إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سئل عن الإيمان بالله ورسوله‏ هل فوقه مقام من المقامات أو حال من الأحوال ‏ ؟ (شيخ الإسلام ابن تيمية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سئل عن الإيمان بالله ورسوله‏ هل فوقه مقام من المقامات أو حال من الأحوال ‏ ؟ (شيخ الإسلام ابن تيمية)

    سئل عن الإيمان بالله ورسوله‏ هل فوقه مقام من المقامات أو حال من الأحوال ‏ ؟



    سئل ـ رحمه الله‏ : ‏ عن الإيمان بالله ورسوله‏ : ‏ هل فوقه مقام من المقامات أو حال من الأحوال أم لا‏

    ؟ ‏ وهل يدخل فيه جميع المقامات والأحوال المحمودة عند الله ورسوله أم لا‏ ؟ ‏ وهل تكون صفة

    الإيمان نورًا يوقعه الله في قلب العبد ، ويعرف العبد عند وقوعه في قلبه الحق من الباطل أم لا‏ ؟ ‏

    وهل يكون لأول حصوله سبب من الأسباب ـ مثل رؤية أهل الخير أو مجالستهم وصحبتهم أو تعلم

    عمل من الأعمال أو غير ذلك‏ ؟ ‏


    فإن كان لأول حصوله سبب ، فما هو ذلك السبب ‏ ؟ ‏ وما الأسباب ـ أيضًا ـ التي يقوى بها الإيمان إلى

    أن يكمل ، على ترتيبها‏ ؟ ‏هل يبدأ بالزهد حتى يصححه‏ ؟ ‏ أم بالعلم حتى يرسخ فيه‏ ؟ ‏ أم بالعبادة حتى

    يجهد نفسه ، أم يجمع بين ذلك على حسب طاقته‏ ؟ ‏ أم كيف يتوصل إلى حقيقة الإيمان الذي مدحه

    الله ورسوله‏ ؟ ‏ بينوا لنا الأسباب وأنواعها وشرحها ، التي يتوصل بها إلى حقيقة الإيمان ، وما

    وصف صاحبه ـ رضى الله عنكم‏ ؟ ‏



    فأجـاب‏ : ‏



    الحمد لله رب العالمين‏ . ‏ اسم الإيمان يستعمل مطلقًا ، ويستعمل مقيدًا ، وإذا استعمل مطلقًا ، فجميع

    ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة ، يدخل في مسمى الإيمان عند عامة

    السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، الذين يجعلون الإيمان قولاً وعملاً ، يزيد بالطاعة

    وينقص بالمعصية ، ويدخلون جميع الطاعات فرضها ونفلها في مسماه ، وهذا مذهب الجماهير من

    أهل الحديث والتصوف والكلام والفقه ، من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم‏ . ‏



    ويدخل في ذلك ما قد يسمى مقامًا وحالاً ؛ مثل الصبر والشكر والخوف والرجاء والتوكل والرضا

    والخشية والإنابة والإخلاص والتوحيد وغير ذلك‏ . ‏



    ومن هذا ما خرج في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ : ‏ ‏ ( ‏الإيمان بضع وستون ـ

    أو بضع وسبعون ـ شعبة ،أعلاها‏ : ‏ قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء

    شعبة من الإيمان‏ ) ‏‏ .
    ‏ فذكر أعلى شعب الإيمان ، وهو قول لا إله إلا الله ، فإنه لا شيء أفضل منها

    كما في الموطأ وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ : ‏‏ ( ‏أفضل الدعاء ؛ دعاء يوم عرفة ،

    وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي‏ : ‏ لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ،

    وهو على كل شيء قدير‏ )
    ‏ ، وفي الترمذي وغيره أنه قال‏ : ‏‏ ( ‏من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله

    دخل الجنة‏ )
    ‏ ، وفي الصحيح عنه أنه قال لعمه عند الموت‏ : ‏ ‏ ( ‏يا عم ، قل‏ : ‏ لا إله إلا الله ، كلمة

    أحاج لك بها عند الله‏ ) ‏‏. ‏



    وقد تظاهرت الدلائل على أن أحسن الحسنات هو التوحيد ، كما أن أسوأ السيئات هو الشرك ، وهو

    الذنب الذي لا يغفره الله ، كما قال تعالى‏ : ‏‏ { ‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن

    يَشَاء‏ }
    ‏ ‏ [ ‏النساء‏ : ‏ 48‏ ] ‏ وتلك الحسنة التي لابد من سعادة صاحبها كما ثبت في الصحيح عنه

    حديث الموجبتين‏ :
    ‏ موجبة السعادة وموجبة الشقاوة ، فمن مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ،

    وأما من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار ، وذكر في الحديث أنها أعلى شعب الإيمان‏ . ‏



    وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبد القيس‏ : ‏‏ ( ‏آمركم بالإيمان بالله ،

    أتدرون ما الإيمان بالله‏ ؟ ‏ شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وتقيموا الصلاة ، وتؤتوا

    الزكاة ، وتؤدوا خمس المغنم‏ )
    ‏ ، فجعل هذه الأعمال من الإيمان ، وقد جعلها من الإسلام في حديث

    جبرائيل الصحيح ـ لما أتاه في صورة أعرابي ـ وسأله عن الإيمان ، فقال‏ : ‏ ‏ ( ‏الإيمان أن تؤمن بالله

    وملائكته وكتبه ورسله ، والبعث بعد الموت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏ )
    ‏ ، وسأله عن الإسلام

    فقال‏ :
    ‏‏ ( ‏أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ،

    وتصوم رمضان ، وتحج البيت‏ )
    ‏ ، وفي حديث في المسند قال‏ : ‏ (الإسلام علانية ، والإيمان في

    القلب‏ ) ‏‏ . ‏



    فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد ، وما كان

    في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح ، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على

    عدمه أو ضعفه ؛ ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه وهي تصديق لما في

    القلب ودليل عليه وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ، لكن ما في القلب

    هو الأصل لما على الجوارح ، كما قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ‏ : ‏إن القلب ملك ، والأعضاء

    جنوده ، فإن طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك
    خبثت جنوده‏ . ‏ وفي الصحيحين عنه صلى

    الله عليه وسلم أنه قال‏ :
    ‏‏ ( ‏إن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت

    فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب‏ ) ‏‏ . ‏



    ولهذا ظن طوائف من الناس أن الإيمان إنما هو في القلب خاصة ، وما على الجوارح ليس داخلا في

    مسماه ، ولكن هو من ثمراته ونتائجه الدالة عليه ، حتى آل الأمر بغلاتهم ـ كجهم وأتباعه ـ إلى أن

    قالوا‏ : ‏ يمكن أن يصدق بقلبه ، ولا يظهر بلسانه إلا كلمة الكفر ، مع قدرته على إظهارها ، فيكون

    الذي في القلب إيمانًا نافعًا له في الآخرة ، وقالوا‏ : ‏ حيث حكم الشارع بكفر أحد بعمل أو قول


    فلكونه دليلاً على انتفاء ما في القلب‏ . ‏ وقولهم متناقض ، فإنه إذا كان ذلك دليلاً مستلزمًا لانتفاء

    الإيمان الذي في القلب ، امتنع أن يكون الإيمان ثابتًا في القلب ، مع الدليل المستلزم لنفيه ، وإن لم

    يكن دليلاً لم يجز الاستدلال به على الكفر والباطن‏ . ‏



    والله ـ سبحانه ـ في غير موضع يبين أن تحقيق الإيمان وتصديقه بما هو من الأعمال الظاهرة

    والباطنة ، كقوله‏ : ‏ ‏ { ‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ

    إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا‏ }
    ‏ ‏

    [ ‏الأنفال‏ : ‏2‏ : ‏ 4‏ ] ‏ وقال‏ : ‏ ‏{ ‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِوَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا

    بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ‏ } ‏ ‏
    [ ‏الحجرات‏ : ‏ 15‏ ] ‏ ، وقال تعالى‏ : ‏‏ { ‏إِنَّمَا

    الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏

    النور‏ : ‏62‏ ] ‏ ، وقال تعالى‏ : ‏‏ { ‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ

    فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا‏ }
    ‏ ‏ [ ‏النساء‏ : ‏ 65‏ ] ‏‏ . ‏



    فإذا قال القائل‏ : ‏ هذا يدل على أن الإيمان ينتفي عند انتفاء هذه الأمور ، لا يدل على أنها من الإيمان

    ، قيل‏ : ‏ هذا اعتراف بأنه ينتفي الإيمان الباطن مع عدم مثل هذه الأمورالظاهرة ، فلا يجوز أن يدعي

    أنه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة ، لا قول ولا عمل وهو المطلوب ـ وذلك

    تصديق ـ وذلك لأن القلب إذ تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة ، لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر

    ، فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور ، فإذا كان في القلب حب الله

    ورسوله ثابتًا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، ‏ { ‏لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

    يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏ }‏
    ‏ [ ‏المجادلة‏ : ‏ 22‏ ] ‏ ، ‏ { ‏وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء‏ } ‏ [‏المائدة‏ : ‏ 81‏ ] ‏

    فهذا التلازم أمر ضروري‏ . ‏



    ومن جهة ظن انتفاء التلازم غلط غالطون ، كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة ، مع

    القدرة التامة بدون الفعل ، حتى تنازعوا‏ : ‏ هل يعاقب على الإرادة بلا عمل‏ ؟ ‏ وقد بسطنا ذلك في غير

    هذا الموضع ، وبينا أن الهمة التي لم يقترن بها فعل ما يقدر عليه الهامُّ ليست إرادة جازمة ، وأن

    الإرادة الجازمة لابد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد ، والعفو وقع عمن هم بسيئة ولم يفعلها ؛ لا

    عمن أراد وفعل المقدور عليه ، وعجز عن حصول مراده ، كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل

    أحدهما ، فإن هذا يعاقب ؛ لأنه أراد وفعل المقدور من المراد ، ومن عرف الملازمات التي بين

    الأمور الباطنة والظاهرة زالت عنه شبهات كثيرة في مثل هذه المواضع التي كثر اختلاف الناس فيها‏ ‏


    بقى أن يقال‏ : ‏ فهل اسم الإيمان للأصل فقط ، أو له ولفروعه‏ ؟ ‏ والتحقيق‏ : ‏ أن الاسم المطلق

    يتناولهما ، وقد يخص الاسم وحده بالاسم مع الاقتران ، وقد لا يتناول إلا الأصل ، إذا لم يخص إلا

    هو ، كاسم الشجرة ، فإنه يتناول الأصل والفرع إذا وجدت ، ولو قطعت الفروع لكان اسم الشجرة

    يتناول الأصل وحده ، وكذلك اسم الحج هو اسم لكل ما يشرع فيه من ركن ، وواجب ، ومستحب ،

    وهو حج ـ أيضًا ـ تام بدون المستحبات ، وهو حج ناقص بدون الواجبات التي يجبرها دم‏ .



    والشارع صلى الله عليه وسلم لا ينفي الإيمان عن العبد لترك مستحب لكن لترك واجب ، بحيث ترك

    ما يجب من كماله وتمامه ، لا بانتفاء ما يستحب في ذلك ولفظ الكمال والتمام قد يراد به الكمال

    الواجب ، والكمال المستحب ، كما يقول بعض الفقهاء‏ : ‏ الغسل ينقسم إلى‏ : ‏ كامل ، ومجزئ ، فإذا

    قال النبي صلى الله عليه وسلم‏ : ‏‏ ( ‏لا إيمان لمن لا أمانة له ‏ ) ‏ ، و ‏ ( ‏لا يزني الزاني حين يزني

    وهو مؤمن‏ )
    ‏ ونحو ذلك ، كان لانتفاء بعض ما يجب فيه ، لا لانتفاء الكمال المستحب ، والإيمان

    يتبعض ويتفاضل الناس فيه ، كالحج ، والصلاة ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏ : ‏‏ ( ‏يخرج من

    النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ومثقال شعيرة من إيمان‏ ) ‏‏ . ‏



    وأما إذا استعمل اسم الإيمان مقيدًا ، كما في قوله تعالى‏ : ‏‏ { ‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ } ‏ ‏ [ ‏

    البينة‏ : ‏7‏ ] ‏ ، وقوله‏ : ‏ ‏ { ‏الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ‏ } ‏ ‏ [ ‏يونس‏ : ‏ 63‏ ] ‏ ، وقول النبي صلى الله

    عليه وسلم‏ :
    ‏ ‏ ( ‏الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت‏ ) ‏ ونحو ذلك ،

    فهناك قد يقال‏ : ‏ إنه متناول لذلك ، وإن عطف ذلك عليه من باب عطف الخاص على العام ،
    كقوله

    تعالى‏ :
    ‏‏ { ‏وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ‏ } ‏ ‏ [ ‏البقرة‏ : ‏ 98‏ ] ‏ ، وقوله‏ : ‏‏ { ‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ

    النَّبِيِّينَ
    مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏ } ‏ ‏ [ ‏الأحزاب‏ : ‏ 7‏ ] ‏‏ . ‏



    وقد يقال‏ : ‏ إن دلالة الاسم تنوعت بالإفراد والاقتران ، كلفظ الفقير والمسكين ، فإن أحدهما إذا أفرد

    تناول الآخر ، وإذا جمع بينهما كانا صنفين ، كما في آية الصدقة ، ولا ريب أن فروع الإيمان مع

    أصوله كالمعطوفين ، وهي مع جميعه كالبعض مع الكل ، ومن هذا الموضع نشأ نزاع واشتباه ، هل

    الأعمال داخلة في الإيمان أم لا‏ ؟ ‏ لكونها عطفت عليه‏ . ‏



    ومن هذا الباب قد يعطف على الإيمان بعض شعبه العالية ، أو بعض أنواعه الرفيعة ؛ كاليقين ،

    والعلم ، ونحو ذلك ، فيشعر العطف بالمغايرة ، فيقال‏ : ‏ هذا أرفع الإيمان ـ أي اليقين والعلم أرفع من

    المؤمن الذي ليس معه هذا اليقين والعلم ، كما قال الله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ

    أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏المجادلة‏ : ‏11‏ ] ‏‏ . ‏



    ومعلوم أن الناس يتفاضلون في نفس الإيمان والتصديق في قوته وضعفه ، وفي عمومه وخصوصه

    ، وفي بقائه ودوامه ، وفي موجبه ونقيضه ، وغير ذلك من أموره ، فيخص أحد نوعيه باسم يفضل

    به على النوع الآخر ، ويبقى اسم الإيمان ، في مثل ذلك متناولاً للقسم الآخر ، وكذلك يفعل في نظائر

    ذلك ، كما يقال‏ : ‏ الإنسان خير من الحيوان ، والإنسان خير من الدواب ، وإن كان الإنسان يدخل في

    الدواب ،
    في قوله‏ : ‏‏ { ‏إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ‏ } ‏ ‏ [ ‏الأنفال‏ : ‏ 22‏ ] ‏‏ . ‏


    فإذا عرف هذا ، فحيث وجد في كلام مقبول تفضيل شيء على الإيمان ، فإنما هو تفضيل نوع خاص

    على عمومه ، أو تفضيل بعض شعبه العالية على غيره ، واسم الإيمان قد يتناول النوعين جميعًا ،

    وقد يخص أحدهما كما تقدم ، وقد قيل‏ : ‏ أكثر اختلاف العقلاء من جهة أسمائه‏ .





    مجموع فتاوي ابن تيمية


يعمل...
X