هل يشترط إذن ولي الأمر في جهاد الدفع ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ للهنحمدُه ونستعينُه، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه،،
أما بعد:
هل يشترط إذن ولي الأمر في جهاد الدفع ؟بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ للهنحمدُه ونستعينُه، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه،،
أما بعد:
الجواب أن أصل الاختلاف بين المتكلمين في المسألة ناتج عن الخلط في مسمى الدفع والطلب الحاصل وهو أنه قد استقر عندنا معاشر المسلمين أن اختلاف الشرائع في شرعتنا لازم لاختلاف المقاصد بمعنى أن اختلاف المقاصد والمصالح التي ينبني عليها معاش العباد الدنيوي والأخروي نتج عنه اختلاف الشرائع وهذا أمر معروف فلله الحجة البالغة وهو أظهر الأدلة على كمال التشريع ، وإذا كان الأمر كذلك علمنا أن المقاصد والنتائج من جهادالطلب تختلف تماما عن مقاصد ونتائج جهاد الدفع فإن الأول مقصده نشر الدعوة وتوسيع الرقعة وإثخان العدو و تيسير معاش المسلمين والتضييق على القوم الكافرين إلى غير ذلك مما هو معلوم, وأما عن الدفع فالمراد منه حفظ نفوس وأموال المسلمين وسلامة ديارهم والتخفيف من آلامهم والحيلولة دون مهانهم ورفع الذل من أوساطهم في كل ذلك ما استطعنا إليه سبيلا .
فلما كان كذلك أيقنا اختلاف حكم الشارع لاختلاف المقاصد فكما ترى أن الأول إنما شرع للمنافع الخالصة في الجملة وأما الثاني إنما شرع للمفاسد الحاصلة في الجملة - وقولنا في الجملة لإخراج المفاسد للطلب أو المصالح للدفع لعدم اعتبارها في الحكم المقصود لرجحانها – فلما كان كذلك اختلف حكم الشارع في حكم الجهادين المتقدمين فكان جهاد الدفع أوجب وألزم و أرفع وأكثر أجرا من جهاد الطلب لأن دفع المفاسد أولى وأوجب من جلب المنافع كما هو معلوم ولهذا قال شيخ الاسلام رحمه الله: وأما قتال الدفع وهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " مجموع الفتاوى 4/508
فإذا كان كذلك علمنا أن مدار حكم جهاد الدفع يختلف تماما عن جهاد الطلب فلما أن كان مدار جهاد الطلب قائما على جلب المصلحة والمنفعة العامة كان لزاما أن يرجع اعتبارها إلى أولياء العامة وذلك لأن أولياء الأمر أعلم الناس بتقدير تلك المصالح لما حباهم الله عزوجل من معرفة مالا يعرفه عامة الناس في ذلك المقام وغيره وهذا معروف .
وأما جهاد الدفع فإن مداره يرجع إلى الدفع عن حرمات السلمين والذود عن أرضهم وديارهم وحفظ الأنفس والأموال و غيرها من الضروريات المعلومة واعتبار ما سبق لايحتاج الى تقدير أواعتبار من ولي الأمر ولا من غيره لاسيما وقد اعتبرها الشرع مسبقا فإن أحكام الشريعة مدارها على حفظ الضروريات واعتبارها في كل المواطن كما هو معلوم بل هو اللازم شرعا وعقلا وذلك أن اعتبار إذن ولي الأمر في ما سبق لايزيد على أن يكون لغوا من القول وحشوا فإن الله أمرنا بحفظ أنفسنا من التهلكة فما حيلة ولي الأمر والذي هو عبد من عباد الله إلا الإئتمار بالأمر المذكور فصار اعتبار إذنه كاعتبار أمر قد علم جوابه مسبقا وهذا لغو تتنزه عنه الشريعة ، إلا أن يكون عاص راض بإراقة دم النفس التي حرم الله بل واستبحاتها من أعداء الله فإذا كان ذلك صار اعتبار إذنة معصية ولا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف كما جاء عن ابن عمر بسند صحيح عند أبي داود (على المرءِ المسلمِ السمعُ والطاعةُ في عسرِه ويسرِه ومنشطِه ومكرهِه ما لم يؤمرْ بمعصيةِ اللهِ ، فإذا أمر بمعصيةِ اللهِ فلا سمع ولا طاعةَ) وهذا هو أقل أحواله في الحكم عليه أي أنه آمر بمعصية ، ولهذا تقدم معنا كلام ابن تيمية في قوله: (فلا يشترط له شرط ) ولهذا لزم غير البالغين بل والنساء والعجزة كل بما يستطيع والفروق بين النوعين فروق جوهرية معتبرة واللبس فيها من أقبح اللبس لأنه خلط في المقاصد والذي ينتج عنه التناقض وهو من أعظم ما ينزَّه عنه التشريع .
فائدة:
وتفريق الدفع إلى دفع عام ودفع خاص لا يوجد عليه دليل الا التجربة . وهو عبارة عن اجتهاد من بعض العلماء أرادوا به دفع مفاسد المتلاعبين وأضف إليه التنظيم في جهاد العدو ويغني عن التقسيم المذكور معرفة أن كيفية دفع العدو ترجع الى أصحاب الشأن خاصة أهل الرأي و الرشد منهم لأن خطاب الشارع موجه إليهم لا إلى غيرهم وذلك في اعتبار جلب المصالح ودفع المفاسد .
والله أعلم
تعليق