بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..............وبعد،
فأقدّم بين يدي إخواني طلبة العلم هذه الفوائد الذهبية من شرح الأربعين النووية لشيخنا العلامة المحدث أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- اقتطفتها من ذلك الكتاب الماتع (شرح الأربعين النووية).
هذا ، وأسال الله أن ينفعنا جميعا بهذه الفوائد وأن يجزي شيخنا خيرا ويبارك فيه وفي علمه.
وستكون هذه الفوائد على شكل سلسلة ابتداءً من الحديث الأول:
-------------------------------فأقدّم بين يدي إخواني طلبة العلم هذه الفوائد الذهبية من شرح الأربعين النووية لشيخنا العلامة المحدث أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- اقتطفتها من ذلك الكتاب الماتع (شرح الأربعين النووية).
هذا ، وأسال الله أن ينفعنا جميعا بهذه الفوائد وأن يجزي شيخنا خيرا ويبارك فيه وفي علمه.
وستكون هذه الفوائد على شكل سلسلة ابتداءً من الحديث الأول:
{2}
حديث جبريل الطويل وفوائده
قال الإمام مسلم رحمه الله:
حدثني أبو خثيمة زهير بن حرب حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريده عن يحيى بن يعمر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه حدثنا أبي حدثنا كهمس عن ابن بريده عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداًًًًً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنُف، ثم قال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عيه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال:((يا محمد أخبرني عن الإسلام؟))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا))، قال:((صدقت))، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال:((فأخبرني عن الإيمان؟))، قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))، قال:(( صدقت))، قال:((فأخبرني عن الإحسان؟))، قال:((أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، قال:((فأخبرني عن الساعة؟))، قال:((ما المسئول عنها بأعلم من السائل))، قال:((فأخبرني عن أماراتها؟))، قال:((أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان))، قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لي:((أتدري من السائل؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال:((إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)).
--------------------------------
الفوائد:
.- وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة بنحوه، وحديث عمر أتم.
--------------------------------
.- قوله: (كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني)، هذا بيان معرفة أول من نشر الشر أو الخير، ولو في قطر من الأقطار، وأن معبد بن غيلان الجهني أحد المعتزلة نشر هذه البدعة التي أصلها من اليهود، والله سبحانه وتعالى يقول:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
--------------------------------
.- وفيه أن بدعة القول بالقدر من العراق، وكثير من الفتن ظهرت من العراق، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- عن نجد العراق:((منه الزلازل والفتن، ومنه يطلع قرن الشيطان)).
--------------------------------
.- قوله:(فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن)، فيه: طلب الرفقة في السفر، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب))، ونهى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يسافر الرجل وحده.
--------------------------------
.- قوله:(حاجين أو معتمرين)، وفي بعض النسخ:(حاجين ومعتمرين)، والشك لا يضر، فمحمول أنهما كانا متمتعين بالعمرة إلى الحج، فقال بعضهم: حاجين ومعتمرين، وقال بعضهم: حاجين، أو قال: معتمرين. وكله صحيح.
--------------------------------
.- قوله:( فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-)، فيه الرجوع إلى أهل العلم عند المعضلات، وأن العلماء هم أهل الحل والعقد، وهم الذين يعقلون الأُمور، قال تعالى:{ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}، وقال تعالى:{ وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، ولا بأس بالنية مع الحج أو العمرة، لا يفسد ذلك، لو حج وهو قاصد أن يحج ويشتري له تجاره بعد أن يحج فحجه صحيح، قال تعالى:{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}، وهكذا لو حج وهو يقصد أنه مع حجه يلتقي بالعالم الفلاني، أو الصديق الفلاني، يزوره، لا مانع من ذلك، ولا يضر، كما صنع يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن، بل كثير من أهل الحديث كانوا يلتقون بالموسم، ويسافرون من بلدانهم للحج، وللقاء الأئمة، فيصير نوراً على نور.
--------------------------------
.- وفيه فضيلة الصحابة، أنهم عايشوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وسمعوا منه وعندهم علم غزير بغير تكلف، وأما من قال: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فهذا قول باطل، بل طريقتهم أسلم، وأعلم، وأحكم، وهم خير القرون الذين نزل الثناء عليهم من الله عز وجل في قوله:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}.
--------------------------------
.- قوله:(فسألناه)، فيه سؤال أهل الذكر، قال تعالى:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فسؤال أهل الذكر قد حث الله عليه في كتابه كما سمعت، وليس كل الناس يُسألون، وإلا فعندهم من يدعي العلم في البصرة، وعمدوا إلى صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
--------------------------------
.- والمسائل المشكلة المعضلة لابد بالرجوع فيها إلى أهل العلم، وعدم الخوض فيها، وإن كان الإنسان قد أنكر بادئ الرأي، فأنت ترى يحيى بن يعمر قد حصل عنده إنكار لهذا الأمر في قلبه، وأراد سؤال أهل العلم حتى يقول: قال ابن عمر-رضي الله عنه-، وحتى يكون على بصيرةٍ أكثر، ومن فضل العلماء أنهم أشد الناس نباهة لبيان الأقوال، والأفعال المخالفة للحق والإنكار على من جاء بها، سواءً كان في العقيدة، أو في أي وجه يخالف الدليل.
--------------------------------
.- قوله:(فَوفّقَ ِلنا عبد الله بن عمر)، فيه ذكر الاسم واسم الأب يكفي عند معرفة الشخص، وذكر هذا ابن القيم في ((زاد المعاد))، ومعنى (فَوفِّقَ لنا)، أي قدر لنا، ولقيناه اتفاقاً، وهذا نحو قول بعضهم: لقيت فلاناً صدفة، ولا مانع من هذا القول، لحديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:((إن نبي الله سليمان سأل الله عز وجل ثلاث خلال، سأل الله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسئل الله حكماً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسئل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحداً لا ينهزه ألا الصلاة فيه أن يخرجه كيوم ولدته أمه))، وفي الباب حديث:((يوم الجمعة فيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، فيسأل شيئاًإلا أعطاه...))الحديث، وفي حديث أنس، قال انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أم أيمن، فناولته إناءً فيه شراب، فلا أدري أصادفته صائماً، وفي مسلم[كتاب الفتن(2942)]، قال: فصادفوا البحر يغتلم.
--------------------------------
.- وعبد الله بن عمر ممن روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فوق الألف، وهو كذلك من العبادلة الذين اشتهروا بالعلم، وتأخر موتهم، واحتاج إليهم الناس، وحتى كان لهم تلاميذ كثير، وهم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، مجموعون في قول الناظم:
.- قوله:(داخل المسجد، فاكتنفته)، لا بأس بالسؤال ولو لم يكن في مجلس الفتوى، وبوب عليه البخاري[السؤال في الطريق، أو السؤال في الراحلة].
--------------------------------
.- قوله:( فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله)، شأن طلبة العلم المؤدبين في الاحتفاء بالعالم.
--------------------------------
.- قوله:(فظننت أن صاحبي سَيَكِلُ الكَلامَ إليَّ)، استدلوا بهذا على أن الذي يتكلم في الأمور المهمة ولا سيما عند أولي العلم من العلماء، والأمراء هو أبلغ القوم، أو أكبر القوم، الفاهم لمحاورات الناس، لحديث:((كبّر، كبّر))، حتى يفصح عن المقصود.
--------------------------------
.- قوله:(يا أبا عبد الرحمن))، كنية عبد الله بن عمر، وفيه غاية الإجلال، قال الشاعر:
- وابن عمر إمام من أئمة الدنيا، وينادونه بكنيته دون مبالغة، فهذا الذي ينبغي: عدم الإطراء للعالم، ولا لغيره.
--------------------------------
.- قوله:(إنه قد ظهر قبلنا رجال يقرءون القرآن ويتقفرون العلم))، وهذا نستفيد منه فائدة عظيمة ، أنك لا تغتر بمن قرأ القرآن، ولا كل من تتبع العلم وهو على منهج منحرف، ويقول بعضهم: فلان يحفظ((صحيح البخاري))و((صحيح مسلم))، والله، لو حفظ الكتب الستة كلها مع القرآن، وصار متدهور الحال، لا على عقيدةٍ صحيحة، أو صار حزبياً، أنه يصير ممسوخاً.
--------------------------------
.- هؤلاء الناس يتقفرون العلم، يتتبعونه ويقرءون القرآن، هذه طريقة محمودة لو كانت على استقامة، لكنهم أفسدوها بالاعوجاج في العقيدة، ورحم الله يحيى بن يعمر فقد ذكر من شأنهم حسب ما يعلم، ذكر الحقيقة دون تلبيس في السؤال، لا كما يفعل الحزبيون، إذا ذهبوا يسألون عالماً يصورون السؤال تصويراً آخر، وما يذكرون الحقيقة، ومن الأدب أن تذكر السؤال والعالم يجيب، لا كما يفعل بعض السائلين، كأنه يجيب نفسه بنفسه بقوله: ما رأيكم في هذا القول المنكر أو الفعل المنكر.
--------------------------------
.- قولهم:(إنَّهُ لاَ قَدَر)، هؤلاء كفار كما تقدم، لأنهم يردون الأدلة الدالة على علم الله السابق، ذكر أهل العلم عدم الخلاف على كفرهم.
--------------------------------
.قولهم:(وأن الأمر أنُف)، أي مستأنف ما علم الله الأمور إلا بعد حدوثها.
--------------------------------
.قوله:(إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم)، وهذا مما يستدل به العلماء على إظهار العداوة لأهل الباطل على قدر ما يستحقون، وبيان الهجر لهم، والبراءة منهم.
--------------------------------
.قوله:(والذي يحلف به عبد الله بن عمر)، وهو الله عز جل، لأنه لا يجوز الحلف بغيره، لقوله- صلى الله عليه وسلم-:((من كان حالفاً فليحلف بالله))، فالحلف بغير الله شرك.
--------------------------------
.قوله:(لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما تقبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)، معنى هذا أنهم كفار، إنما يتقبل الله من المتقين، وكما قال سبحانه:{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله}، فهذا مصير من ابن عمر إلى تكفيرهم.
--------------------------------
.ثم قال:(حدثني أبي)، يعني أمير المؤمنين أبا حفص عمر بن الخطاب، وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر الصديق، وفضائله كثيرة مذكورة في مواضعها من كتب التراجم، وفيه العناية بأسانيد الحديث، وهكذا كان السلف رحمهم الله،
ففي مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين رحمه الله قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم.
وقال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم.
وقال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال أيضاً: بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد.
--------------------------------
.- ابن عمر أفتى، وأبرز الدليل على فتواه مسنداً، فهذا ينبغي أن ينتبه له طالب العلم، يذكر الفتوى، ودليل الفتوى كما فعل ابن عمر، وكما هو أيضاً مذكور في موضعه من شروط الفتوى.
--------------------------------
. قوله:( أخبروهم أني منهم بريء وأنه مني بَرَاء) إخبار وإعلان لهجرهم، وهذا من أدلة هجران أهل الباطل، وإعلان مفاصلتهم، وأدلة الولاء للحق وأهله، والبراء من البطل وأهله كثيرة، ومنها قوله تعالى:{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله}.
--------------------------------
. وقول ابن عمر:(والله لو أنفق أحدهم مثل أُحُدٍ ذهبا لن يقبل الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره)، هؤلاء القدرية كانوا منكرين لعلم الله، ويقولون: الأمر أنف، فالله لا يعلم الأُمور إلا بعد حدوثها ويظهر من قول ابن عمر تكفيرهم، وقد كفرهم أيضاً آخرون، منهم: عمر بن عبد العزيز، والشافعي رحمهم الله وعدم قبول عمل الكافر دل عليه القرآن، قال سبحانه:{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله}، فدل القرآن على أن الكافر لا تقبل نفقته لا فرضاً ولا تطوعاً، قال تعالى:{إنما يتقبل الله من المتقين}، لكن هذا المذهب قد انقرض كما نص على ذلك شيخ الإسلام كما في(مجموع الفتاوى)، وقبله النووي في شرح مسلم، وأكثر ما يكون القدرية بعد ذلك النفاة، الذين يقولون: الله خلق الخير ولم يخلق الشر، وهؤلاء هم أشباه المجوس الذين ينطبق عليهم حديث :((القدرية مجوس هذه الأمة)).
--------------------------------
الفوائد:
.- وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة بنحوه، وحديث عمر أتم.
--------------------------------
.- قوله: (كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني)، هذا بيان معرفة أول من نشر الشر أو الخير، ولو في قطر من الأقطار، وأن معبد بن غيلان الجهني أحد المعتزلة نشر هذه البدعة التي أصلها من اليهود، والله سبحانه وتعالى يقول:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
--------------------------------
.- وفيه أن بدعة القول بالقدر من العراق، وكثير من الفتن ظهرت من العراق، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- عن نجد العراق:((منه الزلازل والفتن، ومنه يطلع قرن الشيطان)).
--------------------------------
.- قوله:(فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن)، فيه: طلب الرفقة في السفر، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب))، ونهى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يسافر الرجل وحده.
--------------------------------
.- قوله:(حاجين أو معتمرين)، وفي بعض النسخ:(حاجين ومعتمرين)، والشك لا يضر، فمحمول أنهما كانا متمتعين بالعمرة إلى الحج، فقال بعضهم: حاجين ومعتمرين، وقال بعضهم: حاجين، أو قال: معتمرين. وكله صحيح.
--------------------------------
.- قوله:( فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-)، فيه الرجوع إلى أهل العلم عند المعضلات، وأن العلماء هم أهل الحل والعقد، وهم الذين يعقلون الأُمور، قال تعالى:{ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}، وقال تعالى:{ وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، ولا بأس بالنية مع الحج أو العمرة، لا يفسد ذلك، لو حج وهو قاصد أن يحج ويشتري له تجاره بعد أن يحج فحجه صحيح، قال تعالى:{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}، وهكذا لو حج وهو يقصد أنه مع حجه يلتقي بالعالم الفلاني، أو الصديق الفلاني، يزوره، لا مانع من ذلك، ولا يضر، كما صنع يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن، بل كثير من أهل الحديث كانوا يلتقون بالموسم، ويسافرون من بلدانهم للحج، وللقاء الأئمة، فيصير نوراً على نور.
--------------------------------
.- وفيه فضيلة الصحابة، أنهم عايشوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وسمعوا منه وعندهم علم غزير بغير تكلف، وأما من قال: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فهذا قول باطل، بل طريقتهم أسلم، وأعلم، وأحكم، وهم خير القرون الذين نزل الثناء عليهم من الله عز وجل في قوله:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}.
--------------------------------
.- قوله:(فسألناه)، فيه سؤال أهل الذكر، قال تعالى:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فسؤال أهل الذكر قد حث الله عليه في كتابه كما سمعت، وليس كل الناس يُسألون، وإلا فعندهم من يدعي العلم في البصرة، وعمدوا إلى صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
--------------------------------
.- والمسائل المشكلة المعضلة لابد بالرجوع فيها إلى أهل العلم، وعدم الخوض فيها، وإن كان الإنسان قد أنكر بادئ الرأي، فأنت ترى يحيى بن يعمر قد حصل عنده إنكار لهذا الأمر في قلبه، وأراد سؤال أهل العلم حتى يقول: قال ابن عمر-رضي الله عنه-، وحتى يكون على بصيرةٍ أكثر، ومن فضل العلماء أنهم أشد الناس نباهة لبيان الأقوال، والأفعال المخالفة للحق والإنكار على من جاء بها، سواءً كان في العقيدة، أو في أي وجه يخالف الدليل.
--------------------------------
.- قوله:(فَوفّقَ ِلنا عبد الله بن عمر)، فيه ذكر الاسم واسم الأب يكفي عند معرفة الشخص، وذكر هذا ابن القيم في ((زاد المعاد))، ومعنى (فَوفِّقَ لنا)، أي قدر لنا، ولقيناه اتفاقاً، وهذا نحو قول بعضهم: لقيت فلاناً صدفة، ولا مانع من هذا القول، لحديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:((إن نبي الله سليمان سأل الله عز وجل ثلاث خلال، سأل الله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسئل الله حكماً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسئل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحداً لا ينهزه ألا الصلاة فيه أن يخرجه كيوم ولدته أمه))، وفي الباب حديث:((يوم الجمعة فيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، فيسأل شيئاًإلا أعطاه...))الحديث، وفي حديث أنس، قال انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أم أيمن، فناولته إناءً فيه شراب، فلا أدري أصادفته صائماً، وفي مسلم[كتاب الفتن(2942)]، قال: فصادفوا البحر يغتلم.
--------------------------------
.- وعبد الله بن عمر ممن روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فوق الألف، وهو كذلك من العبادلة الذين اشتهروا بالعلم، وتأخر موتهم، واحتاج إليهم الناس، وحتى كان لهم تلاميذ كثير، وهم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، مجموعون في قول الناظم:
أبناء عباس وعمرو وعمر**** وابن الزبير هم العبادلة الغرر.
--------------------------------.- قوله:(داخل المسجد، فاكتنفته)، لا بأس بالسؤال ولو لم يكن في مجلس الفتوى، وبوب عليه البخاري[السؤال في الطريق، أو السؤال في الراحلة].
--------------------------------
.- قوله:( فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله)، شأن طلبة العلم المؤدبين في الاحتفاء بالعالم.
--------------------------------
.- قوله:(فظننت أن صاحبي سَيَكِلُ الكَلامَ إليَّ)، استدلوا بهذا على أن الذي يتكلم في الأمور المهمة ولا سيما عند أولي العلم من العلماء، والأمراء هو أبلغ القوم، أو أكبر القوم، الفاهم لمحاورات الناس، لحديث:((كبّر، كبّر))، حتى يفصح عن المقصود.
--------------------------------
.- قوله:(يا أبا عبد الرحمن))، كنية عبد الله بن عمر، وفيه غاية الإجلال، قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لا**** ألقبه والسوءة اللقب
- وابن عمر إمام من أئمة الدنيا، وينادونه بكنيته دون مبالغة، فهذا الذي ينبغي: عدم الإطراء للعالم، ولا لغيره.
--------------------------------
.- قوله:(إنه قد ظهر قبلنا رجال يقرءون القرآن ويتقفرون العلم))، وهذا نستفيد منه فائدة عظيمة ، أنك لا تغتر بمن قرأ القرآن، ولا كل من تتبع العلم وهو على منهج منحرف، ويقول بعضهم: فلان يحفظ((صحيح البخاري))و((صحيح مسلم))، والله، لو حفظ الكتب الستة كلها مع القرآن، وصار متدهور الحال، لا على عقيدةٍ صحيحة، أو صار حزبياً، أنه يصير ممسوخاً.
--------------------------------
.- هؤلاء الناس يتقفرون العلم، يتتبعونه ويقرءون القرآن، هذه طريقة محمودة لو كانت على استقامة، لكنهم أفسدوها بالاعوجاج في العقيدة، ورحم الله يحيى بن يعمر فقد ذكر من شأنهم حسب ما يعلم، ذكر الحقيقة دون تلبيس في السؤال، لا كما يفعل الحزبيون، إذا ذهبوا يسألون عالماً يصورون السؤال تصويراً آخر، وما يذكرون الحقيقة، ومن الأدب أن تذكر السؤال والعالم يجيب، لا كما يفعل بعض السائلين، كأنه يجيب نفسه بنفسه بقوله: ما رأيكم في هذا القول المنكر أو الفعل المنكر.
--------------------------------
.- قولهم:(إنَّهُ لاَ قَدَر)، هؤلاء كفار كما تقدم، لأنهم يردون الأدلة الدالة على علم الله السابق، ذكر أهل العلم عدم الخلاف على كفرهم.
--------------------------------
.قولهم:(وأن الأمر أنُف)، أي مستأنف ما علم الله الأمور إلا بعد حدوثها.
--------------------------------
.قوله:(إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم)، وهذا مما يستدل به العلماء على إظهار العداوة لأهل الباطل على قدر ما يستحقون، وبيان الهجر لهم، والبراءة منهم.
--------------------------------
.قوله:(والذي يحلف به عبد الله بن عمر)، وهو الله عز جل، لأنه لا يجوز الحلف بغيره، لقوله- صلى الله عليه وسلم-:((من كان حالفاً فليحلف بالله))، فالحلف بغير الله شرك.
--------------------------------
.قوله:(لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما تقبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)، معنى هذا أنهم كفار، إنما يتقبل الله من المتقين، وكما قال سبحانه:{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله}، فهذا مصير من ابن عمر إلى تكفيرهم.
--------------------------------
.ثم قال:(حدثني أبي)، يعني أمير المؤمنين أبا حفص عمر بن الخطاب، وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر الصديق، وفضائله كثيرة مذكورة في مواضعها من كتب التراجم، وفيه العناية بأسانيد الحديث، وهكذا كان السلف رحمهم الله،
ففي مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين رحمه الله قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم.
وقال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم.
وقال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال أيضاً: بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد.
--------------------------------
.- ابن عمر أفتى، وأبرز الدليل على فتواه مسنداً، فهذا ينبغي أن ينتبه له طالب العلم، يذكر الفتوى، ودليل الفتوى كما فعل ابن عمر، وكما هو أيضاً مذكور في موضعه من شروط الفتوى.
--------------------------------
. قوله:( أخبروهم أني منهم بريء وأنه مني بَرَاء) إخبار وإعلان لهجرهم، وهذا من أدلة هجران أهل الباطل، وإعلان مفاصلتهم، وأدلة الولاء للحق وأهله، والبراء من البطل وأهله كثيرة، ومنها قوله تعالى:{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله}.
--------------------------------
. وقول ابن عمر:(والله لو أنفق أحدهم مثل أُحُدٍ ذهبا لن يقبل الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره)، هؤلاء القدرية كانوا منكرين لعلم الله، ويقولون: الأمر أنف، فالله لا يعلم الأُمور إلا بعد حدوثها ويظهر من قول ابن عمر تكفيرهم، وقد كفرهم أيضاً آخرون، منهم: عمر بن عبد العزيز، والشافعي رحمهم الله وعدم قبول عمل الكافر دل عليه القرآن، قال سبحانه:{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله}، فدل القرآن على أن الكافر لا تقبل نفقته لا فرضاً ولا تطوعاً، قال تعالى:{إنما يتقبل الله من المتقين}، لكن هذا المذهب قد انقرض كما نص على ذلك شيخ الإسلام كما في(مجموع الفتاوى)، وقبله النووي في شرح مسلم، وأكثر ما يكون القدرية بعد ذلك النفاة، الذين يقولون: الله خلق الخير ولم يخلق الشر، وهؤلاء هم أشباه المجوس الذين ينطبق عليهم حديث :((القدرية مجوس هذه الأمة)).
--------------------------------
يُتبـــــــــع....
تعليق