تعالوا نتعلم العفو والصفح ليلة العفو!
ألا تحبون أن يغفر الله لكم !!
خلوت بنفسي ليلة من أوتار العشر الأواخر؛ حيث يغلب على الظن: أنها ليلة القدر . . ورحت أقلب صفحات الخاطر، وأجيل النظر، وأرتع الفكر في رياض ذلك الدعاء الجميل الذي يملأ العقل روعة، الحبيب: الذي يملأ النفس سكينة والذي علمه رسولنا محمد صلى عليه وسلم لحبيبته الصديقة رضي الله عنها وهي تسأله: يا رسول الله ! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: «قولي: اللهم عفو تحب العفو؛ غاعف عني».
. . وجاءت الأسئلة تترى . . وتزاحمت الإجابات في ذهني . . وسألت ربي باستكانه وتضرع: أن يلهمني أرشدها، والوقوف على حكمتها، ويرزقني وجميع إخواني العمل بها، والتحلي بأخلاقها وآدابها.
لماذا ندعو الله باسم العفو: «اللهم إنك عفو»؟ ما الحكمة من سؤال الله بهذه الصفة ؟
فجاء الجواب في السياق نفسه: «إنك تحب العفو» . . فالله يحب العفو . . ويحض على العفو . . ويدع عباده أن يعفو بعضهم عن بعض: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة: 109]، ليعفو الله عنهم ويغفر لهم: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22].
. . إن من يعفو ويصفح قوي؛ لأنه يملك إرادته بمفرده . . وقادر؛ لأنه يستطيع أن يتخذ قراراته بنفسه، ولا يحتاج إلى قيم على أمره، أو وصي عليه يرجع إليه؛ ولذلك جاء اسم الله (العفو) خمس مرات في القرآن الكريم، واقترن باسمين من الأسماء الحسنى، وصفتين من صفات العلا:
مرة جاء مقترناً بالقدير: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: 149]؛ ليدلنا أن العفو لا يكون إلا عن مقدرة وقدرة . . فالله يعفو عنك؛ وهو: قادر عليك.
وأربع مرات اقترن بالغفور: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [ النساء: 99 ] . . فمن عفا الله عنه غفر له حتى الذنوب الكبيرة الكثيرة . . ويمكن أن تلاحظ ذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 51 و52] . . وكذلك في قوله تعالى عن الذين تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 155] . . وتأمل هذه الآية ما أعظمها! وتدبر حكمتها ما أجملها!: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] . . تأمل يا رعاك الله قوله: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ فالله يعفو عن الكثير الكثير . . وأنت يا عبد الله لا تعفو عن زلة . . ولا تغفر كبوة . . ولا تلتمس عذراً . . فكيف تحب أن يعفو الله عنك . . ويغفر لك . . فيا أيها الإنسان ارحم ترحم . . واعف يعفو الله عنك . . واغفر يغفر لك!!
والعفو يورث الرضا والراحة النفسية؛ ولذلك قال الله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: 199] . . وكأن الذي يعفو يجني ثمار العفو لنفسه، ويأخذها ليضمها إلى رصيده: «فما زاد عبد بعفو إلا عزاً».
ولذلك، فإذا عفا الله عنك: غفر لك ذنوبك، ثم يرضى عنك ويعطيك حتى ترضى.
في هذه الليلة المباركة يذكرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالعفو؛ لأن من أدمن العفو والصفح لا يأتي من قبله خلاف، ولا يقع منه اختلاف: والخلاف والاختلاف شر يرفع خير ليلة القدر؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فتلاحى -أي: تخاصم- رجلان من المسلمين، فقال: «إني خرجت؛ لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».
أرأيتم يا إخوتاه كيف نجعل ليلة القدر (سلاماً)؛ فيشملنا السلام بالأمن والأمان والسلامة والسلام: ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 5].
تعالوا يا إخوتي لنعقد في هذه الليلة (مؤتمر قمة عالمي للسلام) مع ربنا عز وجل . . مع ديننا . . مع أنفسنا . . . مع إخواننا المسلمين: فيصفح بعضنا عن بعض . . ويعفو كل واحد عن أخيه؛ لتكون هذه الليلة في حياتنا (فرقاناً): فنودع الاختلافات، ونترك الخصومات، ونقضي على الافتراقات، ونطلق النزاعات ألبتة.
وابدأ بنفسي -ولا أملك إلا نفسي- فأقول: لقد تصدقت بعرضي: فأحللت كل من ظلمني . . وعفوت عن كل من أساء إلي، أو سعى في الإساءة إلي، أو نشر ما يسيئ إلي.
أقول لهؤلاء جميعاً: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92].
أما من طعن في عقيدتي . . أو غمز في منهجي . . أو نسبني إلى بدعة . . فإني أدعوهم إلى التوبة النصوح، وأسأل الله أن يهديهم . . وإلا فليقصم ظهورهم . . ويكفينا مكرهم شرورهم بما شاء وكيف شاء.
إلى الديان يوم الدين نمضي * * وعند الله تجتمع الخصوم
وكتبه
أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي
(ليلة الأربعاء 27 /رمضان /1433هـ)
عمان البلقاء
منقول
ألا تحبون أن يغفر الله لكم !!
خلوت بنفسي ليلة من أوتار العشر الأواخر؛ حيث يغلب على الظن: أنها ليلة القدر . . ورحت أقلب صفحات الخاطر، وأجيل النظر، وأرتع الفكر في رياض ذلك الدعاء الجميل الذي يملأ العقل روعة، الحبيب: الذي يملأ النفس سكينة والذي علمه رسولنا محمد صلى عليه وسلم لحبيبته الصديقة رضي الله عنها وهي تسأله: يا رسول الله ! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: «قولي: اللهم عفو تحب العفو؛ غاعف عني».
. . وجاءت الأسئلة تترى . . وتزاحمت الإجابات في ذهني . . وسألت ربي باستكانه وتضرع: أن يلهمني أرشدها، والوقوف على حكمتها، ويرزقني وجميع إخواني العمل بها، والتحلي بأخلاقها وآدابها.
لماذا ندعو الله باسم العفو: «اللهم إنك عفو»؟ ما الحكمة من سؤال الله بهذه الصفة ؟
فجاء الجواب في السياق نفسه: «إنك تحب العفو» . . فالله يحب العفو . . ويحض على العفو . . ويدع عباده أن يعفو بعضهم عن بعض: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة: 109]، ليعفو الله عنهم ويغفر لهم: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22].
. . إن من يعفو ويصفح قوي؛ لأنه يملك إرادته بمفرده . . وقادر؛ لأنه يستطيع أن يتخذ قراراته بنفسه، ولا يحتاج إلى قيم على أمره، أو وصي عليه يرجع إليه؛ ولذلك جاء اسم الله (العفو) خمس مرات في القرآن الكريم، واقترن باسمين من الأسماء الحسنى، وصفتين من صفات العلا:
مرة جاء مقترناً بالقدير: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: 149]؛ ليدلنا أن العفو لا يكون إلا عن مقدرة وقدرة . . فالله يعفو عنك؛ وهو: قادر عليك.
وأربع مرات اقترن بالغفور: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [ النساء: 99 ] . . فمن عفا الله عنه غفر له حتى الذنوب الكبيرة الكثيرة . . ويمكن أن تلاحظ ذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 51 و52] . . وكذلك في قوله تعالى عن الذين تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 155] . . وتأمل هذه الآية ما أعظمها! وتدبر حكمتها ما أجملها!: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] . . تأمل يا رعاك الله قوله: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ فالله يعفو عن الكثير الكثير . . وأنت يا عبد الله لا تعفو عن زلة . . ولا تغفر كبوة . . ولا تلتمس عذراً . . فكيف تحب أن يعفو الله عنك . . ويغفر لك . . فيا أيها الإنسان ارحم ترحم . . واعف يعفو الله عنك . . واغفر يغفر لك!!
والعفو يورث الرضا والراحة النفسية؛ ولذلك قال الله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: 199] . . وكأن الذي يعفو يجني ثمار العفو لنفسه، ويأخذها ليضمها إلى رصيده: «فما زاد عبد بعفو إلا عزاً».
ولذلك، فإذا عفا الله عنك: غفر لك ذنوبك، ثم يرضى عنك ويعطيك حتى ترضى.
في هذه الليلة المباركة يذكرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالعفو؛ لأن من أدمن العفو والصفح لا يأتي من قبله خلاف، ولا يقع منه اختلاف: والخلاف والاختلاف شر يرفع خير ليلة القدر؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فتلاحى -أي: تخاصم- رجلان من المسلمين، فقال: «إني خرجت؛ لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».
أرأيتم يا إخوتاه كيف نجعل ليلة القدر (سلاماً)؛ فيشملنا السلام بالأمن والأمان والسلامة والسلام: ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 5].
تعالوا يا إخوتي لنعقد في هذه الليلة (مؤتمر قمة عالمي للسلام) مع ربنا عز وجل . . مع ديننا . . مع أنفسنا . . . مع إخواننا المسلمين: فيصفح بعضنا عن بعض . . ويعفو كل واحد عن أخيه؛ لتكون هذه الليلة في حياتنا (فرقاناً): فنودع الاختلافات، ونترك الخصومات، ونقضي على الافتراقات، ونطلق النزاعات ألبتة.
وابدأ بنفسي -ولا أملك إلا نفسي- فأقول: لقد تصدقت بعرضي: فأحللت كل من ظلمني . . وعفوت عن كل من أساء إلي، أو سعى في الإساءة إلي، أو نشر ما يسيئ إلي.
أقول لهؤلاء جميعاً: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92].
أما من طعن في عقيدتي . . أو غمز في منهجي . . أو نسبني إلى بدعة . . فإني أدعوهم إلى التوبة النصوح، وأسأل الله أن يهديهم . . وإلا فليقصم ظهورهم . . ويكفينا مكرهم شرورهم بما شاء وكيف شاء.
إلى الديان يوم الدين نمضي * * وعند الله تجتمع الخصوم
وكتبه
أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي
(ليلة الأربعاء 27 /رمضان /1433هـ)
عمان البلقاء
منقول
تعليق