بسم الله الرحمن الرحيم
ـ من أقوال ابن تيمية في محنته ـ
(1)وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول:إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخر.
وقال لي مرة:مايصنع أعدائي بي؟أنا جنتي وبستاني في صدري،إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خلوة،وقتلي شهادة،وإخراجي من بلدي سياحة.
وكان يقول في محبسه في القلعة:لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبا ما عادل عندي شكر هذه النعمة،أو قال:ما جزيتهم على ما تسبّبوا لي فيه من الخير ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس:"الله أعنّّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" ما شاء الله.
وقال لي مرة: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى،والمأسور من أسره هواه.
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال :( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظهره من قبله العذاب) [الحديد:13]
وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط،مع ماكان فيه من ضيق العيش،وخلاف الرفاهية والنعيم،بل ضدها،ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق،وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا،تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا الخوف،وساءت منا الظنون،وضاقت بنا الأرض،أتيناه،فما هوإلا أن نراه، ونسمع كلامه،فيذهب ذلك كله،وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة.
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه،وفتح لهم أبوابها في دار العمل،فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها(2)
(1)المستمع هو ابن القيم الجوزية رحمه الله
(2) ( الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب"ابن القيم الجوزية[ص76] )
تعليق