هل يصح إطلاق وصف طاغوت على الفاسق هل كل طاغوت كافر؟
].1وصف الشيء بأنه طاغوت لا يلزم منه تكفير الموصوف .
2. وعليه : فلا يُستعجل في تكفير من وصف بالطاغوتية .
وبيان هذا الأصل من خمس جهات :
الأولى :
أن الطاغوت يطلق على : ( كل رأس في الضلالة ) , وذلك أنه مشتق من الطغيان الذي هو : مجاوزة الحدّ .
البرهان على أن الطاغوت يُطلق على كل رأس في الضلالة
قال العلامة القرطبي – رحمه الله – تحت قوله تعالى :
" ولقد بعثنا في كل أمة روسلاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " :
" أي : اتركوا كل معبود دون الله ؛ كالشيطان , والكاهن , والصنم , وكل من دعا إلى الضلال .. ( تفسيره 5/75 ) .
وقال الفيروز آبادي – رحمه الله – :
" والطاغوت : اللات , والعزى , والكاهن , والشيطان , وكل رأس ضلال , والأصنام ، وما عبد من دون الله , ومردة أهل الكتاب " ..
( القاموس المحيط ، مادة : طغا ) .
فإذا كان كذلك فمما لا نزاع فيه أن الطغيان ليس كله مُكفِّراً ، فقد يكون مكفراً ، وقد لا يصل لحدّ الكفر .
الثانية :
أن مِنْ أهل العلم مَنْ يُعلّق وصف الشيء بأنه طاغوت بمجرد أن يُتَجاوَز به الحدّ , بدون النظر لذات الموصوف .
البرهان على جواز إطلاق وصف الطاغوت من دون النظر للموصوف نفسه
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – :
" والطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود , أو متبوع , أو مطاع " ..
( أعلام الموقعين 1/50 ) .
وقال الإمام ابن عثيمين تعليقاً على كلام العلامة ابن القيم – رحمهما الله – :
" ومراده : من كان راضياً . أو يقال : هو طاغوت باعتبار عابده , وتابعه , ومطيعه ؛ لأنه تجاوز به حده حيث نـزله فوق منـزلته التي جعلها الله له , فتكون عبادته لهذا المعبود , واتباعه لمتبوعه , وطاعته لمطاعه : طغياناً ؛ لمجاوزته الحد بذلك " .
. ( القول المفيد 1/30 ) .
فيكون من السائغ إطلاق هذا الوصف باعتبار المُتّخِذ لا بالنظر للمُتّخَذ ، وعليه : فلا يلزم من الوصف بالطاغوتية الحكمُ على الموصوف .
الثالثة :
أن أهل العلم يصفون الجمادات المعبودة من دون الله بأنها طواغيت , ومن المعلوم بداهة أن الجمادات لا توصف بالإسلام الذي هو نقيض الكفر .
البرهان على إطلاق الطاغوتية على الجمادات
قال العلامة ابن الجوزي – رحمه الله – :
" وقال ابن قتيبة : كل معبود ؛ من حجر , أو صورة , أو شيطان : فهو جبت وطاغوت . وكذلك حكى الزجاج عن أهل اللغة " ..
( نـزهة الأعين النواظر ص 410 ، باب الطاغوت ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
" وهو اسم جنس يدخل فيه : الشيطان , والوثن ، والكهان , والدرهم , والدينار , وغير ذلك " .. ( الفتاوى 16/565 ) .
فلا يتلازم الوصف بالطاغوتية مع الذم .
الرابعة :
أن من أهل العلم من أطلق وصف الطاغوت على بعض أهل الذنوب .
البرهان على إطلاق وصف الطاغوتية على بعض أهل الذنوب غير المكفرة
قال الراغب الأصفهاني – رحمه الله – :
" الطاغوت عبارة عن : كل متعدٍّ , وكل معبود من دون الله ... ولما تقدم : سُمّي الساحر , والكاهن ,
والمارد من الجن , والصارف عن طريق الخير : طاغوتاً " .. ( المفردات ص 108 ، مادة : طغى ) .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – :
" والطواغيت كثيرة , والمُتبيِّـن لنا منهم خمسة : أولهم الشيطان , وحاكم الجور , وآكل الرشوة , ومن عُبدَ فرضِيَ , والعامل بغير علم " ..
( الدرر السنية 1/137 ) .
وقال الإمام ابن عثيمين – رحمه الله – :
" وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر , أو يدعون إلى البدع , أو إلى تحليل ما حرم الله , أو تحريم ما أحل الله : طواغيت " ..
( شرح الأصول الثلاثة ص 151 ) .
فلو كان هذا الوصف مكفراً لما ساغ لهم هذا الإطلاق , أو للزم منه تكفيرهم إياهم بتلك الذنوب ، والقول برأي الخوارج في أصحاب الذنوب .
الخامسة :
تصريح الإمام ابن باز - رحمه الله - بأن الطاغوت قد لا يكون كافراً .
البرهان على ذلك من كلامه - رحمه الله -
قال الإمام ابن باز – رحمه الله – :
" فحدُّك أن تكون عبداً مطيعاً لله ، فإذا جاوزتَ ذلك : فقد تعدَّيتَ وكنتَ طاغوتاً بهذا الشيء الذي فعلته .. فقد يكون كافراً ، وقد يكون دون ذلك " .
. ( شرح ثلاثة الأصول ، الشريط رقم 2 ، الوجه الثاني ، إصدار تسجيلات " البردين " بالرياض ) .
يتلخَّص مما سبق ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
أننا إذا وجدنا في القرآن وصفاً لشئ ما ؛ بأنه طاغوت ؛ فإنه لا يلزم من هذا الوصف أن يكون كافراً ..
بل لا بدَّ من النظر للأدلة الشرعية الأخرى التي حكمتْ عليه لنحكم عليه بالكفر أو عدمه .
الأمر الثاني :
أن وصف الطاغوت له حالتان :
1. أن يكون اسم فاعل :
بحيث يطلق على من وقع منه الطغيان ؛ بأن تجاوزَ – هو – حدَّهُ .
وهذا طاغوت بالنظر لفعله .
وهذا الطاغوت قد يكون كافراً , وقد لا يكون كذلك ؛ بحسب نوع الطغيان الذي وقع منه .
2. أن يكون اسم مفعول :
بحيث يطلق على من طُغِيَ فيه ؛ بأن تجاوزَ به الناسُ الحدَّ .
وهذا طاغوت بالنظر لمُتَّخِـذِيْه .
وهذا الطغيان : قد يكون كفراً ، وقد لا يكون كذلك .
ثم إن هذا المُتَّخَذَ : لا يَلْحَقُهُ الذمُّ إلا إذا رَضِيَ .
الأمر الثالث :
أنه لا بدّ – قبل تكفير الموصوف بأنه طاغوت – من النظر في مسألتين :
1. هل وصل به الحد في الطغيان للكفر ؟ أم لا ؟ .. وهذا يستلزم التفصيل في طغيانه .
2. هل سُمّي طاغوتاً لتجاوزه الحدّ ؟ أو لتجاوز الناس به الحدّ ؟
وهنا يُنظر :
هل رضِيَ ؟ أم لا ؟ .. وهذا يستلزم التفصيل في حاله .
771525244
تعليق