بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة شيخنا العلامة / الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …………. وبعد : شيخنا حفظكم الله، لا يخفاكم ما للجليس من أثر على جليسه، سواءً كان خيراً أو شراً.
ولقد وقع بعض إخواننا السلفيين في هذه الأيام في مخالطة بعض المخالفين للمنهج السلفي على سبيل الصحبة وتوافق الطبع؛ فتجد أن هذا الأخ أقل ما يصاب به هو التبلد تجاه الأفكار المخالفة للعقيدة السلفية، ويشمئز من ذكر القضايا المنهجية.
فنريد منكم حفظكم الله تعالى ذكر كلمه تربوية سلفية؛ تبين خطورة مخالطة هؤلاء، وذكر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، في تبيين خطورة ذلك، وذكر الأمثلة من التأريخ تبين تحول بعض أهل السنة إلى البدعة بسبب مماشاة أهل الأهواء.
بارك الله في عمركم وعلمكم، وجزاكم الله خيراً.
فكان مما قاله -حفظه الله- في جوابه:
فنحن نحذر الشباب السلفي من مخالطة هؤلاء، والاستئناس بهم، والركون إليهم، فليعتبروا بمن سلف ممن كان يغتر بنفسه ويرى نفسه انه سيهدي أهل الضلال، ويردهم عن زيغهم وضلالهم؛ وإذا به يترنح ويتخبط ثم يصرع في أحضان أهل البدع.
وقد مضت تجارب من فجر تاريخ الإسلام، فأُناس من أبناء الصحابة لما ركنوا إلى ابن سبأ؛ وقعوا في الضلال.
وأناس من أبناء الصحابة والتابعين لما ركنوا إلى المختار بن أبي عبيد؛ وقعوا في الضلال.
وأناس ركنوا إلى كثير من الدعاة السياسيين الضالين ومن رؤوس البدع؛ فوقعوا في حبائل أهل الضلال.
وكثيرون وكثيرون جداً، ولكن نذكر منهم قصة عمران بن حطان، كان من أهل السنة وهوي امرأة من الخوارج، فأراد أن يتزوجها ويهديها إلى السنة، فتزوجها؛ فأوقعته في البدعة، قبحه الله، وكان يريد أن يهديها فضل بسببها،وكثير من المنتسبين إلى المنهج السلفي يقول: أنا أدخل مع أهل الأهواء لأهديهم فيقع في حبائلهم، عبد الرحمن بن ملجم، و عمران بن حطان، كلهم كان ينتمي إلى السنة ثم وقع في الضلال، وأدى بعبد الرحمن بن ملجم فجوره إلى أن قتل علياً، وأدى بعمران بن حطان فجوره إلى أن مدح هذا القاتل نسأل الله العافية قال :
يا ضـربة من تقي ما أراد بها ****** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه ****** أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم****** لم يخلطوا دينهم بغياً و عـدوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه ****** أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم****** لم يخلطوا دينهم بغياً و عـدوانا
إلى آخر أبيات رديئة قالها في مدح هذا المجرم، بارك الله فيكم.
وحصل لعبد الرزاق من أئمة الحديث أن انخدع بعبادة وزهد جعفر بن سليمان الضبعي، وأنِسَ إليه؛ فوقع في حبائل التشيع.
وانخدع أبو ذر الهروي راوي الصحيح بروايات، وهو من أعلام الحديث، انخدع بكلمة قالها الدارقطني في مدح الباقلاني؛ فجَرَّته هذه الكلمة في مدح الباقلاني ، إلى أن وقع في حبائل الأشاعرة، وصار داعية من دعاة الأشعرية؛ وانتشر بسببه المذهب الأشعري في المغرب العربي، فأهل المغرب يأنسون إليه، ويأتونه ويزورونه، ويبث فيهم منهج الأشعري، وهم قبله لا يعرفون إلا المنهج السلفي؛ فسن لهم سنة سيئة ، نسأل الله العافية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (( من دعى إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزارهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً )) فنسأل الله العافية.
والبيهقي انخدع ببعض أهل الضلال، كابن فورك وأمثاله، وكان من أعلام الحديث.
أنت جاهل وتثق بنفسك، وتغتر بنفسك، وأنت ما عندك علم يحميك؛ فأنت أولى مئات المرات بالوقوع في البدعة من هؤلاء.
و انخدع البيهقي بابن فورك فوقع في الأشعرية ، وكثير وكثير من الناس، وفي هذا العصر أمثلة كثيرة ممن عرفناهم كانوا على المنهج السلفي؛ ولما اختلطوا بأهل البدع ضلوا؛ لأن أهل البدع الآن لهم أساليب، ولهم نشاطات، ولهم طرق - يمكن ماكان يعرفها الشياطين في الوقت الماضي- فعرفوا الآن هذه الأساليب وهذه الطرق وكيف يخدعون الناس، فمن أساليبهم أنك تقرأ وتأخذ الحق وتترك الباطل، كثير من الشباب لا يعرف الحق من الباطل، ولا يميز بين الحق والباطل، فيقع في الباطل يرى أنه حق، ويرفض الحق يرى أنه باطل، وتنقلب عليه الأمور، وكما قال حذيفة رضي الله عنه (( إن الضلالة كل الضلالة أن تنكر ما كنت تعرف، وتعرف ما كنت تنكر )) .
فترى هذا سائر في الميدان السلفي والمضمار السلفي ما شاء الله ما تحس إلا وقد استدار المسكين، فإذا به حرب على أهل السنة، وأصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف عنده منكراً، وهذه هي الضلالة كل الضلالة، فنحن نحذر الشباب السلفي من الاغترار بأهل البدع والركون إليهم .
فأنصح الشباب السلفي :
أولاً أن يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس الخير وآثاره الطيبة، فقال: (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، - يعني أنت رابح و مستفيد منه على كل حال من الأحوال، لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير، وكلها نفع كما هو مثل المؤمن - والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه )) فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً، فإذا كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم ومخالطتهم ما دليلك على الجواز، الرسول r حَذَّر ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنذر، الرسول -صلى الله عليه وسلم- بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ، ونفذوا توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة، فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك الخير، ويخافون عليك من الوقوع في الشر.
فأنا أنصح الشبابٍ السلفي أينما كانوا، وأينما نزلوا، أن يدرسوا منهج السلف، وأن يعرفوا قدْر أهل السنة والجماعة، وأن يدركوا فيهم أنهم أهل النصح، وأهل الخبرة، وما يقولونه –والله - يتحقق فيمن يأخذ بقولهم أو يخالفهم، فمن خالفهم؛ فالغالب عليه الوقوع في الباطل، والوقوع في الشر، ومن استفاد منهم سَلِمَ ونجى،والسلامة والنجاة لا يعدلها شيء.
وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم، لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛ لأن المناظرة تجرك إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح، فأوصي الشباب أن يستفيدوا:
أولاً: من كتاب الله .
ثانياً: من سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
ثالثاً: من توجيهات ومواقف السلف الصالح ، بدأً بالصحابة، وعلى رأسهم عمر، الخليفة الراشد، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم ، وعبد الله ابن عباس، وجابر بن عبد الله، و عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم جميعاً، ونذكر لكم مواقف بعضهم؛ لأن الوقت لا يتسع لاستقصائهم .
أما عمر، فقصته مع صبيغ بن عسل مشهورة و معروفة، إذ كان يقذف ببعض الشبهات في أوساط الناس؛ فاستدعاه عمر، وضربه ضرباً شديداً، وأودعه في السجن، ثم استدعاه مرةً أخرى، وضربه، وأودعه في السجن، ثم في الثالثة قال: يا أمير المؤمنين، إن أردت قتلي فأحسن قتلتي، وإن أردت أن يخرج ما في رأسي فوالله لقد خرج، فلم يأمن جانبه أبداً، بعد كل هذا نفاه إلى العراق، وأمر بهجرانه، فهذه عقوبة بسبب هذه الشبهات الذي كان يقذفها في أوساط الناس، إذا قِستَها بالبدع التي تنتشر من أخف الناس بدعة تجد البون الشاسع بين ما عند صبيغ وما عند هؤلاء المتأخرين من الضلالات؛ لأن هذه أخطر وأشد بكثير وكثير، ولها دعاة، ولها نشاطات- مع الأسف الشديد- على كل المستويات .
وأما علي بن أبي طالب، فيكفي أنه قَتَل الخوارج، الذين قال فيهم رسول الله : شر الخلق والخليقة، شر من تحت أديم السماء، وفي هذا الوقت بزغ قرن الخوارج في غاية العنف، وفي غاية الشدة، ولهم من الوسائل والإعلام والدعايات والأعمال والفتك مالا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى؛ فكيف يأنس المسلم الصادق إلى من يحب هؤلاء ويواليهم؛ وكيف يثق بمن هذا منهجه وهذه عقيدته وهذا موقفه من الأمة .
وأما عبد الله بن عباس فله كلام شديد في أهل القدر رضي الله عنه، منها قال إئتوني بواحد منهم حتى أعض أنفه، حتى أجدعه، أو كما قال، يعني هكذا سيتعامل مع أهل البدع.
ابن عمر لمَّا بلغه أن قوماً يتقفرون العلم ويقولون أن لا قدر، قال: أبلغهم أنني منهم بَراء، وأنهم مني بُرءاء، لم يفتح ملف وتحقيقات وإلى آخره كما يفعل الآن أهل البدع، يقذفون الناس ظلماً وعدواناً، فإذا ثبت لك شيء من ضلالهم وتكلمت وحذرت منه قالوا: ما يتثبت ، نعوذ بالله من الهوى ولو يأتي ألف شاهد على ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادتهم ، بل يسقطونها ، ألف شاهد عدل، على ضال من ضلاَّلهم لا يقبلون شهادته؛ فضيعوا الإسلام وضيعوا شباب الإسلام بهذه الأساليب الماكرة نسأل الله العافية .
ابن عمر لما أخبره واحد، و الثاني يسمع فقط؛ صدقه لأنه مؤمن، عدل، وثقة، وديننا يقوم على أخبار العدول، من قواعده أخبار العدول، فإذا نقل لك الإنسان العدل كلاماً فالأصل فيه الصحة، ويجب أن تبني عليه الأحكام، وحذر الله من خبر الفاسق، فإذا إنسان معروف بالفسق وجاءك بخبر لا تكذبه، تَثَّبَت؛ لأن هناك احتمالاً أن يكون هذا الفاسق في هذا الخبر صادق، تَثَّبَت لا بأس، أما الآن العدل تلو العدل، والعدل تلو العدل يكتب ويشهد ما يُقبل كلامه، ويَنقل كلام الضال بالحروف ما تقبل شهادته، يقولون حاقد، فهذه من الأساليب عند أهل البدع و الفتن في هذا الوقت- نسأل الله العافية- لا يعرفها الخوارج، ولا الروافض، ولا أهل البدع في الأزمان الماضية، وجاءوا للأمة بأساليب وقواعد ومناهج وفتن ومشاكل وأساليب؛ إذا جمعتها –والله – ما يبقى من الدين شيء، إذا جمعت أساليبهم وقواعدهم لا يُبقون من الإسلام شيئاً، ومنها أخبار العدول يريدون أن يسقطونها، ومنهج السلف في نقد أهل البدع يسقطونه بطرق خبيثة، يسموها بالعدل والموازنة بين السيئات والحسنات إلى أخره، وإذا أخذت بهذا المنهج صار أئمتنا كلهم فاسقين، غير عدول، ظالمين، فَجَرَة على هذا المنهج الخبيث.
الشاهد أنَّا كما ذكرنا غير مرة أن الله حذرنا من أهل البدع، وبين أن مقاصدهم سيئة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أكَّدَ ذلك وحذر منهم، حذر منهم عليه الصلاة والسلام، فَهِمَ السلف من هذه النصوص ومن غيرها الكثير والكثير، فهموا منها المواقف السليمة والصحيحة من أهل البدع والضلال، ودَوَّنوا ذلك في كتبهم، وقالوا إن المبتدع لا غيبة له، وأنه يجب التحذير منه، وأن محاربة أهل البدع جهاد، وهو أفضل من الضرب بالسيوف لماذا ؟ لأن هذا يفسد الدين مباشرة، هذا يفسد الدين، الفاسد يفسد الدين، الفاسق معترف بأنه منحرف، وأنه مخالف للدين، ويُحدِّث نفسه بالتوبة، أما هذا لا، هذا يُفسد الدين، ويفسد الناس، لهذا نرى أن الله تبارك وتعالى حارب أحبار اليهود ورهبانهم وعلماء السوء منهم أشدَّ من محاربته للحكام والطغاة الجبابرة لماذا ؟ لأن أولئك ضلالهم وفسادهم معروف وواضح للناس، لكن هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، كما قال تبارك وتعالى{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ]71[،وهذا حال أهل البدع عندهم شيء من الحق أو شيء من الضلالة يلبسونه بشيء من الحق حتى يروج، طرق ماكرة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، تراه كم صب من اللوم والذم والتحذير والطعن لليهود وعلمائهم وللنصارى لماذا ؟ لأنهم أفسدوا دين الله، وهذا شأن أهل البدع ولهم حظ من هذا الذم الذي يوجهه الله تبارك وتعالى إلى اليهود والنصارى، والدليل قول الرسول-صلى الله عليه وسلم- (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))(20) فقد وقع أهل البدع في هذا الشر، وتابعوا اليهود في التأويل وفي التحريف وفي الكذب وفي نشر الباطل والدعاية في الباطل، شاركوهم في كل هذه الأشياء، فالشبه قوية جداً بينهم وبين هؤلاء، وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن هؤلاء سيتابعونهم.
فنحن عل كل حال بعد هذا كله ننصح الشباب السلفي أن يُقبلوا على طلب العلم، وأن يحرصوا على معاشرة الصالحين، وأن يحذروا كل الحذر من مخالطة أهل البدع وأهل الشبه والفتن، وهذه النصيحة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية من إخواننا طلاب الحق وأهل الحق، ونسأل الله أن ينفعنا وإياهم، وأن يجعلنا وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من أتباع محمد-صلى الله عليه وسلم- الذين يُؤثِرون طاعته واتباعه على كل أمر من أمور الحياة هذه، إن ربنا سميع الدعاء . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
رابط الموضوع بالكامل من موقع الشيخ ربيع حفظه الله تعالى
تعليق