قال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي رحمه الله في كتابه الأذكار (ص500)
بابُ مدح الإِنسان نفسهُ وذكر محاسنهِ:
قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 33] .
- اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربانِ: مذمومٌ، ومحبوبٌ؛ فالمذمومُ أن يذكرهُ للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميّز على الأقرانِ وشبه ذلك؛ والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحةٌ دينيةٌ، وذلك بأن يكون آمراً بمعروفٍ، أو ناهياً عن مُنكرٍ، أو ناصحاً، أو مشيراً بمصلحة، أو معلماً، أو مؤدباً، أو واعظاً، أو مذكِّراً، أو مُصلحاً بين اثنين، أو يدفعُ عن نفسهِ شرّاً، أو نحو ذلك، فيذكرُ محاسنهُ ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك، وقد جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص، كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: 814 - " أنا النَّبِي لا كَذِبْ ".
846-842 - " أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم ".
" أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ ".
" أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ ".
- " إني أبِيتُ ويطعمني ربي ".
وأشباهه كثيرة، وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: " (اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55] وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: (سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص: 27] .
847 - وقال عثمان رضي الله عنه حين حُصر ما رويناه في " صحيح البخاري " أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ (1) فَلَهُ الجَنَّةُ؟ فجهّزتهم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة (2) فَلَهُ الجَنَّةُ، فحفرتها؟ فصدّقوه بما قال ".
818 - وروينا في " صحيحيهما " عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحسن يصلي، فقال سعد: والله إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى، ولقد كنّا نغزو مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكر تمام الحديث.
819 - وروينا في " صحيح مسلم " عن عليّ رضي الله عنه قال: " والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق ".
قلتُ: بَرَأَ مهموز معناه: خلق، والنسمة: النفس.
- وروينا في " صحيحيهما "، عن أبي وائل قال: خطبنا ابنُ مسعود رضي الله عنه فقال: " والله لقد أخذتُ من فِي رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) بضعاً وسبعين سورة، ولقد علمَ أصحابُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله تعالى، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحداً أعلمُ منّي لرحلتُ إليه ".
821 - وروينا في " صحيح مسلم " عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن البدنة إذا أزحفت (3) فقال: على الخبير سقطتَ - يعني نفسَه - ... وذكر تمام الحديث.
ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلُّها محمولة على ما ذكرنا، وبالله التوفيق.
__________
(1) العسرة ضد اليسرة: وهي غزوة تبوك.
سميت بذلك لأنها كانت في زمن شدّة الحرّ وجدب البلاد وإلى شقة بعيدة وعدد كثير، فجهز عثمان سبعمائة وخمسين بعيراً وخمسين فرساً.
وقيل غير ذلك.
وجاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بألف دينار.
(2) هي بضم الراء وسكون الواو، لما دخلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة لم يكن بها ماء عذب غير بئر رومة.
فقال: " مَن اشترى بئر رومة " أو قال " مِنْ حفرَها فله الجنة " فحفرها واشتراها بعشرين ألف درهم وسبَّلَها على المسلمين.
ذكره الكرماني وغيره.
(3) أي أعيت ووقفت، ويقال: أزحف البعير: إذا وقف من الاعياء
بابُ مدح الإِنسان نفسهُ وذكر محاسنهِ:
قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 33] .
- اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربانِ: مذمومٌ، ومحبوبٌ؛ فالمذمومُ أن يذكرهُ للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميّز على الأقرانِ وشبه ذلك؛ والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحةٌ دينيةٌ، وذلك بأن يكون آمراً بمعروفٍ، أو ناهياً عن مُنكرٍ، أو ناصحاً، أو مشيراً بمصلحة، أو معلماً، أو مؤدباً، أو واعظاً، أو مذكِّراً، أو مُصلحاً بين اثنين، أو يدفعُ عن نفسهِ شرّاً، أو نحو ذلك، فيذكرُ محاسنهُ ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك، وقد جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص، كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: 814 - " أنا النَّبِي لا كَذِبْ ".
846-842 - " أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم ".
" أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ ".
" أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ ".
- " إني أبِيتُ ويطعمني ربي ".
وأشباهه كثيرة، وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: " (اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55] وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: (سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص: 27] .
847 - وقال عثمان رضي الله عنه حين حُصر ما رويناه في " صحيح البخاري " أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ (1) فَلَهُ الجَنَّةُ؟ فجهّزتهم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة (2) فَلَهُ الجَنَّةُ، فحفرتها؟ فصدّقوه بما قال ".
818 - وروينا في " صحيحيهما " عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحسن يصلي، فقال سعد: والله إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى، ولقد كنّا نغزو مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكر تمام الحديث.
819 - وروينا في " صحيح مسلم " عن عليّ رضي الله عنه قال: " والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق ".
قلتُ: بَرَأَ مهموز معناه: خلق، والنسمة: النفس.
- وروينا في " صحيحيهما "، عن أبي وائل قال: خطبنا ابنُ مسعود رضي الله عنه فقال: " والله لقد أخذتُ من فِي رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) بضعاً وسبعين سورة، ولقد علمَ أصحابُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله تعالى، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحداً أعلمُ منّي لرحلتُ إليه ".
821 - وروينا في " صحيح مسلم " عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن البدنة إذا أزحفت (3) فقال: على الخبير سقطتَ - يعني نفسَه - ... وذكر تمام الحديث.
ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلُّها محمولة على ما ذكرنا، وبالله التوفيق.
__________
(1) العسرة ضد اليسرة: وهي غزوة تبوك.
سميت بذلك لأنها كانت في زمن شدّة الحرّ وجدب البلاد وإلى شقة بعيدة وعدد كثير، فجهز عثمان سبعمائة وخمسين بعيراً وخمسين فرساً.
وقيل غير ذلك.
وجاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بألف دينار.
(2) هي بضم الراء وسكون الواو، لما دخلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة لم يكن بها ماء عذب غير بئر رومة.
فقال: " مَن اشترى بئر رومة " أو قال " مِنْ حفرَها فله الجنة " فحفرها واشتراها بعشرين ألف درهم وسبَّلَها على المسلمين.
ذكره الكرماني وغيره.
(3) أي أعيت ووقفت، ويقال: أزحف البعير: إذا وقف من الاعياء