لقد أطلعني بعض الفضلاء على كلام للإمام ابن القيم في بعض كتبه يميل إلى نفي كون علو ماء أحد الجنسين سبب للإذكار والايناث بإذن الله أو يرجح النفي بثلاث حجج ذكرها .
فتتبعت بعض كتبه فوجدته ذكر الحجج الثلاث ثم أجاب عناه في كتابه تحفة المودود (ص: 278):
فقال رحمه الله:
الأمر الثاني إن سبق أحد المائين سبب لشبه السابق ماؤه وعلو أحدهما سبب لمجانسة الولد للعالي ماؤه فها هنا أمران سبق وعلو وقد يتفقان وقد يفترقان فإن سبق ماء الرجل ماء المرأة وعلاه كان الولد ذكرا والشبه للرجل وإن سبق ماء المرأة وعلا ماء الرجل كانت أنثى والشبه للأم وإن سبق أحدهما وعلا الآخر كان الشبه للسابق ماؤه والإذكار والإيناث لمن علا ماؤه .
ويشكل على هذا أمران أحدهما أن الإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي وإنما هو مستند إلى مشيئة الخالق سبحانه ولهذا قال في الحديث الصحيح فيقول الملك يا رب أذكر أم أنثى فما الرزق فما الأجل شقي أم سعيد فيقضي الله ما يشاء ويكتب الملك فكون الولد ذكر أو أنثى مستند إلى تقدير الخلاق العليم كالشقاوة والسعادة والرزق والأجل وأما حديث ثوبان فانفرد به مسلم وحده والذي في صحيح البخاري إنما هو الشبه وسببه علو ماء أحدهما أو سبقه ولهذا قال فمن أيهما علاأو سبق يكون الشبه له.
الأمر الثاني أن القافة مبناها على شبه الواطئ لا على شبه الأم ولهذا قال النبي في ولد الملاعنة انظروها فإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك بن السمحاء يعني الذي رميت به وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو لهلال بن أمية فاعتبر شبه الواطئ ولم يعتبر شبه الأم.
ويجاب عن هذين الإشكالين:
أما الأول فإن الله سبحانه قدر ما قدره من أمر النطفة من حين وضعها في الرحم إلى آخر أحوالها بأسباب قدرها حتى الشقاوة والسعادة.
والرزق والأجل والمصيبة كل ذلك بأسباب قدرها ولا ينكر أن يكون للإذكار والإيناث أسباب كما للشبه أسباب لكون السبب غير موجب لمسببه بل إذا شاء الله جعل فيه اقتضاءه وإذا شاء سلبه اقتضاءه وإذا شاء رتب عليه ضد ما هو سبب له وهو سبحانه يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة فالموجب مشيئة الله وحده فالسبب متصرف فيه لا متصرف محكوم عليه لا حاكم مدبر ولا مدبر فلا تضاد بين قيام سبب الإذكار والإيناث وسؤال الملك ربه تعالى أي الأمرين يحدثه في الجنين ولهذا أخبر سبحانه أن الإذكار والإيناث وجمعهما هبة محضه منه سبحانه راجع إلى مشيئه وعلمه وقدرته.
فإن قيل فقول الملك يا رب أذكر أم أنثى مثل قوله ما الرزق وما الأجل وهذا لا يستند إلى سبب من الواطئ وإن كان يحصل بأسباب غير ذلك قيل نعم لا يستند الإذكار والإيناث إلى سبب موجب من الوطء وغاية ما هناك أن ينعقد جزء من أجزاء السبب تمام السبب من أمور خارجة عن الزوجين ويكفي في ذلك أنه إن لم يأذن الله باقتضاء السبب لمسببه لم يترتب عليه فاستناد الإذكار والإيناث إلى مشيئته سبحانه لا ينافي حصول السبب وكونهما بسبب لا ينافي استنادهما إلى المشيئة ولا يوجب الاكتفاء بالسبب وحده.
وأما تفرد مسلم بحديث ثوبان فهو كذلك والحديث صحيح لا مطعن فيه ولكن في القلب من ذكر الإيناث والإذكار فيه شيء هل حفظت هذه اللفظة أو هي غير محفوظة والمذكور إنما هو الشبه كما ذكر في سائر الأحاديث المتفق على صحتها فهذا موضع نظر كما ترى والله أعلم .
وأما الأمر الثالث وهو اعتبار القائف لشبه الأب دون الأم فذلك لأن كون الولد من الأم أمر محقق لا يعرض فيه اشتباه سواء أشبهها أو لم يشبهها وإنما يحتاج إلى القافة في دعوى الآباء ولهذا يلحق بأبوين عند أصحاب رسول الله وأكثر فقهاء الحديث ولا يلحق بأمين فإذا ادعاه أبوان أري القافة فألحق بمن كان الشبه له إذا لم يكن ثم فراش فإن كان هناك فراش لم يلتفت إلى مخالفة الشبه له فالشبه دليل عند عدم معارضة ما هو أقوى منه من الفراش والبينة نعم لو ادعاه امرأتان أري القافة فألحق بمن كان أشبه بها منهما فعملنا بالشبه في الموضعين
ونص الأمام أحمد على اعتبار القافة في حق المرأتين فسئل عن يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل له يكون في هذه القافة قال ما أحسنه وهذا أصح الوجهين للشافعية....اهـ
وياليت من يفدنا في الحديث هل أعلَّ وتم فيه الانتقاد.