إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكسب والعمل في الإسلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكسب والعمل في الإسلام

    الكسب والعمل في الأسلام

    عن المقدام رضي الله عنه قال – صلى الله عليه وسلم -: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكُلَ من عمل يدِه، وإن نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكلُ من عملِ يدِه»؛ رواه البخاري.
    وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه.
    وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى.
    *****
    *******
    **********

    الحمد لله رَبِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرزاق ذو القوة المتين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .أَمَّا بعد أيها المسلمون:
    إعلموا رحمكم الله أن أصحابُ المكاسِب الطيبة والأموال الصالحة هم أسلمُ الناس دينًا، وأعفُّهم نفسًا، وأهدؤُهم بالاً. هم أشرحُ الناس صدرًا، وأهنؤُهم عيشًا، أعراضُهم مُصانة، وأيديهم نزيهة، ورِزقُهم مُبارَك، وذِكرُهم في الناس جميل.


    ولقد حثَّ الإسلام على الاحتراف والعمل، ورغَّب فيه، وصغَّر مِن شأن مَن يتهاون به، أو يحتقره أو يزَّهِدُ فيه؛ فعَن الزُّبير بن العوَّام - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبلَه، فيأتيَ بحُزمة الحَطبِ على ظهره فيبيعَها، فيَكُفُّ اللهُ بها وَجهَه، خيرٌ له من أن يسأل الناس، أَعطَوْه أو منعُوه))؛ متفق عليه، وقد قال عمر بن الخطَّاب: "إنِّي لأرى الرَّجل فيعجبني، فأقول: له حِرفة؟ فإن قالوا: لا، سَقَطَ من عيني"، وقد كان محمَّد بن سيرين، إذا أتاه رجلٌ من العرب، قال له: "ما لكَ لا تتَّجر؟! كان أبو بكر تاجرَ قُريش.

    وقد انتشر فَهْمٌ خاطئ عند بعض الناس، مفادُه أنَّ الاشتغال بطلب المعاش، والعمل في صنعة أو مهنة أو حرفة فيه نقص لطلاب العلم والدعاة ويمنع الوصولَ إلى مراتب العُلماء، وأنَّ العالِمَ لا يبلغ هذه المنزلةَ إلاَّ بالتفرُّغ الكامل، والبعد عن طلب المعاش والاحتراف، وأنَّ الجمع بين العِلم والحِرْفة صعبُ المنال، والصحيحُ أن لا تعارُضَ بين الأمرين، فالصحابة كان العِلم باعثًا لهم على العمل وعلى هذا بوب الإمام الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين في كتاب العلم قال رحمه الله : باب


    ومع انقلاب الموازين، وتحوُّر المفاهيم، ما أن ينطقَ متكلِّم عن العمل، إلاَّ ويتبادر إلى ذهن السامع الوظائفُ والأعمال المكتبيَّة، وكأنَّ العملَ مقصور عليها، منحصِرٌ فيها، ما نتج عنه احتقارُ المهن وازدراء أصحابها، والإعلاء من شأن الوظيفة المكتبيَّة، وهذه النظرة الدُّونية تُمارس على جميع المستويات والطبقات، وتُغرَس في النُّفوس منذ الصغر، مع أنَّ الوظيفة تأتي في المرتبة الدُّون من أبواب المكاسب، فأصولُ المكاسب ثلاثة: الزِّراعة والصِّناعة والتِّجارة، وفضَّل أبو حنيفة التجارة، ومال الماورديُّ إلى أنَّ الزِّراعة أطيب الكل، ومثلُه العلقمي، وقال: وأفضلُ ما يكتسبه مِن الزِّراعة؛ لأنَّها أقرب إلى التوكُّل، ولأنَّها أعمُّ نفعًا، ولأنَّ الحاجة إليها أعم، وفيها عملُ البدن أيضًا.


    واعلموا – معاشر الشباب- ويا من يشكي من البطالة وقلَّة الوظائف, ويا من يشمئزُّ من الحرف اليدوية, والتجارةِ الحرّة, اعلموا أنَّ أنبياء الله -عليهم السلام-, مع عَظَمَتهم وشرف رسالتهم, كانوا يُمارسون شتَّى الحِرَف والأعمال، فنوحٌ -عليه السلام- مارس مِهْنةَ صناعة السفن: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) [هود:37].
    وداودُ -عليه السلام- الذي كان خليفةً في الأرض، ومع ذلك كان لا يَأْكُلَ إلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ, فأصبح حدَّادًا يصنع الدروع, قال الله تعالى عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} يعني صنعة الدروع.
    قال ابن حجرٍ رحمه الله: “الذي كَانَ يَعْمَلُهُ دَاوُدُ بِيَدِهِ: هُوَ نَسْجُ الدُّرُوعِ, وَأَلَانَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ, فَكَانَ يَنْسِجُ الدُّرُوعَ وَيَبِيعُهَا, وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ, مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُلُوكِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَدَدْنَا ملكه}. ا.ه كلامه
    ونبيُّ الله زَكرِيّا -عليه السلام- كَانَ نَجَّارًا, يصنع ويُصلح الأخشاب, قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ زَكرِيّا عليه السلامُ نَجَّاراً» . رواه مسلم .
    ونبيُّ الله موسى -عليه السلام-: أجَّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين.
    بل وجميعُ الأنبياء – عليهم السلام-, وفي مُقدَّمتهم محمدٌ خيرٌ الأنام: كانوا رُعاةً للغنم.
    قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ». رواه البخاري
    فهل يعي شبابُنا أنَّ مِهنة العمل والبيع شريفة؟
    قال الحافظ ابن القيم: "إنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: باع واشترى، وشِراؤه أكثر، وآجَرَ واستأجر، وإيجارُه أكثر، وضارب وشارك وتوكَّل، وتوكُّلُه أكثر، وأهدى وأُهدي إليه، ووهب واستوهب، واستدان واستعار، وضمن عامًّا وخاصًّا، ووقف وشَفَع، فقَبِل تارةً، وردَّ أخرى، ولم يعتب ولم يَغْضب، وحَلَف واستحلف، ومضى في يمينه وكفَّر أخرى، ومازح وورَّى ولم يقلْ إلاَّ حقًّا، وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأسوةُ والقدوة.


    وهاهم أفضل وأكرم الخلقِ بعد الأنبياء, أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كانوا تُجَّاراً في الأسواق, ومُنشغلين بالبيع والزراعة وجلبِ الأرزاق, قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ: كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ. متفق عليه
    قال ابن بطالٍ رحمه الله: في هذا الحديث: عمل الصحابة في الحرث والزرعِ بأيديهم، وخدمةُ ذلك بأنفسهم، وأنَّ الامتهانَ في طلب المعاش للرجال والنساء: مِن فعل الصالحين، وأنه لا عار فيه ولا نقيصةَ على أهل الفضل. ا.هـ كلامه

    قال الله تعالى : ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (الجمعة : 10) .
    وقالت عائشة رضي الله عنها: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم) ( رواه البخاري ) .
    فالمسلم وإن كان رفيع القدر كعالم وحافظ وإمام عليه أن يطلبُ الرزق الحلال في خبايا الأرض بعرق جبينه ليكون عزيزاً سيداً ، ومعطياً باذلاً لا آخذاً متحرياً وليكون مستعلياً لا مستذلاً ولذلك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنه((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود ـ عليه السلامـ كان يأكل من عمل يده ))[رواه البخاري].وفي صحيح مسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( كان زكرياء ـ عليه السلام ـ نجاراً )) .


    فيا معاشر الصالحين, هؤلاء الأنبياء والمرسلون, والصحابة المتقون, والسلف الصالحون, منهم النجارون والمزارعون, ورُعاةُ الأغنام والنَّسَّاجون, ولم يزدهم ذلك إلا رفعة في الدنيا والآخرة, ولم يترفعوا عن هذه الأعمال, فما بالكم تترفعون عنها وتشمئزُّون منها, وترضون بالبطالة.
    فهل يعي شبابُنا هذا الْمَبدأ, وهو أنْ يعملوا ويَجِدُّوا في طلب المال, ليُحصِّنوا أنفسهم, ولا ينتظروا الوظائف الرسمية, ولا الأعمال الحكومية, فما بالهم يتأخرون عن الزواج, وإحصانِ فرجهم, بدعوى البطالةِ وعدمِ الوظيفة, فأين هم مِن نبيِّنا وقُدْوتِنا صلى لله عليه وسلم, الذي كان يُتاجر في مال خديجة -رضي الله عنها- أيَّام شبابه, ليتحصل على مالٍ يُغني به نفسه, ويُقدِّمُه مهراً لزواجه, وأين هم مِن موسى -عليه السلام-, الذي كان يُؤجِّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين، لكي يُعفّ نفسه ويصونَها, بزواجه من ابنة الرجل الصالح في مدين.
    وأين هم مِن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه, حينما أَرَاد أَنْ يتزوج فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وليس عنده مالٌ ولا وظيفة, إنما كَانَتْ له ناقتان, فبدأ يعمل ويُتاجر بهما, فيحمل عليهما المتاعُ ويبيعه في السوق.
    وهكذا كان الأفاضل من التابعين والصالحين, مع اهْتمامهم بأمور الآخرة, إلا أنهم كانوا يُمارسون الحرف والتجارة, ولا يرونها عيباً ومهانة.

    وقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرفع من شأن الحِرفيِّين، فيجيب دَعوتَهم؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إنَّ خيَّاطًا دعا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لطعامٍ صنعه، قال أنس: فذهبتُ مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى ذلك الطعام، فقرَّب إليه خبزًا من شعير ومرقًا فيه دُبَّاء، قال أنس: فرأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتتبَّع الدُّبَّاء من حولِ القصعة، فلم أزلْ أُحبُّ الدُّبَّاء بعد ذلك اليوم"؛ متفق عليه.

    قال النووي: "فيه فوائد؛ منها: إباحة كسْب الخيَّاط"، وقال ابن حجر: "فيه دليلٌ أنَّ الخياطة لا تُنافي المروءة"، قال العيني: "وفيه جواز أكْل الشريف طعامَ الخيَّاط والصائغ، وإجابته إلى دعوته"، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "جاء رجلٌ من الأنصار يُكنى أبا شُعيب، فقال لغلامٍ له قصَّاب – لحَّام -: اجعلْ لي طعامًا يكفي خمسة، فإنِّي أريد أن أدعوَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خامسَ خمسة، فإنِّي قد عرفت في وجهه الجوع، فدعاهم، فجاءَ معهم رجل، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ هذا قد تَبعنَا، فإنْ شئتَ أن تأذن له فأذنْ له، وإن شئتَ أن يرجعَ رَجَع))، فقال: لا بل قد أذنتُ له.
    قال النووي: "أي: يَبيع اللَّحم، وفيه دليلٌ على جوازِ الجِزارة، وحِلِّ كَسْبها".

    قال سفيان الثوري رحمه الله
    : عليك بعمل الأبطال, الكسب من الحلال, والإنفاق على العيال.
    وقد كان كبار الصحابة وزُهُّادُهم وعُلماؤهم: يعملون بالتجارة, ويسعون إلى تنميةِ أموالهم.
    روى البخاري في صحيحه , أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ بالبركة, وكَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ, فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, فَيَقُولَانِ لَهُ: أَشْرِكْنَا في تجارتك؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ, فَفعل ذلك وأشْرَكَهُمْ.
    وهم يفعلون ذلك؛ لما علموه من منافع الأموال وفائدتِها, والضررِ المترتِّب عند الحاجةِ إليها, قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: إن المال فيه صنائعُ المعروف, وصلةُ الرحم, والنفقةُ في سبيل الله عز وجل, وعونٌ على حسن الخلق, وفيه مع ذلك شرفُ الدنيا ولذتُها.

    وعلى نَهْج العِلم والعمل سار جمعٌ غفيرٌ من علمائِنا وفُقهائنا وأُدبائنا مِن سَلفِ هذه الأمَّة، فانخرط رُموزُها وعظماؤها في الاحتراف، والعمل لكسْبِ الرِّزق؛ إذ كانوا أصحاب حِرَف ومِهَن، وكانوا مع عِلمهم وزُهْدهم وتقواهم يَسعَون في هذه الدنيا، سعيًا وراءَ عيشهم ورِزقهم وقُوتِ عيالهم،، ونُسب جمعٌ من عظماء الأمَّة وعلمائها إلى المِهَن؛ فكان منهم: الآجُري، نسبة إلى عمل الآجُر وبيعه، الباقلاني، نسبة إلى الباقلا وبيعه، التوحيدي، نسبة إلى بيع التوحيد وهو نوعٌ من التُّمور، والجصَّاص، نسبة إلى العمل بالجصِّ وتبييض الجدران، والحاسب، نسبة إلى مَن يعرف الحساب، والقطعي، نسبة إلى بيع قِطع الثياب، والقفَّال، والخرَّاز، والخوَّاص، والخبَّاز، والصبَّان، والقطَّان، والحذَّاء، والسمَّان، والصوَّاف، والزيَّات، والفرَّاء.

    إنَّ انتسابَ هؤلاء العلماء الأجلاَّء للحِرَف أعطى صبغةَ العزة لأهل هذه الحِرف، حتى لم يكدْ يوجد في المجتمع الإسلامي مَن ينتقص الحِرَف، أو ينتقص من شأن أصحابها.

    الكسب والعمل من سبيل الله
    ومِن تعظيم اللهِ أمْرَ العمل والصناعة باليد: ما رواه كعبُ بن عُجْرة - رضي الله عنه - قال: مرَّ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلٌ فرأى أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن جَلَدِه ونشاطه ما أعجبَهم، فقالوا: يا رسولَ الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ كان خَرجَ يَسعى على ولدِه صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن خَرج يَسعى على أبوينِ شيخَينِ كبيرَينِ، فهو في سبيل الله، وإن كان يَسعى على نفسِه يَعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رِياءً وتفاخُرًا فهو في سبيل الشَّيطان))؛ رواه الطبراني، وصحَّحه الألباني.


    واعلموا – معاشر المسلمين- أنَّ تقاعُس شبابنا عن العمل, بحجة عدمِ مُلاءمته لهم, سببٌ رئيسيٌّ في انتشارِ البطالة, مِمَّا زاد في مُعدَّلات الجريمة, بسبب الفراغ والحقد على الدولة وأصحابِ الأموال.
    ومن الجهل والحماقة: أنْ ينظُر بعض الناس نحو الحِرَفِ اليدويةِ: نظرةً دُونيَّةً ازدرائيةً.
    فهل يليق بأنْ نَصِفَ من يعملُ في رفع القُمامة وإماطةِ الأذى، وتنظيفِ الطُرقات والْممرات، يبتغي من ذلك إطعامَ أطفاله أو إعفافَ نفسه: هل يليق بأنْ نَصِفَه بصفاتٍ قبيحة, ونَنْظُرَ إليه نظرةَ احتقارٍ وازدراء؟.


    آثار السلف في فضل العمل والكسب
    وقد قال بعض السلف : إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة ومما أثر عن الحكيم لقمان أنه قال أبنه : ( يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما أفتقر أحد قط إلا أصابه ثلاثُ خصال : رقةُ في دينه ، وضعفٌ في عقله ، وذهاب مروءته ) .
    وقال الأمام التابعي أبو قِلابة ـ رحمه الله ـ : (أيُّ رجلٍ أعظمُ أجراً من رجلٍ ينفق على عياله صغاراً فيعفهم الله تعالى ونغنيهم به) .
    وكان الأمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ : يمر بالسوق ويقول: (ما أحسن الاستغناء عن الناس) وقال له رجل : ترى أن أعمل ؟ قال : (:نعم "وتصّدق بالفضل على قرابتك) .

    وقال ابنه صالح : (كان أبي ربما أخذ القَدُوم وخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده) .
    وفي كتاب ـ الآداب الشرعية والمنح المرعية ـ لابن مفلح الحنبلي، فصل مهم عن هذا الموضوع بعنوان:
    فضل التجارة والكسب على تركه توكلا وتعبدا ـ قال في مطلعه: سأل رجل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فقال: أربعة دراهم: درهم من تجارة ودرهم من صلة الإخوان، ودرهم من أجر التعليم، ودرهم من غلة بغداد، فقال: أحبه إلي من تجارة بزه وأكرهها عندي الذي من صلة الإخوان، وأما أجر التعليم، فإن احتاج فليأخذه، وأما غلة بغداد فأنت تعرفها فأي شيء تسألني عنها؟.
    وقال المروذي: سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله: إني في كفاية، قال: الزم السوق تصل به الرحم وتعود به على نفسك.
    وقال أحمد للميموني: استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عن الناس.
    وقال رجل للفضيل بن عياض ـ رحمه الله: لو أن رجلا قعد في بيته وزعم أنه يثق بالله فيأتيه برزقه؟
    قال: إذا وثق به حتى يعلم أنه قد وثق به لم يمنعه شيئا أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم، وقد قال الله تعالى: وابتغوا من فضل الله.
    ولا بد من طلب المعيشة.
    وقال إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ وسئل عن الرجل يترك التجارة ويقبل على الصلاة، يعني ورجل يشتغل بالتجارة، أيهما أفضل؟ قال: التاجر الأمين.
    وترك سعيد بن المسيب دنانير فقال: اللهم إنك تعلم إني لم أجمعها إلا لأصون بها ديني وحسبي، لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه ويصل رحمه ويكف به وجهه.
    وقال سفيان ـ رحمه الله: ليس من حبك الدنيا أن تطلب فيها ما يصلحك.
    قال المروذي: وقد أنكر أبو عبد الله على المتوكلين في ذلك إنكارا شديدا، وقال في رواية عبد الله: ينبغي للناس كلهم يتوكلون على الله عز وجل، ولكن يعودون أنفسهم بالكسب، فمن قال بخلاف هذا القول فهذا قول إنسان أحمق، قال: وسمعت أبي يقول: الاستغناء عن الناس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في أيدي الناس.
    وقال صالح: سئل أبي ـ وأنا شاهد ـ عن قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون، فقال: هؤلاء مبتدعة.
    قال المروذي: قيل لأبي عبد الله: إن ابن عيينة كان يقول هم مبتدعة، فقال أبو عبد الله: هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا.
    وقال في رواية أبي الحارث: إذا جلس الرجل ولم يحترف دعته نفسه إلى أن يأخذ ما في أيدي الناس، فإذا شغل نفسه بالعمل والاكتساب ترك الطمع. اهـ.
    وقال ابن حجر في الفتح: المراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين، لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل، وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي، فقال: هذا رجل جهل العلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي. وقال: لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق.
    قال: وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم. اهـ.
    وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب عامة الفقهاء ومحققوا الصوفية إلى أن التوكل على الله لا يتنافى مع السعي والأخذ بالأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من الأعداء وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله المعتادة، مع الاعتقاد أن الأسباب وحدها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا، بل السبب ـ العلاج ـ والمسبب ـ الشفاء ـ فعل الله تعالى، والكل منه وبمشيئته.
    وقال سهل: من قال: التوكل يكون بترك العمل فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقال الرازي في تفسير قوله تعالى: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله. دلت الآية: على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال، وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل، بل التوكل على الله أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها، بل يعول على الله تعالى. اهـ.
    وجمهور علماء المسلمين على أن التوكل الصحيح، إنما يكون مع الأخذ بالأسباب، وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل.
    قال عمر رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

    وقال تعالى: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا. والغنيمة اكتساب.
    وقال تعالى: فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. والضرب عمل.
    وقال: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه.
    وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم.
    وقال: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل. اهـ.

    قال الإمام ابن تيمية: (قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وابن حنبل وغيرهم كأبي حامد الغزالي وأبي الفرج ابن الجوزي، وغيرهما أن صناعة الفلاحة والنساجة والبناية فرض على الكفاية فإنها لا تتم المصلحة إلا بها. وإذا لم يقم بهذه الأعمال غير إنسان معين صارت فرض عين عليه إذا كان غير عاجز عنها).
    ويقول في موطن آخر: (إن بذل منافع الأبدان يجب عند الحاجة كما يجب عند الحاجة تعليم العلم وإفتاء الناس وأداء الشهادة للحكم بينهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وغير ذلك من منافع الأبدان).

    وصدق القائل :
    إذا قلَّ مالُ العبد قلَّ صفاؤه … وضاقت عليه أرضه وسماؤه
    وأصبح لا يدري وإنْ كان حازما … أَقُدَّامه خيرًا له أو وراؤُه

    نسأل الله تعالى, أنْ يُصلح شباب الأُمَّة, وأنْ يُجنِّبَهمُ الفراغ والبطالة ويحبب لهم العمل والكسب الحلال بعد العلم النافع والعمل الصالح
    , إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

    جمعه : أبو الخطاب فؤاد بن علي السنحاني
    اليمن- المحويت
    الثلاثاء1 جمادي الأخر 1435 هـ
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الخطاب فؤاد السنحاني; الساعة 02-04-2014, 05:58 PM.

  • #2
    🌟أعمال يسيرة وأجور عظيمة .. ( 44 )

    👈 النَّفَقَةُ عَلَى الأَهْلِ :

    عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :

    "إذا أنفق المسلمُ نفقةً على أهلِه، وهو يحتسبُها، كانت له صدقةً"

    📕[صحيح البخاري (5351)]

    🌱جزى الله خيراً من قرأها وعمل بها وساعدنا على نشرها ..

    تعليق

    يعمل...
    X