الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمة
أيها الأحبة:- لقد كان شعار السلف الصالح مع أهل الأهواء والآراء والبدع بالعموم (الشدة والغلظة والإذلال)،مترسمين قول الله تعالى:{ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة : 123].وأن كانت هذه الآية في حق الكافر؛ألا أنها تنال المبتدعة الضلال من باب أولى،فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة،وكذلك قوله تعالى في توجيه نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل مع المنافقين:{وَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }[النساء : 63]،{بليغاً} أي كلام بليغ رادع لهم.
وقوله تعالى:{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }[التوبة:73]،وقد جاء في تفسير أبن كثير رحمه الله بخصوصها: ((وقال ابن مسعود في قوله تعالى : { جاهد الكفار والمنافقين } قال : بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم وعن مقاتل والربيع مثله وقال الحسن وقتادة: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم)).
وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير{ واغلظ عليهم }:
(( الغلظ:شدة القلب،وخشونة الجانب،وهكذا تكون معاملة المؤمنين لهذين الفريقين في الدنيا)).
وعلى هذا فلم يكن لهم هوادة مع المبتدعة،بل يسومونهم بأدلة الحق ما يجرحهم ويخذلهم ويُخَذَّل عنهم.
فكانت هذه الخصلة من أنبل مناقبهم؛كيف لا وقد حموا بها جناب التوحيد والدين القويم،ونصحوا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم،فابعدوا عن حياضه كل عفن مؤذ،لا يدع أحدا يرتوي من حياض الشريعة السمحة.
بهذا الباعث الذي دفعهم وألجأهم إلى هذه الشدة والقسوة مع المخالف للحق،كانوا لا يترددون ولا يتوانون في الكلام حتى في الأخيار،بل ويغلظون عليهم في القول أن ظهر منهم شيء يخالف الحق،
فهذا إمام أهل السنة احمد بن حنبل رحمه الله،كان (( لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إن صدر منهم ما يخالف السنة،وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين)).
(مناقب الإمام أحمد لأبن الجوزي)(253).
ولكن في زمن الغربة انقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم بسبب التخلي عن هذه الخصلة الحازمة الرادعة المغيظة المميتة لأهل الأهواء،النافعة الرافعة للحق وأهله،عندما أميتت من قبل الأكثر،فأبدلوا في التعامل مع المبتدعة مكان الشدة ليناً وتساهلاً وموادعةً ومصافاةً وكان الأجدر والأفضل هو أن يتواطئوا جميعاً على البدع وأهلها بالشدة والإذلال مترسمين طريقة السلف في تعاملهم مع أهل الأهواء المضلة.
لو اخذوا بهذا لماتت ومات أهلها وتطهرت البلاد من جراثيم بدعهم ولشع نور السنة في ربوعها.
وبما أننا نسبنا هذا الأسلوب من أساليب الدعوة الحقّة إلى سلفنا الصالح رضوان الله عليهم،وجب علينا التدليل على ذلك وتدعيمه بالشواهد من سيرتهم الزكية العلية.
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يواجهون أهل البدع بكل شدة وصرامة ويقمعونهم ويذلونهم ويتبرؤن منهم .
وهذا واضح في سيرهم مع المخالفين،قال ابن القيم رحمه الله في(شفاء العليل\60): (( كان ابن عباس رضي الله عنهما شديداً على القدرية،وكذلك الصحابة ))،ومن شدة هذا الحبر البحر القدوة على المبتدعة الضُّلال ما ذكره عنه الألكائي في (شرح السنة)(4\712): ((عن عطاء رحمه الله قال: أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه فقلت:قد تُكلم في القدر.
قال: أوَ قد فعلوها؟.
فقلت: نعم.
قال: (( فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[القمر\48-49 ]، أولئك شرار هذه الأمة،لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني احدهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين)).
وكذلك من شدة الصحابة رضوان الله عليهم وصرامتهم مع المبتدعة يوضحه موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل وكيف شج رأسه بعراجين النخل في القصة المشهورة،ولو فُعِلَ اليوم مثل هذا مع المبتدعة وهم أحوج ما يكونون إلى ذلك،لأن بدعهم أشر وأضر على الأمة،لقيل في حق فاعلها كل الأقاويل،ولربما كان هذا أحد الموانع من أحجام الأغلب في عدم أستعمال الشدة وأظهار التبرء من المبتدعة حتى لايقال فيه أنه متشدد في دعوته،وهذا خلل أدى إلى فشو البدع وتنمر أهلها وتكالبهم وتكاثرهم مقابل القلة الخَيّرة التي تفردة بهذا الأسلوب،الشدة والغلظة على المبتدعة الضّلال،وهؤلاء القلة غرباء خذلهم وعاب عليهم أكثر أهل زمانهم.
وكان مما يُظهِرُ شدة الصحابة على المبتدعة وتبرئهم منهم،قول ابن عمر رضي الله عنهما حينما سئل عن القدرية فقال: ((فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني))أخرجه مسلم(8).
وهذا حال سمرة بن جندب رضي الله عنه: ((كان شديداّ على الخوارج فكانوا يطعنون عليه))الإصابة(3\130).
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ((إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛فإنه كان شديداً على المبتدعة))السير(7\447).
ويوماً لقي ثوراً -وكان يرى القدر- الإمام الأوزاعي رحمه الله فمد يده إليه،فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه،وقال:
((ياثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ولكنه الدين))السير(11\344).
إذاً هذه الشدة وهذا التعامل الغليظ مع المبتدعة من الدين ولأجل الدين فكان محموداً.
وهذا بلال بن أبي بردة رحمه الله كما ذكر ابن عساكر في تبين كذب المفتري(89) أنه كان ((شديداً على أهل البدع)).
ويوماٍ سأل الإمام احمد رحمه الله عن شريك رحمه الله،فقال: ((كان عاقلاً صدوقاً محدثاً،وكان شديداً على أهل الريب والبدع))السير(8\209).
فهذا الذي زكاه أمام أهل السنة ومدحه على شدته مع أهل الإهواء،كان من أقواله فيهم كما جاء في الإبانة(2\469): ((لئن يكون في كل قبيلة حماراً أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعاٍ)).
وهذا إمام دار الهجرة مالك رحمه الله كان يقول: ((لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم،ولا يعاد مريضهم،ولا تحدث عنهم الأحاديث))الجامع لأبن أبي زيد القيرواني(125).
(ولا تحدث عنهم الأحاديث)،هذا مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولربما كانت صحيحة ومع ذلك ينهى هذا الإمام عن نقلها عنهم لأنهم لايستحقون أن تحمل عنهم ،فما بالك إذا كانت كتبهم مملوءة بالضلال والبدع والأهواء ويأتي من يزكيها للناس ويحثهم على قرأتها.
وهذا الإمام الشافعي رحمه الله ذكر عنه البيهقي في (مناقب الشافعي)(1\469)أنه كان: ((شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم)).
وجاء في تاريخ دمشق(45\365):عن عمر بن هارون رحمه الله أنه كان ((شديداً على المرجئة،وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم)).
وهذا الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله قال عنه الذهبي في السير(13\322-323) : ((كان لهجاً بالسنة –واظهر السنة ببلده ودعا غليها وذب عن حريمها وقمع مخالفها - ،بصيراً بالمناظرة،جذعاً في أعين المبتدعة))،((وهو الذي قام على محمد بن كرّام الذي ينسب إليه الكرّامية وطرده عن هراة فيما قيل)).
وهذا إمام أهل السنة في زمانه أبو محمد الحسين بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله قال عنه الذهبي أيضاً في السير(15\90): ((كان قوالاً بالحق،داعية إلى الأثر ،لا يخاف في الله لومة لائم))،وقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية(11\213): ((كان شديداً على أهل البدع والمعاصي،وكان كبير القدر تعظمه الخاصة والعامة))،وقال عنه ابن رجب كما في طبقات الحنابلة: ((شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان)).
ومن خلال ترجمة المحدث أحمد بن عون الله رحمه الله نرى الصورة الواضحة في كيفية تعامل السلف مع أهل البدع وكيف كان حالهم معهم،فقد جاء في ترجمته كما في تاريخ دمشق(5\118): ((كان أبو جعفر أحمد بن عون الله رحمه الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذلاً لهم طالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارهم شديد الوطأة عليهم مشرداً لهم إذا تمكن منهم على حالٍ ولا يسالمه،وإن عثر على منكر وشهد عليه عنده بأنحراف عن السنة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه وعيره بذكر السوء في المحافل وأغرى به حتى يهلكه أو ينزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده،ولم يزل دؤوباً على هذا جاهداً فيه ابتغاء وجه اللهَ إلى أن لقي الله عز وجل)).
وجاء في ترجمة أسد بن الفرات رحمه الله كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله(3\302): ((حدث أسد يوماً بحديث الرؤية،وسليمان الفراء المعتزلي في آخر المجلس فأنكر الرؤية،فسمعه أسد فقام إليه وجمع بين طوقيه ولحيته،واستقبله بنعله فضربه حتى أدماه،وطرده من مجلسه)).
وجاء أيضاً في ترجمة الإمام أبي عمر أحمد بن محمد المعافري رحمه الله كما في السير(17\568): ((كان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع،قامعاً لهم،غيوراً على الشريعة،شديداً في ذات الله)).
إذاً أيها الأحبة: الشدة على أهل البدع وهجرهم وأذلالهم والتنكيل بهم يعتبر من أعظم أصول الدين التي يحفظ بها المسلم دينه،ويتقي شر مهالك البدع والأهواء.
لهذا أهتم السلف به فواجهوا المبتدعة مواجهة حاسمة بالسيف واللسان وحذروا الناس منهم وتبرؤا منهم وهجروهم،متبعين بذلك الطريقة الشرعية في التعامل مع المبتدعة،حتى صار من ممادحهم التي تذكر في سيرهم،أن فلاناً كان شديداً في السنة، كان شديداً على أهل الأهواء والبدع.
فهل بعد هذا البيان يحق لأحدٍ كائناً من كان أن ينتقد هذه الطريقة السلفية العريقة ويذم سالكها وينسبه إلى الغلو المنهي عنه زوراً وبهتاناً.
ألا فليتق الله تعالى أقوام يدعون السنة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم،ويحامون عن أهل البدع ويوالون ويعادون من أجلها.
فأفسدوا بذلك شباباً كثر،وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنة وأئمتهم،فجنوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو الطريق إلى النجاة من هذه الفتن.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة.
مستفاد من كتاب الشيخ خالد الظفيري حفظه الله
((أجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء))
أيها الأحبة:- لقد كان شعار السلف الصالح مع أهل الأهواء والآراء والبدع بالعموم (الشدة والغلظة والإذلال)،مترسمين قول الله تعالى:{ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة : 123].وأن كانت هذه الآية في حق الكافر؛ألا أنها تنال المبتدعة الضلال من باب أولى،فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة،وكذلك قوله تعالى في توجيه نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل مع المنافقين:{وَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }[النساء : 63]،{بليغاً} أي كلام بليغ رادع لهم.
وقوله تعالى:{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }[التوبة:73]،وقد جاء في تفسير أبن كثير رحمه الله بخصوصها: ((وقال ابن مسعود في قوله تعالى : { جاهد الكفار والمنافقين } قال : بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم وعن مقاتل والربيع مثله وقال الحسن وقتادة: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم)).
وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير{ واغلظ عليهم }:
(( الغلظ:شدة القلب،وخشونة الجانب،وهكذا تكون معاملة المؤمنين لهذين الفريقين في الدنيا)).
وعلى هذا فلم يكن لهم هوادة مع المبتدعة،بل يسومونهم بأدلة الحق ما يجرحهم ويخذلهم ويُخَذَّل عنهم.
فكانت هذه الخصلة من أنبل مناقبهم؛كيف لا وقد حموا بها جناب التوحيد والدين القويم،ونصحوا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم،فابعدوا عن حياضه كل عفن مؤذ،لا يدع أحدا يرتوي من حياض الشريعة السمحة.
بهذا الباعث الذي دفعهم وألجأهم إلى هذه الشدة والقسوة مع المخالف للحق،كانوا لا يترددون ولا يتوانون في الكلام حتى في الأخيار،بل ويغلظون عليهم في القول أن ظهر منهم شيء يخالف الحق،
فهذا إمام أهل السنة احمد بن حنبل رحمه الله،كان (( لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إن صدر منهم ما يخالف السنة،وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين)).
(مناقب الإمام أحمد لأبن الجوزي)(253).
ولكن في زمن الغربة انقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم بسبب التخلي عن هذه الخصلة الحازمة الرادعة المغيظة المميتة لأهل الأهواء،النافعة الرافعة للحق وأهله،عندما أميتت من قبل الأكثر،فأبدلوا في التعامل مع المبتدعة مكان الشدة ليناً وتساهلاً وموادعةً ومصافاةً وكان الأجدر والأفضل هو أن يتواطئوا جميعاً على البدع وأهلها بالشدة والإذلال مترسمين طريقة السلف في تعاملهم مع أهل الأهواء المضلة.
لو اخذوا بهذا لماتت ومات أهلها وتطهرت البلاد من جراثيم بدعهم ولشع نور السنة في ربوعها.
وبما أننا نسبنا هذا الأسلوب من أساليب الدعوة الحقّة إلى سلفنا الصالح رضوان الله عليهم،وجب علينا التدليل على ذلك وتدعيمه بالشواهد من سيرتهم الزكية العلية.
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يواجهون أهل البدع بكل شدة وصرامة ويقمعونهم ويذلونهم ويتبرؤن منهم .
وهذا واضح في سيرهم مع المخالفين،قال ابن القيم رحمه الله في(شفاء العليل\60): (( كان ابن عباس رضي الله عنهما شديداً على القدرية،وكذلك الصحابة ))،ومن شدة هذا الحبر البحر القدوة على المبتدعة الضُّلال ما ذكره عنه الألكائي في (شرح السنة)(4\712): ((عن عطاء رحمه الله قال: أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه فقلت:قد تُكلم في القدر.
قال: أوَ قد فعلوها؟.
فقلت: نعم.
قال: (( فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[القمر\48-49 ]، أولئك شرار هذه الأمة،لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني احدهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين)).
وكذلك من شدة الصحابة رضوان الله عليهم وصرامتهم مع المبتدعة يوضحه موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل وكيف شج رأسه بعراجين النخل في القصة المشهورة،ولو فُعِلَ اليوم مثل هذا مع المبتدعة وهم أحوج ما يكونون إلى ذلك،لأن بدعهم أشر وأضر على الأمة،لقيل في حق فاعلها كل الأقاويل،ولربما كان هذا أحد الموانع من أحجام الأغلب في عدم أستعمال الشدة وأظهار التبرء من المبتدعة حتى لايقال فيه أنه متشدد في دعوته،وهذا خلل أدى إلى فشو البدع وتنمر أهلها وتكالبهم وتكاثرهم مقابل القلة الخَيّرة التي تفردة بهذا الأسلوب،الشدة والغلظة على المبتدعة الضّلال،وهؤلاء القلة غرباء خذلهم وعاب عليهم أكثر أهل زمانهم.
وكان مما يُظهِرُ شدة الصحابة على المبتدعة وتبرئهم منهم،قول ابن عمر رضي الله عنهما حينما سئل عن القدرية فقال: ((فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني))أخرجه مسلم(8).
وهذا حال سمرة بن جندب رضي الله عنه: ((كان شديداّ على الخوارج فكانوا يطعنون عليه))الإصابة(3\130).
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ((إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛فإنه كان شديداً على المبتدعة))السير(7\447).
ويوماً لقي ثوراً -وكان يرى القدر- الإمام الأوزاعي رحمه الله فمد يده إليه،فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه،وقال:
((ياثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ولكنه الدين))السير(11\344).
إذاً هذه الشدة وهذا التعامل الغليظ مع المبتدعة من الدين ولأجل الدين فكان محموداً.
وهذا بلال بن أبي بردة رحمه الله كما ذكر ابن عساكر في تبين كذب المفتري(89) أنه كان ((شديداً على أهل البدع)).
ويوماٍ سأل الإمام احمد رحمه الله عن شريك رحمه الله،فقال: ((كان عاقلاً صدوقاً محدثاً،وكان شديداً على أهل الريب والبدع))السير(8\209).
فهذا الذي زكاه أمام أهل السنة ومدحه على شدته مع أهل الإهواء،كان من أقواله فيهم كما جاء في الإبانة(2\469): ((لئن يكون في كل قبيلة حماراً أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعاٍ)).
وهذا إمام دار الهجرة مالك رحمه الله كان يقول: ((لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم،ولا يعاد مريضهم،ولا تحدث عنهم الأحاديث))الجامع لأبن أبي زيد القيرواني(125).
(ولا تحدث عنهم الأحاديث)،هذا مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولربما كانت صحيحة ومع ذلك ينهى هذا الإمام عن نقلها عنهم لأنهم لايستحقون أن تحمل عنهم ،فما بالك إذا كانت كتبهم مملوءة بالضلال والبدع والأهواء ويأتي من يزكيها للناس ويحثهم على قرأتها.
وهذا الإمام الشافعي رحمه الله ذكر عنه البيهقي في (مناقب الشافعي)(1\469)أنه كان: ((شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم)).
وجاء في تاريخ دمشق(45\365):عن عمر بن هارون رحمه الله أنه كان ((شديداً على المرجئة،وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم)).
وهذا الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله قال عنه الذهبي في السير(13\322-323) : ((كان لهجاً بالسنة –واظهر السنة ببلده ودعا غليها وذب عن حريمها وقمع مخالفها - ،بصيراً بالمناظرة،جذعاً في أعين المبتدعة))،((وهو الذي قام على محمد بن كرّام الذي ينسب إليه الكرّامية وطرده عن هراة فيما قيل)).
وهذا إمام أهل السنة في زمانه أبو محمد الحسين بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله قال عنه الذهبي أيضاً في السير(15\90): ((كان قوالاً بالحق،داعية إلى الأثر ،لا يخاف في الله لومة لائم))،وقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية(11\213): ((كان شديداً على أهل البدع والمعاصي،وكان كبير القدر تعظمه الخاصة والعامة))،وقال عنه ابن رجب كما في طبقات الحنابلة: ((شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان)).
ومن خلال ترجمة المحدث أحمد بن عون الله رحمه الله نرى الصورة الواضحة في كيفية تعامل السلف مع أهل البدع وكيف كان حالهم معهم،فقد جاء في ترجمته كما في تاريخ دمشق(5\118): ((كان أبو جعفر أحمد بن عون الله رحمه الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذلاً لهم طالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارهم شديد الوطأة عليهم مشرداً لهم إذا تمكن منهم على حالٍ ولا يسالمه،وإن عثر على منكر وشهد عليه عنده بأنحراف عن السنة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه وعيره بذكر السوء في المحافل وأغرى به حتى يهلكه أو ينزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده،ولم يزل دؤوباً على هذا جاهداً فيه ابتغاء وجه اللهَ إلى أن لقي الله عز وجل)).
وجاء في ترجمة أسد بن الفرات رحمه الله كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله(3\302): ((حدث أسد يوماً بحديث الرؤية،وسليمان الفراء المعتزلي في آخر المجلس فأنكر الرؤية،فسمعه أسد فقام إليه وجمع بين طوقيه ولحيته،واستقبله بنعله فضربه حتى أدماه،وطرده من مجلسه)).
وجاء أيضاً في ترجمة الإمام أبي عمر أحمد بن محمد المعافري رحمه الله كما في السير(17\568): ((كان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع،قامعاً لهم،غيوراً على الشريعة،شديداً في ذات الله)).
إذاً أيها الأحبة: الشدة على أهل البدع وهجرهم وأذلالهم والتنكيل بهم يعتبر من أعظم أصول الدين التي يحفظ بها المسلم دينه،ويتقي شر مهالك البدع والأهواء.
لهذا أهتم السلف به فواجهوا المبتدعة مواجهة حاسمة بالسيف واللسان وحذروا الناس منهم وتبرؤا منهم وهجروهم،متبعين بذلك الطريقة الشرعية في التعامل مع المبتدعة،حتى صار من ممادحهم التي تذكر في سيرهم،أن فلاناً كان شديداً في السنة، كان شديداً على أهل الأهواء والبدع.
فهل بعد هذا البيان يحق لأحدٍ كائناً من كان أن ينتقد هذه الطريقة السلفية العريقة ويذم سالكها وينسبه إلى الغلو المنهي عنه زوراً وبهتاناً.
ألا فليتق الله تعالى أقوام يدعون السنة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم،ويحامون عن أهل البدع ويوالون ويعادون من أجلها.
فأفسدوا بذلك شباباً كثر،وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنة وأئمتهم،فجنوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو الطريق إلى النجاة من هذه الفتن.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة.
مستفاد من كتاب الشيخ خالد الظفيري حفظه الله
((أجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء))