القراءة على الميت
سئل عن الختمة التي تعمل على الميت ، والمقرئين بالأجرة . هل قراءتهم تصل إلى الميت؟ وطعام
الختمة يصل إلى الميت أم لا ؟ وإن كان ولد الميت يداين لأجل الصدقة إلى الميسور : تصل إلى
الميت ؟
فأجاب :
استئجار الناس ليقرؤوا ، ويهدوه إلى الميت ، ليس بمشروع ، ولا استحبه أحد من العلماء ، فإن
القرآن الذي يصل ما قرئ للّه . فإذا كان قد استؤجر للقراءة للّه ، والمستأجر لم يتصدق عن الميت ،
بل استأجر من يقرأ عبادة للّه عز وجل لم يصل إليه .
لكن إذا تصدق عن الميت على من يقرأ القرآن ، أو غيرهم ، ينفعه ذلك باتفاق المسلمين . وكذلك من
قرأ القرآن محتسباً ، وأهداه إلى الميت ، نفعه ذلك . واللّه أعلم .
وسئل عن جعل المصحف عند القبر ، ووقيد قنديل في موضع يكون من غير أن يقرأ فيه ، مكروه أم
لا ؟
فأجاب :
وأما جعل المصحف عند القبور ، وإيقاد القناديل هناك ، فهذا مكروه منهي عنه ، ولو كان قد جعل
للقراءة فيه هنالك ، فكيف إذا لم يقرأ فيه؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن اللّه زوارات
القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج ) . فإيقاد السرج من قنديل وغيره على القبور منهي
عنه ، مطلقاً ؛ لأنه أحد الفعلين اللذين لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من يفعلهما .
كما قال : ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط ، كاشفين عن عوراتهما يتحدثان ، فإن اللّه يمقت على
ذلك ) . رواه أبو داود وغيره . ومعلوم أنه ينهي عن كشف العورة وحده ، وعن التحدث وحده ،
وكذلك قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } [ الفرقان : 68، 69 ] . فتوعد على مجموع أفعال ، وكل فعل منها محرم .وذلك لأن ترتيب الذم على
المجموع ، يقتضي أن كل واحد له تأثير في الذم ، ولو كان بعضها مباحا ، لم يكن له تأثير في الذم .
والحرام لا يتوكد بانضمام المباح المخصص إليه .
والأئمة قد تنازعوا في القراءة عند القبر : فكرهها أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد في أكثر الروايات ،
ورخص فيها في الرواية الأخري عنه : هو وطائفة من أصحاب أبي حنيفة ، وغيرهم .
وأما جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك ، وتلاوته ، فبدعة منكرة ،لم يفعلها
أحد من السلف . بل هي تدخل في معني اتخاذ المساجد على القبور . وقد استفاضت السنن عن النبي
صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك ، حتى قال : ( لعن اللّه إليهود والنصاري ، اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا قالت عائشة : ولولا ذلك ، لأبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجداً
. وقال : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني
أنهاكم عن ذلك ) . ولا نزاع بين السلف والأئمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد .
ومعلوم أن المساجد بنيت للصلاة والذكر ،وقراءة القرآن ، فإذا اتخذ القبر لبعض ذلك ، كان داخلا في
النهي ، فإذا كان هذا مع كونهم يقرؤون فيها ، فكيف إذا جعلت المصاحف بحيث لا يقرأ فيها ، ولا
ينتفع بها لا حي ولا ميت؟ فإن هذا لا نزاع في النهي عنه .
ولو كان الميت ينتفع بمثل ذلك لفعله السلف ، فإنهم كانوا أعلم بما يحبه اللّه ويرضاه ، وأسرع إلى
فعل ذلك ، وتحريه .
مجموع فتاوي ابن تيمية