إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السنة فيما يتعلق بولي الأمة \ كتبه , أبو عمر أحمد بن عمر بازمول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السنة فيما يتعلق بولي الأمة \ كتبه , أبو عمر أحمد بن عمر بازمول

    السنة فيما يتعلق بولي الأمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم –
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
    ( آل عمران : 102 ) .
    { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.( النساء : 1 ) .
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } ( الأحزاب : 70-71 ) .
    فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
    أما بعد :
    فهذه رسالة مختصرة ذكرت فيها نصوص السنة النبوية المتواترة في بيان وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية وبيان توقيره واحترامه ونصيحته , وبيان تحريم نزع يد من طاعة وتحريم الخروج عليه . ومجموع الأحاديث النبوية أفادت [ التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج ولم ير رأيهم وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه وسأل الله تعالى كشف الظلم عنه وعن المسلمين ودعا للولاة بالصلاح وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم وإن لم يمكنه اعتذر إليهم وإن أمروه بمعصية لم يطعهم فمن كان هذا وصفه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله ] . " السنة فيما يتعلق بولي الأمة " والله اسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً من الرياء والسمعة وأن يجعله ذخراً لي يوم ألقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .




    كتبه , أبو عمر أحمد بن عمر بازمول








    فضيلة الإمام العادل المقسط :
    بين صلى الله عليه وسلم أن ولي الأمر العادل وهو الذي يتبع أمر الله بوضع الشيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط ممن يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأنه من أهل الجنة كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " سبعة يظلهم الله يوم القيمة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تصنع يمينه " .
    وأخرج الإمام مسلم في الصحيح عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال " .
    والسلطان المقسط هو العادل في حكمه و ولي الأمر العادل ممن لا ترد دعوته كما أخرج الترمذي في السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ".
    محبة ولي الأمر وتوقيره واحترامه :
    إن ولي الأمر رجل بذل نفسه و وقته لرعاية مصالح أمته وتوفير سبل الراحة لهم و دفع المخاطر والسوء عنهم بإذن الله تعالى ولذلك هو راع لنا كما أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال :" كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته "
    فالواجب علينا تقديره واحترامه بل ومحبته لما يقوم به من الأعمال الشاقة والمسئولية الكاملة أخرج الإمام مسلم في الصحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم " .
    ومن أجل وأكرم السلطان أكرمه الله يوم القيامة ومن لم يجله أهانه الله يوم القيامة كما أخرج أحمد في المسند عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم –
    يقول : " من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أهانه الله يوم القيامة " . وبين - صلى الله عليه وسلم – أن من دخل على السلطان يريد توقيره فهو ضامن على الله كما أخرج أحمد في المسند عن معاذ قال : " عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في خمس من فعل منهن كان ضامناً على الله من عاد مريضاً أو خرج مع جنازة أو خرج غازياً في سبيل الله أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فيسلم الناس منه ويسلم " .
    ولقد كان السلف يقدرون الأمير ويحترمونه كما أخرج الدارمي في المسند عن مغيرة رحمه الله أنه قال : " كنا نهاب إبراهيم هيبة الأمير " .
    احترام العلماء لولي الأمر ليس من المداهنة :
    إن احترام وتقدير العلماء لولي الأمر هو السنة وهدي السلف الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين – بخلاف ما يدعيه بعض الجهال من أن احترام العلماء لولي الأمر هو من أجل المناصب أو مداهنة الأمراء .
    قال أئمة الدعوة : " مما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم والدين بالمداهنة والتقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه و لم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين وإثم واضح مبين قال تعالى { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } ( الأحزاب : 58 ) " 1 .
    عقوبة من أذل ولي الأمر :
    ومن أذل السلطان فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه كما أخرج أحمد في المسند عن أبي ذر - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خطبنا فقال : " إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلوه فمن أراد أن يذله فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " . والربقة : طوق يوضع في عنق الدابة والمراد العهد قال ابن الأثير : الربقة في الأصل : عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها فاستعارها الإسلام يعني ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام : أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه 2 .
    وجوب السمع والطاعة لولي الأمر :
    قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }
    ( النساء : من الآية 59 ) .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية (المجموع 35/16) : " طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم " .
    وقال ابن كثير :" الظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء 3 . وقال النووي :" المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم " 4 .
    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :" هذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تبين أن هذه الطاعة لا زمة وهي فريضة في المعروف " 5
    حاجة الناس إلى حاكم يسمعون ويطيعون له :
    قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد 1 .
    قال الحسن البصري : " والله لا يستقيم الدين إلا بولاة الأمر وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون 2 .
    وقال ابن رجب :"السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم " 3 .
    والخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه بغزو وغيره :" معصية ومشاقة لله ورسوله ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة والسلف الصالح " 4 .
    طاعة الأمير من طاعته - صلى الله عليه وسلم - :
    فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعة الأمير من طاعته - صلى الله عليه وسلم – كما أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصا الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " .
    وصية النبي - صلى الله عليه وسلم – بالسمع والطاعة :
    بل جعل النبي - صلى الله عليه وسلم – السمع والطاعة وصيته بعد تقوى الله ـ عز وجل ـ كما أخرج الدارمي في السنن عن العرباض بن سارية قال : " وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا " , وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي ذر قال : " إن خليلي - صلى الله عليه وسلم – أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف " . ومجدع : أي مقطوع .
    الأمر بالسمع والطاعة في كل الأحوال :
    وأمر - صلى الله عليه وسلم – بالسمع والطاعة لولي الأمر في كل الأحوال كما أخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك " .
    قوله ( منشطك ) : أي في حالة نشاطك وقوله ( مكرهك ): أي في حالة كراهتك.
    والمراد في حالتي الرضى والسخط والعسر واليسر .
    إذا أمر ولي الأمر بمعصية فلا سمع له ولا طاعة في المعصية :
    وبين النبي- صلى الله عليه وسلم – أن السمع والطاعة تجب لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في تلك المعصية خاصة أما بقية أوامره فتسمع وتطاع كما أخرج البخاري في الصحيح عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " السمع والطاعة حق على كل المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
    قال أهل العلم : " معناه : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكره النفوس وغيره مما ليس بمعصية فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة " . وقوله : فلا سمع ولا طاعة يعني فيما أمر به من المعصية فقط فإذا أمر بأمر محرم وجب أن لا يطيعه في ذلك الأمر فلا يمتثل لأن طاعة الله أوجب ولا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة مطلقاً في كل أوامره بل يسمع ويطاع مطلقاً إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة " 1 .
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا أمروا بأمر فإنه فلا يخلوا من ثلاث حالات :
    الحالة الأولى : أن يكون مما أمر الله به فهذا يجب علينا امتثاله لأمر الله به وأمرهم به لوا قالوا : أقيموا الصلاة وجب علينا إقامتها امتثالاً لأمر الله وامتثالاً لأمرهم قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولوا الأمر منكم }
    [ النساء من الآية 59 ].
    الحالة الثانية : أن يأمروا بما نهى الله عنه وفي هذه الحالة نقول سمعاً وطاعة لله ومعصية لكم لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مثل أن يقول : لا تصلوا جماعة في المساجد فنقول : فلا سمع ولا طاعة .

    الحالة الثالثة : أن يأمروا بأمر ليس عليه أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – ولا نهي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - : فالواجب السمع والطاعة لا نطيعهم لأنهم فلان و فلان ولكن الله أمرنا بطاعته وأمرنا بذلك رسوله عليه الصلاة والسلام قال :" اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " . وسألوه عن الولاة الذين يأخذون حقهم ويهضمون الرعية حقهم ؟ قال : عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " . حملنا السمع والطاعة ا هـ 2 .
    خطأ من يقول : إنه لا سمع ولا طاعة للحكام :
    من الناس من يقول : إنه لا سمع ولا طاعة لهؤلاء الحكام بحجة أن الأحاديث الواردة في السمع والطاعة إنما هي في الإمامة العامة العظمى لا الخاصة ولا شك أن هذا قول باطل مخالف لإجماع أهل العلم قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب :" الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد له حكام الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا لما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم 3 .
    وقال الإمام الشوكاني :" معلوم أنه قد صار في كل قطر الولاية إلى سلطان وفي القطر الآخر إلى كذلك فلا بأس بتعدد السلاطين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه وكذلك صاحب القطر الآخر . ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها 1 .
    خطأ من نزل نفسه منزلة ولي الأمر :
    من الناس من نزل نفسه منزلة ولي الأمر الذي له القدرة والسلطان على سياسة الناس فدعا جماعة للسمع والطاعة له أو أعطته تلك الجماعة بيعة تسمع وتطيع له بموجبها و ولي الأمر قائم ظاهر
    وهذا لا شك أنه خطأ عظيم وذنب جسيم ومن فعل هذا فقد حاد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – وخالف نصوص الشريعة فلا تجب طاعته بل تحرم إذ لا سلطان له ولا قدرة على شيء أصلاً فعلام يسمع له ويطاع كما يطاع ويسمع لولي الأمر القائم الظاهر .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم ولا مجهول ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً .
    خطأ من ظن أن الأنظمة العامة لا سمع فيها ولا طاعة :
    من الناس من يقول : إن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر وعدم التقيد بها وأنها لا تلزم الطاعة فيها كالمرور والجوازات إلى آخره بحجة أنها ليست على أساس شرعي وأن طاعة الإمام في الأمور الشرعية فقط أما المباحات والمندوبات فلا تجب وهذا خطأ لاشك أنه نشأ من قلعة العلم قال الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى :" هذا باطل ومنكر بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين يجب الخضوع لذلك والسمع والطاعة في ذلك لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين 3 .
    وقال العلامة المبار كفوري :" الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح وجب 4 .
    خطأ من ظن أنه يجوز له أن تكون في عنقه بيعتان :
    بعض الناس يظن أنه يجوز له أن تكون في عنقه بيعتان بيعة للوالي المسلم وبيعة لزعيم الحزب وهذا لاشك أنه خطأ عظيم قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" لا يجوز للإنسان أن يكون في عنقه بيعتان بيعة للوالي ولي الأمر العام في البلد وبيعة لرئيس الحزب الذي ينتمي إليه .
    وقول النبي عليه الصلاة والسلام في المسافرين إذا كانوا ثلاثة :" يؤمرون أحدهم " . لا يعني ذلك أنهم يعطونه بيعة لكن هذا يعني أنه لابد للجماعة من شخص تكون له الكلمة عليهم حتى لا يختلفوا وهذا مما يدل على أن الاختلاف ينبغي أن نسد بابه من كل طريق اهـ " 1 .
    خطأ من ظن أنه لا سمع ولا طاعة عليه لعدم مبايعته لولي الأمر :
    بعض الناس يقول أنا لم أبايع الإمام فلا سمع له عندي وهذا لاشك أنه خطأ من القول وجهل قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" ما أمر به الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – من طاعة ولا ة الأمور و مناصحتهم واجب على كل إنسان وإن لم يعاهدهم عليه وإن لم يحلف لهم الإيمان المؤكدة اهـ " 2 .
    قال الشيخ ابن باز :" إذا اجتمع المسلمون على أمير وجبت الطاعة على الجميع ولو ما بايع بنفسه الصحابة والمسلمون ما بايعوا أبا بكر بايعه من في المدينة ولزمت البيعة للجميع . اهـ " 3 .

    النداء للجهاد من خصوصيات ولي الأمر :
    الجهاد من أعظم وأكبر ما يختص به ولي الأمر إذا كان آحاد الناس سيدعون إليه فإن بذلك صارت الفوضى . ومتى يدعوا الناس إليه أو العلماء أو طلبة العلم ؟
    إذا دعا إليه ولي الأمر قال تعالى{حرض المؤمنين على القتال }( الأنفال : من الآية 65) فالمؤمنون تبع لولي أمرهم في ذلك 4 .
    القنوت في المساجد لابد فيه من إذن ولي الأمر :
    القنوت مستحب وليس بواجب فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قنت في نازلة وترك القنوت في نازله أخرى .
    " ومذهب أهل الحديث وهو قول الإمام أحمد واختاره الشيخ ابن عثيمين : أن القنوت للإمام الأعظم فقط ويقنت نائب الإمام بإذنه في رواية عند الإمام أحمد . ويستدل الجمهور عليه بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما قنت في مسجده الأعظم ولم تقنت سائر المساجد في المدينة وكذلك في عهد عمر قنت هو ولم تقنت سائر المساجد " .
    لولي الأمر أن يمنع العالم عن التدريس :
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" إذا رأوا ـ أي ولاة الأمر ـ مثلاً : إسكات واحد منا قال لا تتكلم فهذا عذر عند الله لا أتكلم كما أمرني ؛ لأن بيان الحق فرض كفاية لا يقتصر على زيد وعمرو لو علقنا الحق بأشخاص مات الحق بموته الحق لا يعلق بأشخاص افرض منعوني أنا قال : لا تتكلم لا تخطب لا تشرح لا تدرس سمعاً وطاعة . اذهب أصلي إن أذنوا لي أكون إماماً صرت إماماً وإن قالوا : لا تؤم الناس ما أممت الناس صرت مأموماً لأن الحق يقوم بالغير ، ولا يعني أنهم إذا منعوا قد منعوا الناس كلهم ولنا في ذلك أسوة فإن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - كان يحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يأمر الجنب أن يتيمم وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك فدعاه ذات يوم فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث الناس به يعني يتيمم الجنب إذا عدم الماء ؟ فقال : أما تذكر حين بعثني النبي عليه الصلاة والسلام وإياك في حاجة فأجنبت وتمرغت بالصعيد وأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرته وقال : يكفيك أن تقول بيديك هكذا وذكر له التيمم . ولكن يا أمير المؤمنين إني بما جعل الله لك علي من الطاعة إن شئت أن لا أحدث به فعلت . الله أكبر صحابي جليل يمسك عن الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأمر الخليفة الذي له الطاعة فقال له : لا أنا لا أمنعك لكن أوليك ما توليت . يعني أن العهدة عليك فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع أشرطة ابن عثيمين أو أشرطة ابن باز أو أشرطة فلان نمتنع . وأما أن نتخذ من مثل هذه الإجراءات سبيلاً إلى إثارة الناس ولا سيما الشباب و إلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا والله يا إخواني عين المعصية وهذا أحد الأسس التي تحصل به الفتنة بين الناس وبلادنا كما تعلمون ما هي بلاد صغيرة بقعة صغيرة فيها ملايين الملايين بلاد شاسعة متفرقة قبائل مختلفة لولا أن الله عز وجل من علينا بجمع الكلمة على يد عبد العزيز بن سعود كنا متفرقين يتناحرون.
    في هذا البلد يحدثني كبارنا أنهم كانوا في رمضان لا يخرجون للتراويح إلا وكل واحد حامل سلاحه من الخوف وسط البلد الآن الحمد لله أمن ما ظنكم لو تغير شيء لا قدر الله هل سيبقى هذا الأمن ؟ الآن يخرج وسيارته مملوءة بالخيرات وإذا أذن المغرب نزل وصلى والسيارة عند مرمى الحجر أو أقرب ما يخشى إلا الله . لماذا لا نقدر هذا الأمن ؟ لماذا لا نعلم أن القلوب إذا تنافرت تناثر الأمن وتمرد الناس .
    حتى لو منعوا أشرطة فلان وفلان ؛ ما يهم نقول نسأل الله لهم الهداية وهل نحن أعلم وأدين وأفقه من الإمام أحمد كان الإمام أحمد يضرب ويجر بالبغلة ويضرب بالسياط حتى يغمى عليه ومع ذلك يقول : لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان وكان يدعو المأمون بأمير المؤمنين والمأمون يدعو لبدعة عظيمة للقول بخلق القرآن حتى جعلوه يدرس في المدارس ـ القول بخلق القرآن ـ ونحن هل رأينا من ولاة أمورنا مثل ذلك هل علمتم أنهم دعوا إلى بدعة وقالوا من ضادنا فيها فسوف نقتله أو نحبسه أو نضربه ؟ أنا لا أعرف إن الأخوة الذين يثورون في مثل هذه الأمور لا يخدمون إلا العلمانيين العلمانيون الآن هل تظنون أنهم يحبون أن تبقى الدولة ؟ لا ؛ لأنهم لا يريدون الإسلام يريدون دولة إلحادية يستوي فيها اليهودي والنصراني والوثني والمسلم وكل أحد . هم يفرحون أن الدولة تتسلط عليكم بمثل هذه النعرات حتى تقضي عليكم ثم يقضون على الدولة لأن الناس العامة إذا نفرت قلوبهم كرهوا الولاة وثاروا عليهم وأسقطوهم بالقوة فهم يتولون الحكم بعدهم ـ لا قدر الله ونظروا إلى الثورات الآن في مصر والعراق والشام ماذا حدث للناس هل انتقلوا من سيء إلى أحسن أم من سيء إلى أسوأ فهؤلاء الشباب الذين يثورون في مثل هذه الأمور يخدمون العلمانية خدمة مجانية غير مباشرة " اهـ 1 .
    وجوب لزوم الجماعة :
    وقد حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على لزوم ولي الأمر وعدم الخروج عليه كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح عن حذيفة بن اليمان أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له عن زمن الشر والفتن : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ".
    وذلك لأن ولي الأمر جنة وحماية لمن كان معه كما أخرج الإمام البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي– صلى الله عليه وسلم – قال: " إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك
    أجراً وإن قال بغيره فإن عليه منه " .
    الإمام راع وهو ولي من لا ولي له :
    قد بين – صلى الله عليه وسلم – أن ولي الأمر راع لنا وأننا رعيته كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته ". وبين –صلى الله عليه وسلم– أن من لا ولي له فولي الأمر ولي له كما أخرج ابن ماجه في السنن عن عائشة - رضي الله عنها- قالت قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: السلطان ولي من لا ولي له ".
    وجوب احترام وتوقير الإمام وتحريم انتقاصه وإهانته :
    وبين – صلى الله عليه وسلم – أن ولي الأمر يجب إجلاله وإكرامه ويحرم انتقاصه وإهانته كما أخرج الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن عن زياد بن كسيب البعدوي قال : " كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال : أبو بلال انظروا إلى أميرنا يابس ثياب الفساق فقال : أبو بكرة اسكت فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أهانه الله يوم القيامة " .
    فتأملوا كيف أن أبا بكرة - رضي الله عنه – اعتبر الكلام في ولي الأمر والقدح فيه من إهانته وقد علم الإمام الذهبي رحمه الله على هذه القصة بقوله : أبو بلال هذا خارجي ومن جهله عد ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق 2 .
    الأمر بالصبر والنهي عن نزع يد من طاعة :
    كما أمر– صلى الله عليه وسلم – بالصبر ونهى عن نزع يد من طاعة ولو رأى الحاكم على معصية كما أخرج مسلم في الصحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيء من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة " . وأخرج مسلم في الصحيح عن ابن عباس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة الجاهلية " . وأخرج البخاري في تاريخه عن وائل أنه قال للنبي – صلى الله عليه وسلم – :" إن كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة ؟ فقال – صلى الله عليه وسلم – :" عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " . وأخرج مسلم في الصحيح عن حذيفة بن اليمان قال – صلى الله عليه وسلم – :" يكون بعدي أئمة لا يهدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " . فتأملوا هذا الحديث العظيم الذي يغفل عنه كثير من الناس : الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمر بطاعة الأمير وإن ظلم الأمير بأخذ المال وجلد الظهر فما بال بعض الناس لا يصبرون ولا يطيعون وهم لم يبلغوا معشار هذه الحالة بحمد الله تعالى بل والله إنهم لفي نعمة كبيرة ومنة عظيمة .
    الصبر على جور الأئمة من أصول السلفية :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة " 1 . وهذا حق لأن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ويدرأ من المفاسد ما يكون له صلاح العباد والبلاد .
    قال ابن تيمية :" ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر
    منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة " 2 .
    وقال الشيخ ابن باز :" الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً فيختل به الأمن وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم " 3 .
    وقال أئمة الدعوة : " ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد وهذا غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين 1 .
    ولما أراد بعض العلماء نزع يد الطاعة في ولاية الواثق بسبب فتنة خلق القرآن منعهم الإمام أحمد و ناظرهم في ذلك قال : عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة لا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر وليس هذا ـ أي نزع أيديهم من طاعة ولي الأمر ـ صواباً هذا خلاف الآثار .
    فقال بعضهم : إنا نخاف على أولادنا إن ظهر هذا لم يعرفوا غيره ويمحى الإسلام ويدرس 2 .
    فقال لهم الإمام أحمد : كلا إن الله عز وجل ناصر دينه وإن هذا الأمر له رب ينصره وإن الإسلام عزيز منيع فخرجوا من عند أبي عبد الله ولم يجبهم إلى شيء مما عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك والاحتجاج عليهم بالسمع والطاعة حتى يفرج الله عن الأمة فلم يقبلوا منه 3 .
    وقال العلامة الإمام عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى :" أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن معاوية حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة لا يترعون يداً من طاعة فيما أمر الله به ورسوله – صلى الله عليه وسلم – من شرائع الإسلام لا يعلم أن أحداً من الأئمة نزع يداً من طاعة ولا رأى الخروج عليهم 4 .
    من نزع يداً من طاعة لا حاجة له يوم القيامة :
    وبين – صلى الله عليه وسلم – أن من نزع يداً من طاعة أنه لا حاجة له يوم القيامة وميتته ميتة جاهلية كما أخرج أحمد في المسند عن ابن عمر قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من نزع يده من الطاعة فلا حجة له يوم القيامة ومن مات مفارقاً للجماعة مات ميتةً جاهليةً " وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليةً " .
    قال ابن أبي جمرة :" المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق
    قال الحافظ : المراد بالميتة الجاهلية حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ظلال وليس له إمام لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أن يموت كافراً بل يموت عاصياً قاله الحافظ " اهـ 1 .
    من نزع يده من الطاعة من الغادرين يوم القيامة :
    بل من نزع يده من الطاعة هو من الغادرين يوم القيامة كما أخرج البخاري في الصحيح عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال إني سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول :" ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيتي وبيته " .
    والفيصل : القطيعة والهجران .
    قال الحافظ بن حجر : في هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه وأنه لا ينخلع بالفسق 2 .
    عقوبة من بايع الحاكم لدنيا إن أعطاه وفى وإن منعه لم يف :
    وبين – صلى الله عليه وسلم – أن من بايع الحاكم لدنيا إن أعطاه ما يريد وفى وإن منع لم يف لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم كما أخرج البخاري في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل ورجل بايع رجلاً لم يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له ورجل ساوم رجلاً بسلعة بعد العصر بحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها " .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" من أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه طاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق 3 .
    الأمر بالصبر وإن صدرت أثرة :
    وقد بين – صلى الله عليه وسلم – أنه سوف تكون بعد أثرة والأثرة : هي الانفراد بالشيء عمن له فيه حق و لم يأمرنا بالخروج عليهم أو العصيان لأمره بل أمر بأداء الواجب الذي له علينا كما أخرج البخاري في الصحيح عن عبد الله قال :قال لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم " .
    وقوـ له أمور تنكرونها يعني من أمور الدين قال النووي :" فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة ولايخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه " 1 .
    حكم ولي الأمر إذا حكم بغير ما أنزل الله :
    قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : " من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أمور :
    من قال : أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية فهذا كافر كفراً أكبر .
    ومن قال : أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية فالحكم بهذا جائز و بالشريعة جائز فهو كافر كفراً أكبر .
    ومن قال : أنا أحكم بهذا والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز فهو كافر كفراً أكبر .
    ومن قال : أنا أحكم بهذا وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز ويقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ولا يجوز الحكم بغيرها ولكنه متساهل أو يفعل هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ولا يعتبر من أكبر الكبار " اهـ 2 .
    الدعاء لولي الأمر من النصيحة :
    النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عن تميم الداري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ".
    وإن من لوازم النصيحة لولي الأمر حبه وطاعته والدعاء له قال الإمام ابن رجب :" النصيحة لأئمة المسلمين حب صلاحهم وشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل 3 .
    وقال الشيخ ابن باز:" من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة " 4 .
    وقد كان السلف يحرصون ويحثون على الدعاء لولي الأمر بالصلاح والخير فقد كان الفضيل بن عياض يقول :" لو كانت لي دعوة [ مستجابة ] ما جعلتها إلا في السلطان .
    قيل للفضيل : فسر لنا هذا ؟
    فقال الفضيل : إذا جعلتها في نفسي لم تعدني ـ أي تتجاوزني ـ وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد ".
    قال الإمام البربهاري :" أمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا وجاروا لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين " 1 .
    علامة أهل السنة الدعاء لولي الأمر ومن العلامات المبتدعة الدعاء على ولي الأمر:
    ومن علامات أهل السنة الدعاء لولي الأمر بالخير والصلاح والتوفيق ومن علامات أهل البدع الدعاء على ولي الأمر قال الإمام البربهاري :" إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى . وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله 2 .
    الامتناع عن الدعاء لولي الأمر :
    وبعض الناس يمتنع عن الدعاء لولي الأمر ولاشك أن هذا خطأ قال العلامة ابن باز رحمه الله فيمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر :" هذا من جهله وعدم بصيرته الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده .
    والنبي – صلى الله عليه وسلم – لما قيل له إن دوساً عصت ! قال : اللهم اهد دوساً وأت بهم ". يدعو للناس والسلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء " 1 .
    تحريم سب ولي الأمر :
    الشرع الحنيف نهى عن سب ولاة الأمر لما في سبهم من الإفضاء إلى عدم طاعتهم في المعروف وإلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي لا تعود
    على الناس إلا بالشر المستطير كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم وقتالهم وتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمى . والوقيعة في أعراض الأمراء والاشتغال بسبهم وذكر معائبهم خطيئة كبيرة وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر وذم فاعلها وهي نواة الخروج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصيد فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله دليل على
    تحريم السب وذم فاعله 2 .
    وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – أنه قال : " كان الأكابر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينهوننا عن سب الأمراء .
    النصيحة لولي الأمر :
    النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عن تميم الداري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" الدين نصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم " .
    وأخرج الترمذي في السنن عن عبد الله بن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم " .
    ومعنى الحديث أن هذه الثلاثة : وهي إخلاص العمل لله ومناصحة ولي الأمر ولزوم الجماعة ، من فعلها فليس في قلبه غل وغش وحقد . قال أبو نعيم الأصبهاني :" من نصح الولاة والأمراء اهتدى ومن غشهم غوى واعتدى " 3 .
    صور النصيحة لولي الأمر :
    النصيحة لولي الأمر لها أربع صور :
    الأولى : نصيحة ولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً .
    والثانية : نصيحة ولي الأمر أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً .
    والثالثة : نصيحة ولي فيما بينه وبين الناصح سراً ثم يخرج من عنده وينشرها بين الناس .
    والرابعة : الإنكار على السلطان في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب والدروس ونحوها .
    هذه أربع صور سنأتي إن شاء الله تعالى على صورة صورة :
    الصورة الأولى : النصيحة لولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً :
    النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج :
    إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم اللعن بها ويدل عليه ما أخرجه أحمد في المسند عن عياض قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له الأمر علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذلك وإلا كان قد أدى الذي عليه له " .
    فقوله ( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر )) فيه العموم في الناصح والعموم في المنصوح به
    وقوله (( فلا يبد له علانية )) فيه النهي عن النصيحة علانية والنهي يقتضي التحريم وعليه الواجب الإسرار.
    قوله : (( ولكن ليأخذ بيده فيخلو به )) فيه بيان الطريقة الشرعية لنصيحة الولاة وهي الأسرار دون العلانية (( فيخلو به )) أي منفردا كقول أسامة ـ رضي الله عنه ـ
    : " أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه " .
    وذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن شقيق عن أسامة بن زيد قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه " .
    ففي هذا الأثر أن النصيحة علانية أمر منكر تنتج عنه الفتنة وأن الإسرار هو الأصل الذي تتم فيه النصيحة دون فتنة أو تهييج للرعية على الراعي لقوله ـ رضي الله عنه ـ : " والله لقد كلمته فيما بيني وبينه " وقوله رضي الله عنه " دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه .... " .
    قال النووي :" يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ كما جرى لقتلة عثمان - رضي الله عنه – وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ، ووعظهم سراً وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك فإن لم يكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق " 1 .
    قوله : " وهذا كله إذا أمكن ذلك " أي أمكن الناصح السرية في النصيحة للسلطان فهو الواجب عليه لا غيره .
    وقوله : "فإن لم يمكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق " أ ي أنه لا ينكر علناً إلا عند الضرورة الشديدة 2 ولذلك أنكر عياض – رضي الله عنه – على هشام – رضي الله عنه – إنكاره عليه علانية بدون ضرورة فما كان من هشام – رضي الله عنه – إلا التسليم والله أعلم .
    وقال الشيخ ابن باز معلقاً على أثر أسامة – رضي الله عنه – : " لما فتحوا الشر في زمن عثمان – رضي الله عنه – وأنكروا على عثمان – رضي الله عنه – جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلى بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه نسأل الله العافية " 2 .
    وأخرج أحمد في المسند عن سعيد بن جمهان أنه قال لقيت عبد الله ببن أبي أوفى فقلت له : إن السلطان يظلم الناس يفعل بهم قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال ويحك يا ابن جمعان عليك بالسواد الأعظم عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته فأخبره بما تعمل فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه " . فتأملوا كيف أن الصحابي الجليل ابن أبي أوفى – رضي الله عنه – منعه من الكلام في السلطان وأمره بنصيحته سراً دون العلانية .
    قال ابن النحاس رحمه الله : " يختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد " 3 .
    وقال الشوكاني : " ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله 4 .
    وقال أئمة الدعوة : " ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس " 5 .
    وقال العلامة السعدي رحمه الله : " على من رأى منهم مالا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام " 6 .
    وقال الشيخ ابن باز : " الطريقة متبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير .
    وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربى من دون ذكر من فعل ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلان يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم 1 .
    الصورة الثانية: نصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً.
    وهذه الصورة محرمة لا تجوز للأمور التالية :

    1. مخالفاتها لحديث عياض بن غنم – رضي الله عنه – الذي فيه الأمر بالإسرار .
    2. مخالفاتها لآثار السلف ومنهجهم كأسامة بن زيد وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهما .
    3. لقوله – صلى الله عليه وسلم - :" من أهان سلطان الله في الأرض أهانه " أخرجه الترمذي .
    قال الشيخ صالح ابن عبد العزيز بن عثيمين ــ رحمه الله ـ :" إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهر والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته ، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه – يريد الإسرار بالنصيحة – لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم " 2 .
    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :" إذا صدر المنكر من أمير أو غيره ينصح برفق خفيةً ما يستشرف – أي ما يطلع – عليه أحد فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل ؛ فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خفية " 3 .
    والصورة الثالثة : نصيحة السلطان فيما بينه وبين الناصح سراً ثم ينشرها بين الناس:

    وهذه الصورة محرمة لما يلي :
    1ـ مخالفتها لحديث عياض بن غنم ـ رضي الله عنه ـ إذ الغرض والمقصود عدم إطلاع الناس عليها لما يترتب عليها من مفاسد .
    2ـ مخالفاتها لهدي السلف مع ولي الأمر .
    3ـ لما فيها من الرياء وعلامة ضعف الإخلاص .
    4ـ لما فيه من الفتنة والبلبلة والتفرقة للجماعة .
    5ـ لما فيها من إهانة السلطان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ) .
    قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عثيمين ـ رحمه الله ـ - :" إذا كان الكلام في الملك بغيبة نصحه جهراً أو التشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكر ناه " 1 ـ يريد الإسرار بالنصح ونحوه ـ .
    قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ : " احذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ـ أي : سراً بلطف ولين ـ أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت و قلت ؛ فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخرى معروفة " 2 .
    الصورة الرابعة : نصيحة ولي الأمر في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب ونحوها :
    وهذه الصورة محرمة لما يلي :
    لأنها غيبة وبهتان على ولي الأمر قال تعالى [ ولا يغتب بعضكم بعضا ] وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم ؟ قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " فنهى الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن الغيبة ولاشك أن الكلام في ولي الأمر من الغيبة في غيبته إن كان حقا فإن كان كذبا فهو بهتان .
    ولأن هذه الصورة تدخل في القالة بين الناس مما يترتب عليها من الفتنة والبلبلة كما أخرج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قال :" ألا أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة : القالة بين الناس ".
    ولأنها تخالف حديث عياض بن غنم - رضي الله عنه - في وجوب النصيحة سراً .
    ولأنها تخالف هدي السلف الصالح في كيفية النصيحة لولي الأمر ولأنها من باب إهانة السلطان وهي محرمة
    ولأنها تؤدي على سفك الدماء وإلى القتل كما أخرج ابن سعد في الطبقات عن عبدا لله بن عكيم الجهني أنه قال : لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان !!
    فقيل له : يا أبا معبد أو أعنت على دمه ؟ فيقول إني أعد ذكر مساويه عونا على دمه !". فتأملوا هذا الأثر جيداً حيث اعتبر أن ذكر مساوي الحاكم مما يعين على سفك الدماء 1.
    قال أئمة الدعوة :" ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها منا صحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد وهذا غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين " 2 .
    وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ :" بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عما لهم من محاسن أو صواب ، ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة إنما يزيد البلاء بلاءً ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها" 3 .
    وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله - تعالى :" ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع " 4 .
    وقال الشيخ ابن عثيمين :" الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً
    . لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها فإذا حاول أحد يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد .
    فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب .
    وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة .
    ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها " 4 .
    شبهة من يتكلم في ولي الأمر غيبة وردها :
    بعض الناس يتكلم في ولي الأمر وإذا قلت له هذا لا يجوز يستدل بما أخرجه الترمذي في السنن عن أبي سعيد الخدري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائز " . ويقول هذه الكلمة حق ولا شك أن هذا خطأ شنيع لأمور :
    أولاً : الحديث إنما قال عند أي أمام ولي الأمر وحضوره لا من خلفه
    ثانياً : أن هذا الحديث لا يدل على أن المراد أن تنكر علناً أو تنكر غيبة بل يجب أن يفهم هذا الحديث مع حديث عياض الذي أفاد وجوب الإسرار فنقول تنصحه على الانفراد لا علناً ولا غيبة .
    ثالثاً : أنه قال عند السلطان جائز ونحن بحمد الله ـ في المملكة العربية السعودية ـ في ضل سلطان عادل عامل بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح داع للتوحيد ومحارب للبدع والخرافات .
    قال الشيخ ابن عثيمين :" أشهد الله تعالى على ما أقول وأشهدكم أيضاً أنني لا أعلم أن في الأرض اليوم من يطبق شريعة الله ما يطبقه هذا الوطن ـ أعني : المملكة العربية السعودية ـ وهذا بلا شك من نعمة الله علينا فلنكن محافظين على ما نحن عليه اليوم بل ولنكن مستزيدين من شريعة الله عز وجل أكثر مما نحن عليه اليوم لأنني لا أدعي الكمال وأننا في القمة بالنسبة لتطبيق شريعة الله لا شك أننا نخل بكثير منها ولكننا خير والحمد لله من ما نعلمه من البلاد الأخرى ... إننا في هذه البلاد نعيش نعمة بعد فقر وأمناً بعد خوف وعلماً بعد جهل وعزاً بعد ذل بفضل التمسك بهذا الدين مما أوغر صدور الحاقدين وأقلق مضاجعهم يتمنون زوال ما نحن فيه ويجدون من بيننا وللأسف من يستعملونه لهدم الكيان الشامخ بنشر أباطيلهم وتحسين شرهم للناس { يخربون بيوتهم بأيديهم } ( الحشر : من الآية 2 ).
    ولقد عجبت لما ذكر من أن أحد الجهلة هداه الله ورده إلى صوابه يصور النشرات التي ترد من خارج البلاد التي لا تخلوا من الكيد الكذب ويطلب توزيعها من بعض الشباب ويشحذ هممهم بأن يحتسبوا الأجر على الله . سبحان الله هل انقلبت المفاهيم ؟ هل يطلب رضى الله في معصيته ؟ هل التقرب إلى الله يحصل بنشر الفتن وزرع الفرقة بين المسلمين وولاة أمورهم ؟ معاذ الله أن يكون كذلك اهـ 1 .
    وفي الختام : أورد كلمة مهمة للشيخ صالح آل شيخ حول خطأ يقع فيه كثير من الشباب عندما تطرأ أي مشكلة جهلاً منهم بمنهج السلف الصالح :" لا تطبق أيها المسلم أحاديث الفتن على الواقع الذي تعيش فيه فإنه يحلو للناس عند ظهور الفتن مراجعة أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في الفتن ويكثر في مجالسهم قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كذا ؛ هذا وقتها هذه هي الفتنة ؟ ونحو ذلك
    والسلف علمونا أن أحاديث الفتن لا تنزل على واقع حاضر وإنما يظهر صدق النبي – صلى الله عليه وسلم – بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها مع الحذر من الفتن جميعاً .
    وهذا التطبيق لأحاديث الفتن على الواقع وبث ذلك في المسلمين ليس من منهج أهل السنة والجماعة وإنما أهل السنة والجماعة يذكرون الفتن وأحاديث الفتن محذرين منها مباعدين للمسلمين عن غشيانها أو عن القرب منها لأجل أن لا يحصل بالمسلمين فتنة ولأجل أن يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – اهـ 1 .


    كلمـــــة
    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد....
    فقد اطلعت على الكلمات التي كتبها أخونا الفاضل الشيخ أبو عمر أحمد بازمول حفظه الله تحت عنوان السنة فيما يتعلق بولي الأمه فألفيتها كلمات نيرة تثلج الصدر وتسر أهل الحق لما أشتملت عليه من بيان السنة وتوضيح المحجة في أمر خطير جداً ، ضل بسبب البعد عنه كثير من المسلمين وانتشرت الفتن وكثر الهرج .
    فانصح كل من يريد الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ، أن يهتم بهذه الكلمات السنية ، وأن يجعلها منهجاً في حياته ليأمن التيه والضلال ، وينجو من الهلاك والخسران .
    فجزى الله خيراً أخانا الشيخ أبا عمر أحمد بازمول على ما كتب وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته .
    والحمد لله أولاً وآخرا.
    وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

    كتبه : أبو سعيد بلعيد بن أحمد
    بمدينة العين في 11/ربيع الآخر/1423هـ
    22/ 6 /2002م

  • #2
    جزاكم الله خيرا وبارك الله لكم وأثابكم خيرا

    تعليق


    • #3
      وايــــــــــــــــــــــــاك أخـــــــــــــــــي السلفــــــــــــــــــي

      تعليق

      يعمل...
      X