بوب الشيخ أبو عبيد قاسم بن سلام في كتابه الإيمان "باب تسمية الإيمان بالقول دون العمل" يرد فيه الشيخ على شبهة المرجئة في اثبات الإيمان بدون العمل
قال أبو عبيد قالت هذه الفرقة -أي المرجئة-: إذا أقر بما جاء من عند الله وشهد شهادة الحق بلسانه، فذلك الإيمان كله؛ لأن الله -عز وجل- سماهم مؤمنين، وليس ما ذهبوا إليه عندنا قولا ولا نراه شيئا، وذلك من وجهين: أحدهما -ما أعلنتك بالثلث الأول- أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئا إلا إقرار فقط.
وأما الحجة الأخرى فإنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يَفْضُل فيها بعضهم بعضا، وقد شملهم فيها اسم واحد، من ذلك أنك تجد القوم صفوفا بين مستفتح للصلاة وراكع وساجد وقائم وجالس، فكلهم يلزمه اسم المصلي، فيقال لهم: مصلون، وهم مع هذا فيها متفاضلون.
وكذلك صناعات الناس، لو أن قوما ابتنوا حائطا، وكان بعضهم في تأسيسه، وآخر قد نَصَفه، وثالث قد قارب الفراغ منه، قيل لهم جميعا: بناة، وهم متباينون في بنائهم.
الشيخ عبد العزيز الراجحي : نعم، وهذا الباب في تسمية الإيمان بالقول دون العمل، قال أبو عبيد وهو المؤلف -رحمه الله-: قالت هذه الفرقة -يعني: المرجئة -: إذا أقر بما جاء من عند الله وشهد شهادة الحق بلسانه فذلك الإيمان كله. هذا مذهب المرجئة أنه إذا أقر بما جاء من عند الله وصدق وأقر واعترف وصدق بقلبه وشهد بلسانه -يعني: نطق بلسانه- فذلك الإيمان كله، كامل في القلب ولو لم يعمل، وحجتهم قالوا: لأن الله -عز وجل- سماهم مؤمنين.
المؤلف -رحمه الله- رد عليهم من وجهين: قال: "وليس ما ذهبوا إليه عندنا قولا، ولا نراه شيئا، وذلك من وجهين: أحدهما -ما أعلمتك في الثلث الأول من الكتاب- أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئا إلا إقرار فقط"، يعني: أن الله -سبحانه وتعالى- فرض على المسلمين في مكة قبل الهجرة الإيمان والتوحيد فقط.
فرض عليهم الإيمان والإقرار والتصديق وتوحيد الله -عز وجل- والبعد عن الشرك، ولم تفرض الواجبات، ما فرضت الزكاة ولا الصوم ولا الحج، إلا الصلاة فرضت فيه لعظم شأنها قبل الهجرة بسنة أو بسنتين أو ثلاثة، لكن الأذان ما شرع إلا في المدينة والزكاة والصوم والحج والحدود، كلها في المدينة أما فيمكة فالواجب عليهم الإيمان والإقرار والتوحيد، توحيد الله عز وجل.
فهذا الوجه الأول الذي رد به المؤلف -رحمه الله- على المرجئة في قولهم: إنه يكفي الإقرار بالقلب والشهادة باللسان بدون العمل؛ لأن الله سماهم مؤمنين.يقول المؤلف -رحمه الله-: لا نرى هذا القول شيئا، ورد عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام إنما هو التوحيد والعمل بما شرع بعد الهجرة إلى المدينة لما ثبت التوحيد ورسخ الإيمان في القلوب وابتعدوا عن الشرك، بعد ذلك شرعت الأعمال، فرضت الفرائض وشرعت الحدود؛ لأن التوحيد والإيمان هو أصل الدين وأساس الملة، وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا يصح العمل إلا إذا بني على التوحيد والإيمان، وأصل الدين وأساس الملة الشهادة لله -تعالى- بالوحدانية، ولنبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، توحيد الله -عز وجل-، وهذا هو الواجب على المؤمنين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة
وأما الحجة الثانية التي رد بها المؤلف -رحمه الله- قال: إنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يفضل فيها بعضهم بعضا، وقد شملهم فيها اسم واحد. يعني: يقول: إن الإنسان إذا دخل في الشيء استحق هذا الاسم مع الابتداء والدخول فيه، وإن كان الناس يتفاضلون فيه، فإذا أقر المسلم وصدق وآمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، دخل في الإسلام، دخل في الإسلام وشمله اسم الإيمان.
وآخرُ كذلك أقر ثم أيضا عمل: صلى، وصام، وزكى، وحج. وآخر زاد على ذلك وأدّى النوافل، فعل النوافل والمستحبات. كلهم يشملهم اسم الإيمان من حين ابتدائهم، من حين ابتداء دخولهم فيه، لكن يفضل بعضهم بعضا، ومثَّل لذلك قال: من ذلك أنك تجد القوم صفوفا في الصلاة، تجد هذا كبّر ويستفتح الصلاة، وتجد الثاني راكعا، وتجد الثالث ساجدا، وتجد الثالث قائما، وتجد الرابع يتشهد.
كلهم يسمَّوْن مصلين، وهم متفاوتون، هذا مُصَلٍّ في أول الصلاة في الركعة الأولى، وهذا مُصلٍّ في الركعة الثانية، وهذا مُصلٍّ في الركعة الثالثة، وهذا مُصلٍّ في الركعة الرابعة، من حين يكبر ويدخل في الصلاة اسمه مُصلٍّ، وإن كانوا متفاوتون: بعضهم في أول الصلاة، وبعضهم في وسطها، وبعضهم في آخرها.
فكذلك المؤمن إذا دخل في الإيمان سُمي مؤمنا، ومن أدى الواجبات وترك المحرمات يسمَّى مؤمنا، ومن زاد وأدى النوافل والمستحبات يُسمَّى مؤمنا، لكن يتفاضلون: فالذي يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات هذا من المقتصدين، والذي يكون عنده نشاط -ونحو ذلك، ويؤدي المستحبات والنوافل، ويبتعد عن المكروهات وفضول المباحات- هذا من السابقين الأولين، وهو مؤمن، والمؤمن الذي يقصر في بعض الواجبات ويرتكب بعض المحرمات هذا ظالم لنفسه، وهو مؤمن وكلهم مؤمنون.
فالظالم لنفسه مؤمن لكنه مؤمن ناقص الإيمان، والمقتصد الذي أدى الواجبات وانتهى عن المحرمات مؤمن، والسابق بالخيرات الذي أدى الواجبات وفعل المستحبات والنوافل وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات مؤمن أيضا، وهم متفاوتون، فكذلك الناس في الإيمان يتفاوتون.
وكذلك الصناعات يتفاوت الناس فيها، ومثل المؤلف -رحمه الله-: لو أن قوما ابْتَنَوْا حائطا وكان بعضهم يؤسس الحائط، وآخر في طرف الحائط قد بلغ نصف الحائط، والثالث قرب الفراغ منه، كلهم جميعا يبنون حائطا واحدا، لكن أولهم يحفر الأساس، والثاني في آخر الحائط مشى حتى انتصف في الحائط، والثالث قرب الفراغ منه، كلهم يسمون بناة، وهم متباينون في البناء: هذا في أول البناء، وهذا في وسط البناء، وهذا في آخره.
فكذلك المؤمنون كلهم يُسمَّون مؤمنين، هذا دخل في الإسلام من جديد، وهذا أدى الواجبات وترك المحرمات، وهذا فعل المستحبات والنوافل، كلهم مؤمنون. نعم.
رابط الصوتية : http://shrajhi.com/Media/ID/6352
قال أبو عبيد قالت هذه الفرقة -أي المرجئة-: إذا أقر بما جاء من عند الله وشهد شهادة الحق بلسانه، فذلك الإيمان كله؛ لأن الله -عز وجل- سماهم مؤمنين، وليس ما ذهبوا إليه عندنا قولا ولا نراه شيئا، وذلك من وجهين: أحدهما -ما أعلنتك بالثلث الأول- أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئا إلا إقرار فقط.
وأما الحجة الأخرى فإنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يَفْضُل فيها بعضهم بعضا، وقد شملهم فيها اسم واحد، من ذلك أنك تجد القوم صفوفا بين مستفتح للصلاة وراكع وساجد وقائم وجالس، فكلهم يلزمه اسم المصلي، فيقال لهم: مصلون، وهم مع هذا فيها متفاضلون.
وكذلك صناعات الناس، لو أن قوما ابتنوا حائطا، وكان بعضهم في تأسيسه، وآخر قد نَصَفه، وثالث قد قارب الفراغ منه، قيل لهم جميعا: بناة، وهم متباينون في بنائهم.
الشيخ عبد العزيز الراجحي : نعم، وهذا الباب في تسمية الإيمان بالقول دون العمل، قال أبو عبيد وهو المؤلف -رحمه الله-: قالت هذه الفرقة -يعني: المرجئة -: إذا أقر بما جاء من عند الله وشهد شهادة الحق بلسانه فذلك الإيمان كله. هذا مذهب المرجئة أنه إذا أقر بما جاء من عند الله وصدق وأقر واعترف وصدق بقلبه وشهد بلسانه -يعني: نطق بلسانه- فذلك الإيمان كله، كامل في القلب ولو لم يعمل، وحجتهم قالوا: لأن الله -عز وجل- سماهم مؤمنين.
المؤلف -رحمه الله- رد عليهم من وجهين: قال: "وليس ما ذهبوا إليه عندنا قولا، ولا نراه شيئا، وذلك من وجهين: أحدهما -ما أعلمتك في الثلث الأول من الكتاب- أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئا إلا إقرار فقط"، يعني: أن الله -سبحانه وتعالى- فرض على المسلمين في مكة قبل الهجرة الإيمان والتوحيد فقط.
فرض عليهم الإيمان والإقرار والتصديق وتوحيد الله -عز وجل- والبعد عن الشرك، ولم تفرض الواجبات، ما فرضت الزكاة ولا الصوم ولا الحج، إلا الصلاة فرضت فيه لعظم شأنها قبل الهجرة بسنة أو بسنتين أو ثلاثة، لكن الأذان ما شرع إلا في المدينة والزكاة والصوم والحج والحدود، كلها في المدينة أما فيمكة فالواجب عليهم الإيمان والإقرار والتوحيد، توحيد الله عز وجل.
فهذا الوجه الأول الذي رد به المؤلف -رحمه الله- على المرجئة في قولهم: إنه يكفي الإقرار بالقلب والشهادة باللسان بدون العمل؛ لأن الله سماهم مؤمنين.يقول المؤلف -رحمه الله-: لا نرى هذا القول شيئا، ورد عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام إنما هو التوحيد والعمل بما شرع بعد الهجرة إلى المدينة لما ثبت التوحيد ورسخ الإيمان في القلوب وابتعدوا عن الشرك، بعد ذلك شرعت الأعمال، فرضت الفرائض وشرعت الحدود؛ لأن التوحيد والإيمان هو أصل الدين وأساس الملة، وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا يصح العمل إلا إذا بني على التوحيد والإيمان، وأصل الدين وأساس الملة الشهادة لله -تعالى- بالوحدانية، ولنبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، توحيد الله -عز وجل-، وهذا هو الواجب على المؤمنين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة
وأما الحجة الثانية التي رد بها المؤلف -رحمه الله- قال: إنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يفضل فيها بعضهم بعضا، وقد شملهم فيها اسم واحد. يعني: يقول: إن الإنسان إذا دخل في الشيء استحق هذا الاسم مع الابتداء والدخول فيه، وإن كان الناس يتفاضلون فيه، فإذا أقر المسلم وصدق وآمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، دخل في الإسلام، دخل في الإسلام وشمله اسم الإيمان.
وآخرُ كذلك أقر ثم أيضا عمل: صلى، وصام، وزكى، وحج. وآخر زاد على ذلك وأدّى النوافل، فعل النوافل والمستحبات. كلهم يشملهم اسم الإيمان من حين ابتدائهم، من حين ابتداء دخولهم فيه، لكن يفضل بعضهم بعضا، ومثَّل لذلك قال: من ذلك أنك تجد القوم صفوفا في الصلاة، تجد هذا كبّر ويستفتح الصلاة، وتجد الثاني راكعا، وتجد الثالث ساجدا، وتجد الثالث قائما، وتجد الرابع يتشهد.
كلهم يسمَّوْن مصلين، وهم متفاوتون، هذا مُصَلٍّ في أول الصلاة في الركعة الأولى، وهذا مُصلٍّ في الركعة الثانية، وهذا مُصلٍّ في الركعة الثالثة، وهذا مُصلٍّ في الركعة الرابعة، من حين يكبر ويدخل في الصلاة اسمه مُصلٍّ، وإن كانوا متفاوتون: بعضهم في أول الصلاة، وبعضهم في وسطها، وبعضهم في آخرها.
فكذلك المؤمن إذا دخل في الإيمان سُمي مؤمنا، ومن أدى الواجبات وترك المحرمات يسمَّى مؤمنا، ومن زاد وأدى النوافل والمستحبات يُسمَّى مؤمنا، لكن يتفاضلون: فالذي يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات هذا من المقتصدين، والذي يكون عنده نشاط -ونحو ذلك، ويؤدي المستحبات والنوافل، ويبتعد عن المكروهات وفضول المباحات- هذا من السابقين الأولين، وهو مؤمن، والمؤمن الذي يقصر في بعض الواجبات ويرتكب بعض المحرمات هذا ظالم لنفسه، وهو مؤمن وكلهم مؤمنون.
فالظالم لنفسه مؤمن لكنه مؤمن ناقص الإيمان، والمقتصد الذي أدى الواجبات وانتهى عن المحرمات مؤمن، والسابق بالخيرات الذي أدى الواجبات وفعل المستحبات والنوافل وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات مؤمن أيضا، وهم متفاوتون، فكذلك الناس في الإيمان يتفاوتون.
وكذلك الصناعات يتفاوت الناس فيها، ومثل المؤلف -رحمه الله-: لو أن قوما ابْتَنَوْا حائطا وكان بعضهم يؤسس الحائط، وآخر في طرف الحائط قد بلغ نصف الحائط، والثالث قرب الفراغ منه، كلهم جميعا يبنون حائطا واحدا، لكن أولهم يحفر الأساس، والثاني في آخر الحائط مشى حتى انتصف في الحائط، والثالث قرب الفراغ منه، كلهم يسمون بناة، وهم متباينون في البناء: هذا في أول البناء، وهذا في وسط البناء، وهذا في آخره.
فكذلك المؤمنون كلهم يُسمَّون مؤمنين، هذا دخل في الإسلام من جديد، وهذا أدى الواجبات وترك المحرمات، وهذا فعل المستحبات والنوافل، كلهم مؤمنون. نعم.
رابط الصوتية : http://shrajhi.com/Media/ID/6352
تعليق