بسم الله الرحمن الرحيم
قد سأل بعض الإخوة عن الجمع بين قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
وبين حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الذي في "صحيح مسلم" قَالَ: قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاِثْنَينِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ».
الجواب أولاً: الحديث ضعيف فقد ضعفه غير واحد من الحفاظ منهم الإمام البخاري رحمه الله:
فقال في التاريخ الكبير - (1 / 413- 414) وروى اسمعيل بن امية عن ايوب بن خالد الانصاري عن عبد الله بن رافع عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله التربة يوم السبت، وقال بعضهم عن ابى هريرة عن كعب وهو أصح.اهـ
ومنهم علي بن المديني كما في تفسير ابن كثير:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير -أيضًا-من رواية ابن جُرَيج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل" .
وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي .
وقال رحمه الله أيضاً: عند قوله تعالى:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه، عن حجاج -وهو ابن محمد الأعور -عن ابن جريج به وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال في ستة أيام؛ ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا، والله أعلم اهـ
وقال رحمه الله : وهو من غرائب الصحيح، وقد عَلَّله البخاري في التاريخ فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة [رضي الله عنه]عن كعب الأحبار، وهو الأصح.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "الجواب الصحيح":
بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها مثل ما روي أن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام السبعة فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين وعبدالرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس في كلام النبي بل صرح البخاري في تاريخه الكبير أنه من كلام كعب الأحبار كما قد بسط في موضعه والقرآن يدل على غلط هذا ويبين أن الخلق في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد.اهـ
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (17 / 235):
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قَوْلِهِ : { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ قَدَحَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.اهـ
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (18 / 18-19):
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ : { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ } فَإِنَّ هَذَا طَعْنٌ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ أَنَّ آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ ؛ وَلَوْ كَانَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّبْتِ وَآخِرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَكَانَ قَدْ خُلِقَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ مَعَ أَنَّ حُذَّاقَ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ عِلَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ وَأَنَّ رِوَايَةَ فُلَانٍ غَلَطٌ فِيهِ لِأُمُورِ يَذْكُرُونَهَا وَهَذَا الَّذِي يُسَمَّى مَعْرِفَةَ عِلَلِ الْحَدِيثِ بِكَوْنِ الْحَدِيثِ إسْنَادُهُ فِي الظَّاهِرِ جَيِّدًا وَلَكِنْ عُرِفَ مَنْ طَرِيقٍ آخَرَ : أَنَّ رَاوِيَهُ غَلِطَ فَرَفَعَهُ وَهُوَ مَوْقُوفٌ أَوْ أَسْنَدَهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَهَذَا فَنٌّ شَرِيفٌ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ صَاحِبُهُ عَلِيُّ بْنِ الْمَدِينِيّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَبُو حَاتِمٍ وَكَذَلِكَ النَّسَائِي وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرُهُمْ . وَفِيهِ مُصَنَّفَاتٌ مَعْرُوفَةٌ . وَفِي الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ نَازَعَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي صِحَّتِهَا مِثْلَ : حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ : { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ الباجي وَزَعَمُوا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ لَكِنْ الصَّوَابُ مَعَ الْبُخَارِيِّ وَأَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَاكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْبُخَارِيُّ أَحْذَقُ وَأَخْبَرُ بِهَذَا الْفَنِّ مِنْ مُسْلِمٍ...إلخ.
وقد تكلم عنه في مواضع عديدة من كتبه رحمه الله إنما هذه إشارة إلى ما لم أذكر.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في "الأسماء والصفات" (2 / 352):
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : « خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها من الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل » . هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره ، عن حجاج بن محمد . وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ . وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد ، وإبراهيم غير محتج به . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي ببخارى ، ثنا أبو عبد الله محمد بن نصر ، حدثني محمد بن يحيى ، قال : سألت علي بن المديني عن حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : « خلق الله التربة يوم السبت » . فقال علي : هذا حديث مدني ؛ رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي . قال علي : وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى وقال لي : شبك بيدي أيوب بن خالد وقال لي : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال لي شبك بيدي أبو هريرة رضي الله عنه وقال لي : شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال لي : « خلق الله الأرض يوم السبت » . فذكر الحديث بنحوه . قال علي بن المديني : وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى . قلت : وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد ، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف ، وروي عن بكر بن الشرود ، عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم ، عن أيوب بن خالد ، وإسناده ضعيف والله أعلم.اهـ
ثانياً:
بعض العلماء قد صححوا الحديث منهم كما تقدم مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ومن المعاصرين العلامة المعلمي والعلامة الألباني رحمه الله وقد أجابوا عن الإشكالات التي أوردها من ضعف الحديث.
قال العلامة المعلمي رحمه الله في "الأنوار الكاشفة" (1 / 198-202) بعد أن ذكر الحديث : وقد قال البخاري وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأنه يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام
قد سأل بعض الإخوة عن الجمع بين قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
وبين حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الذي في "صحيح مسلم" قَالَ: قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاِثْنَينِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ».
الجواب أولاً: الحديث ضعيف فقد ضعفه غير واحد من الحفاظ منهم الإمام البخاري رحمه الله:
فقال في التاريخ الكبير - (1 / 413- 414) وروى اسمعيل بن امية عن ايوب بن خالد الانصاري عن عبد الله بن رافع عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله التربة يوم السبت، وقال بعضهم عن ابى هريرة عن كعب وهو أصح.اهـ
ومنهم علي بن المديني كما في تفسير ابن كثير:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير -أيضًا-من رواية ابن جُرَيج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل" .
وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي .
وقال رحمه الله أيضاً: عند قوله تعالى:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه، عن حجاج -وهو ابن محمد الأعور -عن ابن جريج به وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال في ستة أيام؛ ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا، والله أعلم اهـ
وقال رحمه الله : وهو من غرائب الصحيح، وقد عَلَّله البخاري في التاريخ فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة [رضي الله عنه]عن كعب الأحبار، وهو الأصح.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "الجواب الصحيح":
بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها مثل ما روي أن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام السبعة فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين وعبدالرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس في كلام النبي بل صرح البخاري في تاريخه الكبير أنه من كلام كعب الأحبار كما قد بسط في موضعه والقرآن يدل على غلط هذا ويبين أن الخلق في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد.اهـ
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (17 / 235):
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قَوْلِهِ : { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ قَدَحَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.اهـ
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (18 / 18-19):
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ : { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ } فَإِنَّ هَذَا طَعْنٌ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ أَنَّ آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ ؛ وَلَوْ كَانَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّبْتِ وَآخِرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَكَانَ قَدْ خُلِقَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ مَعَ أَنَّ حُذَّاقَ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ عِلَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ وَأَنَّ رِوَايَةَ فُلَانٍ غَلَطٌ فِيهِ لِأُمُورِ يَذْكُرُونَهَا وَهَذَا الَّذِي يُسَمَّى مَعْرِفَةَ عِلَلِ الْحَدِيثِ بِكَوْنِ الْحَدِيثِ إسْنَادُهُ فِي الظَّاهِرِ جَيِّدًا وَلَكِنْ عُرِفَ مَنْ طَرِيقٍ آخَرَ : أَنَّ رَاوِيَهُ غَلِطَ فَرَفَعَهُ وَهُوَ مَوْقُوفٌ أَوْ أَسْنَدَهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَهَذَا فَنٌّ شَرِيفٌ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ صَاحِبُهُ عَلِيُّ بْنِ الْمَدِينِيّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَبُو حَاتِمٍ وَكَذَلِكَ النَّسَائِي وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرُهُمْ . وَفِيهِ مُصَنَّفَاتٌ مَعْرُوفَةٌ . وَفِي الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ نَازَعَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي صِحَّتِهَا مِثْلَ : حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ : { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ الباجي وَزَعَمُوا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ لَكِنْ الصَّوَابُ مَعَ الْبُخَارِيِّ وَأَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَاكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْبُخَارِيُّ أَحْذَقُ وَأَخْبَرُ بِهَذَا الْفَنِّ مِنْ مُسْلِمٍ...إلخ.
وقد تكلم عنه في مواضع عديدة من كتبه رحمه الله إنما هذه إشارة إلى ما لم أذكر.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في "الأسماء والصفات" (2 / 352):
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : « خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها من الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل » . هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره ، عن حجاج بن محمد . وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ . وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد ، وإبراهيم غير محتج به . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي ببخارى ، ثنا أبو عبد الله محمد بن نصر ، حدثني محمد بن يحيى ، قال : سألت علي بن المديني عن حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : « خلق الله التربة يوم السبت » . فقال علي : هذا حديث مدني ؛ رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي . قال علي : وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى وقال لي : شبك بيدي أيوب بن خالد وقال لي : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال لي شبك بيدي أبو هريرة رضي الله عنه وقال لي : شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال لي : « خلق الله الأرض يوم السبت » . فذكر الحديث بنحوه . قال علي بن المديني : وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى . قلت : وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد ، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف ، وروي عن بكر بن الشرود ، عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم ، عن أيوب بن خالد ، وإسناده ضعيف والله أعلم.اهـ
ثانياً:
بعض العلماء قد صححوا الحديث منهم كما تقدم مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ومن المعاصرين العلامة المعلمي والعلامة الألباني رحمه الله وقد أجابوا عن الإشكالات التي أوردها من ضعف الحديث.
قال العلامة المعلمي رحمه الله في "الأنوار الكاشفة" (1 / 198-202) بعد أن ذكر الحديث : وقد قال البخاري وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأنه يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام
أقول: هذا الخبر رواه جماعة عن ابن جريج قال (( أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ.. ... )) وفي الأسماء والصفات للبيهقي ص 176 عن ابن المديني أن هشام بن يوسف رواه عن ابن جريج
وقد ا ستنكر بعض أهل الحديث هذا الخبر، ويمكن تفصيل سببب الاستنكار بأوجه:
الأول: أنه لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام
الثاني: أنه جعل الخلق في سبعة أيام والقرآن يبين أن خلق السموات والأرض كان في ستة أيام، أربعة منها للأرض ويومان للسماء.
الثالث: أنه مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد، وهو الذي تدل عليه أسماء الأيام: الأحد- الاثنان- الثلاثاء- الأربعاء- الخميس.
فلهذا حاولوا إعلاله، فأعله ابن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى قد رواه عن أيوب، قال ابن المديني: (( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم ابن أبي يحيى )) انظر الأسماء والصفات ص 276، يعني و إبراهيم مرمي بالكذب فلا يثبت الخبر عن أيوب ولا من فوقه.
ويرد على هذا أن إسماعيل بن أمية ثقة عندهم غير مدلس، فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب من التاريخ 1/ 1/ 413 ثم قال (( وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب. وهو أصح )) ومؤدى صنيعه أن يحدس أن أيوب أخطأ، وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور:
الأول : استنكار الخبر لما أمر. الثاني : أن أيوب ليس بالقوي وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف. الثالث الرواية التي أشار إليها بقوله (( وقال بعضهم )) وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين. ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات ص 272و 275 وأوائل تاريخ ابن جرير. وفي الدر المنثور 3/91(( أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة )) وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ 1/22- الحسينية واقتصر على أوله (( بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين )) فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب.
وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده. وقد أخرج له مسلم في صحيحه كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح. فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، وقد يجاب عنه بما يأتي:الأنوار
أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما/ الأجرام السماوية. والذي فيه أ ن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل على أن جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل على أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها. والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن.
ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان. وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض.
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى
مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد.
وأما الوجه الثالث: فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الاسرائيليات. وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها، لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصحبت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام
وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف 1/271 هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال (( والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث وأعنق في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول...
وفي بقية كلامه لطائف: منها إن تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء، وجاء فيه اسما اليومين الباقيين- الجمعة والسبت- لأنه لا تعلق لها بتلك التسمية المدخولة
ومنها أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد (( إن الله وتر يحب الوتر )) ويضاف إلى هذا يوم الإثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله، وفي الصحيح: (( فيه ولدت وفيه أنزل علي )) فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله، وفي ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي الصحيحين في حديث الجمعة (( نحن الآخرون السابقون.. . )) والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الآيام.
هذا وفي البداية لابن كثير 1/71 (( وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن أبي رباح عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت )) وذكر بتمامه بنحوه. فقد اختلف على ابن جريج أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع تهذيب التهذيب 7/213 وفتح الباري 8/511ومقدمته ص 373 وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من الميزان وغيره. والله الموفق...إلخ كلامه النفيس.
والعلامة الألباني صحح هذا الحديث في "صحيح الجامع" برقم (3235) وفي "المشكاة" برقم (5735) و"الصحيحة (1133). والله أعلم.
الأول : استنكار الخبر لما أمر. الثاني : أن أيوب ليس بالقوي وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف. الثالث الرواية التي أشار إليها بقوله (( وقال بعضهم )) وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين. ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات ص 272و 275 وأوائل تاريخ ابن جرير. وفي الدر المنثور 3/91(( أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة )) وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ 1/22- الحسينية واقتصر على أوله (( بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين )) فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب.
وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده. وقد أخرج له مسلم في صحيحه كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح. فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، وقد يجاب عنه بما يأتي:الأنوار
أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما/ الأجرام السماوية. والذي فيه أ ن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل على أن جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل على أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها. والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن.
ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان. وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض.
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى
مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد.
وأما الوجه الثالث: فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الاسرائيليات. وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها، لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصحبت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام
وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف 1/271 هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال (( والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث وأعنق في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول...
وفي بقية كلامه لطائف: منها إن تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء، وجاء فيه اسما اليومين الباقيين- الجمعة والسبت- لأنه لا تعلق لها بتلك التسمية المدخولة
ومنها أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد (( إن الله وتر يحب الوتر )) ويضاف إلى هذا يوم الإثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله، وفي الصحيح: (( فيه ولدت وفيه أنزل علي )) فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله، وفي ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي الصحيحين في حديث الجمعة (( نحن الآخرون السابقون.. . )) والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الآيام.
هذا وفي البداية لابن كثير 1/71 (( وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن أبي رباح عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت )) وذكر بتمامه بنحوه. فقد اختلف على ابن جريج أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع تهذيب التهذيب 7/213 وفتح الباري 8/511ومقدمته ص 373 وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من الميزان وغيره. والله الموفق...إلخ كلامه النفيس.
والعلامة الألباني صحح هذا الحديث في "صحيح الجامع" برقم (3235) وفي "المشكاة" برقم (5735) و"الصحيحة (1133). والله أعلم.
تعليق