الحمد لله وكفى،و صلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وأله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: " وما خلقت الجن والإنسن إلا ليعبدون " [ الذاريات الآية:56 ].
قال الإمام النووى ـ رحمه الله ـ في هذه الآية الكريمة وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ومركب عبور لا منزل حبور ومشروع انفصام لا موطن دوام فلهذا كان الإيقاظ من أهلها هم العباد و أعقل الناس فيها هم الزهاد قال تعالى : " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "[ يونس الآية: 24 ]
مقدمة رياض الصالحين ص ( 17 ـ 18)
عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب بمصر فقال : ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم أما هو فكان أزهد الناس وأما أنتم فأرغب الناس فيها.
الصحيح المسند للشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ ( 1011 )
.
زهد النبي صلى الله عليه وسلم وإعراضه عن الدنيا
قال تعالى :" وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ " [ سورة طه ـ الآية: 131 ].وقال تعالى:"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [ سورة الكهف ـ الآية:28 ]
وقال تعالى :" فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا () ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى() "[ سورة النجم ـ الآية: 29 ـ 30 ]
وقال تعالى :" وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ()لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ () " [ سورة الحجر ت الآية: 87 ـ 88 ]
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فرأيته متغيرا قال: قلت بأبي أنت وأمي ما لي أراك متغيرا قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو تمرة فجمعت تمرا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من أين لك يا كعب؟ " فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتحبني يا كعب؟ " قلت: بأبي أنت نعم قال: " إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه وإنه سيصيبك بلاء فأعد له تجفا فا" قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما فعل كعب؟ " قالوا: مريض فخرج يمشي حتى دخل عليه فقال له: أبشر يا كعب فقالت أمه: هنيأ لك الجنة يا كعب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من هذه المتألية على الله؟ " قال: هي أمي يا رسول الله قال: " ما يدريك يا أم كعب لعل كعب قال ما لا ينفعه أو منع ما لا يغنيه "
الطبراني في الأوسط برقم ( 7157) وصحيح الترغيب والترهيب للألباني برقم ( 3271 )
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه أبط بلال "
الترميذي برقم ( 2472 ) وصححه الألباني
وفي صحيح البخاري() قال عمر رضي الله عنه: فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال : " ما يبكيك ؟ " . فقلت : يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " .
() البخاري برقم ( 4913 )
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا و أهله لا يجدون العشاء. وكان عامة خبزهم خبز الشعير.
الترمذي برقم ( 2360 ) وابن ماجه برقم ( 3347 ) وحسنه الألباني
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه فصلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال : " لا ينبغي هذا للمتقين "
البخاري برقم ( 375 ) ومسلم برقم ( 2075 )
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أنه قيل له : أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي يعني الحوارى؟ فقال سهل : ما أرىرسول الله صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله فقيل له : هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : ما كانت لنا مناخل قيل : فكيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قال : كنا ننفخه فيطير منه ما طار ثم نثريه فنجنه .
والحوارى : هو الدقيق النقي الذي نخل مرة بعد مرة .
البخاري برقم ( 5413 ) وصحيح الترمذي برقم ( 2374 ) وهذا اللفظ له.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله وإذا انسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة.
فوائد الفوائد ص ( 388 )
و قال بعض الحكماء:
كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته.
تعليق