سلسلة المصطلحات الشرعية في الجهاد و التكتيكات القتالية
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه
أما بعد:
فهذا بحث مختصر أجمع فيه ما استطعت من ما ورد من الألفاظ الشرعية المتعلقة بالقتال الفعلي والجهاد العملي من مسميات وتخطيطات وترتيبات ونحو ذلك أسأل الله فيه الإعانة والقبول.
وقد جعلته على سلاسل وأودعته بعض الفوائد وكل ذلك باختصار غير مخل والله الموفق.
أولا: (الرَّاية)
وهي عَلَمٌ و أمارة لقيادة المجاهدين سواء كانت القيادة العامة لجميع الجيش أوقيادة خاصة لبعض كتائبه وقد يكون بها كتابة كاسم القائد او كنيته او اسم الجيش او غير ذلك وقد لايكون ولابد أن يكون بها ما يميزها عن غيرها.
أدلة (الراية):
حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال يومَ خيبرَ : (لأعطين هذه الرايةَ غدَا رجلاً يفتحُ اللهُ على يديه، يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه)
وحديث أنس رضي الله عنه في يوم مؤتة مرفوعا وفيه: (أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَفأصيبَ. وعيناه تذرِفان: حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم) وغير ذلك .
الفائدة من (الرَّاية):
فائدتها هو معرفة جهة القيادة عند الهجوم وعند التحيز فلا يتُأخَر عنها ولايتُقدم عليها الابإذنها ومنها يُبتداء و يُعاد رصُّ الصفوف ومنها استقاء أوامر القتال كالكرِّ والفرِّ ونحو ذلك.
وهي قلب الجيش فعليها تبنى بقية الأركان كالميمنة والميسرة والمقدمة و المؤخرة بحسب المصلحة ولايشترط أن تكون في القلب ومتى ما أسقطها العدو صار المقاتلون كالعميان إلا أن ذلك يتدارك بمسألة نقل الراية وتكتيك الاستبدال بغيرها من حينها كما حصل في مؤتة و سيأتي بيان ذلك في الخطط النبويَّة القتالية.
فوائد في (الرَّاية):
1- أصح ما جاء في وصف راية النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء رضي الله عنه (أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة) رواه الترمذي ونقل تحسين البخاري له وقال الألباني: حسن دون قوله مربعة.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما (كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض ) أخرجه الترمذي وابن ماجه، وأخرج الحديث أبو داود والنسائي وقال الالباني حسن قلت ويشهد له حديث البراء رضي الله عنه السابق وهو أقوى وأجود.
2- لا يثبت أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوب عليها لا إله إلا الله قال الحافظ رحمه الله في الفتح : (ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما " كان مكتوبا على رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وسنده واه) انتهى
فقوله: واه أي: ساقط أو ضعيف جدا كما هو معروف من كلامهم وقد أنكره الحفاظ.
3- اختلفوا في الرَّاية واللِّواء هل هما بمعنى واحد أم لا ؟
فقال الحافظ رحمه الله في الفتح تحت حديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما سيد الخزرج وابن سيدهم صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم: اللواء بكسر اللام والمد هي الراية ، ويسمى أيضا العلم ، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه .
وقال أبو بكر بن العربي رحمه الله : اللواء غير الرَّاية ، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه ، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح .
وقيل اللواء دون الراية ، وقيل اللواء العلم الضخم . والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار ، والراية يتولاها صاحب الحرب ... الى آخر كلامه، ثم قال في الحديث الذي يليه وهو حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في قصة علي رضي الله عنه يوم خيبر: قوله "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله " فإنه مشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد ، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدةرضي الله عنه بلفظ " إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله " الحديث ، وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء. انتهى كلام الحافظ.
أقول: والصحيح أنهما مترادفان في أكثر المواضع التي وردت شرعا ولغة وقد يختلفان في بعضها وذلك في الشكل أو في المقصد باختلاف لا يُضِرُّ بالمعنى الأصلي والذي هو العلم والتمييز.
فالراية في بعض كلامهم تختلف عن شكل اللواء فكما قال ابن العربي رحمه الله وغيره أن الراية تعقد في أصل الرمح ثم ترسل فتصفقها الرياح أي أنها ترفرف للناظرين وأما اللواء فإنه يُعقَد عقدا شديدا ويُلوى بكامله وكلاهما علامة والذي يظهر من حاصل كلامهم أن الراية تارة تكون أكبر وتارة اللواء أكبر منها وتارة الراية تكون للقيادة العامة وتارة العكس والله أعلم.
4- جاءت الراية في الشريعة بمعنى الغاية والمقصد الذي يقاتل تحته الناس مثلحديث
جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.
أخرجه مسلم وجاء نحوه عن أبي هريرة في مسلم كذلك بأطول من هذا.
والراية العمية قال فيها شيخ الاسلام رحمه الله في الاقتضاء: الذي يقاتل تعصبا لقومه، أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمية لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدرى وجهه. انتهى
وهذا المعنى لايخالف المعنى الأصلي فهو يدخل فيه دخولا ضمنيا لأن المقصد من القتال وهي الغاية التي يقاتل من أجلها يعتبر تمييزا لها عن غيرها من الغايات والمقاصد وقد ثبت ذلك جليا في الحديث المشهور الذي أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى وفيه : (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، ما القتالُ في سبيلِ اللهِ ؟ فإنَّ أحدَنا يقاتِلُ غضبًا، ويقاتِلُ حَمِيَّةً، فرفَع إليه رأسَه، قال: وما رفَع إليه رأسَه إلا أنه كان قائمًا، فقال: مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيلِ اللهِ عز وجل).
أقول: ومن هنا يعلم المقصود من مقالة من قال من الفضلاء: راية الجهاد لا اله الا الله. أي: المقصد من الجهاد وغايته هو لتكون كلمة لا اله الا الله هي العليا وليس أنها تكتب على الأعلام لاسيما وأن الحديث ضعيف كما تقدم.
5- جاءت الراية في الشريعة بمعان أخرى وليست هي من صميم البحث مثل حمل الراية لتنفيذ أمر ما بإيعاز من ولي الأمر فهي هنا بمعنى توكيل لحامل الرَّاية من ولي الأمر لفعل أمر ما بإذنه وقد ثبتت هذه في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما حيث قال ( لقيتُ خالي ومعه الرَّايةُ، فقلتُ: أين تريدُ: قال أرسلني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رجلٍ تزوَّج امرأةَ أبيه من بعدِه أن أضرِبَ عنقَه أو أقتلُه) أخرجه النسائي وغيره وصححه الألباني.
وقد يقول قائل: بل هو باق على الأصل وذلك أنه تمييز له عن غيره من أهل الوكالة والأمر واسع.
والله أعلم
تعليق