إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نقولات مفيدة عن شيخ الإسلام في حكم استقبال عين الكعبة في الصلاة لِمَن قرُب منها ومَن بعُد عنها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نقولات مفيدة عن شيخ الإسلام في حكم استقبال عين الكعبة في الصلاة لِمَن قرُب منها ومَن بعُد عنها

    نقولات مفيدة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
    في حكم استقبال عين الكعبة في الصلاة
    لِمَن قرُب منها ومَن بعُد عنها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
    [فصل: في استقبال القبلة، وأنه لا نزاع بين العلماء في الواجب من ذلك، وأن النزاع بين القائلين بالجهة والعين لا حقيقة له.
    قال الله تعالى:
    ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾، وشَطْرُهُ: (نَحْوُهُ وَتِلْقَاؤُهُ) كما قال: أَقِيمِي أُمَّ زنباع أَقِيمِي صُدُورَ الْعِيسِ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ.
    وقال: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾، والوِجهة: هي الجهة كما في (عِدَةٍ) و(زِنَةٍ)، أصلها: (وِعْدَةٌ) و(وِزْنَةٌ)، فالقبلة: هي التي تُستقبَل، والوِجهة: هي التي يُولِّيها، وهو سبحانه أمره بأن يولِّي وجهه شطر المسجد الحرام، والمسجد الحرام: هو الحرم كله، كما في قوله: ﴿ فلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾، وليس ذلك مختصاً بالكعبة، وهذا يحقق الأثر المروي: (الكعبة قبلة المسجد، والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الأرض)(1)، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في قبلة الكعبة ركعتين، وقال: " هذه القبلة "، وثبت عنه في الصحيحين أنه قال: " لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا "، فنهى عن استقبال القبلة بغائط أو بول، وأمر باستقبالها في الصلاة، فالقبلة التي نهى عن استقبالها واستدبارها بالغائط والبول هي القبلة التي أمر المصلي باستقبالها في الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما بين المشرق والمغرب قبلة "(2) قال الترمذي: حديث صحيح.
    وهكذا قال غير واحد من الصحابة، مثل: عمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وغيرهم، ولا يُعرف عن أحد من الصحابة في ذلك نزاع، وهكذا نص عليه أئمة المذاهب المتبوعة، وكلامهم في ذلك معروف، وقد حكى متأخرو الفقهاء في ذلك قولين في مذهب أحمد وغيره، وقد تأمَّلتُ نصوص أحمد في هذا الباب فوجدتها متفقة لا اختلاف فيها.
    وكذلك يُذكر الاختلاف في مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي، وهو عند التحقيق ليس بخلاف، بل من قال: (يجتهد أن يصلي إلى عين الكعبة) أو: (فرضُهُ استقبال عين الكعبة بحسب اجتهاده) فقد أصاب، ومن قال: (يجتهد أن يصلي إلى جهة الكعبة) أو: (فرضُهُ استقبال القبلة) فقد أصاب، وذلك أنهم متفقون على أن من شاهد الكعبة فإنه يصلي إليها، ومتفقون على أنه كلما قرُب المصلون إليها كان صفُّهم أقصر من البعيدين عنها، وهذا شأن كل ما يُستقبَل، فالصف القريب منها لا يزيد طوله على قدر الكعبة، ولو زاد لكان الزائد مصلياً إلى غير الكعبة، والصف الذي خلفه يكون أطول منه وهلمَّ جرَّا، فإذا كانت الصفوف تحت سقائف المسجد كانت منحنية بقدر ما يستقبلون الكعبة، وهم يصلون إليها وإلى جهتها أيضاً، فإذا بعُد الناس عنها كانوا مصلين إلى جهتها وهم مصلون إليها أيضاً، ولو كان الصف طويلاً يزيد طوله على قدر الكعبة صحت صلاتهم -باتفاق المسلمين- وإن كان الصف مستقيماً حيث لم يشاهدوها، ومن المعلوم أنه لو سار من الصفوف على خط مستقيم إليها لكان ما يزيد على قدرها خارجاً عن مسافتها، فمن توهم أن الفرض أن يقصد المصلي الصلاة في مكان لو سار على خط مستقيم وصل إلى عين الكعبة فقد أخطأ، ومن فسر وجوب الصلاة إلى العين بهذا وأوجب هذا فقد أخطأ، وإن كان هذا قد قاله قائل من المجتهدين فهذا القول خطأ خالف نص الكتاب والسنة وإجماع السلف، بل وإجماع الأمة، فإن الأمة متفقة على صحة صلاة الصف المستطيل الذي يزيد طوله على سمت الكعبة بأضعاف مضاعفة وإن كان الصف مستقيماً لا انحناء فيه ولا تقوُّس، فإن قيل: (مع البُعد لا يُحتاج إلى الانحناء والتقوس كما يُحتاج إليه في القُرب، كما أن الناس إذا استقبلوا الهلال أو الشمس أو جبلاً من الجبال فإنهم يستقبلونه مع كثرتهم وتفرقهم، ولو كان قريباً لم يستقبلوه إلا مع القلة والاجتماع) قيل: لا ريب أنه ليس الانحناء والتقوس في البُعد بقدر الانحناء والتقوس في القُرب، بل كلما زاد البُعد قل الانحناء، وكلما قرُب كثر الانحناء حتى يكون أعظم الناس انحناء وتقوساً الصف الذي يلي الكعبة، ولكن مع هذا فلا بد من التقوس والانحناء في البُعد إذا كان المقصود أن يكون بينه وبينها خط مستقيم بحيث لو مشى إليه لوصل إليها، لكن يكون التقوس شيئاً يسيراً جداً كما قيل: (إنه إذا قدر الصف ميلاً وهو مثلاً في الشام كان الانحناء من كل واحد بقدر شعيرة)، فإن هذا ذكره بعض من نص [على](3) وجوب استقبال العين، وقال: (إن مثل هذا التقوس اليسير يُعفا عنه) فيقال له: فهذا معنى قولنا: (إن الواجب استقبال الجهة)، وهو العفو عن وجوب تحري مثل هذا التقوس والانحناء فصار النزاع لفظياً لا حقيقة له، فالمقصود أن من صلى إلى جهتها فهو مصل إلى عينها، وإن كان ليس عليه أن يتحرى مثل هذا، ولا يقال لمن صلى كذلك أنه مخطئ في الباطن معفو عنه؛ بل هذا مستقبل القبلة باطناً وظاهراً، وهذا هو الذي أُمر به، ولهذا لما بنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مساجد الأمصار كان في بعضها ما لو خرج منه خط مستقيم إلى الكعبة لكان منحرفاً، وكانت صلاة المسلمين فيه جائزة باتفاق المسلمين.
    وبهذا يظهر حقيقة قول من قال: (إن من قرُب منها أو من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا على خط مستقيم؛ لأنه لا يقر على خطأ) فيُقال: هؤلاء اعتقدوا أن مثل هذه القبلة تكون خطأً، وإنما تكون خطأً لو كان الفرض أن يتحرى استقبال خط مستقيم بين وسط أنفه وبينها، وليس الأمر كذلك؛ بل قد تقدم نصوص الكتاب والسنة بخلاف ذلك، ونظير هذا قول بعضهم: (إذا وقف الناس يوم العاشر خطأً أجزأهم)، فالصواب أن ذلك هو يوم عرفة باطناً وظاهراً، ولا خطأ في ذلك، بل يوم عرفة هو اليوم الذي يعرف فيه الناس، والهلال إنما يكون هلالاً إذا استهلَّه الناس، وإذا طلع ولم يستهلوه فليس بهلال، مع أن النزاع في الهلال مشهور: هل هو اسم لما يطلع وإن لم يُستهل به؟ أو لِما يُستهل به؟ وفيه قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره، بخلاف النزاع في استقبال الكعبة، ويدل على ذلك أنه لو قيل بأن على الإنسان أن يتحرى أن يكون بين وسط أنفه وجبهته وبينها خط مستقيم قيل: فلا بد من طريق يُعلم بها ذلك؛ فإن الله لم يوجب شيئاً إلا وقد نصب على العلم به دليلاً، ومعلوم أن طريق العلم بذلك لا يعرفه إلا خاصة الناس، مع اختلافهم فيه ومع كثرة الخطأ في ذلك، ووجوب استقبال القبلة عام لجميع المسلمين؛ فلا يكون العلم الواجب خفياً لا يُعلم إلا بطريق طويلة صعبة مخوفة، مع تعذر العلم بذلك أو تعسره في أغلب الأحوال، ولهذا كان الذين سلكوا هذه الطريق يتكلمون بلا علم، مع اختلافهم في ذلك، والدليل المشهور لهم الجدي والقطب، فمنهم من يقول: (القطب هو الجدي، وهو كوكب خفي)، وهذا خطأ من ثلاثة أوجه: فإن القطب ليس هو الجدي، والجدي ليس بكوكب خفي، بل كوكب نير، والقطب ليس أيضاً كوكباً، ومنهم من يقول: (الجدي هو كوكب خفي)، وهو خطأ، وجمهورهم يقولون: (القطب كوكب خفي)، ويحكون قولين في القطب: هل يدور أو لا يدور؟ وهذا تخليط؛ فإن القطب الذي هو مركز الحركة لا يتغير عن موضعه، كما أن قطب الرحى لا يتغير عن موضعه، ولكن هناك كوكب صغير خفي قريب منه، وهذا إذا سمي قطباً كان تسميته باعتبار كونه أقرب الكواكب إلى القطب، وهذا يدور، فالكواكب تدور بلا ريب، ومدار الحركة الذي هو قطبها لا يدور بلا ريب، فحكاية قولين في ذلك كلام مَنْ لم يميز بين هذا وهذا، والدليل الظاهر هو الجدي، والاستدلال به على العين إنما يكون في بعض الأوقات، لا في جميعها؛ فإن القطب إذا كانت الشمس في وسط السماء عند تناهي قصر الظلال يكون القطب محاذياً للركن الشاميِّ من البيت الذي يكون عن يمين المستقبل للباب، فمَن كان بلده محاذياً لهذا القطب -كأهل حران ونحوهم- كانت صلاتهم إلى الركن، ولهذا يُقال: (أعدل القِبل قبلتهم)، ومَن كان بلده غربي هؤلاء -كأهل الشام- فإنهم يميلون إلى جهة المشرق قليلاً بقدر بُعدهم عن هذا الخط، فكلما بعُدوا ازدادوا في الانحراف، ومَن كان شرقيَّ هؤلاء -كأهل العراق- كانت قبلته بالعكس، ولهذا كان أهل تلك البلاد يجعلون القطب وما قرُب منه خلف أقفائهم، وأهل الشام يميلون قليلاً فيجعلون [ذلك](4) ما بين الأذن اليسرى ونقرة القفا أو خلف الأذن اليسرى بحسب قُرب البلد وبُعده عن هؤلاء، وأهل العراق يجعلون ذلك خلف الأذن اليمنى، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يأمروا أحداً بمراعاة القطب ولا ما قرُب منه، ولا الجدي ولا بنات نعش ولا غير ذلك، ولهذا أنكر الإمام أحمد على مَنْ أمر بمراعاة ذلك، وأمر أن لا تُعتبر القبلة بالجدي، وقال: (ليس في الحديث ذكر الجدي، ولكن ما بين المشرق والمغرب قبلة)، وهو كما قال؛ فإنه لو كان تحديد القبلة بذلك واجباً أو مستحباً لكان الصحابة أعلم بذلك وإليه أسبق، ولكان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن ذلك؛ فإنه لم يدع من الدِّين شيئاً إلا بيَّنه، فكيف وقد صرح بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة، ونهى عن استقبال القبلة واستدبارها بغائط أو بول! ومعلوم باتفاق المسلمين أن المنهي عنه من ذلك ليس هو أن يكون بين المتخلي وبين الكعبة خط مستقيم، بل المنهي عنه أعم من ذلك، وهو أَمْرٌ باستقبال القبلة في حال، كما نُهي عن استقبالها في حال، وإن كان النهي قد يتناول ما لا يتناوله الأمر، لكن هذا يوافق قوله: " ما بين المشرق والمغرب قبلة "، وأيضاً فإن تعليق الدِّين بذلك يُفضي إلى تنازع الأمة واختلافها في دينها، والله قد نهى عن التفرق والاختلاف؛ فإن جماهير الناس لا يعلمون ذلك تحديداً وإنما هم فيه مقلدون لمن قَرَّبَ ذلك، فالتحديد في هذا متعذر أو متعسر، ومثل هذا لا ترِد به الشريعة، والذين يدَّعون الحساب ومعرفة ذلك تجد أكثرهم يتكلمون في ذلك بما هو خطأ، وبما إذا طولبوا بدليله رجعوا إلى مقدماتٍ غير معلومة وأخبارِ مَن لا يوثق بخبره، والذين ذكروا بعض ذلك من الفقهاء هم تلقَّوه عن هؤلاء، ولم يُحكموه؛ فصار مرجع أتباع هؤلاء وهؤلاء إلى تقليدٍ يتضمن خطأً في كثير من المواضيع، ثم يدَّعي هذا أن هذه القبلة التي عيَّنها هي الصواب دون ما عيَّنه الآخر، ويدَّعي الآخر ضد ذلك، حتى يصير الناس أحزاباً وفِرقاً، وكل ذلك مما نهى الله عنه ورسوله، وسبب ذلك أنهم أدخلوا في دينهم ما ليس منه، وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، فاختلفوا في تلك البدعة التي شرعوها؛ لأنها لا ضابط لها، كما يختلف الذين يريدون أن يعلموا طلوع الهلال بالحساب أو طلوع الفجر بالحساب؛ وهو أمر لا يقوم عليه دليل حسابي مطرد، بل ذلك متناقض مختلف، فهؤلاء أعرضوا عن الدين الواسع والأدلة الشرعية، فدخلوا في أنواع من الجهل والبدع، مع دعواهم العلم والحذق، كذلك يفعل الله بمن خرج عن المشروع إلى البدع وتنطع في الدين، وقد ثبت في الصحيح صحيح مسلم عن الأحنف بن قيس عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هلك المتنطعون " قالها ثلاثاً، ورواه أيضاً أحمد وأبو داود، وأيضاً فإن الله قال: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾، وقال: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ أي: مستقبلها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذه القبلة " والقبلة: ما يُستقبَل، وقال: " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا "، وأجمع المسلمون على أنه يجب على المصلي استقبال القبلة في الجملة، فالمأمور به الاستقبال للقبلة وتولية الوجه شطر المسجد الحرام، فينظر هل الاستقبال وتولية الوجه من شرطه أن يكون وسط وجهه مستقبلاً لها -كوسط الأنف وما يحاذيه من الجبهة والذقن ونحو ذلك- أو يكون الشخص مستقبلاً لما يستقبله إذا وجَّه إليه وجهَه وإن لم يُحاذه بوسط وجهِه، فهذا أصل المسألة، ومعلوم أن الناس قد سُنَّ لهم أن يستقبلوا الخطيب بوجوههم، ونُهوا عن استقبال القبلة بغائط أو بول، وأمثال ذلك مما لم يُشترط فيه أن يكون الاستقبال بوسط الوجه والبدن، بل لو كان منحرفاً انحرافاً يسيراً لم يقدح ذلك في الاستقبال، والاسم إن كان له حد في الشرع رُجِع إليه، وإلا رُجِع إلى حده في اللغة والعُرف، والاستقبال هنا دل عليه الشرع واللغة والعُرف، وأما الشارع فقال: " ما بين المشرق والمغرب قبلة "، ومعلوم أن من كان بالمدينة والشام ونحوهما إذا جعل المشرق عن يساره والمغرب عن يمينه فهو مستقبل للكعبة ببدنه، بحيث يمكن أن يخرج من وجهه خط مستقيم إلى الكعبة ومن صدره وبطنه، لكن قد لا يكون ذلك الخط من وسط وجهه وصدره، فعُلم أن الاستقبال بالوجه أعم من أن يختص بوسطه فقط، والله أعلم]. اهـ
    (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)(22/206-216).

    وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
    [فصل:
    وأما دلائل القبلة فقد جرَّد الناس التصنيف فيها من أهل الفقه والحساب، فإنها تختلف باختلاف البلاد، فأهل كل ناحية يخالف وجه استدلالهم وجه استدلال الناحية الأخرى، والاشتباه له سببان:
    أحدهما: أن لا تُعرف الجهات لغيم السماء ونحو ذلك، ولو علم الجهات لعَلِمَ أين مكة منه؛ لِعِلمِه بأنها يمانيُّ بلده أو شاميُّ بلده ونحو ذلك، وهذا هو الاشتباه الذي يعرِض كثيراً، فمتى قدر هذا على معرفة جهة القبلة فقد أجزأته صلاته -وإن قلنا أن الفرض تحري عينها مع القدرة- لأنه عاجز عن ذلك في هذه الحالة.
    الثاني: أن يعلم الجهات لكن لا يدري أين مكة منه، فهذا لا يكاد يشتبه عليه جهة القبلة، وإنما يشتبه عليه عينها، وصلاته أيضاً مجزئة إلى الجهة إذا لم يمكنه أكثر من ذلك، قولاً واحداً، وقد يقع هذا كثيراً لمن قرُب من مكة وهو سائر لا يعرف الأرض إذا وقع في طرقات مشيه]. اهـ المراد
    (شرح العمدة)(4/549-550 إلكتروني).

    وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
    [قال أبو عبد الله رحمه الله: بين المشرق والمغرب قبلة، ولا يبالي مغرب الصيف ولا مغرب الشتاء، إذا صلى بينهما فصلاته جائزة، إلا أنا نستحب أن يستقبل القبلة، ويجعل المغربَ عن يمينه والمشرقَ عن يساره، فيكون وسطاً من ذلك، وإن هو صلى فيما بينهما وكان إلى أحد الشقين أَمْيَلَ فصلاته جائزة إذا كان بين المشرق والمغرب ولم يخرج من بينهما]. اهـ المراد
    (شرح العمدة)(4/551 إلكتروني).

    وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
    [وقال أبو عبد الله في غير موضع: (الجدي يكون على قفاه، ويطلع من قِبل المشرق)، وقال أيضاً: (قبلتنا نحن وقبلة أهل المشرق كلهم وأهل خراسان الباب)، وقد قال مرة أخرى وقيل له: (أين تحب أن يكون الجدي من الإنسان إذا قام إلى القبلة؟) فقال: (أما الجدي فلم يرِد في الجدي شيء، إنما يُروى: إذا جعلت المشرق عن يسارك والمغرب عن يمينك فما بينهما قبلة)، وقيل له أيضاً: (قبلة أهل بغداد على الجدي)؛ فجعل ينكر الجدي، وقال: (ليس الجدي، ولكن على حديث ابن عمر: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ").
    ومعنى كلامه هذا: أنه لا يجب على المصلي أن يتحرى الجدي، ولا القبلة معلقة باستدباره، كما يقول من يعتبر استقبال العين، وإنما الواجب استقبال الجهة، ويكفي في ذلك ما بين المشرق والمغرب؛ لأن السائل كان غرضه أن ذلك كان واجباً؛ فأنكر أحمد رضي الله عنه ذلك، فأما المستحب فهو تحري الجدي، كما نص عليه في موضع آخر؛ لأنه أقوم استقبالاً، وبه يخرج من الشبهة والخلاف]. اهـ المراد
    (شرح العمدة)(4/554 إلكتروني).

    وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
    [فالمستقبِل لعين الكعبة في البلاد الشرقية والغربية لا بد له من انحراف، وقد لا ينضبط ذلك غاية الضبط؛ لما في رعايته من الكلفة، ولأن قدر الانحراف قد لا يتحقق، وإلا فلا بد لكل بلاد من قبلة معتدلة وإن شق ضبطها، وهذا القدر من الانحراف معفوٌ عنه بالإجماع وإن قلنا يجب استقبال العين .......
    وبكل حال فإذا استدبر الجدي أو الفرقدين أو بنات نعش فهو مستقبل للجهة بكل حال، وهو كافيهِ، فإذا أراد مراعاة التحديد انحرف إلى ناحية القطب قليلاً]. اهـ المراد
    (شرح العمدة)(4/555-556 إلكتروني).

    وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
    [فهذا علم صحيح حسابي يُعرف بالعقل، لكن معرفة المسلمين بقبلتهم في الصلاة ليست موقوفة على هذا؛ بل قد ثبت عن صاحب الشرع صلوات الله عليه أنه قال: " ما بين المشرق والمغرب قبلة " قال الترمذي: حديث صحيح.
    وبهذا كان عند جماهير العلماء أن المصلي ليس عليه أن يستدل بالقطب ولا الجدي ولا غير ذلك، بل إذا جعل مَنْ في الشام ونحوها المغرب عن يمينه والمشرق عن شماله كانت صلاته صحيحة؛ فإن الله إنما أمر باستقبال شطر المسجد الحرام، وفي الحديث: " المسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الأرض "(5)؛ ولهذا لم يُعرف عن الصحابة أنهم ألزموا الناس في الصلاة أن يعتبروا الجدي.
    كون اعتبار الجدي لمعرفة القبلة بدعة:
    ولهذا أنكر الإمام أحمد وغيره من العلماء على من ألزم الناس باعتبار الجدي فضلاً عن طول البلاد وعرضها، بل المساجد التي صلى فيها الصحابة كمسجد دمشق وغيره فيه انحراف يسير عن مسامتة عين الكعبة، وكذلك غيره، فكان هذا من الحكمة أن يُعرف إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان على أن المصلي ليس عليه مسامتة عين الكعبة، بل تكفيه الجهة التي هي شطر المسجد الحرام]. اهـ المراد
    (الرد على المنطقيين)(1/259-260 إلكتروني).


    (1) أورده عبد الباقي بن قانع الأموي (ت: 351 هـ) في معجم الصحابة -مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ- بسند في بعض رجاله تجريح من أئمة الجرح والتعديل كأحمد ابن حنبل وابن حبان -رحمهم الله تعالى-.

    (2) صحَّحه العلامة الألباني (رحمه الله تعالى) في (أصل صفة الصلاة)(1/69)، وفي (صحيح الجامع الصغير وزيادته)(2/978).

    (3) الظاهر أن لفظة [على] سقطت من هذا الموضع؛ فأثبتُّها لأن السياق يقتضي إثباتها.

    (4) الظاهر أن لفظة [ذلك] سقطت من هذا الموضع؛ فأثبتُّها لأن السياق يقتضي إثباتها.

    (5) ضعَّفه العلامة الألباني (رحمه الله تعالى) في (السلسلة الضعيفة)(9/339).

  • #2
    هل يُفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أنه يجوز للمصلي البعيد عن الكعبة أن يستقبل الجهة مهما كانت درجة الانحراف ما دام أن وُجهته لا تخرج عن ما بين المشرق والمغرب ؟

    وهل يُفهم من كلامه أن هناك فرقاً عنده بين المجتهد في الانحراف والمتعمِّد له ؟

    وهل يُفهم من كلامه أن هناك جهتين: جهة بمعناها الواسع، وهي: (الجهة الممتدة ما بين المشرق والمغرب)، وجهة بمعناها الضيق، وهي: (الاتجاه المعيَّن الذي يؤدي إلى مكة أو الحرم) ؟
    التعديل الأخير تم بواسطة فؤاد بن أحمد الحكمي; الساعة 06-11-2012, 06:24 AM.

    تعليق


    • #3
      أخ فؤاد راجع هذه الملزمة وان شاء الله
      ستفهم قصدهم
      هنا

      تعليق

      يعمل...
      X