إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هديه صلى الله عليه وسلم في الجماع والباه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هديه صلى الله عليه وسلم في الجماع والباه

    هديه صلى الله عليه وسلم في الجماع والباه



    أما الجِماعُ والباهُ ، فكان هَدْيُه فيه أكملَ هَدْيٍ ، يحفَظ به الصحة ، وتتمُّ به اللَّذةُ وسرور النفس ،

    ويحصل به مقاصدُه التي وُضع لأجلها ، فإن الجِمَاع وُضِعَ في الأصل لثلاثة أُمور هي مقاصدُه

    الأصلية:



    أحدها: حفظُ النسل ، ودوامُ النوع الانساني إلى أن تتكاملَ العُدة التي قدَّر الله بروزَها إلى هذا العالَم.



    الثاني:
    إخراجُ الماء الذي يضر احتباسُه واحتقانُه بجملة البدن .



    الثالث: قضاءُ الوَطر ، ونيلُ اللَّذة ، والتمتعُ بالنعمة ، وهذه وحدَها هي الفائدةُ التي في الجنَّة ، إذ لا

    تناسُلَ هناك ، ولا احتقانَ يستفرِغُه الإنزالُ .



    وفضلاءُ الأطباء: يرون أنَّ الجِمَاع من أحد أسباب حفظ الصحة . قال " جالينوسُ " : الغالبُ على

    جوهر المَنِيِّ النَّارُ والهواءُ ، ومِزاجُه حار رطب ، لأن كونه من الدم الصافي الذي تغتذى به الأعضاءُ

    الأصلية ، وإذا ثبت فضلُ المَنِيِّ ، فاعلم أنه لا ينبغي إخراجُه إلا في طلب النسل ، أو إخراجُ المحتقن

    منه ، فإنه إذا دام احتقانُه ، أحدث أمراضاً رديئة ،
    منها: الوسواسُ والجنون ، والصَّرْع ، وغيرُ ذلك

    ، وقد يُبرئ استعمالُه من هذه الأمراض كثيراً ، فإنه إذا طال احتباسُه ، فسد واستحال إلى كيفية

    سُمِّية تُوجب أمراضاً رديئة كما ذكرنا ، ولذلك تدفعُه الطبيعةُ بالاحتلام إذا كثر عندها من غير جِمَاع.



    وقال بعض السَّلَف: ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثاً: أن لا يدعَ المشيَ ، فإن احتاج إليه يوماً

    قدَر عليه ، وينبغي أن لا يدَع الأكل ، فإن أمعاءه تضيق ، وينبغي أن لا يدَع الجِمَاعَ ، فإن البئر إذا

    لم تُنزحْ ، ذهب ماؤها .



    وقال محمد بن زكريا: مَن ترك الجِمَاعَ مدةً طويلة ، ضعفتْ قُوى أعصابه ، وانسدَّت مجاريها ،

    وتقلَّص ذَكرُه .


    قال: ورأيتُ جماعة تركوه لنوع من التقشف ، فبرُدَتْ أبدانُهُم ، وعَسُرَتْ حركاتُهُم ، ووقعتْ عليهم

    كآبةٌ بلا سبب ، وقَلَّتْ شهواتُهُم وهضمُهُم . . انتهى .



    ومن منافعه: غضُّ البصر ، وكفُّ النفس ، والقدرةُ على العِفَّة عن الحرام ، وتحصيلُ ذلك للمرأة ،

    فهو ينفع نفسه في دنياه وأُخراه ، وينفع المرأة ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعاهدُه ويُحبُه ،

    ويقول: " حُبِّبَ إليَّ مِن دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ والطِّيبُ " .



    وفي كتاب " الزهد " للإمام أحمد في هذا الحديث زيادةٌ لطيفة ، وهي: " أصبرُ عن الطعام والشراب

    ، ولا أصبرُ عنهن . "



    وحثَّ على التزويج أُمَّته ، فقال: " تَزَوَّجوا ، فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُمَمَ " . وقال ابن عباس: خيرُ هذه

    الأُمة أكثرُها نِساءً .



    وقال: " إنِّي أتزوَّجُ النساءَ ، وأنامُ وأقومُ ، وأَصُومُ وأُفطِرُ ، فمن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي " .



    وقال: " يا معشرَ الشبابِ ، مَن استطاعَ منكم الباءَةَ فلْيَتَزَوَّجْ ، فإنه أغضُّ للبصرِ ، وأحْفَظُ للْفِرْج ،

    ومَن لم يستطعْ ، فعليه بالصومِ ، فإنه له وِجاءٌ "



    ولما تزوج جابر ثيِّباً قال له: " هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ " .



    وروى ابن ماجه في " سننه " من حديث أنس بن مالك قال ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

    " مَن أراد أنْ يَلْقَى اللهَ طاهراً مُطَهَّراً ، فَلْيَتَزَوَّج الحَرَائِرَ " . وفي " سننه " أيضاً من حديث ابن

    عباس يرفعه ، قال: " لم نَرَ للمُتَحابَّيْن مِثْلَ النِّكاحِ " .



    وفي " صحيح مسلم " من حديث عبد الله بن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

    الدُّنيا مَتَاعٌ ، وخَيْرُ متاع الدُّنْيا المرأةُ الصَّالِحَةُ " .



    وكان صلى الله عليه وسلم يُحرِّض أُمته على نكاح الأبكار الحسان ، وذواتِ الدين ، وفي " سنن

    النسائي "
    عن أبي هريرةَ قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ النساءِ خير ؟ قال: " التي

    تَسُرُّهُ إذا نَظَرَ ، وتُطِيعُهُ إذا أَمَرَ ، ولا تُخَالِفُه فيما يَكَرَهُ في نفسِها ومالِهِ " .



    وفي " الصحيحين " عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال: " تُنكَحُ المرأةُ لمالِها ، ولِحَسَبِها

    ، ولِجَمَالِها ، ولِدِينِهَا ، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّين ، تَرِبَتْ يَدَاكَ " .



    وكان يَحثُّ على نكاح الوَلُود ، وَيَكرهُ المرأة التي لا تلد ، كما في " سنن أبي داودَ " عن مَعْقِل بن

    يَسار ، أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: إني أصَبتُ امرأةً ذاتَ حَسَبٍ وجمالٍ ،

    وإنَّها لاَ تَلِدُ ، أَفَأَتَزَوَّجُها ؟ قال: " لا " ،ثم أتاه الثانيةَ ، فَنَهَاه ، ثم أتاه الثالثةَ ، فقال: " تَزَوَّجُوا

    الوَدُودَ الوَلُودَ ، فإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ " .



    وفي " الترمذي " عنه مرفوعاً: " أَرْبَعٌ من سُنن المُرْسَلِينَ: النِّكاحُ ، والسِّواكُ ، والتَّعَطُّرُ والحِنَّاءُ

    " .
    رُوي في " الجامع " بالنون والياء ، وسمعتُ أبا الحجَّاج الحافظَ يقول: الصواب: أنه الخِتَان ،

    وسقطت النونُ من الحاشية ، وكذلك رواه المَحَامِليُّ عن شيخ أبي عيسى الترمذي .



    وممَّا ينبغي تقديُمُه على الجِماع ملاعبةُ المرأة ، وتقبيلُها ، ومصُّ لِسانها ، وكان رسول الله صلى الله

    عليه وسلم
    ، يُلاعبُ أهله ، ويُقَبلُها



    وروى أبو داود في " سننه " : أنه صلى الله عليه وسلم " كان يُقبِّلُ عائشةَ ، ويمصُّ لِسَانَها " .



    ويُذكر عن جابر بن عبد الله قال: " نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المُواقعةِ قبلَ المُلاَعَبَةِ

    " .



    وكان صلى الله عليه وسلم ربما جامع نساءَه كُلَّهن بغُسل واحد ، وربما اغتَسَلَ عند كل واحدة منهن ،

    فروى مسلم في " صحيحه " عن أنس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَطوفُ على نسائه بغُسْلٍ

    واحد .



    وروى أبو داود في " سننه " عن أبي رافع مولَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنَّ رسولَ الله

    صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة ، فاغتَسَلَ عند كلِّ امرأةٍ منهنَّ غُسلاً ، فقلتُ: يا رسول

    الله ، لو اغتسلتَ غُسلاً واحداً ، فقال: " هذا أزكى وأطْهَرُ وأطْيَبُ ".
    وشُرع للمُجامِع إذا أراد العَودَ

    قبل الغُسل الوضوء بين الجِمَاعَيْن ، كما روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي سعيد الخدريِّ ،

    قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدُكُم أَهْلَهُ ، ثم أرادَ أن يعودَ فلْيَتَوَضأ " .



    وفي الغُسْلِ والوضوء بعد الوطء من النشاطِ ، وطيبِ النفس ، وإخلافِ بعض ما تحلَّل بالجِماع ،

    وكمالِ الطُهْر والنظافة ، واجتماع الحار الغريزي إلى داخل البدن بعد انتشاره بالجِماع ، وحصولِ

    النظافة التي يُحبها الله ، ويُبغض خلافها ما هو مِن أحسن التدبير في الجِماع ، وحفظ الصحة والقُوَى

    فيه .



    فصل: أنفعُ الجِماع


    وأنفعُ الجِماع ما حصلَ بعد الهضم ، وعند اعتدال البدن في حرِّه وبرده ، ويُبوسته ورطوبته ، وخَلائه

    وامتلائه . وَضَرَرُه عند امتلاء البدن أسهلُ وأقل من ضرره عند خُلوِّه ، وكذلك ضررُه عند كثرة

    الرطوبة أقلُّ منه عند اليبوسة ، وعند حرارته أقلُّ منه عند برودته ، وإنما ينبغي أن يُجامِعَ إذا

    اشتدتْ الشهوةُ ، وحصَلَ الانتشارُ التام الذي ليس عن تكلُّفٍ ، ولا فكرٍ في صورة ، ولا نظرٍ متتابع .


    ولا ينبغي أن يستدعيَ شهوةَ الجِماع ويتكلفها ، ويحمل نفسه عليها ، وليُبادْر إليه إذا هاجتْ به كثرةُ

    المَنِيِّ ، واشتد شَبَقُهُ ، وليحذرْ جِماعَ العجوز والصغيرةِ التي لا يُوطأُ مثلُها ، والتي لا شهوة لها ،

    والمريضةِ ، والقبيحةِ المنظرِ ،والبَغيضة ، فوطءُ هؤلاء يُوهن القُوَى ، ويُضعف الجِماع بالخاصِّية ،

    وغلط مَن قال من الأطباء: إن جِماع الثيِّب أنفعُ من جِماع البكر وأحفظُ للصحة ، وهذا من القياس

    الفاسد ، حتى ربما حذَّر منه بعضُهم ، وهو مخالف لِما عليه عقلاءُ الناسِ ، ولِما اتفقتْ عليه الطبيعةُ

    والشريعة .



    وفي جِماع البِكر من الخاصِّية وكمالِ التعلُّق بينها وبين مُجامعها ، وامتلاءِ قلبها من محبته ، وعدم

    تقسيم هواها بينه وبين غيره ، ما ليس للثَيِّب . وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لجابر: " هلاَّ

    تَزوَّجتَ بِكراً "
    ، وقد جعل الله سبحانه من كمالِ نساء أهل الجنَّة من الحُور العين ، أنَّهن لم يَطْمِثْهُنَّ

    أحدٌ قبلَ مَن جُعِلْنَ له ، من أهل الجنَّة . وقالت عائشةُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أرأيْتَ لو مَرَرْتَ

    بشجرةٍ قد أُرْتِعَ فيها
    ، وشجرةٍ لم يُرْتَعْ فيها ، ففي أيِّهما كنتَ تُرتِعُ بعيرَك ؟ قال: " في التي لم يُرْتَعْ

    فيها " .
    تريد أنه لم يأخذ بكراً غيرَها .



    وجِماعُ المرأة المحبوبة في النفس يَقِلُّ إضعافُهُ للبدن مع كثرةِ استفراغه للمَنِيِّ ، وجماع البغيضة يُحِلُّ

    البدن ، ويُوهن القُوَى مع قِلَّةِ استفراغه ، وجِماعُ الحائض حرامٌ طبعاً وشرعاً ، فإنه مضرٌ جداً ،

    والأطباء قاطبةً تُحَذِّر منه . وأحسنُ أشكالِ الجِماع أن يعلوَ الرجلُ المرأةَ ، مُستفرِشاً لها بعدَ المُلاعبة

    والقُبلة ، وبهذا سُميت المرأة فِراشاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم: " الولَدُ لِلفِراش " ، وهذا من

    تمام قَوَّامية الرجل على المرأة ، كما قال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } [ النساء 34
    ]،

    وكما قيل:



    إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشَاً يُقِلُّنِي * وَعِنْدَ فَرَاغِي خَادِمٌ يَتَمَلَّقُ



    وقد قال تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [ البقرة: 187 ] ، وأكملُ اللِّباس وأسبَغُه

    على هذه الحال ، فإن فِراش الرجل لباسٌ له ، وكذلك لِحَافُ المرأة لباسٌ لها ، فهذا الشكلُ الفاضلُ

    مأخوذٌ من هذه الآية ، وبه يَحسن موقعُ استعارةِ اللِّباس من كل من الزوجين للآخر .



    وفيه وجه آخرُ ، وهو أنها تَنعطِفُ عليه أحياناً ، فتكونُ عليه كاللِّباس ، قال الشاعر: إذَا مَا الضَّجِيعُ

    ثَنَي جِيدَها * تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا



    وأردأُ أشكاله أن تعلُوَهُ المرأةُ ، ويُجامِعَها على ظهره ، وهو خلافُ الشكل الطبيعي الذي طبع الله عليه

    الرجل والمرأة ، بل نوعَ الذكر والأُنثى ، وفيه من المفاسد ، أنَّ المَنِيَّ يتعسَّرُ خروجُه كلُّه ، فربما

    بقي في العضو منه فيتعفنُ ويفسد ، فيضر .



    وأيضاً: فربما سال إلى الذَّكر رطوباتٌ من الفَرْج .



    وأيضاً: فإنَّ الرَّحِم لا يتمكن من الاشتمال على الماء واجتماعِهِ فيه ، وانضمامِهِ عليه لتَخْلِيقِ الولد .



    وأيضاً:
    فإنَّ المرأة مفعولٌ بها طبعاً وشرعاً ، وإذا كانت فاعلة خالفتْ مقتضى الطبع والشرع .



    وكان أهل الكتاب إنما يأتون النساء على جُنوبهن على حَرْفٍ ، ويقولون: هو أيسرُ للمرأة .



    وكانت قريش والأنصار تَشْرَحُ النِّساءَ على أقْفَائِهن ، فعابَتِ اليهودُ عليهم ذلك ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ:

    { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } [ البقرة: 223 ] .



    وفي " الصحيحين " عن جابر ، قال: كانت اليهود تقولُ: إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبُرِها في قُبُلِها ،

    كان الولدُ أَحوَلَ ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }

    [ البقرة: 223] .



    وفي لفظ لمسلم: " إن شاء مُجَبِّيَة ، وإن شاء غير مُجَيِّبَة ، غَيْرَ أنَّ ذلك في صِمِامٍ واحدٍ " .



    و " المُجَبِّبَة " : المُنْكَبَّة على وجهها ، و " الصمام الواحد " : الفَرْج ، وهو موضع الحرْثِ والولد

    .


    وأما الدُّبرُ: فلم يُبَحْ قَطُّ على لسان نبيٍّ من الأنبياء ، ومَن نسب إلى بعض السَّلَف إباحة وطء الزوجة

    في دُبُرها ، فقد غلط عليه .



    وفي " سنن أبي داود " عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ملعونٌ مَن

    أتى المرأةَ في دُبُرِها " .
    وفي لفظ لأحمد وابن ماجه: " لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ جَامَعَ امرأتَه في دُبُرِها

    " .
    ، فقال: حَدَّثني عمرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

    " تلك اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى " .



    وقال أحمد في " مسنده " : حدَّثنا عبد الرحمن ، قال: حدَّثنا همَّام ، أُخبِرنا عن قتادَةَ ، عن عمرو

    بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، فذكره .



    وفي " المسند " أيضاً: عن ابن عباس: أنزلت هذه الآية: { نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ }

    [ البقرة: 223 ] في أُناسٍ من الأنصار ، أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه ، فقال: "

    ائْتِها على كُلِّ حال إذا كان في الفَرْج " .



    وفي " المسند " أيضاً: عن ابن عباس ، قال: جاء عمرُ بنُ الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه

    وسلم
    ، فقال: يا رسول الله: هلكتُ . فقال: " وما الذي أهلكَكَ " ؟ قال: حَوَّلْتُ رَحْلي البارِحَةَ ، قال:

    فلم يَرُدَّ عليه شيئاً ، فأوحى الله إلى رسوله:
    { نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }

    [ البقرة: 223 ] أَقْبِلْ وأَدْبِرْ ، واتَّقِ الحَيْضَةَ والدُّبُرَ " .



    وفي " الترمذي " : عن ابن عباس مرفوعاً: " لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ أتى رَجُلاً أو امرأةً في الدُّبُرِ " .




    وروينا من حديث أبي علي الحسن بن الحسين بن دُومَا ، عن البَراء بن عازِب يرفعه:" كَفَرَ باللهِ

    العظيم عشرةٌ من هذه الأُمة:
    القاتِلُ ، والسَّاحِرُ ، والدُّيُّوثُ ، وناكحُ المرأةِ في دُبُرِها ، ومانِعُ الزكاةِ ،

    ومَن وَجَدَ سَعَةً فماتَ ولم يَحُجَّ ، وشاربُ الخَمْرِ ، والسَّاعِي في الفِتَنِ ، وبائعُ السِّلاحِ من أهلِ الحربِ

    ، ومَن نكَح ذَاتَ مَحْرَمٍ منه " .



    وقال عبد الله بن وهب: حدَّثنا عبد الله بن لَهيعةَ ، عن مِشرَح بن هاعانَ ، عن عقبةَ بن عامر ، أنَّ

    رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
    " مَلْعُونٌ مَن يأتي النِّسَاءَ في محاشِّهِنَّ " ، يعني: أدْبَارِهِنَّ .



    وفي " مسند الحارث بن أبي أُسامة " من حديث أبي هريرة ، وابن عباس قالا: خطبنا رسولُ الله

    صلى الله عليه وسلم
    قبل وفاته ، وهي آخِرُ خُطبةٍ خطبها بالمدينة حتى لحق بالله عَزَّ وَجَلَّ ، وعظنا

    فيها وقال: " مَن نَكَحَ امرأَةً في دُبُرِها أو رجلاً أو صَبِيَّاً ، حُشِرَ يَوْمَ القيامة ، وريحُهُ أنْتَنُ مِنَ الجِيفةِ

    يتأذَّى به النَّاسُ حتى يَدْخُلَ النَّار ، وأَحْبَطَ اللهُ أجرَهُ ، ولا يَقْبَلُ منه
    صَرْفاً ولا عدلاً ، ويُدْخَلُ في تابوتٍ

    من نارٍ ، ويُشَدُّ عليه مَساميرُ من نارٍ "
    ، قال أبو هريرة: هذا لمن لم يتب .



    وذكر أبو نعيم الأصبهاني ، من حديث خزيمة بن ثابت يرفعه ، " إنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحَق ، لا

    تأتوا النِّساَء في أَعْجاَزِهِنَّ " .



    وقال الشافعي: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، قال: أخبرني عبد الله بن علي بن السائب ،

    عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، عن خزيمة بن ثابت ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم

    عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال: " حلال " ، فلما ولى ، دعاه فقال: " كيف قُلتَ ، في أيِّ

    الخُرْبَتَينِ ، أو في أي الخَرْزَتَينِ ، أو في أيِّ الخَصْفَتَينِ أمنْ دُبُرهاَ في قُبُلهَا ؟ فَنَعَم . أم مِنْ دُبُرِهاَ في

    دُبُرِهاَ ، فلا ، إنَّ الله لا يَسْتَحيِي مِنَ الحَق ، لا تأتوا النِّساَء في أَدبارهِنَّ " .



    قال الربيع: فقيل للشافعي: فما تقول ؟ فقال: عمي ثقة ، وعبد الله بن علي ثقة ، وقد أثنى على

    الأنصاري خيراً ، يعني عمرو بن الجلاح ، وخزيمة ممن لا يشك في ثقته ، فلست أرخص فيه ، بل

    انهي عنه .



    قلت: ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة ، فإنهم أباحوا أن يكون

    الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج ، فيطأ من الدبر لا في الدبر ، فاشتبه على السامع " من " ب "

    في " ولم يظن بينهما فرقاً ، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة ، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه .



    وقد قال تعالى: { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } [ البقرة: 222 ] قال مجاهد: سألتُ ابن عَبَّاس

    عن قوله تعالى: { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } [ البقرة: 222 ] ، فقال: تأتيها من حيث أمرت

    أن تعتزلها يعني في الحيض .

    وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول: في الفرج ، ولا تعدُه إلى غيره .



    وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين: أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحرث ، وهو

    موضع الولد لا في الحُشّ الذي هو موضع الأذى ، وموضع الحرث هو المراد من قوله: { مِنْ حَيْثُ

    أَمَرَكُمُ الله }
    [ البقرة: 222 ] الآية قال: { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } [ البقرة: 223

    ] وإتيانُها في قبلها مِن دبرها مستفادٌ من الآية أيضا ، لأنه قال: أنى شئتم ، أي: من أين شئتم من

    أمام أو من خلف . قال ابن عباس: فأتوا حرثكم ، يعني: الفرج .



    وإذا كان الله حرَّم الوطءَ في الفرج لأجل الأذى العارض ، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو محل الأذى اللازم

    مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان .



    وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء ، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها ، ولا يقضي وطَرَها ،

    ولا يُحَصِّل مقصودها .



    وأيضاً: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ، ولم يخلق له ، وإنما الذي هيئ له الفرج ، فالعادلون عنه إلى

    الدُّبُر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً .



    وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل ، ولهذا ينهي عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم ، لأن للفرج

    خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ في الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع

    الماء ، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي .



    وأيضاً: يضر من وجه آخَر ، وهو إحواجُه إلى حركات متعبةٍ جداً لمخالفته للطبيعة .



    وأيضاً:
    فإنه محل القذر والنَّجْوِ ، فيستقبلُه الرَّجل بوجهه ، ويُلابسه .



    وأيضاً: فإنه يضرُّ بالمرأة جداً ، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع ، مُنافر لها غايةَ المنافرة .



    وأيضاً:
    فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم ، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول .وأيضاً: فإنه يُسَوِّدُ الوجه ، ويُظلم

    الصدر ، ويَطمِسُ نور القلب ، ويكسو الوجه وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة.



    وأيضاً: فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد ، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ، ولا بُدَّ .



    وأيضاً: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكادُ يُرجَى بعده صلاح ، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة

    النصوح .



    وأيضاً: فإنه يُذهبُ بالمحاسن منهما ، ويكسوهما ضِدَّها . كما يُذهب بالمَوَدَّة بينهما ، ويُبدلهما بها

    تباغضاً وتلاعُناً .



    وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النِعَم ، وحُلول النِقَم ، فإنه يوجب اللَّعنةَ والمقتَ من الله ،

    وإعراضه عن فاعله ، وعدم نظره إليه ، فأيُّ خير يرجوه بعد هذا ، وأيُّ شر يأمنُه ، وكيف حياة

    عبد قد حلَّتْ عليه لعنة الله ومقته ، وأعرض عنه بوجهه ، ولم ينظر إليه .



    وأيضاً: فإنه يُذهب بالحياءِ جملةً ، والحياءُ هو حياة القلوب ، فإذا فقدها القلبُ ، استحسَن القبيح ،

    واستقبحَ الحسن ، وحينئذٍ فقد استَحكَم فسادُه .



    وأيضاً:
    فإنهُ يُحيل الطباعَ عما رَكَّبَها الله ، ويُخرج الإنسانَ عن طبعه إلى طبع لم يُركِّب الله عليه شيئاً

    من الحيوان ، بل هو طبع منكوس ، وإذا نُكِسَ الطبعُ انتكس القلب ، والعمل ، والهدى ، فيستطيبُ

    حينئذٍ الخبيثَ من الأعمال والهيئات ، ويفسد حاله وعملُه وكلامه بغير اختياره .



    وأيضاً: فإنه يُورِث مِنَ الوقاحة والجُرأة ما لا يُورثه سواه .



    وأيضاً: فإنه يُورث مِنَ المهانة والسِّفال والحقَارة ما لا يورثه غيره .



    وأيضاً: فإنه يكسو العبدَ مِن حُلَّة المقت والبغضاء ، وازدراءِ الناس له ، واحتقارِهم إيَّاه ،

    واستصغارِهم له ما هو مشاهَدٌ بالحسِّ ، فصلاة الله وسلامه على مَن سعادةُ الدنيا والآخرة في هَدْيِه

    واتباعِ ما جاء به ، وهلاكُ الدنيا والآخرة في مخالفة هَدْيِه وما جاء به .

    فصل:

    والجِماع الضار: نوعان ، ضارٌ شرعاً ، و ضارٌ طبعاً .



    فالضار شرعاً: المحرَّم ، وهو مراتبُ بعضُها أشدُّ من بعض . والتحريمُ العارض منه أخفُّ من اللازم

    ، كتحريم الإحرام ، والصيام ، والاعتكاف ، وتحريم المُظاهِرِ منها قبل التكفير ، وتحريمِ وطء الحائض

    . . . ونحو ذلك ، ولهذا لا حدَّ في هذا الجِمَاع .



    وأما اللازمُ: فنوعان ، نوعٌ لا سبيل إلى حِلَّه ألبتة ، كذواتِ المَحارم ، فهذا من أضر الجِمَاع ، وهو

    يُوجب القتل حداً عند طائفة من العلماء ، كأحمد ابن حنبلٍ رحمه الله وغيرِه ، وفيه حديث مرفوع

    ثابت .



    والثاني: ما يمكن أن يكون حلالاً ، كالأجنبية ، فإن كانت ذاتَ زوج ، ففي وطئها حَقَّان: حقٌّ للهِ ،

    وحقٌّ للزوج . فإن كانت مُكرَهة ، ففيه ثلاثةُ حقوق ، وإن كان لها أهل وأقاربُ يلحقهم العارُ بذلك

    صار فيه أربعةُ حقوق ، فإن كانت ذات مَحْرَم منه ، صار فيه خمسةُ حقوق . فمَضَرَّةُ هذا النوع

    بحسب درجاته في التحريم .



    وأما الضار طبعاً ، فنوعان أيضاً: نوعٌ ضار بكيفيته كما تقدَّم ، ونوعٌ ضار بكميته كالإكثار منه ، فإنه

    يُسقط القُوَّة ، ويُضر بالعصب ، ويُحدث الرِّعشةَ ، والفالج ، والتشنج ، ويُضعف البصر وسائرَ القُوَى

    ، ويُطفئُ الحرارةَ الغريزية ، ويُوسع المجاريَ ، ويجعلها مستعدة للفضلات المؤذية .



    وأنفعُ أوقاته ، ما كان بعد انهضام الغذاء في المَعِدَة وفي زمانٍ معتدلٍ لا على جوع ، فإنه يُضعف

    الحار الغريزي ، ولا على شبع ، فإنه يُوجب أمراضاً شديدةً ، ولا على تعب ، ولا إثْرَ حمَّام ، ولا

    استفراغٍ ، ولا انفعالٍ نفساني كالغمِّ والهمِّ والحزنِ وشدةِ الفرح .



    وأجودُ أوقاته بعد هَزِيع من الليل إذا صادف انهضامَ الطعام ، ثم يغتسل أو يتوضأ ، وينامُ عليه ،

    وينامُ عقبه ، فَتَراجَعُ إليه قواه ، وليحذرِ الحركة والرياضة عقبه ، فإنها مضرة جداً .





    منقول من كتاب الطب النبوي لابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى

يعمل...
X