إذا ذكر الدعاة المصلحون والأئمة المجددون كان في مقدمتهم الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رائد الإصلاح في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري فقد قام بعمل أقرب للخيال منه للواقع، إنه رجل واحد، نشأ في صحراء الجزيرة العربية وهي ترسف في أغلال الجهل والفقر والخوف والتخلف والوثنية _ إلا من رحم الله _ فجابه الناس علماءهم وأمراءهم وعوامهم في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم وتعرض للأهوال التي تضعف دونها الجبال الراسيات من طرد وتشريد وتهديد بالقتل وخذلان الأقرباء، وتهم مغرضة، وإشاعات كاذبة غاشمة، ثم لم يمت حتى ترك الجزيرة العربية وهي ترفل في لباس الأمن والعز والغنى والأخلاق والقيم قد اجتمعت كلمة أهلها تحت راية التوحيد حيث لا يعبد إلا الله ولا يعبد إلا بما شرع، حصل ذلك الإنجاز العظيم بفضل الله ثم بفضل دعوته وجهاده وجهاد أنصاره، ووفاء لبعض حقوق هذه الإمام إليك أخي القارئ هذه الكلمات الموجزة في سيرته وبعض معالم دعوته وثمارها مساهمة متواضعة في تعريف الأجيال بواحد من أكبر رجالات هذه الأمة .
التعريف بالإمام
اسمه ونسبه :
هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي .
مولده :
ولد سنة 1115هـ في بلدة العيينة.
نشأته وطلبه للعلم:
نشأ في أسرة علم فأبوه وجده وأعمامه كانوا أهل علم وقضاء ورئاسة دينية، فدرس على يد والده ثم رحل صغيراً إلى مكة والمدينة، ثم إلى البصرة فالأحساء، ودرس من العلوم التفسير والحديث والفقه والنحو واللغة وغيرها، وعني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله .
شيوخه:
درس على ثلة من أهل العلم منهم : والده، والشيخ المحدث محمد حياة السندي، والشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف نزيل المدينة، والشيخ محمد المجموعي البصري وغيرهم.
مؤلفاته:
ألف كثيراً من الكتب المهمة، والرسائل النافعة ومنها : كتاب التوحيد الذي أفرده في توحيد العبادة، ولم يؤلف مثله قبله، ومختصر الشرح الكبير والإنصاف، وفضل الإسلام، والأصول الثلاثة وكشف الشبهات، وأحاديث الفتن، وغيرها، وقد صدرت المجموعة الكاملة لمؤلفاته في ستة مجلدات.
تلاميذه:
اشتغل بالتدريس فكثر طلابه وتخرج به علماء أجلاء منهم أبناؤه عبد الله، وحسين، وإبراهيم، والعلامة حمد بن ناصر بن معمر، والإمام عبد العزيز بن سعود، وابنه الإمام سعود بن عبد العزيز و غيرهم كثير تغمدهم الله برحمته ورضوانه.
من صفاته ومزاياه:
كان رحمه الله عالما مصلحاً زعيماً، فصيح اللسان قوي الحجة مقتدراً على إبراز الأدلة بأبلغ عبارة وأوضحها، تلوح على محياه علامات الصلاح وحسن السيرة وصفاء السريرة، كثير البر والإحسان، كثير الاشتغال بالذكر والعبادة قلما يفتر لسانه من ذكر الله، مشتغلاً بالنصح والدعوة والإرشاد، والتعليم. كانت عليه أُبَّهة العظمة، تنظره الناس بعين الإجلال والتعظيم مع كونه جمّ التواضع عظيم اللين..
وفاته:
بعد حياة حافلة بالدعوة والتعليم والتأليف، والإصلاح والجهاد بالسيف والقلم أفضت روحه إلى بارئها سنة 1206هـ في مدينة الدرعية عن عمر ناهز الثانية والتسعين،رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى وجزاه عن الإسلام والسنة وأهلها خير ما جزى العلماء والمصلحين إنه سميع قريب.
1ـ دعوته الإصلاحية:
أ- لمحة عن حالة نجد العقدية قبل دعوة الشيخ:
"كان أهل نجد على حالة لا يرضاها مؤمن، كان الشرك الأكبر قد انتشر في نجد حتى عبدت القباب والأشجار، والأحجار، وعبدت الغيران، كقبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ، وقبور تنسب لبعض الصحابة في الدرعية، كما كان فيها غار يقصده الناس ويعتقدون فيه، وفحل النخل في منفوحة تأتي إليه العانس فتقول : "يا فحل الفحول أريد زوج قبل الحول" ، وفي شعب غبيرا قبر ينسب لضرار بن الأزور يقصدونه من دون الله. وعبد من يدعى الولاية وهو من المعتوهين أو المجانين، واشتهر في نجد السحرة والكهنة وسؤالهم وتصديقهم، وليس هناك منكر إلا من شاء الله وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها وقل القائم والناصر لدين الله .. واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم وذبح الذبائح لهم وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم وخوف شرهم"
[ابن باز ص 12-13] و (أحمد بن حجر ص 18-19)
ب- لمحة عن حالة نجد السياسية قبل دعوة الشيخ رحمه الله:
كانت نجد تعيش حالة سيئة متردية بسبب الفرقة والفوضى والتنازع بين أهلها إذ لا توجد دولة قوية تجتمع عليها الكلمة إنما وجدت بعض الإمارات في بعض مناطقها كأمراء بني خالد في الأحساء وآل معمر في العيينة، وما عدا ذلك فكان قانون السلب والنهب وانقضاض القوي على الضعيف بين القبائل والعشائر والبادية هو القانون الحاكم في الغالب.
ت- مسيرته الدعوية:
1ـ بدأ الشيخ رحمه الله دعوته إلى التوحيد في البصرة حين رحل إليها متعلماً، وقوبل بالرفض والأذى والطرد.
2ـ ثم أعلن الشيخ دعوته في حريملاء، لا سيما بعد وفاة والده، وحث الأمراء على قمع أهل الفساد، فكاد له بعض السفهاء المفسدين وتسوروا عليه البيت ليقتلوه ولكن الله نجاه منهم فخرج منها.
3ـ انتقل الشيخ إلى العيينة، وعرض حقيقة ما يدعو إليه على أميرها عثمان بن معمر، فأيده ومكّن له، وهدما قبة قبر زيد بن الخطاب، وأقام الحد الشرعي على امرأة زانية محصنة، لكن ابن معمر تخلّى عن نصرة الشيخ وأمره بالخروج من بلده نتيجة تهديدات أمراء بني خالد والتي ضعف ابن معمر عن الصمود أمام رياحها.
4ـ انتقل الشيخ إلى الدرعية واثقاً بنصر الله لدينه غير يائس ولا خوار، فشرح الله صدر أميرها محمد بن سعود بن مقرن لدعوة الشيخ محمد وتعاهدا وتعاقدا على نصرة دعوة التوحيد.
5ـ عند ذلك نشط الشيخ في الدعوة إلى الله، وكاتب العلماء والأمراء والزعماء في نجد والحجاز، واليمن وداخل الجزيرة وخارجها، يدعوهم إلى التوحيد، ويحذرهم من الشرك والبدع والخرافات، واضطرت الدرعية إلى الدخول في مرحلة الجهاد بالسنان مع جهاد القلم واللسان، دفعاً للعداون، ورحمة بالخلق الذين حال بينهم وبين سماع دعوة الحق رؤوس الضلالة من الزعماء والمطاعين. فدانت الجزيرة العربية بعد جهاد طويل، لدعوة التوحيد، وانتشرت مبادئ الدعوة الإصلاحية في العالم وقبلها أهل الإنصاف، كما رفضها وعاداها كثير من الناس بسبب الجهل حيناً وبسبب الهوى والتعصب أحياناً كثيرة.
ث- أبرز القضايا التي دعا إليها:
لم يكن الشيخ محمد رحمه الله يدعو إلى مبادئ مخترعة، اخترعها من عند نفسه، وإنما دعا للعودة إلى الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، فكان أبرز ما دعا إليه رحمه الله ما يلي:
1ـ الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة، وترك الإشراك به، الذي هو معنى (لا إله إلا الله)، والذي هو خلاصة دعوة جميع النبيين والمرسلين، والذي هو الحكمة التي خلق الله لها جميع الثقلين.
2ـ الدعوة إلى معتقد السلف الصالح في باب الأسماء والصفات، القائم على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
3ـ الدعوة إلى ترك البدع والمحدثات كالطرق الصوفية المحدثة، والبناء على القبور وشد الرحال إليها، والغلو في الصالحين، والتوسل بهم .
4ـ العناية بالدليل، مع احترام المذاهب الأربعة، والاستفادة من كتبها لكن لا يترك النص الشرعي لقول أحد من الناس.
5ـ الدعوة إلى إقامة الواجبات الشرعية كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحلي بالأخلاق الفاضلة الزاكية.
6ـ الدعوة إلى ترك المحرمات الشرعية المتفشية في المجتمعات من التحاكم إلى عادات الأباء والقبائل، والفواحش والقتل والعدوان وغير ذلك من المحرمات.
2ـ شهادات المنصفين :
مع شدة الدعايات المغرضة التي روجها خصوم دعوة التوحيد إلا أن جمعاً كبيراً من المنصفين من علماء المسلمين بل ومن غير المسلمين الذين درسوا دعوة الشيخ بتجرد شهدوا للشيخ ولدعوته أصدق الشهادات وأحسنها، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
1ـ قال محمد بن إسماعيل الصنعاني:
سلامي على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
مـحمد الـهادي لسـنة أحمـد
فيـا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قتولـه
بـلا صـدر في الحق منهم ولا ورد
وليس له ذنب سوى إنـه أتـى
بتـحكيم قـول الله في الحل والعقد
وهي قصيدة طويلة جيدة واختلف المؤرخون هل نقضها أم لا ولو فرض نقضها له فذلك بسبب الوشايات التي بلغته لا رداً لأصل دعوة الشيخ رحمهما الله فكلاهما داعية توحيد وسنة.
2ـ وقال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي:
وبعث الله لنا مجددا
من أرض نجد عالماً مجتهدا
شيخ الهدى محمد الـمحمدي
الحنبلي الأثـري الأحـمدي
فقام والشرك الصريح قد سرى
بين الورى وقد طغى واعتكرا
ولم يزل يدعو إلى دين الـنبي
ليس إلى نفس دعا أو مذهب
3ـ وقال الشيخ الشوكاني رحمه الله في رثائه له:
إمام الهدى ماحي الردى قامع العدا
ومروي الصدى من فيض علم ونائل
فما هو إلا قائم في زمانه
مـقام النـبي في إمـاتة باطل
ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت
ستبكيه عنـي جفن طل ووابل
4ـ وقال محمد رشيد رضا:
"ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمعاصي وإقامة الشعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة "
5ـ وقال ستوارد الأمريكي في كتابه حاضر العالم الإسلامي بعد أن وصف حال المسلمين في بعدهم عن التوحيد وانغماسهم في البدع والخرافة والشركيات :
"وعلى الجملة فقد بُدِّل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا وادياً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يُدعى الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين ..
وفيما العالم مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته إذا بصوت يدوي من قلب صحراء الجزيرة مهد الإسلام يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي.
ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد. تبدت تباشير صبح الإصلاح ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام".
6ـ وقال جولد سيهر :
"يجب على من نصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان".
3ـ من دعايات الخصوم وجوابها:
من أسلحة الباطل التي يواجه بها دعوة الحق ودعاته نشر الدعايات المضللة والأكاذيب المفتراة من أجل صد الناس عن قبولها، وذلك حين تعوزهم الحجة والبرهان إذ الباطل أضعف من أن يقف في وجه الحق، وقد كان لدعوة الشيخ محمد النصيب الأوفى من الدعايات والوشايات والشبهات التي افتراها خصومه زوراً وبهتاناً ليطفؤوها (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وفي هذه العجالة سأعرض لبعض تلك الأباطيل وجوابها بغاية الاختصار والله المستعان:
1ـ اتهامه بادّعاء النبوة :
اتهموه بادعاء النبوة مع أن الشيخ رحمه الله يقول: (وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته) المجموع 5/10
2ـ اتهموا الشيخ بأنه من الخوارج :
ويقول الشيخ مقرراً عقيدته (ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام).
3ـ التكفير:
اتهموه بأنه يكفر عموم المسلمين، ويقول الشيخ في بعض رسائله يبين كذب بعض خصومه: (وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا، بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك). 5/11
وفي هذا البيان رد شاف على المغرضين الذين زعموا هذه الأيام أن الإرهاب والتكفير والتدمير وليد دعوة الشيخ محمد رحمه الله .
4ـ إنكار كرامات الأولياء:
ويقول الشيخ في هذه المسألة (وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله). المجموع 5/10
5ـ تنزيل أحاديث نجد قرن الشيطان على دعوته:
وبين كثير من أهل العلم أن نجداً الواردة في الحديث هي العراق لا الإقليم المعروف، قال محمود شكري الآلوسي علامة العراق (ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية) قلت: ويؤيد هذا الفهم (أن الروايات الواردة في طلوع الشيطان من المشرق كلها عن عبد الله بن عمر وقد صرح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق فبطل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية) قاله الشيخ حمود التويجري رحمه الله.
تنبيه:
لم ينقرض خصوم الدعوة السلفية، ولم تنته شبهاتهم، فقد كتبت أقلام، وتحدث متحدثون، يهونون من شأنها، ويقبحون صورتها، وهم ما بين مستقل ومستكثر، ومصرح وملمح، وغاية ما عندهم ترديد شبهات أسلافهم، ومن فضل الله أن الله يقيض لكل أفاك من يبطل باطله بالحجة والبرهان والحمد لله.
5ـ من ثمار دعوة الشيخ رحمه الله على البلاد السعودية:
1ـ تأسيس دولة على دين التوحيد، وخدمة الإسلام وأهله، والحكم بشريعة الله عز وجل ولها الآن ما يقرب ثلاثمائة عام والحمد لله، وفي هذا أبلغ رد على الناعق الزاعم أن (المبادئ الوهابية) كما يزعم لا يصلح أن تؤسس عليها دولة ؟!!.
2ـ انتشار الأمن في أرجاء الجزيرة العربية، واجتماع كلمة أهلها على الحق بعد قرون طويلة من التمزق والتشرذم.
3ـ إزالة مظاهر الشرك والوثنية، من القباب والأضرحة والأعياد الجاهلية، في الوقت الذي تتفشى في كافة أقطار العالم الإسلامي .
4ـ ظهور العلماء الراسخين، وفشو العلم بالتوحيد عند العوام من الرجال والنساء والأطفال فضلاً عن خواصهم.
اللهم إنا نسألك أن تغفر للشيخ محمد، وأن تعلي درجته، وأن تجزي أئمة آل سعود الذين نصروا التوحيد والسنة خير الجزاء، كما نسألك أن تحفظ هذه البلاد السعودية، وأن تديم عليها نعمة التوحيد والسنة واجتماع الكلمة، وأن تحفظ عليها أمنها واستقرارها، اللهم وفق علماء المسلمين وحكامهم لكل ما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين إنك جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين. منقول
التعريف بالإمام
اسمه ونسبه :
هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي .
مولده :
ولد سنة 1115هـ في بلدة العيينة.
نشأته وطلبه للعلم:
نشأ في أسرة علم فأبوه وجده وأعمامه كانوا أهل علم وقضاء ورئاسة دينية، فدرس على يد والده ثم رحل صغيراً إلى مكة والمدينة، ثم إلى البصرة فالأحساء، ودرس من العلوم التفسير والحديث والفقه والنحو واللغة وغيرها، وعني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله .
شيوخه:
درس على ثلة من أهل العلم منهم : والده، والشيخ المحدث محمد حياة السندي، والشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف نزيل المدينة، والشيخ محمد المجموعي البصري وغيرهم.
مؤلفاته:
ألف كثيراً من الكتب المهمة، والرسائل النافعة ومنها : كتاب التوحيد الذي أفرده في توحيد العبادة، ولم يؤلف مثله قبله، ومختصر الشرح الكبير والإنصاف، وفضل الإسلام، والأصول الثلاثة وكشف الشبهات، وأحاديث الفتن، وغيرها، وقد صدرت المجموعة الكاملة لمؤلفاته في ستة مجلدات.
تلاميذه:
اشتغل بالتدريس فكثر طلابه وتخرج به علماء أجلاء منهم أبناؤه عبد الله، وحسين، وإبراهيم، والعلامة حمد بن ناصر بن معمر، والإمام عبد العزيز بن سعود، وابنه الإمام سعود بن عبد العزيز و غيرهم كثير تغمدهم الله برحمته ورضوانه.
من صفاته ومزاياه:
كان رحمه الله عالما مصلحاً زعيماً، فصيح اللسان قوي الحجة مقتدراً على إبراز الأدلة بأبلغ عبارة وأوضحها، تلوح على محياه علامات الصلاح وحسن السيرة وصفاء السريرة، كثير البر والإحسان، كثير الاشتغال بالذكر والعبادة قلما يفتر لسانه من ذكر الله، مشتغلاً بالنصح والدعوة والإرشاد، والتعليم. كانت عليه أُبَّهة العظمة، تنظره الناس بعين الإجلال والتعظيم مع كونه جمّ التواضع عظيم اللين..
وفاته:
بعد حياة حافلة بالدعوة والتعليم والتأليف، والإصلاح والجهاد بالسيف والقلم أفضت روحه إلى بارئها سنة 1206هـ في مدينة الدرعية عن عمر ناهز الثانية والتسعين،رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى وجزاه عن الإسلام والسنة وأهلها خير ما جزى العلماء والمصلحين إنه سميع قريب.
1ـ دعوته الإصلاحية:
أ- لمحة عن حالة نجد العقدية قبل دعوة الشيخ:
"كان أهل نجد على حالة لا يرضاها مؤمن، كان الشرك الأكبر قد انتشر في نجد حتى عبدت القباب والأشجار، والأحجار، وعبدت الغيران، كقبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ، وقبور تنسب لبعض الصحابة في الدرعية، كما كان فيها غار يقصده الناس ويعتقدون فيه، وفحل النخل في منفوحة تأتي إليه العانس فتقول : "يا فحل الفحول أريد زوج قبل الحول" ، وفي شعب غبيرا قبر ينسب لضرار بن الأزور يقصدونه من دون الله. وعبد من يدعى الولاية وهو من المعتوهين أو المجانين، واشتهر في نجد السحرة والكهنة وسؤالهم وتصديقهم، وليس هناك منكر إلا من شاء الله وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها وقل القائم والناصر لدين الله .. واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم وذبح الذبائح لهم وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم وخوف شرهم"
[ابن باز ص 12-13] و (أحمد بن حجر ص 18-19)
ب- لمحة عن حالة نجد السياسية قبل دعوة الشيخ رحمه الله:
كانت نجد تعيش حالة سيئة متردية بسبب الفرقة والفوضى والتنازع بين أهلها إذ لا توجد دولة قوية تجتمع عليها الكلمة إنما وجدت بعض الإمارات في بعض مناطقها كأمراء بني خالد في الأحساء وآل معمر في العيينة، وما عدا ذلك فكان قانون السلب والنهب وانقضاض القوي على الضعيف بين القبائل والعشائر والبادية هو القانون الحاكم في الغالب.
ت- مسيرته الدعوية:
1ـ بدأ الشيخ رحمه الله دعوته إلى التوحيد في البصرة حين رحل إليها متعلماً، وقوبل بالرفض والأذى والطرد.
2ـ ثم أعلن الشيخ دعوته في حريملاء، لا سيما بعد وفاة والده، وحث الأمراء على قمع أهل الفساد، فكاد له بعض السفهاء المفسدين وتسوروا عليه البيت ليقتلوه ولكن الله نجاه منهم فخرج منها.
3ـ انتقل الشيخ إلى العيينة، وعرض حقيقة ما يدعو إليه على أميرها عثمان بن معمر، فأيده ومكّن له، وهدما قبة قبر زيد بن الخطاب، وأقام الحد الشرعي على امرأة زانية محصنة، لكن ابن معمر تخلّى عن نصرة الشيخ وأمره بالخروج من بلده نتيجة تهديدات أمراء بني خالد والتي ضعف ابن معمر عن الصمود أمام رياحها.
4ـ انتقل الشيخ إلى الدرعية واثقاً بنصر الله لدينه غير يائس ولا خوار، فشرح الله صدر أميرها محمد بن سعود بن مقرن لدعوة الشيخ محمد وتعاهدا وتعاقدا على نصرة دعوة التوحيد.
5ـ عند ذلك نشط الشيخ في الدعوة إلى الله، وكاتب العلماء والأمراء والزعماء في نجد والحجاز، واليمن وداخل الجزيرة وخارجها، يدعوهم إلى التوحيد، ويحذرهم من الشرك والبدع والخرافات، واضطرت الدرعية إلى الدخول في مرحلة الجهاد بالسنان مع جهاد القلم واللسان، دفعاً للعداون، ورحمة بالخلق الذين حال بينهم وبين سماع دعوة الحق رؤوس الضلالة من الزعماء والمطاعين. فدانت الجزيرة العربية بعد جهاد طويل، لدعوة التوحيد، وانتشرت مبادئ الدعوة الإصلاحية في العالم وقبلها أهل الإنصاف، كما رفضها وعاداها كثير من الناس بسبب الجهل حيناً وبسبب الهوى والتعصب أحياناً كثيرة.
ث- أبرز القضايا التي دعا إليها:
لم يكن الشيخ محمد رحمه الله يدعو إلى مبادئ مخترعة، اخترعها من عند نفسه، وإنما دعا للعودة إلى الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، فكان أبرز ما دعا إليه رحمه الله ما يلي:
1ـ الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة، وترك الإشراك به، الذي هو معنى (لا إله إلا الله)، والذي هو خلاصة دعوة جميع النبيين والمرسلين، والذي هو الحكمة التي خلق الله لها جميع الثقلين.
2ـ الدعوة إلى معتقد السلف الصالح في باب الأسماء والصفات، القائم على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
3ـ الدعوة إلى ترك البدع والمحدثات كالطرق الصوفية المحدثة، والبناء على القبور وشد الرحال إليها، والغلو في الصالحين، والتوسل بهم .
4ـ العناية بالدليل، مع احترام المذاهب الأربعة، والاستفادة من كتبها لكن لا يترك النص الشرعي لقول أحد من الناس.
5ـ الدعوة إلى إقامة الواجبات الشرعية كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحلي بالأخلاق الفاضلة الزاكية.
6ـ الدعوة إلى ترك المحرمات الشرعية المتفشية في المجتمعات من التحاكم إلى عادات الأباء والقبائل، والفواحش والقتل والعدوان وغير ذلك من المحرمات.
2ـ شهادات المنصفين :
مع شدة الدعايات المغرضة التي روجها خصوم دعوة التوحيد إلا أن جمعاً كبيراً من المنصفين من علماء المسلمين بل ومن غير المسلمين الذين درسوا دعوة الشيخ بتجرد شهدوا للشيخ ولدعوته أصدق الشهادات وأحسنها، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
1ـ قال محمد بن إسماعيل الصنعاني:
سلامي على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
مـحمد الـهادي لسـنة أحمـد
فيـا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قتولـه
بـلا صـدر في الحق منهم ولا ورد
وليس له ذنب سوى إنـه أتـى
بتـحكيم قـول الله في الحل والعقد
وهي قصيدة طويلة جيدة واختلف المؤرخون هل نقضها أم لا ولو فرض نقضها له فذلك بسبب الوشايات التي بلغته لا رداً لأصل دعوة الشيخ رحمهما الله فكلاهما داعية توحيد وسنة.
2ـ وقال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي:
وبعث الله لنا مجددا
من أرض نجد عالماً مجتهدا
شيخ الهدى محمد الـمحمدي
الحنبلي الأثـري الأحـمدي
فقام والشرك الصريح قد سرى
بين الورى وقد طغى واعتكرا
ولم يزل يدعو إلى دين الـنبي
ليس إلى نفس دعا أو مذهب
3ـ وقال الشيخ الشوكاني رحمه الله في رثائه له:
إمام الهدى ماحي الردى قامع العدا
ومروي الصدى من فيض علم ونائل
فما هو إلا قائم في زمانه
مـقام النـبي في إمـاتة باطل
ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت
ستبكيه عنـي جفن طل ووابل
4ـ وقال محمد رشيد رضا:
"ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمعاصي وإقامة الشعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة "
5ـ وقال ستوارد الأمريكي في كتابه حاضر العالم الإسلامي بعد أن وصف حال المسلمين في بعدهم عن التوحيد وانغماسهم في البدع والخرافة والشركيات :
"وعلى الجملة فقد بُدِّل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا وادياً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يُدعى الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين ..
وفيما العالم مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته إذا بصوت يدوي من قلب صحراء الجزيرة مهد الإسلام يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي.
ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد. تبدت تباشير صبح الإصلاح ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام".
6ـ وقال جولد سيهر :
"يجب على من نصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان".
3ـ من دعايات الخصوم وجوابها:
من أسلحة الباطل التي يواجه بها دعوة الحق ودعاته نشر الدعايات المضللة والأكاذيب المفتراة من أجل صد الناس عن قبولها، وذلك حين تعوزهم الحجة والبرهان إذ الباطل أضعف من أن يقف في وجه الحق، وقد كان لدعوة الشيخ محمد النصيب الأوفى من الدعايات والوشايات والشبهات التي افتراها خصومه زوراً وبهتاناً ليطفؤوها (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وفي هذه العجالة سأعرض لبعض تلك الأباطيل وجوابها بغاية الاختصار والله المستعان:
1ـ اتهامه بادّعاء النبوة :
اتهموه بادعاء النبوة مع أن الشيخ رحمه الله يقول: (وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته) المجموع 5/10
2ـ اتهموا الشيخ بأنه من الخوارج :
ويقول الشيخ مقرراً عقيدته (ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام).
3ـ التكفير:
اتهموه بأنه يكفر عموم المسلمين، ويقول الشيخ في بعض رسائله يبين كذب بعض خصومه: (وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا، بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك). 5/11
وفي هذا البيان رد شاف على المغرضين الذين زعموا هذه الأيام أن الإرهاب والتكفير والتدمير وليد دعوة الشيخ محمد رحمه الله .
4ـ إنكار كرامات الأولياء:
ويقول الشيخ في هذه المسألة (وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله). المجموع 5/10
5ـ تنزيل أحاديث نجد قرن الشيطان على دعوته:
وبين كثير من أهل العلم أن نجداً الواردة في الحديث هي العراق لا الإقليم المعروف، قال محمود شكري الآلوسي علامة العراق (ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية) قلت: ويؤيد هذا الفهم (أن الروايات الواردة في طلوع الشيطان من المشرق كلها عن عبد الله بن عمر وقد صرح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق فبطل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية) قاله الشيخ حمود التويجري رحمه الله.
تنبيه:
لم ينقرض خصوم الدعوة السلفية، ولم تنته شبهاتهم، فقد كتبت أقلام، وتحدث متحدثون، يهونون من شأنها، ويقبحون صورتها، وهم ما بين مستقل ومستكثر، ومصرح وملمح، وغاية ما عندهم ترديد شبهات أسلافهم، ومن فضل الله أن الله يقيض لكل أفاك من يبطل باطله بالحجة والبرهان والحمد لله.
5ـ من ثمار دعوة الشيخ رحمه الله على البلاد السعودية:
1ـ تأسيس دولة على دين التوحيد، وخدمة الإسلام وأهله، والحكم بشريعة الله عز وجل ولها الآن ما يقرب ثلاثمائة عام والحمد لله، وفي هذا أبلغ رد على الناعق الزاعم أن (المبادئ الوهابية) كما يزعم لا يصلح أن تؤسس عليها دولة ؟!!.
2ـ انتشار الأمن في أرجاء الجزيرة العربية، واجتماع كلمة أهلها على الحق بعد قرون طويلة من التمزق والتشرذم.
3ـ إزالة مظاهر الشرك والوثنية، من القباب والأضرحة والأعياد الجاهلية، في الوقت الذي تتفشى في كافة أقطار العالم الإسلامي .
4ـ ظهور العلماء الراسخين، وفشو العلم بالتوحيد عند العوام من الرجال والنساء والأطفال فضلاً عن خواصهم.
اللهم إنا نسألك أن تغفر للشيخ محمد، وأن تعلي درجته، وأن تجزي أئمة آل سعود الذين نصروا التوحيد والسنة خير الجزاء، كما نسألك أن تحفظ هذه البلاد السعودية، وأن تديم عليها نعمة التوحيد والسنة واجتماع الكلمة، وأن تحفظ عليها أمنها واستقرارها، اللهم وفق علماء المسلمين وحكامهم لكل ما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين إنك جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين. منقول