إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الترويح عن الغرباء المؤمنين من كتاب مدارج السالكين.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الترويح عن الغرباء المؤمنين من كتاب مدارج السالكين.

    الحمد لله الذي أعز عباده الغرباء,واتخذهم له أولياء,وأذل المشركين والمنافقين وجعلهم قرناء.
    وصلى الله وسلم على نبيه محمد صفوة الأنبياء,وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء,وبعد:
    فهذه كلمات نقلتها من كتاب(مدارج السالكين)للإمام ابن القيم لأروح بها عن نفسي وعن إخواني وهج الغربة التي حلت في هذه الأزمان واشتدت كما حلت في بداية الإسلام وانكشفت,وأسال الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل,والتوبة من الزلل والخطل,والصبر على كل ما أصابنا وحل,والشكر على ما خفي من النعم وجل.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

    قال شيخ الإسلام:(باب الغربة)قال الله تعالى
    (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيةينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم)استشهاده بهذه الآية في هذا الباب:يدل غلى رسوخه في العلم والمعرفة,وفهم القرآن,فإن الغرباء في العالم:هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية,وهم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبل كما بدأ,فطوبى للغرباء,قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟قال:الذين يصلحون إذا فسد الناس)وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زهير عن عمرو بن أبي عمرو_مولى المطلب بن حنطب_عن المطلب بن حنطب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (طوبى للغرباء.قالوا: يارسول الله.;ومن الغرباء؟قال:الذين يزيدون إذا نقص الناس)
    فإن كان هذا الحديث بهذا اللفظ محفوظا_لم ينقلب على الراوي لفظه وهو(الذين ينقصون إذا زاد الناس)فمعناه:الذين يزيدون خيرا وإيمانا وتقى إذا نقص الناس من ذلك.والله أعلم.
    وفي حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الإسلام بدأ غريبا.وسيعود غريبا كما بدأ.فطوبى للغرباء.قيل ومن الغرباء.يا رسول الله؟قال :النزاع من القبائل)وفي حديث عبد الله بن عمرو قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم_ ذات يوم,ونحن عنده_(طوبى للغرباء.قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟قال:ناس صالحون قليل في ناس كثير.من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)
    وقال أحمد:حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا محمد بن مسلم حدتنا عثمان بن عبد الله عن سليمان بن هرمز عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إن أحب شيء إلى الله الغرباء.قيل ومن الغرباء؟قال الفرارون بدينهم.يجتمعون إلى عيسى ابن مريم عليه السلام يوم القيامة).
    وفي حديث آخر(بدأ الإسلام غريبا.وسيعود غريبا كما بدأ.فطوبى للغرباء.قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟قال الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس).
    وقال نافع عن مالك(دخل عمر بن الخطاب المسجد.فوجد معاذ بن جبل جالسا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم,وهو يبكي.فقال له عمر:ما يبكيك,يا أبا عبد الرحمن؟هلك أخوك؟قال: لا.ولكن حديثا حدثنيه حبيبي صلى الله عليه وسلم,وأنا في هذا المسجد.فقال:ما هو؟قال:إن الله يحب الأخفياء الأحفياء الأتقياء الأبرياء.الذين إذا غابوا لم يفتقدوا.وإذا حظروا لم يعرفوا.قلوبهم مصابيح الهدى.يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة).
    فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون.ولقلتهم في الناس جدا:سموا غرباء,فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات.فأهل الإسلام في الناس غرباء.والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء.وأهل العلم في المؤمنين غرباء.وأهل السنة_الذين يميزونها من الأهواء والبدع_فهم غرباء.والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين:هم أشد هؤلاء غربة.ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا.فلا غربة عليهم.وإنما غربتهم بين الأكثرين.الذين قال الله عز وجل فيهم(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه.وغربتهم هي الغربة الموحشة.وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم.كما قيل:
    فليس غريبا من تناءت دياره=ولكن من تنأين عنه غريب
    ولما خرج موسى عليه السلام هاربا من قوم فرعون انتهى إلى مدين,على الحال التي ذكر الله.وهو وحيد غريب خائف جائع.فقال:(يا رب وحيد مريض غريب.فقيل له:يا موسى,الوحيد: من ليس له مثلي أنيس,والمريض:من ليس له مثلي طبيب.والغريب:من ليس بيني وبينه معاملة.
    فالغربة ثلاثة أنواع:غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق.وهي الغربة التي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلها.وأخبر عن الدين الذي جاء به:أنه بدأ غريبا,وأنه سيعود غريبا كما بدأ,وأن أهله يصيرون غرباء.
    وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان,ووقت دون وقت,وبين قوم دون قوم,ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقا,فإنهم لم يأووا إلى غير الله.ولم ينتسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم.ولم يدعوا إلى غير ما جاء به.وهم الذين فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم.فإذا انطلق الناس يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم.فيقال لهم(ألا تنطلقون حيث انطلق الناس؟فيقولون:فارقنا الناس,ونحن أحوج إليهم منا اليوم.وإنا ننتظر ربنا الذي كنا نعبده)
    فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها.بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس.وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا.فوليه الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداه أكثر الناس وجفوه.
    وفي حديث القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال_عن الله تعالى_(إن أغبط أوليائي عندي:لمؤمن.خفيف الحاذ,ذو حظ من صلاته,أحسن عبادة ربه,وكان رزقه كفافا,وكان مع ذلك غامضا في الناس.لا يشار إليه بالأصابع.وصبر على ذلك حتى لقي الله.ثم حلت منيته,وقل تراثه,وقلت بواكيه).
    ومن هؤلاء الغرباء:من ذكرهم أنس في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم(رب أشعث أغبر .ذي طمرين لا يؤبه له.لو أقسم على الله لأبره).
    وفي حديث أبي إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنة؟قالوا:بلى يا رسول الله.قال:كل ضعيف أغبر,ذي طمرين لا يؤبه له.لو أقسم على الله لأبره)وقال الحسن:المؤمن في الدنيا كالغريب.لا يجزع من ذلها,ولا ينافس في عزها,للناس حال. وله حال.الناس منه في راحة.وهو من نفسه في تعب.
    ...يتبع إن شاء الله...

    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد بن سعيد الجابري اليافعي; الساعة 19-02-2014, 02:32 PM.

  • #2
    ومن صفات هؤلاء الغرباء أيضا_الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم_:التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس.وترك ما أحدثوه,وإن كان هو المعروف عندهم.وتجريد التوحيد.وإن أنكر ذلك أكثر الناس.وترك الإنتساب إلى أحد غير الله ورسوله,لا شيخ,ولا طريقة,ولا مذهب,ولا طائفة.بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده,وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده.وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا.وأكثر الناس_بل كلهم _لائم لهم.فلغربتهم بين هذا الخلق:يعدونهم أهل شذوذ وبدعة,ومفارقة للسواد الأعظم.
    ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم(هم النزاع من القبائل)أن الله سبحانه بعث رسوله,وأهل الأرض على أديان مختلفة,فهم بين عباد أوثان ونيران,وعباد صور وصلبان,ويهود وصائبة وفلاسفة,وكان الإسلام في أول ظهوره غريبا,وكان من أسلم منهم,واستجاب لله ورسوله:غريبا في حيه وقبيلته,وأهله وعشيرته,فكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعا من القبائل.بل آحادا منهم.تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم.ودخلوا في الإسلام فكانوا هم الغرباء حقا.حتى ظهر الإسلام,وانتشرت دعوته.ودخل الناس فيه أفواجا.فزالت تلك الغربة عنهم.ثم أخذ في الإغتراب والترحل,حتى عاد غريبا كما بدأ.بل الإسلام الحق_الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه_هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره.وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة.فالإسلام الحقيقي غريب جدا.وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس.
    وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا,غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة.ذات أتباع ورئاسات,ومناصب وولايات.ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول؟فإن نفس ما جاء به:يضاد أهواءهم ولذاتهم,وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم,والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم؟
    فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم ,وأطاعوا شحهم,وأعجب كل منهم برأيه؟كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(مروا بالمعروف.وانهوا عن المنكر.حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبع,ودنيا مؤثرةوإعجاب كل ذي رأي برأيه.ورأيت أمرا لا يد لك به,فعليك بخاصة نفسك,إياك وعوامهم.فإن وراءكم أيام صبر.الصابر فيهن كالقابض على الجمر)ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت_إذا تمسك بدينه_:أجر خمسين من الصحابة.ففي سنن أبي داود والترمذي_من حديث أبي ثعلبة الخشني_قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)فقال:بل اء تمروا بالمعروف,وتناهوا عن المنكر.حتى إذا رأيتم شحا مطاعا,وهوى متبعا,ودنيا مؤثرة,وإعجاب كل ذي رأي برأيه.فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام,فإن من وراءكم أيام الصبر.الصبر فيهن مثل قبض على الجمر.للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله.قلت:يا رسول الله,أجر خمسين منهم؟قال: أجر خمسين منكم)وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس,والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم.
    فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه,وفقها في سنة رسوله,وفهما في كتابه,وأراه ما الناس فيه:من الأهواء والبدع والضلالات,وتنكبهم عن الصراط المستقيم,الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط:
    فليوطن نفسه على قدح الجهال,وأهل البدع فيه,وطعنهم عليه,وإزرائهم به,وتنفير الناس عنه,وتحذيرهم منه.كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم.فأما إن دعاهم إلى ذلك,وقدح فيما هم عليه:فهنالك تقوم قيامتهم.ويبغون له الغوائل.وينصبون له الحبائل.ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله.
    فهو غريب في دينه لفساد أديانهم,غريب في تمسكه بالسنة,لتمسكهم بالبدع.غريب في اعتقاده,لفساد عقائدهم.غريب في صلاته,لسوء صلاتهم.غريب في طريقه,لضلال وفساد طرقهم.غريب في نسبته,لمخالفة نسبهم.غريب في معاشرته لهم.لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
    وبالجملة:فهو غريب في أمور دنياه وآخرته.لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا.فهو عالم بين جهال.صاحب سنة بين أهل بدع.داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع.آمر بالمعروف,ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف.انتهى.

    تعليق

    يعمل...
    X