النصيحة المحتومة
بالبعد عن المعاصي والذنوب المشئومة
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
بعد صلاة الجمعة 3/ ذي القعدة عام 1429هـ
بالبعد عن المعاصي والذنوب المشئومة
-بسم الله الرحمن الرحيم-
الحمد لله مقدّر الأقدار، ومكور الليل على النهار، ومعاقب الفجار، ومسعد المصلحين الأبرار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وآله وصحبه الأطهار، أما بعد:
فيقول الله تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾،
عباد الله!
إن نعم الله على العباد كثيرة، وآلائه لوفيرة، كالإسلام والاستقامة والتفقه في الدين والأمن والمال والعقل والزوجة الحلال والولد وغير ذلك، فمن أراد بقاءها، وأحب زيادتها، فعليه بالقيام بشكرها، وأداء حقها، بطاعة ربه والدوام على ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾،
وأما إذا قوبلت بالكفران والجحود، ومعصية الله المعبود، كانت معرضة للذهاب، ولصاحبها بالعقاب، وقد ضرب الله لنا في ذلك الأمثلة، منها قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾، وقال جل وعلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، وقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾، وقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾،
فلما اقتُرفت المعاصي واللمم، رفعت تلك النعم، وحلت بأهلها النقم، جزاء عملهم السيئ، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ﴾، وقال:﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً﴾، وقال:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.
ولم تكن المؤاخذة بكل ذنب، وإنما بالبعض كما قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾.
ولنا عبرة فيما قص الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- من قصص الأنبياء وما فُعل بأقوامهم لما كذبوا، قال تعالى: ﴿فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ وقال جل شأنه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾.
وإن المسلم المنصف ليقر ويعترف بانتشار المعاصي والذنوب في أوساط المسلمين، فالشرك بالله ضارب بأطنابه، وسب الله ودينه موجود، وأناس سعوا في تفريق المسلمين عن الحق بإيقاعهم في البدع والحزبيات والتعصبات المذهبية، وقوم يتركون الصلاة، أو الصيام، أو أداء الزكاة، أو الحج والعمرة الواجبة المقدور عليها، وأقوام يعقون الوالدين، ويقطعون الأرحام، ويؤذون الجيران، ويبغون على الضعفاء واليتامى والأرامل والمساكين، وأقوام اقترفوا الزنى واللواط، واستروحوا للغيبة والنميمة، وحلقوا اللحية، أو شربوا الدخان والمخدرات والمسكرات والقات، وسمعوا الغناء، وأقوام ابتلاهم الله بأكل الربا، وأخذ الرشوة، ومن أخطر المصائب على المسلمين اقتناء التلفاز والدشوش، ومتابعة ما يبث فيها من أفكار خطيرة، ومناهج منحرفة، وأخلاق مدمرة، تدعو ربما للكفر أو الفواحش.
ومن تذرع بأنه يرى الحَرَمَ أو المحاضرات فنقول له: إن الشر بالنسبة للخير أضعاف وأضعاف، بل لا قياس بينهما، والله عزوجل حرم الخمر وأثبت لها منافع وبين أن إثمها أكبر من نفعها، والقاعدة عند أهل العلم: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فتنبهوا لها رعاكم الله.
ومن المعاصي الكبيرة التي يتساهل فيها الناس بحجة سلامة القلوب: اختلاط الرجال بالنساء الأجانب، سواء في البيوت أو المزارع أو المناسبات أو المدارس والجامعات أو الوظائف، متجاهلين قول الله عزوجل لأطهر القلوب في هذه الأمة بعد نبيها ﷺ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، هذا خطاب لقلوب مؤمنة حقًّا وصدقًا بلا شك ولا خلاف، فكيف بنا نحن؟ وقلوبنا ضعيفة الإيمان والله المستعان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» متفق عليه عن أسامة بن زيد –رضي الله عنهما-.
ومن المعاصي الخفية، والتي أضرارها بادية: الرياء والحسد والحقد والغل والكبر والفخر والخيلاء، وغيرها جنبنا الله والمسلمين منها. وجمع باب هذه المعاصي كلها: الديمقراطية التي هي أم الخبائث –كما قال هذا شيخنا الإمام مقبل الوادعي رحمه الله- سلم الله حكامنا والمسلمين من شرها وبصرهم بها.
عباد الله!
لما كانت أحوال المسلمين بهذا الحال المزري، والواقع المخزي، تسلط عليهم أعداؤهم من جهة، وعاقب الله من شاء من جهة أخرى، فعلينا عباد الله باليقظة من نومنا، والانتباه من غفلتنا، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري». وأما العقوبة فقد سبقت الأدلة في ذلك، ومنها قوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. فلذا يرسل الله على من شاء من عباده عقابه المتنوع، وعذابه المفجع، لعل العباد أن يخافوا وفزعوا، فيتوبوا ويرجعوا، كما قال: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾.
فإذا تقرر عندنا: أن النعم من الله، وأن بقاءها وزيادتها بشكره، وأن زوالها وذهابها بمعصيته، كان ما حل بأهل حضرموت -واديها وساحلها-، عبرة وعظة للمعتبرين المتعظين، جرَّاء ما اقترفوه من معاصي وذنوب، فكم من أنفست هلكت، وأسر تفرقت، وأفلاذ أكباد يتمت، وأموال هلكت وأفسدت، وهذه الوقائع لا شك ولا ريب أنها بتقدير الله الحكيم العلام، ومشيئة ذي الجلال والإكرام، التي لا استطاعة للعباد في صدها وردها، قال تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾، وقال جل شأنه: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾.
فعلينا عباد الله بالتسليم لقضاء الله وقدره في المصائب المؤلمة، كما نسلم له في غيرها، وعلينا ألا نعترض على ذلك، بأن يقول القائل: لِمَ فعل الله بنا كذا ولم يفعل بغيرنا، وأقبح من هذا وأعظم قول من يقول: هذا ظلم!!! فإن الله عزوجل: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾،
وروى أحمد بسند صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لو أن الله عزوجل عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم»، وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
* وبعض الناس بسبب جهلهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم درج على لسانه قول أعدائه من المشركين والكفار: (هذه كارثة طبيعية)!!! كلا والله ليست بكارثة طبيعية بل قدرها الله وأنزلها بسبب ذنوبنا ومعاصينا ويعفو عن الكثير كما تقدمت الأدلة بذلك.
وبعض الناس يتسلط عليه شيطانه فيقول: لو كان هذا بسبب الذنوب والمعاصي لعذب الله بلاد كذا وكذا؟ فنقول قال الله عزوجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، وقال سبحانه:﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ والأدلة في هذا المعنى كثيرة، والله عزوجل يقول: ﴿يُعَذِّبُُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾.
وإن الدافع لنا على بيان ما تقدم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به سلامتنا من العقوبة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، ومن حفاظنا على أنفسنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى في شأن الذين نصحوا قومهم من التحايل على شرع الله: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾، وفي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء صعدوا إلى من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، قال-صلى الله عليه وسلم-: فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».
وإني أوصي نفسي وإخواني: ببذل الصدقة والإعانة على قدر الاستطاعة لإخواننا الذين نزل عليهم الضرر، وألا نحوجهم إلى المسألة، وألا يكن ذلك بما فيه من التفاخر والمباهاة بالعمل، أو الازدراء بمن تصدق عليهم، وإنَّ أماكنهم لمعروفة، ومواطنهم لمعلومة، لا تحتاج إلى مجمع يجمع، ونسأل الله عزوجل أن يرحم ويعفو عمن مات من المسلمين، والحمد لله رب العالمين
.فيقول الله تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾،
عباد الله!
إن نعم الله على العباد كثيرة، وآلائه لوفيرة، كالإسلام والاستقامة والتفقه في الدين والأمن والمال والعقل والزوجة الحلال والولد وغير ذلك، فمن أراد بقاءها، وأحب زيادتها، فعليه بالقيام بشكرها، وأداء حقها، بطاعة ربه والدوام على ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾،
وأما إذا قوبلت بالكفران والجحود، ومعصية الله المعبود، كانت معرضة للذهاب، ولصاحبها بالعقاب، وقد ضرب الله لنا في ذلك الأمثلة، منها قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾، وقال جل وعلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، وقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾، وقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾،
فلما اقتُرفت المعاصي واللمم، رفعت تلك النعم، وحلت بأهلها النقم، جزاء عملهم السيئ، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ﴾، وقال:﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً﴾، وقال:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.
ولم تكن المؤاخذة بكل ذنب، وإنما بالبعض كما قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾.
ولنا عبرة فيما قص الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- من قصص الأنبياء وما فُعل بأقوامهم لما كذبوا، قال تعالى: ﴿فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ وقال جل شأنه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾.
وإن المسلم المنصف ليقر ويعترف بانتشار المعاصي والذنوب في أوساط المسلمين، فالشرك بالله ضارب بأطنابه، وسب الله ودينه موجود، وأناس سعوا في تفريق المسلمين عن الحق بإيقاعهم في البدع والحزبيات والتعصبات المذهبية، وقوم يتركون الصلاة، أو الصيام، أو أداء الزكاة، أو الحج والعمرة الواجبة المقدور عليها، وأقوام يعقون الوالدين، ويقطعون الأرحام، ويؤذون الجيران، ويبغون على الضعفاء واليتامى والأرامل والمساكين، وأقوام اقترفوا الزنى واللواط، واستروحوا للغيبة والنميمة، وحلقوا اللحية، أو شربوا الدخان والمخدرات والمسكرات والقات، وسمعوا الغناء، وأقوام ابتلاهم الله بأكل الربا، وأخذ الرشوة، ومن أخطر المصائب على المسلمين اقتناء التلفاز والدشوش، ومتابعة ما يبث فيها من أفكار خطيرة، ومناهج منحرفة، وأخلاق مدمرة، تدعو ربما للكفر أو الفواحش.
ومن تذرع بأنه يرى الحَرَمَ أو المحاضرات فنقول له: إن الشر بالنسبة للخير أضعاف وأضعاف، بل لا قياس بينهما، والله عزوجل حرم الخمر وأثبت لها منافع وبين أن إثمها أكبر من نفعها، والقاعدة عند أهل العلم: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فتنبهوا لها رعاكم الله.
ومن المعاصي الكبيرة التي يتساهل فيها الناس بحجة سلامة القلوب: اختلاط الرجال بالنساء الأجانب، سواء في البيوت أو المزارع أو المناسبات أو المدارس والجامعات أو الوظائف، متجاهلين قول الله عزوجل لأطهر القلوب في هذه الأمة بعد نبيها ﷺ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، هذا خطاب لقلوب مؤمنة حقًّا وصدقًا بلا شك ولا خلاف، فكيف بنا نحن؟ وقلوبنا ضعيفة الإيمان والله المستعان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» متفق عليه عن أسامة بن زيد –رضي الله عنهما-.
ومن المعاصي الخفية، والتي أضرارها بادية: الرياء والحسد والحقد والغل والكبر والفخر والخيلاء، وغيرها جنبنا الله والمسلمين منها. وجمع باب هذه المعاصي كلها: الديمقراطية التي هي أم الخبائث –كما قال هذا شيخنا الإمام مقبل الوادعي رحمه الله- سلم الله حكامنا والمسلمين من شرها وبصرهم بها.
عباد الله!
لما كانت أحوال المسلمين بهذا الحال المزري، والواقع المخزي، تسلط عليهم أعداؤهم من جهة، وعاقب الله من شاء من جهة أخرى، فعلينا عباد الله باليقظة من نومنا، والانتباه من غفلتنا، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري». وأما العقوبة فقد سبقت الأدلة في ذلك، ومنها قوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. فلذا يرسل الله على من شاء من عباده عقابه المتنوع، وعذابه المفجع، لعل العباد أن يخافوا وفزعوا، فيتوبوا ويرجعوا، كما قال: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾.
فإذا تقرر عندنا: أن النعم من الله، وأن بقاءها وزيادتها بشكره، وأن زوالها وذهابها بمعصيته، كان ما حل بأهل حضرموت -واديها وساحلها-، عبرة وعظة للمعتبرين المتعظين، جرَّاء ما اقترفوه من معاصي وذنوب، فكم من أنفست هلكت، وأسر تفرقت، وأفلاذ أكباد يتمت، وأموال هلكت وأفسدت، وهذه الوقائع لا شك ولا ريب أنها بتقدير الله الحكيم العلام، ومشيئة ذي الجلال والإكرام، التي لا استطاعة للعباد في صدها وردها، قال تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾، وقال جل شأنه: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾.
فعلينا عباد الله بالتسليم لقضاء الله وقدره في المصائب المؤلمة، كما نسلم له في غيرها، وعلينا ألا نعترض على ذلك، بأن يقول القائل: لِمَ فعل الله بنا كذا ولم يفعل بغيرنا، وأقبح من هذا وأعظم قول من يقول: هذا ظلم!!! فإن الله عزوجل: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾،
وروى أحمد بسند صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لو أن الله عزوجل عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم»، وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
* وبعض الناس بسبب جهلهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم درج على لسانه قول أعدائه من المشركين والكفار: (هذه كارثة طبيعية)!!! كلا والله ليست بكارثة طبيعية بل قدرها الله وأنزلها بسبب ذنوبنا ومعاصينا ويعفو عن الكثير كما تقدمت الأدلة بذلك.
وبعض الناس يتسلط عليه شيطانه فيقول: لو كان هذا بسبب الذنوب والمعاصي لعذب الله بلاد كذا وكذا؟ فنقول قال الله عزوجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، وقال سبحانه:﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ والأدلة في هذا المعنى كثيرة، والله عزوجل يقول: ﴿يُعَذِّبُُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾.
وإن الدافع لنا على بيان ما تقدم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به سلامتنا من العقوبة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، ومن حفاظنا على أنفسنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى في شأن الذين نصحوا قومهم من التحايل على شرع الله: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾، وفي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء صعدوا إلى من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، قال-صلى الله عليه وسلم-: فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».
وإني أوصي نفسي وإخواني: ببذل الصدقة والإعانة على قدر الاستطاعة لإخواننا الذين نزل عليهم الضرر، وألا نحوجهم إلى المسألة، وألا يكن ذلك بما فيه من التفاخر والمباهاة بالعمل، أو الازدراء بمن تصدق عليهم، وإنَّ أماكنهم لمعروفة، ومواطنهم لمعلومة، لا تحتاج إلى مجمع يجمع، ونسأل الله عزوجل أن يرحم ويعفو عمن مات من المسلمين، والحمد لله رب العالمين
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
بعد صلاة الجمعة 3/ ذي القعدة عام 1429هـ
حمل الرسالة من المرفقات
تعليق