مما علقت به في رسالتي " بيان الحق المبين في حقيقة موت من النار من عصاة الموحدين " :
قال الحافظ ابن رجب بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري الذي يعتبر نصاً في المسألة وهو تفرد به مسلم عن البخاري :
«و ظاهر الحديث يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة و تفارق أرواحهم أجسادهم و يدل على ذلك ما خرجه البزار من حديث عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن مسلمة أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : إن أدنى أهل الجنة حظا ـ أو نصيبا ـ قوم يخرجهم الله من النار فيرتاح لهم الرب تعالى إنهم كانوا لا يشركون بالله شيئا فينبذون بالعراء فينبتون كما تنبت البقلة حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم قالوا : ربنا كما أخرجتنا من النار و أرجعت الأرواح إلى أجسادها فاصرف وجوهنا عن النار فتصرف وجوههم عن النار » اهـ المراد منه " مجموع رسائل ابن رجب ـ رحمه الله ـ رسالة التخويف من النار 3/325"
و حديث أبي هريرة ضعيف ؛ قال الهيثمي ـ رحمه الله ـ كما في المجمع بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا ـ المذكور ضمن كلام ابن رجب ـ : رواه البزار ورجاله ثقات . " المجمع 10/403ـ 404"
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : موسى بن جبير هو الأنصار المدني الحذاء مولى بني سلمة نزيل مصر مستور الحال من السادسة أ خرج ابن ماجة وأ بو دواود كما في التقريب "3/428" مع التحرير .
نقل العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ عن ابن كثير أنه قال في موسى : ( مستور الحال ) تفسير ابن كثير 1/254 و1/257
ثم قال ـ رحمه الله ـ : ذكره ابن أبي حاتم في " كتاب الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 139 ) ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا ، فهو مستور الحال ، وقد تفرد به عن نافع . وذكره ابن حبان في " الثقات " ( 7 / 451 ) ولكنه قال : وكان يخطيء ويخالف .
قلت : واغتر به الهيثمي فقال في " المجمع " ( 5 / 68 ) بعد ما عزى الحديث لأحمد والبزار : ورجاله رجال الصحيح خلا موسى بن جبير وهو ثقة .
قلت : لو أن ابن حبان أورده في كتابه ساكتا عليه كما هو غالب عادته لما جاز الاعتماد عليه لما عرف عنه من التساهل في التوثيق فكيف وهو قد وصفه بقوله : يخطيء ويخالف وليت شعري من كان هذا وصفه فكيف يكون ثقة ويخرج حديثه في " الصحيح " ؟ ! .
قلت : ولذلك قال الحافظ ابن حجر في موسى هذا : إنه مستور .اه كلام العلامة الألباني ت رحمه الله ـ " الضعيفة 1/315ـ316 "
وقال محقق مجموع رسائل الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ بعد نقل كلام الهيثمي حول حديث أبي هريرة المتقدم ـ قلت: بل فيهم الضعيف مثل موسى بن جبير قال ابن القطان : لا يعرف حاله وذكره ابن حبان في الثقات وقال : يخطئ ويخالف وسعيد بن سلمة فيه كلام . اه "3/325"
وقال شعيب الأرنؤوط ـ وفقه الله ـ في تحقيه لصحيح ابن حبان ـ رحمه الله ـ عند حيث ابن عمر في قصة هاروت وماروت : إسناده ضعيف موسى بن جبير ذكره المؤلف في الثقات وقال : يخطئ ويخالف وقال ابن القطان : لا يعرف حاله وقال الحافظ في التقريب : مستور .اه "14/64
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وخالف الشيخ شعيب هذا الذي سطره هنا وذلك في كتاب التحرير له وللدكتور بشار عواد حيث قالا ـ معترضين على الحافظ في حكمه على موسى بأنه مسور ـ : بل هو صدوق فقد روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال الذهبي في "الكاشف " : ثقة ولا نعلم فيه جرحاً . " تحرير التقريب 3/428"
أقول : نص توثيق الذهبي لموسى في "الكاشف" : موسى بن جبير الأنصاري ـ د، ق ـ الحذاء عن أبي أمامة بن سهل ، وجماعة وعنه الليث وزهير بن محمد : ثقة 3/165 اهـ
ولكن هل يتم توثيق الإمام العلم الحافظ الذهبي وأيضاً ذلك التعقيب على الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في حكمه على موسى بأنه مستور ؛ سأحاول جاهداً أن أصل إلى الحق من خلال جمع كلام الأئمة في موسى فاللهم ثبت جناني وأجر الحق على لساني .
وقبل الشروع في ذلك نتكلم على قاعدة هي منشأ توثيق الذهبي لموسى وتعقيب المحررين على الحافظ وهي: أن الراوي إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يأت بما ينكر عليه ولم ينص أحد على توثيقه أو تجريحه وهذا قول جمهور المحدثين واستدلال المحررين بهذه القاعدة واضح وقد مر قولهما : بل هو صدوق حسن الحديث فقد روى عنه جمع من الثقات .. ولا نعلم فيه جرحاً .
وقد صرح بهذه القاعدة الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في ترجمة مالك بن الخير الزبادي حيث قال : 7015ـ مالك بن الخير الزبادي مصري محله الصدق يروي عن أبي قبيل عن عبادة مرفوعا ليس منا من لم يبجل كبيرنا. روى عنه حيوة بن شريح وهو من طبقته وابن وهب وزيد بن الحباب ورشدين . قال ابن القطان هو ممن لم تثبت عدالته يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة
وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح . "ميزان الإعتدال3/426 "
تنبيه ! : قول ابن القطان في مالك بن الخير : هو ممن لم تثبت عدالته وقول الذهبي : يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة فيه نظر فإنه وثقه أحمد بن صالح المصري كما في تاريخ أبي زرعة : قلت ـ أبو زرعة ـ : فما تقول في مالك بن الخير الزبادي ؟ قال: ثقة . " اهـ من تاريخ أبي زرعة الدمشقي 442"
عوداً على بدئ :ـ
أسوق هنا كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ لمتانته ونفاسته وحتى يكون القارئ على اطمئنان من أمره - فإن الأمر إذا جاء من أهله له حلاوته ومكانته - قال ـ رحمه الله ـ : قال الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزبادي : " محله الصدق . . روى عنه حيوة بن شريح وابن وهب وزيد بن الحباب ورشدين
قال ابن القطان : هو ممن لم تثبت عدالته . . يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة . . والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح "
وأقره على هذه القاعدة في " اللسان " وفاتهما أن يذكرا أنه في " ثقات ابن حبان " ( 7 / 460 ) وفي " أتباع التابعين " كالهيثم بن عمران هذا وبناء على هذه القاعدة - التي منها كان انطلاقنا في تصحيح الحديث - جرى الذهبي والعسقلاني وغيرهما من الحفاظ في توثيق بعض الرواة الذين لم يسبقوا إلى توثيقهم مطلقا فانظر مثلا ترجمة أحمد بن عبدة الآملي في " الكاشف " للذهبي و " التهذيب " للعسقلاني . " تمام المنة 254"
اعلم بأن العمل بهذه القاعد له شروط وهي كالتالي :ـ
1:أن يروي عن الراوي جمع من الثقات .
2: أن لا يوجد فيه جرح .
3: أن لا يأتي بما ينكر عليه .
4: أن يكون مشهوراً بالطلب وهذا الشرط مهم وإن لم يصرح به الذهبي ـ رحمه الله ـ وقد نص عليه الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ كما في شرح علل الترمذي وكلامه طويل لكن سأنقله لنفاسته قال تحت عنوان (بحث في المجهول وقولهم غير مشهور) : وقال يعقوب بن شيبة : قلت ليحيى بن معين : ( متى يكون الرجل معروفاً ؟ إذا روى عنه كم ؟ ) قال : ( إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي ، وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول ) . قلت : ( فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ ) . قال : ( هؤلاء يروون عن مجهولين ) انتهى .
وهذا تفصيل حسن ، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه .
وابن المديني يشترط أكثر من ذلك ، فإنه يقول فيمن يروي عنه ابن أبي كثير وزيد بن أسلم معاً : ( أنه مجهول ) ، ويقول فيمن يروي عنه شعبة وحده : ( إنه مجهول ) .
وقال فيمن يروي عنه ابن المبارك ووكيع وعاصم : هو (معروف) . وقال فيمن روى عنه عبد الحميد بن جعفر وابن ليهعة : ( ليس بالمشهور ) . وقال فيمن يروي عنه المقبري وزيد بن أسلم : ( معروف ) . وقال في يُسيع الحضرمي : ( معروف ) . وقال مرة أخرى : ( مجهول روى عنه ذَرٌ وحده ) . وقال فيمن روى عنه مالك وابن عيينة : ( معروف) .
وقد قسم المجهولين من شيوخ أبي إسحاق إلى طبقات متعددة ، والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء ، وكثرة حديثه ونحو ذلك ، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه . وقال في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص : ( ليس بالمشهور ) ، مع أنه روى عنه جماعة .
وكذا قال أبو حاتم الرازي في إسحاق بن أسيد الخراساني ، ( ليس بالمشهور ) مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء . وكذا قال أحمد في حصين بن عبد الرحمن الحارثي : ( ليس بعرف ) ما روى عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد روى عنه حديثاً واحداً ) . وقال في عبد الرحمن بن وعلة : ( إنه مجهول ) مع أنه روى عنه جماعة ، لكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء . وقد صحح حديث بعض من ورى عنه واحد ولم يجعله مجهولاً ، قال في خالد بن سمير : ( لا أعلم عنه أحد سوى الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث ) . وقال مرة أخرى : ( حديثه عندي صحيح ) . وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة ، إنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات . وذكر ابن عبد البر في استذكاره : إن من روى عنه ثلاثة فليس بمجهول ، قال : وقيل : اثنان . وقد سئل مالك عن رجل فقال : ( لو كان ثقة لرأيته في كتبي ) ذكره مسلم في مقدمته من طريق بشر بن عمر عن مالك . وقال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت ابن عيينة يقول : ( إنا كنا نتبع آثار مالك بن أنس وننظر الى الشيخ إن كان مالك بن أنس كتبه عنه ، وإلا تركناه ) . قال القاضي إسماعيل : ( إنما يعتبر بمالك في أهل بلده ، فأما الغرباء فليس يحتج به فيهم ) ، وبنحو هذا اعتذر غير واحد عن ( مالك في روايته ) عن عبد الكريم أبي أمية وغيره من الغرباء . اهـ"شرح العلل 1/81 ـ 83"
2:الحافظ أبو الحسن علي بن الحسن بن القطان البلخي المشهور بابن القطان ـ رحمه الله ـ
3: الحافظ عبد الحق الإشبيلي ـ رحمه الله ـ
4: الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان المشهور بالذهبي ـ رحمه الله ـ
5: الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير ـ رحمه الله ـ
6: الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المشهور بابن رجب ـ رحمه الله ـ
7:الحافظ عبد الرحيم بن حسين المشهور بالعراقي ـ رحمه الله ـ
8: الحافظ أحمد بن علي بن محمد المشهور بابن حجر ـ رحمه الله ـ
9: والعلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ وغيرهم كثير وكذلك المحرران شعيبٌ وبشار كما مر في تعقبهما على الحافظ ـ رحمه الله ـ
وهؤلاء ذكرناهم من باب الفائدة وقد علمت أن العمل بهذه القاعدة هو صنيع الجمهور ولكن هل يتم تطبيقها هنا ـ في حال موسى بن جبير ـ هذا ما سناحول معرفته فيما يلي ـ إن شاء الله تعالى ـ .
أولاً : ـ الشرط الأول كما قدمنا أن يروي عنه جمع من الثقات فهذا الشرط متوفر فقد روى عنه من الأئمة منهم : 1ـ بكر بن مضر وهو إمام قال الحافظ فيه " االتقريب 753" : ثقة ثبت
و 2ـ زهير بن محمد بن قمير قال الحافظ " التقريب 2053" : ثقة . و 3ـ الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور قاله الحفظ في ترجمته رقم الترجمة "التقريب 5684". وغيرهم وقد مر في كلام المحررين أنه روى عنه جمع من الثقات .
والشرط الثاني : أن لا يوجد فيه جرح فهذا الشرط ليس بمتوفر وبرهان ذلك أن الإمام ابن حبان ـ رحمه الله ـ قال فيه : "يخطئ ويخالف " ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنه يخطئ أنه يخطئ إذا تفرد ويخالف إذا شارك غيره وهذه حالة سيئ الحفظ وهو ضعيف فما أبدع هذا الجرح! وبتصور هذا تعلم عدم توفر الشرط الثالث . فإن قال قائل : من المعلوم أن ابن حبان كما أنه متساهل في التوثيق فإنه متشدد في التجريح فهذا من ذلك الباب قيل له : هذا من فهمك فاضجع على نمسك لأن هذه القاعدة : العمل بها ؛ فيما إذا جرح ابن حبان : من وثقه غيره من الأئمة ولم يأت جرحه مفسراً ، مبيناً ، أو جازف في اللفظ ، أو تكلم في من هو مشهور العدالة والضبط وما إلى ذلك ، وأما إذا لم يوجد في الراوي جرح ولا تعديل ثم جرحه أحد من وسم بالتشدد في التجريح كما الحال هنا لا يهمل جرحه لأنه لم يعارضه شيء وزد على ذلك قوله ـ ابن حبان ـ " يخطئ ويخالف " يدل على أنه سبر أحاديثه فاستنتج خطأه إذا تفرد ومخالفته إذا وافق وانظر كلام الإمام الألباني الذي مر في صدر الكلام على موسى بن جبير ـ هذا ـ
ثانياً : ـ قول الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ : (ولم يأت بما ينكر عليه ) شرط عدمي وأقول : إنما يعرف منكرات الراوي([1]) إذا قورنت أحاديثه بأحاديث الثقات الذين شاركوه في حديث بعينه أو كان حديثه مخالف لأحاديث صحيحة مشهورة أو غير ذلك وقد علمت قول ابن حبان ـ رحمه الله ـ في موسى بأنه (.. ويخالف ) أي يخالف الثقات فلا يتصور هنا بأنه يخالف الضعفاء فالضعفاء لا يقارن بحديثهم ـ أصلاً ـ .
ثالثاً : تنكب عن العمل بهذه القاعدة هنا من عمل بها في غير هذا الموضع وهم : ابن القطان ـ رحمه الله ـ حيث قال : لا يعرف حاله والحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ حيث حكم على موسى هذا بأنه مستور ، والحافظ ابن حجر وقال فيه إنه مستور الحال والعلامة الألباني بل ورأيت تعجبه من صنيع الهيثمي ـ رحمه الله ـ حيث وثقه اغتراراً منه بإيراد ابن حبان ـ رحمه الله ـ لموسى في الثقات مع أنه جرحه بما قد علمت . وكذا شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان ـ رحمه الله ـ بخلاف صنيعه هو وصاحبه في تعقبهما للحافظ باسم التحرير !!
وعدم إعمال الحافظ لهذه القاعدة في موسى بن جبير وكذلك عدم إعمالها العلامة الألباني يورث ريبة في توثيق موسى ، هذا ما لو لم ينص ابن حبان بما تقدم من حال هذا الرجل فكيف وقد نص ـ كما مر فبالله لا تتعنّ ـ ؟!
ومن هنا تعلم أن قول المحررين ـ شعيب الأنؤوط وبشار عواد ـ : ... - ولا نعلم فيه جرحاً - فيه نظر لا يخفى بعد هذا التوضيح ـ إن شاء الله ـ
رابعاً:ـ توثيق الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ لموسى بن جبير مرجوح لأن ناشئ من عمال تلك القاعدة التي مرت بشروطها وقد علمت ـ إن شاء الله ـ أنه لا يمكن إعمالها هنا لعدم توفر تلك الشروط الماضية التي عليها الذهبي ـ رحمه الله ـ فيما تقدم نقله عنه !
ثم بعد كتابة ما تقدم ـ في شأن موسى وتوضيح تلك القاعدة ـ بيوم : وقفت على كلام لصاحب كتاب " كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام " وهو الدكتور ماهر فحل وأنا أنقل كلامه وهو عضد لما تقد بيانه ـ على حدة في النقد ـ : أقول : أمر المحررين عجيب غريب فهما لا يلقيان بالاً لما يطلقانه ، وأصبحت سرعة الأحكام لديهما سجية لا تنفك عنهما . فقد أهملا قول ابن القطان في كتابه (بيان الوهم والإيهام ) ـ3/257 عقيب 999ـ : ولا يعرف حاله وإن كان روى عنه جماعة وهو مدني مولى بني سلمة ) ثم إن المحررين لم يحسنا النقل عن ابن حبان ؛ فإنه ذكر المترجم له في الثقات (7/451) وقال : (يخطئ ويخالف ) فهل هكذا يكون التحرير . انتهى المراد منه فالحمد لله .
قال أبو عيسى ـ أعانه الله ـ : وبعد هذه الجولة الممتعة ـ إن شاء الله ـ يظهر أن الحديث ضعيف من أجل موسى بن جبير لجهالته عند ابن القطان والحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر ولضعفه عند ابن حبان وهو الذي يظهر من كلام الإمام الألباني وأما توثيق الذهبي له من إعمال تلك القاعدة وقد مر عدم تسني إعماله هنا وتوثيق الهيثمي له اغترار منه بإيراد ابن حبان له في الثقات وأما توثيق المحررين ـ فبمحض التقليد والتقليد آفة ـ والله أعلم اللهم اعف عني واغفر لي إن زللت أو سهوت .
([1] وحديث قصة هاروت وماروت التي فيها تلك الستشنعات التي نزه الله ـ سبحانه وتعالى ملائكته عنه ـ ومنهم هاروت وماروت ـ حكم عليه الإمام أبو حاتم الرازي بالنكارة كما في العلل والحديث مخرجه زهير بن محمد عن موسى هذا فربما تكون النكارة منه أو من الذي قبله ـ والله أعلم ـ
قال الحافظ ابن رجب بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري الذي يعتبر نصاً في المسألة وهو تفرد به مسلم عن البخاري :
«و ظاهر الحديث يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة و تفارق أرواحهم أجسادهم و يدل على ذلك ما خرجه البزار من حديث عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن مسلمة أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : إن أدنى أهل الجنة حظا ـ أو نصيبا ـ قوم يخرجهم الله من النار فيرتاح لهم الرب تعالى إنهم كانوا لا يشركون بالله شيئا فينبذون بالعراء فينبتون كما تنبت البقلة حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم قالوا : ربنا كما أخرجتنا من النار و أرجعت الأرواح إلى أجسادها فاصرف وجوهنا عن النار فتصرف وجوههم عن النار » اهـ المراد منه " مجموع رسائل ابن رجب ـ رحمه الله ـ رسالة التخويف من النار 3/325"
و حديث أبي هريرة ضعيف ؛ قال الهيثمي ـ رحمه الله ـ كما في المجمع بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا ـ المذكور ضمن كلام ابن رجب ـ : رواه البزار ورجاله ثقات . " المجمع 10/403ـ 404"
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : موسى بن جبير هو الأنصار المدني الحذاء مولى بني سلمة نزيل مصر مستور الحال من السادسة أ خرج ابن ماجة وأ بو دواود كما في التقريب "3/428" مع التحرير .
نقل العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ عن ابن كثير أنه قال في موسى : ( مستور الحال ) تفسير ابن كثير 1/254 و1/257
ثم قال ـ رحمه الله ـ : ذكره ابن أبي حاتم في " كتاب الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 139 ) ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا ، فهو مستور الحال ، وقد تفرد به عن نافع . وذكره ابن حبان في " الثقات " ( 7 / 451 ) ولكنه قال : وكان يخطيء ويخالف .
قلت : واغتر به الهيثمي فقال في " المجمع " ( 5 / 68 ) بعد ما عزى الحديث لأحمد والبزار : ورجاله رجال الصحيح خلا موسى بن جبير وهو ثقة .
قلت : لو أن ابن حبان أورده في كتابه ساكتا عليه كما هو غالب عادته لما جاز الاعتماد عليه لما عرف عنه من التساهل في التوثيق فكيف وهو قد وصفه بقوله : يخطيء ويخالف وليت شعري من كان هذا وصفه فكيف يكون ثقة ويخرج حديثه في " الصحيح " ؟ ! .
قلت : ولذلك قال الحافظ ابن حجر في موسى هذا : إنه مستور .اه كلام العلامة الألباني ت رحمه الله ـ " الضعيفة 1/315ـ316 "
وقال محقق مجموع رسائل الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ بعد نقل كلام الهيثمي حول حديث أبي هريرة المتقدم ـ قلت: بل فيهم الضعيف مثل موسى بن جبير قال ابن القطان : لا يعرف حاله وذكره ابن حبان في الثقات وقال : يخطئ ويخالف وسعيد بن سلمة فيه كلام . اه "3/325"
وقال شعيب الأرنؤوط ـ وفقه الله ـ في تحقيه لصحيح ابن حبان ـ رحمه الله ـ عند حيث ابن عمر في قصة هاروت وماروت : إسناده ضعيف موسى بن جبير ذكره المؤلف في الثقات وقال : يخطئ ويخالف وقال ابن القطان : لا يعرف حاله وقال الحافظ في التقريب : مستور .اه "14/64
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وخالف الشيخ شعيب هذا الذي سطره هنا وذلك في كتاب التحرير له وللدكتور بشار عواد حيث قالا ـ معترضين على الحافظ في حكمه على موسى بأنه مسور ـ : بل هو صدوق فقد روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال الذهبي في "الكاشف " : ثقة ولا نعلم فيه جرحاً . " تحرير التقريب 3/428"
أقول : نص توثيق الذهبي لموسى في "الكاشف" : موسى بن جبير الأنصاري ـ د، ق ـ الحذاء عن أبي أمامة بن سهل ، وجماعة وعنه الليث وزهير بن محمد : ثقة 3/165 اهـ
ولكن هل يتم توثيق الإمام العلم الحافظ الذهبي وأيضاً ذلك التعقيب على الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في حكمه على موسى بأنه مستور ؛ سأحاول جاهداً أن أصل إلى الحق من خلال جمع كلام الأئمة في موسى فاللهم ثبت جناني وأجر الحق على لساني .
وقبل الشروع في ذلك نتكلم على قاعدة هي منشأ توثيق الذهبي لموسى وتعقيب المحررين على الحافظ وهي: أن الراوي إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يأت بما ينكر عليه ولم ينص أحد على توثيقه أو تجريحه وهذا قول جمهور المحدثين واستدلال المحررين بهذه القاعدة واضح وقد مر قولهما : بل هو صدوق حسن الحديث فقد روى عنه جمع من الثقات .. ولا نعلم فيه جرحاً .
وقد صرح بهذه القاعدة الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في ترجمة مالك بن الخير الزبادي حيث قال : 7015ـ مالك بن الخير الزبادي مصري محله الصدق يروي عن أبي قبيل عن عبادة مرفوعا ليس منا من لم يبجل كبيرنا. روى عنه حيوة بن شريح وهو من طبقته وابن وهب وزيد بن الحباب ورشدين . قال ابن القطان هو ممن لم تثبت عدالته يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة
وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح . "ميزان الإعتدال3/426 "
تنبيه ! : قول ابن القطان في مالك بن الخير : هو ممن لم تثبت عدالته وقول الذهبي : يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة فيه نظر فإنه وثقه أحمد بن صالح المصري كما في تاريخ أبي زرعة : قلت ـ أبو زرعة ـ : فما تقول في مالك بن الخير الزبادي ؟ قال: ثقة . " اهـ من تاريخ أبي زرعة الدمشقي 442"
عوداً على بدئ :ـ
أسوق هنا كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ لمتانته ونفاسته وحتى يكون القارئ على اطمئنان من أمره - فإن الأمر إذا جاء من أهله له حلاوته ومكانته - قال ـ رحمه الله ـ : قال الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزبادي : " محله الصدق . . روى عنه حيوة بن شريح وابن وهب وزيد بن الحباب ورشدين
قال ابن القطان : هو ممن لم تثبت عدالته . . يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة . . والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح "
وأقره على هذه القاعدة في " اللسان " وفاتهما أن يذكرا أنه في " ثقات ابن حبان " ( 7 / 460 ) وفي " أتباع التابعين " كالهيثم بن عمران هذا وبناء على هذه القاعدة - التي منها كان انطلاقنا في تصحيح الحديث - جرى الذهبي والعسقلاني وغيرهما من الحفاظ في توثيق بعض الرواة الذين لم يسبقوا إلى توثيقهم مطلقا فانظر مثلا ترجمة أحمد بن عبدة الآملي في " الكاشف " للذهبي و " التهذيب " للعسقلاني . " تمام المنة 254"
اعلم بأن العمل بهذه القاعد له شروط وهي كالتالي :ـ
1:أن يروي عن الراوي جمع من الثقات .
2: أن لا يوجد فيه جرح .
3: أن لا يأتي بما ينكر عليه .
4: أن يكون مشهوراً بالطلب وهذا الشرط مهم وإن لم يصرح به الذهبي ـ رحمه الله ـ وقد نص عليه الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ كما في شرح علل الترمذي وكلامه طويل لكن سأنقله لنفاسته قال تحت عنوان (بحث في المجهول وقولهم غير مشهور) : وقال يعقوب بن شيبة : قلت ليحيى بن معين : ( متى يكون الرجل معروفاً ؟ إذا روى عنه كم ؟ ) قال : ( إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي ، وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول ) . قلت : ( فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ ) . قال : ( هؤلاء يروون عن مجهولين ) انتهى .
وهذا تفصيل حسن ، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه .
وابن المديني يشترط أكثر من ذلك ، فإنه يقول فيمن يروي عنه ابن أبي كثير وزيد بن أسلم معاً : ( أنه مجهول ) ، ويقول فيمن يروي عنه شعبة وحده : ( إنه مجهول ) .
وقال فيمن يروي عنه ابن المبارك ووكيع وعاصم : هو (معروف) . وقال فيمن روى عنه عبد الحميد بن جعفر وابن ليهعة : ( ليس بالمشهور ) . وقال فيمن يروي عنه المقبري وزيد بن أسلم : ( معروف ) . وقال في يُسيع الحضرمي : ( معروف ) . وقال مرة أخرى : ( مجهول روى عنه ذَرٌ وحده ) . وقال فيمن روى عنه مالك وابن عيينة : ( معروف) .
وقد قسم المجهولين من شيوخ أبي إسحاق إلى طبقات متعددة ، والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء ، وكثرة حديثه ونحو ذلك ، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه . وقال في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص : ( ليس بالمشهور ) ، مع أنه روى عنه جماعة .
وكذا قال أبو حاتم الرازي في إسحاق بن أسيد الخراساني ، ( ليس بالمشهور ) مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء . وكذا قال أحمد في حصين بن عبد الرحمن الحارثي : ( ليس بعرف ) ما روى عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد روى عنه حديثاً واحداً ) . وقال في عبد الرحمن بن وعلة : ( إنه مجهول ) مع أنه روى عنه جماعة ، لكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء . وقد صحح حديث بعض من ورى عنه واحد ولم يجعله مجهولاً ، قال في خالد بن سمير : ( لا أعلم عنه أحد سوى الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث ) . وقال مرة أخرى : ( حديثه عندي صحيح ) . وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة ، إنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات . وذكر ابن عبد البر في استذكاره : إن من روى عنه ثلاثة فليس بمجهول ، قال : وقيل : اثنان . وقد سئل مالك عن رجل فقال : ( لو كان ثقة لرأيته في كتبي ) ذكره مسلم في مقدمته من طريق بشر بن عمر عن مالك . وقال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت ابن عيينة يقول : ( إنا كنا نتبع آثار مالك بن أنس وننظر الى الشيخ إن كان مالك بن أنس كتبه عنه ، وإلا تركناه ) . قال القاضي إسماعيل : ( إنما يعتبر بمالك في أهل بلده ، فأما الغرباء فليس يحتج به فيهم ) ، وبنحو هذا اعتذر غير واحد عن ( مالك في روايته ) عن عبد الكريم أبي أمية وغيره من الغرباء . اهـ"شرح العلل 1/81 ـ 83"
ذكر بعض من يرى العمل بهذه القاعدة
1: الإمام أحمد بن الحسين البيهقي ـ رحمه الله ـ 2:الحافظ أبو الحسن علي بن الحسن بن القطان البلخي المشهور بابن القطان ـ رحمه الله ـ
3: الحافظ عبد الحق الإشبيلي ـ رحمه الله ـ
4: الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان المشهور بالذهبي ـ رحمه الله ـ
5: الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير ـ رحمه الله ـ
6: الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المشهور بابن رجب ـ رحمه الله ـ
7:الحافظ عبد الرحيم بن حسين المشهور بالعراقي ـ رحمه الله ـ
8: الحافظ أحمد بن علي بن محمد المشهور بابن حجر ـ رحمه الله ـ
9: والعلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ وغيرهم كثير وكذلك المحرران شعيبٌ وبشار كما مر في تعقبهما على الحافظ ـ رحمه الله ـ
وهؤلاء ذكرناهم من باب الفائدة وقد علمت أن العمل بهذه القاعدة هو صنيع الجمهور ولكن هل يتم تطبيقها هنا ـ في حال موسى بن جبير ـ هذا ما سناحول معرفته فيما يلي ـ إن شاء الله تعالى ـ .
أولاً : ـ الشرط الأول كما قدمنا أن يروي عنه جمع من الثقات فهذا الشرط متوفر فقد روى عنه من الأئمة منهم : 1ـ بكر بن مضر وهو إمام قال الحافظ فيه " االتقريب 753" : ثقة ثبت
و 2ـ زهير بن محمد بن قمير قال الحافظ " التقريب 2053" : ثقة . و 3ـ الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور قاله الحفظ في ترجمته رقم الترجمة "التقريب 5684". وغيرهم وقد مر في كلام المحررين أنه روى عنه جمع من الثقات .
والشرط الثاني : أن لا يوجد فيه جرح فهذا الشرط ليس بمتوفر وبرهان ذلك أن الإمام ابن حبان ـ رحمه الله ـ قال فيه : "يخطئ ويخالف " ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنه يخطئ أنه يخطئ إذا تفرد ويخالف إذا شارك غيره وهذه حالة سيئ الحفظ وهو ضعيف فما أبدع هذا الجرح! وبتصور هذا تعلم عدم توفر الشرط الثالث . فإن قال قائل : من المعلوم أن ابن حبان كما أنه متساهل في التوثيق فإنه متشدد في التجريح فهذا من ذلك الباب قيل له : هذا من فهمك فاضجع على نمسك لأن هذه القاعدة : العمل بها ؛ فيما إذا جرح ابن حبان : من وثقه غيره من الأئمة ولم يأت جرحه مفسراً ، مبيناً ، أو جازف في اللفظ ، أو تكلم في من هو مشهور العدالة والضبط وما إلى ذلك ، وأما إذا لم يوجد في الراوي جرح ولا تعديل ثم جرحه أحد من وسم بالتشدد في التجريح كما الحال هنا لا يهمل جرحه لأنه لم يعارضه شيء وزد على ذلك قوله ـ ابن حبان ـ " يخطئ ويخالف " يدل على أنه سبر أحاديثه فاستنتج خطأه إذا تفرد ومخالفته إذا وافق وانظر كلام الإمام الألباني الذي مر في صدر الكلام على موسى بن جبير ـ هذا ـ
ثانياً : ـ قول الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ : (ولم يأت بما ينكر عليه ) شرط عدمي وأقول : إنما يعرف منكرات الراوي([1]) إذا قورنت أحاديثه بأحاديث الثقات الذين شاركوه في حديث بعينه أو كان حديثه مخالف لأحاديث صحيحة مشهورة أو غير ذلك وقد علمت قول ابن حبان ـ رحمه الله ـ في موسى بأنه (.. ويخالف ) أي يخالف الثقات فلا يتصور هنا بأنه يخالف الضعفاء فالضعفاء لا يقارن بحديثهم ـ أصلاً ـ .
ثالثاً : تنكب عن العمل بهذه القاعدة هنا من عمل بها في غير هذا الموضع وهم : ابن القطان ـ رحمه الله ـ حيث قال : لا يعرف حاله والحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ حيث حكم على موسى هذا بأنه مستور ، والحافظ ابن حجر وقال فيه إنه مستور الحال والعلامة الألباني بل ورأيت تعجبه من صنيع الهيثمي ـ رحمه الله ـ حيث وثقه اغتراراً منه بإيراد ابن حبان ـ رحمه الله ـ لموسى في الثقات مع أنه جرحه بما قد علمت . وكذا شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان ـ رحمه الله ـ بخلاف صنيعه هو وصاحبه في تعقبهما للحافظ باسم التحرير !!
وعدم إعمال الحافظ لهذه القاعدة في موسى بن جبير وكذلك عدم إعمالها العلامة الألباني يورث ريبة في توثيق موسى ، هذا ما لو لم ينص ابن حبان بما تقدم من حال هذا الرجل فكيف وقد نص ـ كما مر فبالله لا تتعنّ ـ ؟!
ومن هنا تعلم أن قول المحررين ـ شعيب الأنؤوط وبشار عواد ـ : ... - ولا نعلم فيه جرحاً - فيه نظر لا يخفى بعد هذا التوضيح ـ إن شاء الله ـ
رابعاً:ـ توثيق الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ لموسى بن جبير مرجوح لأن ناشئ من عمال تلك القاعدة التي مرت بشروطها وقد علمت ـ إن شاء الله ـ أنه لا يمكن إعمالها هنا لعدم توفر تلك الشروط الماضية التي عليها الذهبي ـ رحمه الله ـ فيما تقدم نقله عنه !
ثم بعد كتابة ما تقدم ـ في شأن موسى وتوضيح تلك القاعدة ـ بيوم : وقفت على كلام لصاحب كتاب " كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام " وهو الدكتور ماهر فحل وأنا أنقل كلامه وهو عضد لما تقد بيانه ـ على حدة في النقد ـ : أقول : أمر المحررين عجيب غريب فهما لا يلقيان بالاً لما يطلقانه ، وأصبحت سرعة الأحكام لديهما سجية لا تنفك عنهما . فقد أهملا قول ابن القطان في كتابه (بيان الوهم والإيهام ) ـ3/257 عقيب 999ـ : ولا يعرف حاله وإن كان روى عنه جماعة وهو مدني مولى بني سلمة ) ثم إن المحررين لم يحسنا النقل عن ابن حبان ؛ فإنه ذكر المترجم له في الثقات (7/451) وقال : (يخطئ ويخالف ) فهل هكذا يكون التحرير . انتهى المراد منه فالحمد لله .
قال أبو عيسى ـ أعانه الله ـ : وبعد هذه الجولة الممتعة ـ إن شاء الله ـ يظهر أن الحديث ضعيف من أجل موسى بن جبير لجهالته عند ابن القطان والحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر ولضعفه عند ابن حبان وهو الذي يظهر من كلام الإمام الألباني وأما توثيق الذهبي له من إعمال تلك القاعدة وقد مر عدم تسني إعماله هنا وتوثيق الهيثمي له اغترار منه بإيراد ابن حبان له في الثقات وأما توثيق المحررين ـ فبمحض التقليد والتقليد آفة ـ والله أعلم اللهم اعف عني واغفر لي إن زللت أو سهوت .
([1] وحديث قصة هاروت وماروت التي فيها تلك الستشنعات التي نزه الله ـ سبحانه وتعالى ملائكته عنه ـ ومنهم هاروت وماروت ـ حكم عليه الإمام أبو حاتم الرازي بالنكارة كما في العلل والحديث مخرجه زهير بن محمد عن موسى هذا فربما تكون النكارة منه أو من الذي قبله ـ والله أعلم ـ