إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل )

    سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل




    سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل ، ويصلي في بيته ، ولا يشهد الجماعة ، وإذا خرج

    إلى الجمعة يخرج مغطى الوجه ، ثم إنه يخترع العياط من غير سبب ، وتجتمع عنده الرجال والنساء ،

    فهل يسلم له حاله ‏؟‏ أو يجب الإنكار عليه‏؟‏

    فأجاب ‏ : ‏


    هذه الطريقة طريقة بدعية ، مخالفة للكتاب والسنة ، ولما أجمع عليه المسلمون‏ . ‏ والله تعالى إنما يعبد

    بما شرع ، لا يعبد بالبدع ، قال الله تعالى ‏ : ‏‏ { ‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏

    }
    ‏ ‏ [ ‏الشورى ‏ : ‏21‏ ] ‏ ، فإن التعبد بترك الجمعة والجماعة ، بحيث يرى أن تركهما أفضل من

    شهودهما مطلقًا كفر ، يجب أن يستتاب صاحبه منه ، فإن تاب وإلا قتل‏ . ‏ فإنه قد علم بالاضطرار من

    دين الإسلام ألا يعبد بترك الجمعة والجماعة ، بل يعبد بفعل الجمعة والجماعة ، ومن جعل الانقطاع من

    ذلك دينًا لم يكن على دين المسلمين ، بل يكون من جنس الرهبان الذين يتخلون بالصوامع والديارات ،

    والواحد من هؤلاء قد يحصل له بسبب الرياضة ، أو الشياطين بتقريبه إليهم ، أو غير ذلك نوع كشف

    ، وذلك لا يفيده ؛ بل هو كافر بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‏ . ‏



    والله تعالى أمر الخلق أن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئًا ، ويعبدوه بما شرع ، وأمرأن لا يعبدوه

    بغير ذلك‏ . ‏ قال تعالى‏ : ‏‏ { ‏فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا‏ } ‏ ‏

    [ ‏الكهف‏ : ‏110‏ ] ‏ ، وقال تعالى‏ : ‏‏ { ‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏ } ‏ ‏ [ ‏الملك‏ : ‏2‏ ] ‏‏ . ‏



    فالسالك طريق الزهادة والعبادة إذا كان متبعًا للشريعة في الظاهر ، وقصد الرياء والسمعة ، وتعظيم

    الناس له كان عمله باطلا لا يقبله الله‏ . ‏ كما ثبت في الصحيح أن الله يقول‏ : ‏‏ ( ‏أنا أغنى الشركاء عن

    الشرك ، من عمل عملًا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء ، وهو كله للذي أشرك‏ )
    ‏‏ . ‏ وفي الصحيح

    عنه أنه قال‏ :
    ‏ ‏ ( ‏من سَمَّع سَمَّع الله به ، ومن راءى راءى الله به‏ ) ‏‏ . ‏



    وإن كان خالصًا في نيته لكنه يتعبد بغير العبادات المشروعة‏ : ‏ مثل الذي يصمت دائمًا ، أو يقوم في

    الشمس ، أوعلى السطح دائمًا ، أو يتعرى من الثياب دائمًا ، ويلازم لبس الصوف ، أو لبس الليف ،

    ونحوه أو يغطى وجهه ، أو يمتنع من أكل الخبز ، أو اللحم ، أو شرب الماء ، ونحو ذلك كانت هذه

    العبادات باطلة ، ومردودة‏ . ‏ كما ثبت في الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏ : ‏ ‏ ( ‏

    من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‏ )
    ‏‏ . ‏ وفي رواية‏ : ‏ ‏ ( ‏من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو

    رد‏ )
    ‏ وفي صحيح البخاري عن ابن عباس‏ : ‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قائمًا في

    الشمس فقال‏ : ‏ ‏ ( ‏ما هذا ‏؟‏‏ ) ‏ قالوا‏ : ‏ هذا أبو إسرائيل ، نذر الصمت ، والقيام والبروز للشمس مع

    الصوم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم وحده ؛ لأنه عبادة يحبها الله تعالى ، وما عداه ليس

    بعبادة وإن ظنها الظان تقربه إلى الله تعالى‏ .
    ‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته‏

    : ‏‏ ( ‏إن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ،

    وكل بدعة ضلالة‏ ) ‏‏ . ‏



    وثبت عنه في الصحيح‏ :
    ‏ أن قومًا من أصحابه قال أحدهم‏ : ‏ أما أنا فأصوم ولا أفطر ، وقال الآخر‏ : ‏

    أما أنا فأقوم ولا أنام ،
    وقال الآخر‏ : ‏ أما أنا فلا أتزوج النساء ، وقال الآخر‏ : ‏أما أنا فلا آكل اللحم ،

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏ : ‏ ‏ ( ‏ما بال رجال يقول أحدهم‏ : ‏ كيت وكيت‏!‏ لكني أصوم وأفطر ،

    وأنام ، وأتزوج النساء ، وآكل اللحم ، فمن رغب عن سنتي فليس مني‏ )
    ‏ ، فإذا كان هذا فيما هو

    جنسه عبادة ، فإن الصوم والصلاة جنسها عبادة ، وترك اللحم والتزويج جائز ، لكن لما خرج في ذلك

    من السنة فالتزم القدر الزائد على المشروع ، والتزم هذا ترك المباح ، كما يفعل الرهبان ، تبرأ النبي

    صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك ، حيث رغب عن سنته إلى خلافها ، وقال‏ : ‏ ‏ ( ‏لا رهبانية في ا

    ا
    لإسلام‏ )
    ‏ فكيف بمن يرغب عما هو من أعظم شعائر الإسلام ، وهو الصلاة في الجمعة ،

    والجماعات‏؟‏‏!‏



    وقد روى عن ابن عباس أنهم سألوه غير مرة عمن يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يشهد جمعة ،

    ولا جماعة‏ . ‏ فقال‏ : ‏ هو في النار‏ . ‏ وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ : ‏ ‏ ( ‏

    لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليطبعن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين‏ )
    ‏ وقال‏ : ‏ ‏ ( ‏

    من ترك ثلاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله على قلبه‏ )
    ‏‏ . ‏ وفي الصحيح والسنن‏ :إن أعمى قال‏

    : ‏ يا رسول الله ، إن لي قائدًا لا يلائمني ، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي‏؟‏ قال‏ : ‏( ‏هل تسمع

    النداء‏؟‏‏ ) ‏ قال‏ : ‏ نعم ، قال‏ : ‏ ‏ ( ‏فأجب‏ ) ‏‏ . ‏ وفي رواية قال‏ : ‏‏ ( ‏لا أجد لك رخصة‏ ) ‏‏ . ‏



    و‏ [ ‏الجمعة‏ ] ‏ فريضة باتفاق الأئمة‏ . ‏



    و‏ [ ‏الجماعة‏ ] ‏ واجبة أيضًا ، عند كثير من العلماء ، بل عند أكثر السلف ، وهل هي شرط في صحة

    الصلاة على قولين‏ :



    أقواهما كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ : ‏ ‏ ( ‏من سمع النداء فلم يجب

    من غير عذر فلا صلاة له‏ ) ‏‏ . ‏



    وعند طائفة من العلماء‏ : ‏ أنها واجبة على الكفاية‏ . ‏



    و‏ [ ‏أحد الأقوال‏ ] ‏ أنها سنة مؤكدة ، ولا نزاع بين العلماء أن صلاة الرجل في جماعة تزيد على

    صلاته وحده خمسًا وعشرين ضعفًا‏ . ‏



    كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ . ‏ ولا نزاع بينهم أن من جعل صلاته وحده أفضل من

    صلاته في جماعة فإنه ضال مبتدع ، مخالف لدين المسلمين‏ . ‏



    وهذه البدع يذم أصحابها ، ويعرف أن الله لا يتقبلها ، وإن كان قصدهم بها العبادة ، كما أنه لا يقبل

    عبادة الرهبان ، ونحوهم ممن يجتهدون في الزهد والعبادة لأنهم لم يعبدوه بما شرع ، بل ببدعة

    ابتدعوها ، كما قال‏ : ‏‏ { ‏وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا‏ } ‏ ‏ [ ‏الحديد‏ : ‏27‏ ] ‏ ، فإن المتعبد بهذه البدع قصده أن

    يعظم ويزار ، وهذا عمله ليس خالصًا لله ، ولا صوابًا على السنة ، بل هو كما يقال‏ :زغل ، وناقص

    ، بمنزلة لحم خنزير ميت ، حرام من وجهين‏ . ‏



    والواجب على كل مسلم التزام عبادة الله وحده لا شريك له ، وطاعة رسوله ، والأمر بذلك لكل أحد ،

    والنهي عن ضد ذلك لكل أحد ، والإنكار على من يخرج عن ذلك ، ولو طار في الهواء ، ومشى على

    الماء
    وليس تحت أديم السماء أحد يقر على خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إن

    كان مقرًا بالإسلام ألزمه بطاعة الرسول ، واتباع سنته الواجبة ، وشريعته الهادية ، وإن كان غير

    مقر بالإسلام كان كافرًا ، ولو كان له من الزهد والرهبان ماذا عسى أن يكون . ‏والكافر إن كان من

    أهل الذمة فله حكم أمثاله ، وإن كان من أهل الحرب فله حكم أمثاله ، ويجب الإنكار على هذا المبتدع

    وأمثاله بحسن قصد ، بحيث يكون المقصود طاعة الله ورسوله ، لا اتباع هوى ، ولا منافسة ولا غير

    ذلك‏ . ‏ قال الله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه‏ } ‏ ‏ [ ‏الأنفال‏ : ‏39‏ ] ‏‏ . ‏



    فالمقصود أن يكون الدين كله لله ، ولا دين إلا ماشرعه الله تعالى على ألسن رسله ، وفي الصحيحين‏

    : ‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له‏ : ‏ يارسول الله ، الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل

    رياء‏ . ‏ فأي ذلك في
    سبيل الله‏؟‏ فقال‏ : ‏ ‏ ( ‏من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله‏ ) ‏

    فيكون المقصود علو كلمة الله ، وظهور دين الله‏ . ‏ وأن يعلم المسلمون كلهم إن ما عليه المبتدعون

    المراؤون ليس من الدين ، ولا من فعل عباد الله الصالحين ، بل من فعل أهل الجهل والضلال والإشراك

    بالله تعالى ، الذين يخرجون عن توحيده ، وإخلاص الدين له ، وعن طاعة رسله‏ . ‏



    و‏ [ ‏أصل الإسلام‏ ] ‏‏ : ‏ أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله‏ . ‏ فمن طلب بعباداته الرياء

    والسمعة ، فلم يحقق شهادة أن لا إله إلا الله ، ومن خرج عما أمره به الرسول من الشريعة وتعبد

    بالبدعة فلم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله‏ . ‏



    وإنما يحقق هذين ‏ [ ‏الأصلين‏ ] ‏ من لم يعبد إلا الله ، ولم يخرج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه

    وسلم التي بلغها عن الله ، فإنه قال‏ : ‏ ‏ ( ‏تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك‏ ) ‏ ،

    وقال‏ :
    ‏ ‏ ( ‏ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد حدثتكم به ، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا

    وقد حدثتكم به‏ )
    ‏‏ . ‏ وقال ابن مسعود‏ : ‏خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّا ، وخط خطوطًا

    عن يمينه ، وشماله ثم قال‏ : ‏ ‏ ( ‏هذا سبيل الله ، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه‏ ) ‏ ثم

    قرأ‏ : ‏ ‏ { ‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًافَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏ } ‏ ‏ [ ‏الأنعام‏ : ‏153
    ‏ ] ‏‏ . ‏



    فالعبادات والزهادات والمقالات والتورعات الخارجة عن سبيل الله وهو الصراط المستقيم‏ : ‏ الذي أمرنا

    الله أن نسأله هدايته ، هو ما دل عليه السنة هي سبل الشيطان ، ولو كان لأحدهم من الخوارق ما كان

    ، فليس أحدهم بأعظم من مقدمهم الدجال الذي يقول للسماء‏ : ‏ أمطري فتمطر ، وللأرضا انبتي فتنبت ،

    وللخربة أظهري كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة‏ . ‏ وهو مع هذا عدو الله ، كافر بالله ،

    وأولياء الله هم المذكورون في قوله‏ : ‏ ‏ { ‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ

    وَكَانُواْ يَتَّقُونَ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏يونس‏ : ‏ 62 ، 63‏ ] ‏ فهم المؤمنون المتقون ، والتقوى فعل ما أمر الله به ،

    وترك ما نهى الله عنه ، فمن ترك ما أمر الله ، واتخذ عبادة نهى الله عنها ، كيف يكون من هؤلاء ‏؟‏



    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ : ‏ ‏ ( ‏يقول الله

    تعالى‏ : ‏ من عادى لي وليًا‏ )
    ‏ الحديث‏ . ‏ فبين سبحانه أنه ما تقرب العبد إلى الله بمثل أداء ما افترض

    عليه‏ . ‏



    والتقرب بالواجبات فقط طريق المقتصدين أصحاب اليمين ، ثم التقرب بعد ذلك بما أحبه الله من النوافل

    هو طريق السابقين المقربين ، والمحبوبات هي ما أمر الله به ورسوله‏ : ‏ أمرإيجاب ، أو أمر استحباب

    ، دون ما استحبه الرجل برأيه وهواه ، والله سبحانه وتعالى أعلم‏ .


    مجموع فتاوي ابن تيمية رحمه الله

يعمل...
X