إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة : " يا سارية الجبل " للشيخ العلامة الحافظ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة : " يا سارية الجبل " للشيخ العلامة الحافظ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى

    " يا سارية الجبل "



    رواه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " ( ١/ ٢١٥ /٢ ) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا أحمد بن يونس: ثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج ،عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يقال له سارية ، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال : فذكره.فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة و بينهما مسيرة شهر .
    قلت : وأيوب بن خوط متروك
    ، كما في " التقريب " . لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في " الأربعين الصوفية " ( ٣/ ٢ ) و البيهقي في " دلائل النبوة "( ٢ / ١٨١ /١ - مخطوطة حلب ) من طرق عن ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان: عن نافع به نحوه . ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر ( ٧ /٦ / ١ ) و ( ١٣/ ٦٣ / ٢ ) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( ٢٨ - ٢٩ ) إلا أنهما قالا : عن نافع عن ابن عمر أن عمر ... وزادا في آخره وكذا البيهقي : " قال ابن عجلان : و حدثني إياس بن قرة بنحو ذلك " ، و قال الضياء : " قال الحاكم( يعني أبا عبد الله ) : هذا غريب الإسناد و المتن لا أحفظ له إسنادا غير هذا " .

    وذكره ابن كثير في " البداية " ( ٧ / ١٣١ ) فقال : " و قال عبد الله بن وهب .... " مثل رواية " الضياء " و لفظه : فجعل ينادي : يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل ثلاثا . ثم قدم رسول الجيش ، فسأله عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا ، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا : يا سارية الجبل ثلاثا ، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله . قال :فقيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك . ثم قال ابن كثير : " و هذا إسناد جيد حسن " . و هو كما قال ، ثم ذكر له طرقا أخرى وقال : " فهذه طرق يشد بعضها بعضا " .

    قلت : وفي هذا نظر ، فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف بن عمر والواقدي و هما كذابان ، و مدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه . قال ابن كثير : " في صحته من حديث مالك نظر ". ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة " ( ٥ /٦٥ ) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال : يا سارية بن حصن الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلى بعض فقال علي : صدق و الله ليخرجن مما قال ، فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك ؟ قال : و ما هو؟ قال :قولك : يا سارية الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم ، قال : و هل كان ذلك مني ؟ قال : نعم و جميع أهل المسجد قد سمعوه ، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم ، وأنهم يمرون بجبل ، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا و قد ظفروا و إن جازوا هلكوا ، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته . قال : فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يقول : يا سارية بن حصن الجبل الجبل ، قال : فعدلنا إليه ففتح الله علينا .

    قلت : وهذا سند واه جدا ، فرات بن السائب ، قال البخاري : " منكر الحديث ".

    وقال الدارقطني و غيره : " متروك " و قال أحمد " قريب من محمد بن زياد الطحان ، يتهم بما يتهم به ذاك ". (١)

    فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان
    ، و ليس فيه إلا مناداة عمر" يا سارية الجبل "، و سماع الجيش لندائه،و انتصاره بسببه .

    ومما لا شك فيه
    ، أن النداء المذكور إنما كان إلهاما من الله تعالى لعمر، و ليس ذلك بغريب عنه ، فأنه " محدّث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، و لكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش ، و أنه رآهم رأي العين ، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء، وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل ، كيف لا و ذلك من صفات رب العالمين، المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور . و ليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عزوجل يقول في كتابه :(عالم الغيب ، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ).
    فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم !! سبحانك هذا بهتان عظيم .
    على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفا ، فهو من الأمور الخارقة
    ، للعادة التي قد تقع من الكافر أيضا ، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته، ولذلك يقول العلماءإن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة،و إلا فهو استدراج ، و يضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء : أمطري، فتمطر، و للأرض : أنبتي نباتك فتنبت ، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة .
    ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد" أغسطس " من السنة السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان : " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس " ص٢٣ قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها ، وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع ، و أخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب ، و هي تصيح في أعماقها بلا انقطاع : " أواه يا أماه ... ماذا أفعل ؟ " و لكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها ؟ و بعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها : " ماذا حدث ؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة : " أواه يا أماه ... ماذا أفعل ؟ ".
    و كان تاريخ الرسالة متفقا مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها " . و في المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و " الاستشفاف " ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه ، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل ! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر ، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب ، و الكل مخطئ . فالقصة صحيحة ثابتة
    ،و هي كرامة أكرم الله بها عمر ، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب ، و إنما هو من باب الإلهام ( في عرف الشرع ) أو ( التخاطر ) في عرف العصر الحاضر، الذي ليس معصوما ، فقد يصيب، كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر ، و لذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة ، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال :(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .الذين آمنوا و كانوا يتقون).

    و لقد أحسن من قال :

    إذا رأيت شخصا قد يطير
    *** و فوق ماء البحر قد يسير
    ولم يقف على حدود الشرع *** فإنه مستدرج و بدعي


    (١) فلا يغتر بإيراد النووي لهذه القصة بهذا التمام في " تهذيب الأسماء " (٢/ ١٠)، و قلده الأستاذ الطنطاوي في " سيرة عمر " ، فإنهم يتساهلون في مثلها .اهـ .

    السلسلة الصحيحة مجلد ٣ صفحة ١٠١ رقم١١١٠






    التعديل الأخير تم بواسطة أبو حذيفة عبد الله عبيدة الوهراني; الساعة 05-01-2013, 07:13 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      وأنت من أهل الجزاء

      تعليق

      يعمل...
      X