع العذر، فلا عذر لمن ابتدع في الدِّين، أو ضلَّ وجهِلْ أحكامًا بعد أن بينها الله، وأوضحها على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أوحاه إليه مِنْ كتابٍ وسنَّة.
قوله -رَحِمَهُ اللهُ-: "وذلكَ أنَّ السنَّة والجماعة قد أحكما أمر الدِّين كلِّه وتبيَّن للنَّاس فعلى النَّاس الاتِّباع".أقول: عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة بينةٌ في مصادرها، ومرتبطة بالسنةِ وأهلها.
• فمَنْ يرد الله به خيرًا يوفّقه لتلك المصادر، وييسر له صحبة حملة هذه العقيدة، وأقصد به حملة «مذهب أهل السُّنة والجماعة».
• ومَنْ أراد الله به شرًّا فإنَّه سَيُيسر لما خلق له.
• فمَنْ نشِّأ على أيدي أهل الصُّوفية والتصوُّف؛ حسب أنَّ ذلك هو الهدى فضلَّ وأضلْ.
• ومَنْ نشأ على أيدي أصحاب العقيدة الجهميَّة، وعاش عليها، وصَحِبَ أهلها؛ حسب أن تلك هي السنَّة فضلَّ وأضلْ.
• ومَنْ نشأ على أيدي أصحاب الفكر الاعتزالي؛ حسب أنَّ ذلك هو السنَّة فضلَّ وأضلْ.
• ومَنْ نشأ على أيدي أصحاب العقيدة الأشعرية؛ حسب أنَّ تلك هي السُّنَّة فضلَّ وأضلْ.
• ومَنْ نشأ على أيدي أهل الرَّفض، والتشيُّع الشتَّامين لأصحاب النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمنتقصين لهم؛ حسب أنَّ هذا هو الحق فضلَّ وأضلْ.
• ومَنْ نشأ على أيدي الخوارج التَّكفيريين؛ حسب أنَّ ذلك هو الحقّ فضلَّ وأضل.
لكن أهل هذه الأهواء لا بدّ أنْ يجدوا ثغرات في عقيدتهم تُبيِّن لهم خلل المنهج الَّذي هُم عليه في الاعتقاد، وهكذا أصحاب الإرجاء، وهكذا أصحاب الدَّعوات المعاصرة الَّتي تعتني بالفضائل وتستهين بالعقائد، حتَّى يحسب النَّاس أنَّهم على حق لما يرونَ من التَّمسك الظَّاهر عليهم، وهُم مـع ذلك قد زهدوا في أصل العقيدة، وزهَّدُوا فيه، وهو «التَّوحيد»، توحيد الألوهيَّة، واستهانوا بما يقدح فيه وينقصه.
والمهم أنَّ من يريد النَّجاة: فعليه بكتاب الله، ثمَّ بكتب السُّنَّة المعروفة، وهي: «صحيح البُخاري»، و«صحيح مسلم»، و«السُّنن الأربع»، و«مسند الإمام أحمد»، وما يتبع ذلك من كتب الحديث، وما يجمع آثار السَّلف: كـ«مصنف ابن أبي شيبة» و«مصنف عبد الرزَّاق»، و«مصنف سعيد بن منصور»، وكتب العقائد: كـ«توحيد ابن خزيمة»، و«الرَّد على الجهميَّة» للإمام أحمد، و«كتاب السُّنَّة» لعبد الله بن أحمد، و«الرَّدُ على الجهمية» لعثمان بن سعيد الدَّارمي، و«شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة» للآلكائي، وكتاب «الإبانة الكبرى» لابن بطَّة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وابن القيِّم، ومحمَّد بن عبد الوهَّاب، وغير ذلك من الكتب، هذه هي الكتب الَّتي تُبين الحق.
وإيَّاك! أنْ تنـزلق مع الحزبيين، فتأخذ كُتبهم، وتسلك طريقهم الضَّيق، وتمشي على نهجهم المعوج!، احذر يا أخي المسلم! أنْ تأخذ كتُب هؤلاء، فإنَّ حقَّها مخلوطٌ بالباطل، وسنَّتها مشوبةٌ بالبدعة، فإذا أردت المشرب الصَّافي الَّذي لا كدر فيه، فعليك بكتاب الله، وبكتب السُّنَّة، وبكتب الآثار، واسْلك طريقة أهل الأثر؛ الَّذين يأخذون العلم بالسَّند عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نبيِّهم صلوات الله وسلامه عليه، وما قالوه فإنَّه لا يخالف الحقّ الَّذي هُم عليه.
ومِنْ هُنا تعلم أنَّ قول المؤلف: "وذلك أنَّ السُّنَّة والجماعة قد أحكما أمر الدِّين كلِّه وتبيَّن الحقُّ للنَّاس، فعلى النَّاس الاتِّباع، وترك الابتداع"، أنَّه كلامٌ في محلِّه، ويلزمك أيضًا ترك كتب أهل البدع إنْ أردت النَّجاة لنفسك، وفَّقني الله وإيَّاك إلى الأخذ بالحقِّ، ونبذ كلِّ باطل، وباللهِ التَّوفيق».اهـ.
([«إرشاد السَّاري في شرح السُّنَّة للبربهاري» ص: (43، 45)])
فائدة:
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى في سورة الأعراف {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}، قال: (إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوه، وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية) اهـ
فائدة:
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى في سورة الأعراف {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}، قال: (إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوه، وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية) اهـ