إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

طبقات الأولياء الله ( شيخ الإسلام ابن تيمية )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طبقات الأولياء الله ( شيخ الإسلام ابن تيمية )

    طبقات الأولياء الله


    أولياء الله على ‏ [ ‏طبقتين‏ ] ‏ سابقون مقربون ، وأصحاب يمين مقتصدون‏ .

    ‏ ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان ،

    والمطففين وفي سورة فاطر ، فإنه سبحانه وتعالى ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها ، وذكر

    القيامة الصغرى في آخرها ، فقال في أولها‏ : ‏ ‏ { ‏إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ

    إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا

    أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ

    النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ
    الْآخِرِينَ‏ } ‏ ‏ [ ‏ الواقعة‏ : ‏ 1 14‏ ] ‏ ‏ . ‏


    فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين ، كما وصف الله

    سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع ‏ . ‏



    ثم قال تعالى في آخر السورة‏ : ‏ ‏ { ‏فَلَوْلَا‏ } ‏ أي‏ : ‏ فهلا{ ‏وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ

    وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ

    فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ

    مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا
    لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏ } ‏ ‏

    [ ‏ الواقعة‏ : ‏ 83 96‏ ] ‏ ‏ . ‏



    وقال تعالى في سورة الإنسان‏ : ‏ ‏ { ‏إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ

    سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ

    يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا

    وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا

    قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا
    جَنَّةً وَحَرِيرًا‏ } ‏ الأيات ‏

    [ ‏الإنسان‏ : ‏ 3 12‏ ] ‏‏ . ‏



    وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال‏ : ‏ ‏ { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } ‏ إلى أن قال‏ : ‏ ‏ { ‏كَلَّا إِنَّ

    كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ

    الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ أياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم

    مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم

    بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ِنَّ

    الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ
    تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ

    خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏

    المطففين‏ : ‏ 7 28‏ ] ‏



    وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف قالوا‏ : ‏ يمزج لأصحاب اليمين مزجًا ، ويشرب

    بها المقربون صرفًا ، وهو كما قالوا‏ .
    ‏ فإنه تعالى قال‏ : ‏ ‏ { ‏يَشْرَبُ بِهَا‏ } ‏ ولم يقل‏ : ‏ يشرب منها ؛

    لأنه ضمن ذلك قوله يشرب ، يعنى‏ : ‏ يروى بها ، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى ، فإذا قيل‏ :

    يشربون منها لم يدل على الرى ، فإذا قيل‏ : ‏ يشربون بها كان المعنى يروون بها ، فالمقربون يروون

    بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها ؛ فلهذا يشربون منها صرفًا ، بخلاف أصحاب اليمين فإنها

    مزجت لهم مزجًا ، وهو كما قال تعالى في سورة الإنسان‏ : ‏ ‏ { ‏كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا

    عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا‏ }
    ‏ ‏ [ ‏الإنسان‏ : ‏ 5 ، 6‏ ] ‏‏ . ‏



    فعباد الله هم المقربون المذكورون في تلك السورة ، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير

    والشر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏ : ‏ ‏ ( ‏من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله

    عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يَسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر

    مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان
    العبد في عون أخيه ، ومن سلك

    طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون

    كتاب ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكين ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم

    الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه‏ )
    ‏ رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله

    عليه وسلم‏ :
    ‏ ‏ ( ‏الراحمون يرحمهم الرحمن‏ . ‏ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء‏ ) ‏ قال

    الترمذى‏ : ‏ حديث صحيح ‏ . ‏



    وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن‏ : ‏ ‏ ( ‏يقول الله تعالى‏ : ‏ أنا الرحمن خلقت الرحم ، وشققت

    لها اسمًا من اسمى ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته‏ )
    ‏ ، وقال‏ : ‏ ‏ (‏ومن وصلها وصله الله ،

    ومن قطعها قطعه الله‏ )
    ‏ ومثل هذا كثير ‏ . ‏



    وأولياء الله تعالى على نوعين‏ :
    ‏ مقربون وأصحاب يمين كما تقدم‏ .‏ وقد ذكر النبي صلى الله عليه

    وسلم عمل القسمين في حديث الأولياء فقال‏ : ‏ ‏ ( ‏يقول الله تعالى‏ : ‏ من عادى لى وليًا فقد بارزنى

    بالمحاربة ، وما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل

    حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،

    ورجله التي يمشي بها‏ ) ‏‏ . ‏



    فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض ، يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم

    الله عليهم ، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات ، ولا الكف عن فضول المباحات ‏ . ‏



    وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ، ففعلوا الواجبات والمستحبات ، وتركوا

    المحرمات والمكروهات ، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبًا تامًا

    ، كما قال تعالى‏ : ‏ ‏ ( ‏ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه‏ ) ‏ يعنى الحب المطلق ، كقوله

    تعالى‏ :
    ‏ ‏ { ‏اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏ } ‏ ‏ [ ‏

    الفاتحة‏ : ‏ 6 ، 7‏ ] ‏ أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏وَمَن يُطِعِ اللّهَ

    وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ

    رَفِيقًا‏ }
    ‏ ‏ [ ‏النساء‏ : ‏ 69‏ ] ‏‏ . ‏ فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات ، يتقربون بها

    إلى الله عز وجل فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفًا كما علموا له صرفًا ، والمقتصدون

    كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم ، فلا يعاقبون عليه ولا يثابون عليه ، فلم يشربوا صرفًا ، بل

    مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا ‏ . ‏



    ونظير هذا انقسام الأنبياء عليهم السلام إلى عبد رسول ، ونبي ملك ، وقد خير الله سبحانه محمدًا

    صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عبدًا رسولا ، وبين أن يكون نبيًا ملكا ، فاختار أن يكون عبدًا

    رسولا ، فالنبي الملك مثل داود وسليمان ونحوهما عليهما الصلاة والسلام ، قال الله تعالى في قصة

    سليمان الذي ‏
    { ‏قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ

    الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا

    عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏ ص‏ : ‏ 35 39 ‏ ] ‏ أي اعط من شئت واحرم من شئت لا

    حساب عليك ، فالنبي الملك يفعل ما فرض الله عليه ويترك ما حرم الله عليه ،ويتصرف في الولاية

    والمال بما يحبه ويختار من غير إثم عليه ‏ . ‏



    وأما العبد الرسول فلا يعطي أحدًا إلا بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم من يشاء ، بل روى عنه

    أنه قال‏ :
    ‏ ‏ ( ‏إني والله لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا ، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت‏ ) ‏ ، ولهذا يضيف

    الله الأموال الشرعية إلى الله والرسول كقوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ‏ } ‏ ‏ [ ‏الأنفال‏ : ‏ 1‏ ] ‏

    وقوله تعالى‏ :
    ‏ ‏ { ‏مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ‏ } ‏ ‏ [ ‏الحشر‏ : ‏ 7‏ ] ‏ ، وقوله

    تعالى‏ :
    ‏ ‏ { ‏وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‏ } ‏ ‏ [ ‏الأنفال‏ : ‏ 41‏ ] ‏‏ .




    ولهذا كان أظهر أقوال العلماء أن هذه الأموال تصرف فيما يحبه الله ورسوله بحسب اجتهاد ولى

    الأمر كما هو مذهب مالك وغيره من السلف ، ويذكر هذا روأية عن أحمد ، وقد قيل في الخمس أنه

    يقسم على خمسة ، كقول الشافعي وأحمد في المعروف عنه ، وقيل‏ : ‏ على ثلاثة ، كقول أبي حنيفة

    رحمه الله ‏ . ‏



    والمقصود هنا أن العبد الرسول هو أفضل من النبي الملك ، كما أن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا

    عليهم الصلاة والسلام أفضل من يوسف وداود وسليمان عليهم السلام ، كما أن المقربين السابقين

    أفضل من الأبرار أصحاب اليمين الذين ليسوا مقربين سابقين‏ . ‏ فمن أدى ما أوجب الله عليه وفعل من

    المباحات ما يحبه فهو من هؤلاء ، ومن كان إنما يفعل ما يحبه الله ويرضاه ويقصد أن يستعين بما

    أبيح له على ما أمره الله فهو من أولئك‏ .



    مجموع فتاوي ابن تيمية
يعمل...
X