مسائـلُ و فوائـدُ يحتاجـها المسـافرُ
لشيخ الإسلام و مجدده في اليمن
أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي
رحمه الله تعالى
لشيخ الإسلام و مجدده في اليمن
أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي
رحمه الله تعالى
هذه الفوائد استللتها من رسالة الشيخ مقبل رحمه الله تعالـى: الجمع بين الصلاتين في السفر.
قال رحمه الله تعالى:
مسائـل و فوائـد يحتاجـها المسـافر
الأولى:
فالجواب:
أنه يتابع الإمام، لما رواه الإمام أحمد في "مسنده" بسند حسن عن موسى بن سلمة قال: كنّا مع ابن عبّاس بمكّة، فقلت: إنّا إذا كنّا معكم صلّينا أربعًا، وإذا رجعْنا إلى رحالنا صلّينا ركعتين، قال: تلك سنّة أبي القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأصل الحديث في "صحيح مسلم".
الثانية:
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (ج1 ص158):
فصل في صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السفر
وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين خرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة، وأما حديث عائشة: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر في السّفر ويتمّ، ويفطر ويصوم. فلا يصح. وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى.
وقد روي: (كان يقصر وتتمّ) الأول بالياء، والثاني بالتاء المثناة من فوق، وكذا (يفطر وتصوم)، أي: تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين، قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها: (أنّ الله فرض الصّلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر). فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي خلاف صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمين معه.
قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن عباس وغيره إنّها تأولت كما تأول عثمان، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر دائمًا، فركّب بعض الرواة من الحديثين حديثًا وقال: (فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقصر وتتمّ هي). فغلط بعض الرواة فقال: (كان يقصر ويتمّ)، أي: هو.
والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل: ظنّت أن القصر مشروط بالخوف في السفر، فإذا زال الخوف زال سبب القصر، وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سافر آمنًا وكان يقصر الصلاة. والآية قد أشكلت على عمر رضي الله عنه وعلى غيره، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأجابه بالشفاء، وأن هذا صدقة من الله وشرع للأمة، وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد، وأن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف، وغايته أنّه نوع تخصيص للمفهوم، أو رفع له، وقد يقال: إن الآية اقتضت قصرًا يتناول قصر الأركان بالتخفيف، وقصر العدد بنقصان ركعتين، وقيد ذلك بأمرين: الضرب بالأرض والخوف، فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورةً عددها وأركانها، وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده، فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفى العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، فإنْ وجد السفر والأمن، قصر العدد واستوفى الأركان، وسميت صلاة أمن، وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورةً باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامةً باعتبار إتمام أركانها، وأنّها لم تدخل في قصر الآية، والأول: اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين، والثاني: يدلّ عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما. قالت عائشة: فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر، وأقرّتْ صلاة السفر.
فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع، وإنما هي مفروضة كذلك، وأنّ فرض المسافر ركعتان.
وقال ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة. متفق على حديث عائشة، وانفرد مسلم بحديث ابن عباس.
وقال عمر رضي الله عنه: صلاة السفر ركعتان، والجمعة ركعتان، والعيد ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد خاب من افترى. وهذا ثابت عن عمر رضى الله عنه[1] وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بالنا نقصر وقد أمنّا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)).
ولا تناقض بين حديثيه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح. علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس فقال: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر.
وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفيّ عنه الجناح، فإن شاء المصلي فعله، وإن شاء أتم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين، ولم يربّعْ قط إلا شيئًا فعله في بعض صلاة الخوف كما سنذكره هناك ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى.
وقال أنس: خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة إلى مكّة، فكان يصلّي ركعتين ركعتين، حتّى رجعنا إلى المدينة. متفق عليه.
ولما بلغ عبدالله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنىً أربع ركعات قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمنًى ركعتين، ومع أبي بكر بمنًى ركعتين، ومع عمر بن الخطّاب ركعتين، فليْت حظّي منْ أرْبع ركْعات ركعتان متقبّلتان. متفق عليه.
ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما، بل الأولى على قول، وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر.
الفائدة الثالثة:
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"
(ج1 ص161): وكان من هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن ليدعها حضرًا ولا سفرًا. قال ابن عمر: وقد سئل عن ذلك فقال: صحبت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم أره يسبح في السفر، وقال الله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسْوة حسنة[2]} ومراده بالتسبيح السنة الراتبة. وإلا فقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه.
وفي "الصحيحين" عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي في السّفر على راحلته حيث توجّهت به، يومئ إيماءً صلاة اللّيل إلاّ الفرائض، ويوتر على راحلته.
قال الشافعي رحمه الله: وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتنفّل ليلاً وهو يقصر. وفي "الصحيحين" عن عامر بن ربيعة: أنّه رأى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي السّبْحة باللّيل في السّفر على ظهْر راحلته. فهذا قيام الليل.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن التطوع في السفر؟ فقال: أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس.
وروي عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها. وروي هذا عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وأنس، وابن عباس، وأبي ذر.
وأما ابن عمر فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها، إلاّ من جوف الليل مع الوتر. وهذا هو الظاهر من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئًا، ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها، فهو كالتطوع المطلق لا أنه سنة راتبة للصلاة، كسنة صلاة الإقامة. ويؤيد هذا أن الرباعية قد خففت إلى ركعتين تخفيفًا على المسافر فكيف يجعللها سنة راتبة يحافظ عليها، وقد خفف الفرض إلى ركعتين، فلولا قصد التخفيف على المسافر، وإلا كان الإتمام أولى به. ولهذا قال عبدالله بن عمر: لو كنْت مسبحًا لأتممت. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى يوم الفتح ثماني ركعات ضحًى وهو إذ ذاك مسافر.
وأما مارواه أبوداود في "السنن" من حديث الليث، عن صفوان بن سليم، عن أبي بسرة الغفاري، عن البراء بن عازب قال: سافرت مع
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمانية عشر سفرًا، فلم أره ترك ركعتين عند زيغ الشّمس قبل الظّهر.
قال الترمذي: هذا حديث غريب. قال: وسألت محمدًا عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد، ولم يعرف اسم أبي بسْرة، ورآه حسنًا. وبسرة: بالباء الموحدة المضمومة وسكون السين المهملة.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها. فرواه البخاري في "صحيحه"، ولكنه ليس بصريح لفعله ذلك في السفر، ولعلها أخبرتْ عن أكثر أحواله وهو الإقامة، والرجال أعلم بسفره من النساء، وقد أخبر ابن عمر أنه لم يزد على ركعتين، ولم يكن ابن عمر يصلي قبلها ولا بعدها شيئًا. والله أعلم.
الفائدة الرابعة:
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (ج1 ص162):
فصل في صلاة التطوع على الراحلة،
وكان من هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة التطوع على راحلته حيث توجهت به، وكان يومئ إيماءً برأسه في ركوعه، وسجوده أخفض من ركوعه. وروى أحمد وأبوداود عنه من حديث أنس أنه كان يستقبل بناقته القبلة عند تكبيرة الإفتتاح، ثم يصلي سائر الصلاة حيث توجهت به. وفي هذا الحديث نظر، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم على راحلته أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام ولا غيرها، كعامر بن ربيعة، وعبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله، وأحاديثهم أصح من حديث أنس هذا، والله أعلم.
وصلى على الراحلة وعلى الحمار إن صح عنه. وقد رواه مسلم في "صحيحه[3]" من حديث ابن عمر، وصلى الفرض بهم على الرواحل لأجل المطر والطين إن صح الخبر بذلك. وقد رواه أحمد والترمذي والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماءً، فجعل السجود أخفض من الركوع. قال الترمذي: حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح، وثبت ذلك عن أنس من فعله.
الفائدة الخامسة:
المسافر المستمر في السفر كالسائق، حكمه حكم المسافر غير المستمر، لعموم الأدلة، فيجب عليه أن يقصر، وله أن يفطر في رمضان كما يقول الله سبحانه وتعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر[4]}.
---------
[1]بل قال الدارقطنى في العلل" وقد سئل عنه فقال: يرويه زبيد بن الحارث الأيامي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه فرواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر. وخالفه سفيان الثوري، وقد اختلف= = عنه، فقال معاذ بن معاذ عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن عمر. وخالفهما أصحاب الثوري فرواه زايدة، وأبونعيم، ووكيع، وعبدالرحمن بن مهدي، وعبدالله ابن الوليد العدني، ومهران بن أبي عمر، وأبوحمزة السكري، وغيرهم عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر لم يذكروا بينهما أحدًا وقال يزيد بن هارون: عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى سمعت عمر ولم يتابع يزيد بن هارون على قوله هذا ورواه شعبة، وعمرو بن قيس الملائي، وشريك بن عبدالله، ومحمد بن طلحة، وقيس بن الربيع، وأبووكيع بن مليح، وعلي بن صالح بن حيي، وسعيد بن سماك بن حرب، وعبدالله بن ميمون الطهوي، وياسين الزيات، عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر. وقال يزيد بن أبي حكيم عن ياسين الزيات عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عمر، والمحفوظ عن ياسين عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
قال أبوعبدالرحمن: فعلى هذا يكون الحديث ضعيفًا لأنه منقطع.
[2]سورة الأحزاب، الآية: 21.
[3]الحديث معل: قال الدارقطني في التتبع" ص (443) وأخرج مسلم حديث عمرو بن يحيى عن أبي الحباب عن ابن عمر: صلى على حماره. وخالفه أبوبكر ابن عمر عن أبي الحباب فقال: على البعير. وكذلك قال جابر وغيره عن النبيصلى الله عليه و سلم وأخرجهما مسلم. ولم يخرج البخاري حديث عمرو بن يحيى وأخرج الآخر، ومن روى أن النبي s صلى على حماره فهو وهم. والصواب من فعل أنسٍ. والله أعلم.
[4]سورة البقرة، الآية: 184.
تعليق