الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد : فهذا فصل من جزء التلخيص لوجوه التخليص للإمام ابن حزم وسبق أن نشرت بعضه وأنشر هذا الفصل لأهميته ولتعلقه بما نشرت من قبل حتى تكتمل الفائدة وقد تطرق فيها الإمام ابن حزم _ رحمه الله _ إلى مسألة مهمة وهو مسألة التقليد والقرائة في كتب الرأي فإلى المقصود
تنبيه : التبويب تسهيلاً وتقريباً لفهم كلامه المتين _ رحمه الله _
أما الاشتغال بروايات القراء المشهورين السبعة وقراءة الحديث وطلب علم النحو، واللغة، فإن طلب هذه العلوم فرض واجب على المسلمين على الكفاية، بمعنى أن من قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط،
فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها، ولو سورة أي سورة
كانت، أو أي آية، فهذا لابد لكل إنسان منه([1]).
ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة كلهم، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل، قال عليه السلام : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "([3]) ، فكفى بهذا فضلاً، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع، وحرام على المسلمين تضييعه، وذهابه من أشراط الساعة([4])، وكذلك ذهاب العلم([5]).
وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا، لان الله يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم/4]، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا به([6]) ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه([7]) على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو سقط لسقط الإسلام([8]) فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية([9]) لا يجب التقصير عنها لأحد.
أحدها : أن لا يكون للإنسان علم غيره فهذا حرام، يبين ذلك قوله عليه السلام : لان يملأ، أو يمتلئ، جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً([11]).
والثاني: الاستكثار منه، فلسنا نحبه وليس بحرام، ولا يأثم المستكثر منه إذا ضرب في علم دينه بنصيب، ولكن الاشتغال بغيره أفضل.
والثالث: الأخذ منه بنصيب، فهذا نحبه ونحض عليه، لأن النبي عليه السلام قد استنشد الشعر([12])، وأنشد حسان على منبره عليه السلام. وقال عليه السلام : " إن من الشعر حكماً "([13]) وفيه عون على الاستشهاد في النحو واللغة. فهذا المقدار هو الذي يجب الاقتصار عليه من رواية الشعر، وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما من قال الشعر في الحكمة والزهد فقد أحسن وأجر، وأما من قال معاتباً
لصديقه ومراسلاً له، وراثياً من مات من إخوانه بما ليس باطلاً، ومادحاً لمن استحق الحمد بالحق، فليس بآثم ولا يكره ذلك، وأما من قال هاجياً لمسلم، ومادحاً بالكذب، ومشبباً بحرم المسلمين، فهو فاسق، وقد بين الله هذا كله بقوله ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء/224] ([14]).
والذي يجب على طالب العلم أن لا يقتصر على أقل منه من النحو، فمعرفة ما يمر من القرآن والسنة من الإعراب، ويكفي من ذلك كتاب الواضح أو كتاب الزجاجي([15]) ، فإن قال وأوغل حتى يحكم كتاب سيبويه([16]) وما جرى مجراه فقد أحسن، وذلك زيادة في فضله وأجره. وأما من اللغة فمثل ذلك أيضاً، ويجزئ عنه منه الغريب المصنف لأبي عبيد([17]) ، فإن زاد وأوغل واستكثر من دواوين اللغة فقد أحسن وأجر. ويجب رواية شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وما خف من مختار أشعار الجاهلين ومختار أشعار المسلمين، غير مستكثر من ذلك، ولكن بقدر ما يتدرب في فهم معاني لغة العرب ومخارج كلامهم.
وعلم الحساب([18]) والطب أيضاً من العلوم الرفيعة، فمن طلب علماً من ذلك لينتفع به الناس في القسمة والعلاج وحساب مقابلتهم فهو مأجور. وتعلم هذا المقدار فرض على الكفاية، إذ لو جهل هذا لضاع كثير من الدين، كحساب الوصايا والمواريث ومعرفة البيوع وغير ذلك. ومن طلبهما ليكتسب منهما فمأجور أيضاً، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى الظلم فآثم فاسق([19]).
وأما معرفة قراءة الحديث ففرض على الكفاية بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة/122]. ولا سبيل إلى التفقه في الدين إلا بمعرفة أحكام القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، صحيحه من سقيمه، وناسخه من منسوخه، وما أجمع عليه مما اختلف فيه([20])، فهذا أفضل ما استعمل المرء فيه نفسه، وأعظم ما يحاول لأجره وأمحاه لذنوبه. وقد قسم النبي هذا الباب أقساماً كثيرة كافية كما حدثنا القاضي حمام بن احمد، قال: ثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، نبا أبو أحمد الجرجاني، نبا محمد بن يوسف الفربري، نبا محمد بن إسماعيل البخاري، نبا محمد نبا حماد بن أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل ما بعثني الله [به] من الهدى والعلم كمثل غيث كثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى به [الناس] فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ([21])" ؛ فهذا الحديث أيها الاخوة الأصفياء لو لم يأتنا غيره لكفانا، ففيه جماع طبقات الناس كما ترون، والطائفة الأولى التي أنبتت الكلأ والعشب هم الذين فهموا معاني القرآن والحديث وتدينوا بها وعلموها الناس؛ والطائفة الثانية التي أمسكت الماء فشرب الناس منها فسقوا ورعوا هم الشيوخ الذين رووا لنا الحديث ، وقيدوه وعنوا به وبلغوا إلينا فأخذناه عنهم وإن لم يكن لهم فقه فيه، ولكنهم رضي الله عنهم أجروا فينا أجراً عظيماً، لأنهم كانوا سبب علمنا، فهم شركاؤنا في كل ما قيدنا وعلمنا مما أخذنا عنهم، والطائفة الثالثة هي المعرضة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لا ترفع به رأساً ولا تقبله إذا سمعته ولا تعنى به ولا تطلبه، كما أن تلك القيعان مر عليها الماء مراً، كما دخل خرج، فمن استطاع منكم أيها الإخوة في الله عز وجل أن يكون من الطائفة الأولى النقية فليفعل، فحسب الواحد منا أن يكون في جملة من أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن لم يمنح ذلك، فليكن من الأجادب التي تمسك الماء، لعل الله ينفع بنا وبكم في ذلك، ولو أن يموت أحدنا وهو مقيد بحديث النبي يشاهد مجالسة طالب له مستكثر منه، فأعيذ نفسي وإياكم بالله أن نكون من القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ.
وأما كتب الرأي، فاعلموا أنها لا تحل قراءتها على معنى تقليد ما فيها والتدين به، ويكفي في هذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ [النساء/59]، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فحرام عليه أن يرد شيئاً مما اختلف فيه إلى قول عائشة وأم سلمة وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ والعباس، رضي الله عنهم أجمعين، وهؤلاء أفاضل الأمة وعلماؤها، فكيف إلى قول أبي حنيفة وإلى سفيان ومالك والشافعي وأحمد وداوود وأبي يوسف ومحمد وابن القاسم لان من رد ذلك إلى غير القرآن وحديث النبي عليه السلام، فقد خالف ما أمره به تعالى في الآية المذكورة([22]). ومن لم [يفعل] ما أمر الله تعالى به، فقد عصى الله عز وجل ورسوله واستحق أقبح الصفات، ولم يحكم بما أنزل الله عز وجل ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[المائدة/47]. وقد أخبرنا حمام بن أحمد ، قال ثنا عبد الله بن علي الباجي ، ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، نبا أحمد بن مسلم، نبا أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، نبا وكيع بن الجراح، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي عليه السلام أنه قال : " لا ينزع العلم انتزاعاً من قلوب الرجال، ولكن ينزع بذهاب العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا([23]) " . وقال عبد الله بن عمر: لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيماً حتى فشا فيهم أبناء سبايا الأمم فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا([24]).
وقد أخبرنا بهذا الحديث أيضاً حمام بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم، نبا أبو أحمد وأبو زيد المروزي كلاهما عن محمد بن يوسف الفربري، عن محمد بن إسماعيل البخاري، نبا سعيد بن تليد، نبا ابن وهبن ثني عبد الرحمن بن شريح وغيره عن محمد أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله يقول : " إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينتزعه بقبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ([25])" فهذان عدلان جليلان أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة وهشام شهدا على عروة، وشهد عروة على عبد الله، وعبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبلغتكم، وليس اختلاف الألفاظ بموجب تعليلاً في الرواية إذا كان المعنى واحداً فقط، فصح ان النبي كان إذا حدث بحديث كرره ثلاث مرات فيؤديه السامع على حسب ما سمع في كل مرة: فهذه صفة الرأي([26]).
واعلموا رحمكم الله أني أقول إعلاناً لا أسره ان تقليد الآراء لم يكن قط في قرن الصحابة رضي الله عنهم، ولا في قرن التابعين ولا في قرن تابع التابعين، وهذه هي القرون التي أثنى النبي عليها([27])، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا سبيل إلى وجود رجل في القرون الثلاثة المتقدمة قلد صاحباً أو تابعاً أو إماماً أخذ عنه في جميع قوله فأخذه كما هو، وتدين به وأفتى به الناس، فالله الله في أنفسكم، لا تفارقوا ما مضى عليه جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وتابعهم عن [متبوعهم]، وتابع التابعين أولهم عن آخرهم، دون خلاف من واحد منهم، من ترك التقليد واتباع أحكام القرآن وحديث النبي عليه السلام وروايته والعمل به. فاجتنبوا هذه الحادثة في القرن المذموم المخالفة للإجماع المتقدم، وبعد أزيد من مائتين وخمسين عاماً من موت النبي عليه السلام، فكل بدعة ضلالة، فقد نصحت لكم وأديت ما لزمني في ذلك، وبقي ما عليكم. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله قال: لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "([28]) . وإنما يجوز قراءة كتب الرأي على وجه اذكره لكم، وهو طلب ما أجمع عليه أئمة العلماء فيتبع ويوقف عنده، لأن الله أمرنا في الآية التي تلونا([29]) بطاعة أولي الأمر منا ولنعرف ما اختلف فيه العلماء فيعرض على كتاب الله عز وجل، وعلى حديث النبي، فلأي تلك الأقوال شهد القرآن والسنة المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به، ونترك سائر ذلك إن كنا نؤمن بالله وباليوم الآخر، فهو أعرف بنفسه .
فعلى هذا الوجه يجب قراءة كتب الرأي، لا على ما سواه. فمن قرأها على هذا أجر، وانتفع بها جداً، وأما من قرأها متديناً بها غير عارض لها على القرآن وحديث النبي فهو فاسق، لعصيانه ما أمره الله تعالى به، ولأنه لم يحكم بما انزل الله: فمن جمع إلى هذا استحلال مخالفة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يعتقد صحته عنه عليه السلام لقول أحد دونه، واعتقد ان هذا جائز فهو كافر مشرك مرتد عن الديانة، منسلخ عن الإسلام، حلال الدم والمال. وروينا عن النبي انه قال : " كل أحد يدخل الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى([30]) " . ولا يحسبوا أني سبقت إلى هذا القول، فمعاذ الله ان أقول ما لم يقله الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء/65]. فأنا أقول: والله ما آمن من حكم غير رسول الله في دينه.
واعلموا أيضاً أن هذا الذي قلت هو رأي الشافعي ومالك وإسحاق بن راهويه، فإنه بلغني عن مالك، رحمه الله، انه سأله سائل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في رجل قيل له: قال النبي كذا، فقال هو: قال إبراهيم النخعي كذا فقال مالك: أرى أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل([31]). وبلغني عن الشافعي، رحمه الله، انه ذكر يوماً حديثاً عن النبي عليه السلام فقال له إنسان: يا أبا عبد الله، أتأخذ بهذا الحديث فقال له الشافعي: أرأيت يا هذا علي زناراً خارجاً من كنيسة تسمعني أحدث عن النبي صلى الله [عليه] وسلم وتقول لي: تأخذ به وما لي لا آخذ به إذا صح الحديث عن رسول الله فهوديني وقولي([32]). وذكر محمد بن نصر عن إسحاق بن راهويه انه قال: من سب رسول الله أو ترك صلاة فرضاً متعمداً حتى خرج وقتها بلا عذر أو رد حديثاً مسنداً صحيحاً بلغه عن رسول [الله]، فهو كافر مشرك([33]).
وقد سمعنا أصحابنا يحكون عن ابن القاسم، رحمه الله، انه كان لا يجيز بيع كتب الرأي، فسئل عن ذلك فأخبر أنه لا يدري أحق هو أم باطل، وأجاز بيع المصاحف وكتب الحديث،لأن الذي فيها حق.
فكيف يظن جاهل لا يتقي الله عزوجل أن مالك بن أنس وابن القاسم يلزمان الناس بتقليدهما وهما يقران أنهما لا يعلمان أحق ما أفتيا برأيهما أم باطل وقد صح ما هو أغلظ من هذا، وهو أن مالكاً رضي الله عنه تمنى عند موته أن يضرب بكل مسألة أفتى فيها برأيه سوطاً، وهكذا كان الأئمة الفضلاء قبل زماننا هذا المدبر([34])، رضي الله عنهم وعن الباقين، وفاء بالجميع إلى طاعته، ووالله لقد خذل الله وجل أمة تدين بشيء تمنى قائله أن يضرب بالسياط ولا يقوله.
وأما ما ذكرتم من أمر قارئ هذه العلوم إن حضر بباله عند الاشتغال بها حب الرئاسة في الدنيا وطلب الظهور، وكيف إن كان معظم نيته هذا المعنى. فهذا مذهب سوء. صح عن النبي أنه قال : " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً لم يجد عرف الجنة يوم القيامة([35]) " . والحديث الصحيح الذي رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه " يؤتى يوم القيامة برجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها، قال: فما علمت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، وقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار([36]) " ، والحديث الصحيح عن النبي أنه قال : " إن الله تعالى قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه([37]) " .
وفيما ناولني حمام بن أحمد، وأخبرني أنه أخبر به العباس بن أصبغ عن محمد بن عبد الملك بن أيمن. نبا إسماعيل بن إسحاق القاضي ببغداد، نبا إسماعيل ابن أبي أويس، ثني أخي يعني أبا بكر، عن سليمان بن بلال، عن إسحاق بن يحيى ابن طلحة، عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ابتغى العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء، أو ليقبل بأفئدة الناس إليه فإلى النار([38]) " .
وهذه أحاديث في غاية الصحة([39])، وأولاد كعب بن مالك ثقات كلهم، وهم ثلاثة مشهورين: عبد الله وعبد الرحمن وسعيد، فهذا أصلحكم الله وإيانا فتيا نبيكم عليه السلام،وكلام ربكم عز وجل، فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون أم أي قول بعد قول الله تعالى وكلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تطلبون وتقرءون لا كفى الله من لم يكفه قول ربه تعالى، وقول نبيه عليه السلام. فالله الله عباد الله، تداركوا أنفسكم بتصفية نياتكم في هذا الباب وفي العمل المرغوب في الصلاة والصيام والصدقة، ولا تشوفوا في شيء منه قصداً لغير وجه الله تعالى؛ فوالذي لا إله إلا هو إن من طلب علماً من علوم الديانة ليدرك به عرض دنيا أو ذكراً في الناس أو عمل عملاً مما أمره الله تعالى بعمله له فعمله هو لغيره تعالى، لقد كان أحظى له في آخرته وأسلم في عاقبته وأنجى له عند ربه تعالى أن يكون دفافاً أو بهزرياً . ووالله لأن يلقى الله تعالى عبد بكل بائقة دون الشرك، لا أخص من ذلك قتل النفس ولا قطع الطريق ولا ما دونهما، أخف وزراً من أن يلقاه وقد تدين لغيره وصلى وصام لسواه([40]).
واعلموا رحمكم الله أن من تعدم اللهو واللعب حتى مضى وقت صلاة مفروضة ولم يصلها، أخف ذنباً عند الله تعالى ممن صلاها لأجل الناس، ولولاهم ما صلاها، لأن كل إنسان من الذين ذكرنا لم يصل الصلاة التي أمر بها، وزاد هذا الآخر على الأول أن صلاها لغير الله تعالى؛ وكذلك من طلب العلم لغير الله تعالى، فإنه ترك الاشتغال بما يصلحه في دنياه وبما يروح به نفسه من البطالة، وأتعب نفسه في أفضل الأعمال، فقصد به التقرب إلى الناس فوكله الله إلى من قصده، وقال عليه السلام : " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ([41])" أو كما قال عليه [السلام]، فالجد الجد فإن لإبليس اللعين ها هنا مسلكاً خفياً ومدبا لطيفاً ومولجاً دقيقاً يحبط به الأعمال ويهلك به الرجال، أجارنا الله وإياكم من كيده وبغيه، ولا وكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك.
وأنا أريكم إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله، ميلقاً يعرف به كلواحد منكم وغيركم ممن يقرأ كتابي هذا، إن كانت نيته صادقة لله عز وجل أو مشوبة بقصد إلى غيره، وذلك أن يفكر المرء في نفسه فيما يعمل من طلب علم أو فعل بر فيقول لها: يا نفس، أرأيت لو أن من يراني أو يبلغه خبري من الناس يكون طريقتهم في العلم وفي طلبه وفي عملهم على خلاف ما هم عليه كانوا يكرهون هذا الوجه من طلبي لما أطلب، ولا يستحسنون ما أفعل من البر، أكنت تفعلينه أم لا فإن علم من نفسه أنها كانت تفعل ذلك، سخط الناس أم رضوا، نفق عندهم أو كسد، فليحمد ربه تعالى وليبشر، كان عمله وطلبه خالصاً. وإن وجد نفسه تخبره أن الناس لو كرهوا ما يطلب وما يعمل لم يطلبه ولم يعمله، فليعلم أنه هلك وأن عمله وتعبه عليه لا له، وأنه قد خسرت صفقته، وأنه قد أشرك في نيته وعمله غير ربه تعالى، إذ قرن به الناس، فمن أضيع عملاً أو أسوأ منقلباً من هذا نعوذ بالله من هذه المرتبة، ونسأله التوقي من هذا. وليت شعري على ماذا يحصل المسكين الذي يطلب العلم ليحظى به في دنياه والله لا حصل من ذلك إلا على دنيا منغصة، ولباس خشن، ولذات يستتر بها استتار الغراب بسفاده ولا يتهناها موفرة، وعلى ما لا توفى نفسه منها. ولو طلب الدنيا على وجهها لكان أنفذ لأمره وأعظم لجاهه وأكثر لماله وأوفر للذاته وأتم لهيبته، وأقل لوزره، وأخف لعذابه. ولا يغرنكم ما يقول كاذب على العلماء: " طلبنا العلم لغير الله، فما زال بنا حتى ردنا إلى الله([42]) " ، فلعمري إن جديراً ألا يبارك تعالى في كل شيء ابتدأ لغير وجهه عز وجل، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وأما إن نوى في عمله أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويحكم بالعدل إن ولي شيئاً من أمور المسلمين، وأن يظهر في ذلك الحق ما أمكنه، رضي الناس أم سخطوا، وأحب مع ذلك أن لا يذل ويكرم، وكانت نيته أن لا تأخذه في الله لومة لائم إن آتاه الله حظاً من الدنيا، وسره أن يؤتى مالاً حلالاً لا يأكله بخلافه ولا يكتسبه بدينه ولم يترك لذلك أمراً يعتقده حقاً، ولا استعمل لأجل رغبته فيما ذكرنا أمراً يراه باطلاً([43])، فهذه نية خير ومقصد حسن، ومذهب فاضل كانت عليه الصحابة والتابعون وأئمة الخير. وقد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (1) : " المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف([44]) " . وقد أثنى الله تعالى على ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج/41] والدلائل على كل ما قلنا من القرآن والحديث تكثر جداً، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى.
[1] لأن الأمر كما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ».[ أخرجه البخاري برقم (785) ومسلم (394) عن عبادة بن الصامت ] وفيه دليل على ركنية الفاتحة أما الزيادة عليها فمستحب على الأصح وكلام المصنف يوهم وجوبها وانظر كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ حول هذه المسألة كما في كتابه الماتع صفة صلاة النبي ـ الأصل ـ (1/303ـ310) وانظر المحلى (3/273) رقم المسألة (360)
[2] وهم نافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن كثير المكي وزياد بن العلاء البصري وعبد الله ابن عامر اليحصبي وعاصم بن أبي النجود الأسدي وحمزة بن حبيب الكوفي وعلي بن حمزة الكسائي [ وانظر تراجمهم في شرح طيبة النشر لابن الجزري ص8ـ12]
[3] أخرجه البخاري برقم (5027) عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
[4] لحديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب . حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك . ولا صدقة . وليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة . فلا يبقى في الأرض منه أية . وتبقى طوائف من الناس والشيخ الكبير والعجوز . يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله . فنحن نقولها ) فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة . ثم ردها عليه ثلاثا . كل ذلك يعرض عنه حذيفة . ثم أقبل عليه في الثالثة فقال ياصلة تنجيهم من النار . ثلاثا ﴾
أخرجه ابن ماجة برقم (4049) بسند صحيح رجاله ثقات وروي موقوفاً على حذيفة عند الحاكم برقم (8589) بإسناد صحيح قال البزار في مسنده (7/260): وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة موقوفا ، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب ، عن أبي معاوية .اهـ
وهذا منه إعلال للحديث بالوقف
قال البوصيري ـ رحمه الله ـ : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن أبي مالك بإسناده ومتنه .. اهـ [ مصباح الزجاجة 4/194]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا يرد قول البزار من تفرد أبي معاوية برفعه فإن قول البوصيري : بإسناده يقتضي أنه يكون أبو عوانة رواه مرفوعاً فيكون أبو معاوية متابعاً وعلى كل سواءً قلنا إن الحديث موفوع أو موقوف فله حكم الرفع لأن مثل هذا لا يقال من قبيل الرأي وقد صححه مرفوعاً كل من الحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح والبوصيري والعلامة الألباني في الصحيحة برقم (87) والعلامة الوادعي في الصحيح المسند وقد أعل بعضهم الحديث مرفوعاً وموقوفاً ولم يصب في ذلك .
ثم إن الحديث من أدلة العذر بالجهل وليس من أدلة عدم تكفير تارك الصلاة ـ وبالله التوفيق
[5] لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا ».[ أخرجه البخاري برقم (80) ومسلم ( ) ]
[6] قال ابن خلدون وهو يتكلم عن علوم اللسان العربي :
أركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب. ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة.اهـ المراد [مقدمة ابن خلدون (ص339) ]
وقال ـ وهو يتكلم عن التفسير :
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب، فوضعت الدواوين في ذلك، بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان. فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن، لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم.اهـ [المقدمة ص279]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وفي المصنف لابن أبي شيبة برقم (30546) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم ﴾ وإسناده صحيح قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله اهـ [ اقتضاء الصراط ص 207]
[7] لقد فصل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة تفصيلاً حسناً فقال :
فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا اهـ المراد [ الرسالة الفقرة رقم 167 وفقرة 168]
[8] قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية اهـ [اقتضاء الصراط ص207]
قوله : ثم منها .. الخ هو التفصيل الذي ذكره الشافعي ـ رحمه الله ـ .
[9] لأن تعلمها على هذه النية من الدين قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين اهـ [ اقتضاء الصراط ص 162]
[10] روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أبي الأسود الديلي ـ رحمه الله ـ قدم أعرابي في زمان عمر فقال من يقرئني مما أنزل الله على محمد قال فأقرأه رجل براءة فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " ( 1 ) بالجر فقال الأعرابي أوقد برئ الله من رسوله إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة ... وفيه : فقال عمر ليس هكذا يا أعرابي قال فكيف هي يا أمير المؤمنين فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " فقال الأعرابي وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة وأمر بالأسود فوضع النحو .اهـ
وفيه رجل مبهم وعنعنة ابن جريج .
فائدة : قال في صبح الأعشى ـ بعد ما أورد طرفاً من القصة المذكورة ـ : (1/206)
على أن الحسن قد قرأها بالجر على القسم وقد ذهب على الأعرابي فهم ذلك لخفائه اهـ
[11] بوب عليه الإمام البخاري فقال : " باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعم والقرآن " والحديث عنده برقم (6155) ومسلم (2257) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
قال أبو عبيد ـ رحمه الله ـ : ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر اهـ (الفتح شرح حديث رقم 6154)
وقال ابن رشيق : فإنما هو من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن اهـ (العمدة 1/29)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وقد ذم قوم الشعر مطلقاً استدلالا منهم بحديث أبي سعيد الخدري في مسلم برقم (2459) قال بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ».
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وان كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه و سلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب ... إلى أن قال : وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق اليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله اعلم اهـ [شرحه على المسلم 15/17]
قوله وقالوا : هو كلام .. " جاء مرفوعاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (7692) عن عبد الله بن عمرو وقال : لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن زياد اهـ
قلت : وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف في حفظه وللحديث شاهد عند البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الشِّعْرِ فَقَالَ :« هُوَ كَلاَمٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ ».
قال البيهقي : وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلٌ. (الكبرى برقم (1113) )
فهذا شاهد قوي فيحسن الحديث ـ والله أعلم ـ
وقال العلامة الألباني : صحيح لغيره اهـ (صحيح الأدب برقم (664)
[12] أخرجه مسلم برقم (2255) من حديث عمروبن الشريد عن أبيه قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا ». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ « هِيهِ ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.
[13] أخرجه البخاري برقم (6145) عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ .
[14] قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : وهو يتكلم عن تناشد الأشعار في المسجد :
أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك ، فمن مانع مطلقا ، ومن مجيز مطلقا. والأولى التفصيل ، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان ، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها ، فهو حسن في المساجد وغيرها ؛ كقول القائل :
طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ... وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز ؛ لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر ، والمساجد منزهة عن ذلك ؛ لقوله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}. وقد يجوز إنشاده في المسجد ؛ كقول القائل :
كفحل العداب القرد يضربه الندى ... تعلى الندى في متنه وتحدرا
وقول الآخر :
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز ؛ لأنه خال عن الفواحش والكذب اهـ [ الجامع لأحكام القرآن 12/248 تفسير سورة النور ]
وقال في تفسير سورة الشعراء :
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهي ، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر ، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا ، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى ، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله اهـ المراد [ الجامع 13/133]
[15] الزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى 340هـ اهـ [ بغية الوعاة للسيوطي 2/77 والسير 15/475] وأما كتابه فهو " الجمل " .
[16] إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارس البصري اهـ [ السير 8/351ـ352]
[17] الامام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله اه (السير 10/490) واسم كتابه : "الغريب المصنف في علم اللسان " قال ابن درستويه : .. والغريب المصنف من أجل كتبه في اللغة اهـ (السير 10/494) وقال محقق السير لم يطبع بعد ومنه نسختان بدار الكتب المصرية ونسخة بمكتبة الفاتح بتركيا اهـ ومكث في جمعه أربعين سنة (10/496)
[18] قال السيوطي ـ رحمه الله ـ : علم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم : علم الفتوى وعلم الأنساب وعلم الحساب .. ـ ثم تكلم على وجه ذلك ـ قال : وأما الحساب : فلتصحيح المسائل وقسمة التركات اهـ (الرد على من أخلد في الأرض ص 180)
[19] والأعمال بالنيات .
[20] معرفة هذا فرض على الكفاية وقد يكون فرضاً على الأعيان قال ابن اللبان (اللباب 10/241ـ242) :
الفقه معرفة أحكام الدِّين ، وهو ينقسمُ إلى فرض عين ، وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال عليه الصلاة والسلام " طلبُ العِلْمِ فريضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ " وكذلك كل عبادة أوجبها الشَّرع على كل واحد يجب عليه معرفة علمها مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه .
وأما فرض الكفاية ، فهو أن يتعلم حتى يبلغ رتبة الاجتهاد ؛ فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعاً ، وإذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط الفرض عن الآخرين .. اهـ
ومثّل له القرطبي بقوله : كتحصيل الحقوق وإقامة الحدود والفصل بين الخصوم ونحوه ؛ إذ لا يصلح أن يتعلمه جميع الناس فتضيع أحوالهم وأحوال سراياهم وتنقص أو تبطل معايشهم ؛ فتعين بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين اهـ [الجامع لأحكام تفسير سورة البرائة]
[21] أخرجه الإمام البخاري برقم (79) ومسلم (2282)
[22] قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معرض كلامه على معاني الآية :
1ـ أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان
2ـ أن قوله فإن تنازعتم في شيء نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه
3ـ أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه وتعالى هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته
4ـ أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة اهـ ملخصاً (الإعلام 2/91ـ92)
[23]
[24] الأثر أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (38747) عن طريق وكيع به وإسناده صحيح وروي مرفوعاً أخرجه ابن ماجة برقم (56) وفيه سويد بن سعيد ضعيف وأعله العلامة الألباني بالانقطاع فقال : وعلته الانقطاع فإن عبدة بن أبي لبابة لم يلحق ابن عمر كما قال المزي في تحفة الأشراف (6/360) الضعيفة برقم (4336) .
والحديث أخرجه البزار في مسنده برقم (2424) وفيه قيس بن الربيع قال البزار بعد إخراجه الحديث : وهذا الحديث لا نعلم أحداً قال عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو إلا قيس ورواه غير قيس مرسلاً اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا إشارة منه إلى إعلال المرفوع وقيس هذا قال الحافظ : صدوق تغير لكبره وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به اهـ
وتعقبه صاحبا التحرير : بأنه ضعيف يعتبر به ثم بينّا وجه ذلك .
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : كلام الحافظ لا يظهر منه إلا ما تعقبا به ويدل على ذلك قوله في الفتح عند شرح حديث رقم (7307) : قيس بن الربيع ضعيف من قبل حفظه اهـ
وقال الحافظ الذهبي في الميزان (3/393) : صدوق في نفسه سيء الحفظ اهـ
والمرسل رواه يعقوب الفسوي (3/20) بسند صحيح عنه ـ أي عروة ـ فهو مرسل اهـ من قول العلامة الألباني .
فالمحفوظ أنه مرسل و المرفوع مع الاتصال وهم فالأثر صح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وصح مرسلاً عن عروة وجاء عنه من قوله .
[25] الحديث في الصحيحين بلفظ مقارب لهذا اللفظ أخرجه البخاري برقم (7307) ومسلم (6799)
[26] قال العلامة أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على المحلى (1/121) : فسر المصنف الرأي في بعض رسائله بانه الحكم في الدين بغير نص بل بما يراه المفتي أحوط وأعدل في التحليل والتحريم والإيمان قال : ومن وقف على هذا الحد وعرف ما معنى الراي اكتفى في إيجاب المنع بغير برهان إذ هو قول بلا برهان اهـ وكان حدوث الرأي في القرن الأول قرن الصحابة والقياس في القرن الثاني اهـ من حاشية الأصل منسوباً للسيد محمد بن إسماعيل الأمير علامة اليمن .
والرأي منه ما هو محمود ومذموم حقق ذلك الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في المعالم (2/125)
[27] إشارة إلى حديث عمران بن الحصين ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ». قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِى أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً .. الحديث
أخرجه البخاري برقم (2651) ومسلم (2535) واللفظ لمسلم
[28] الحديث أخرجه أبو عوانة في مستخرجه برقم (101) عن تميم بن أوس الداري وأصله في صحيح مسلم برقم (55) بزيادة ولكتابه وبدون ذكر أنه كرر الدين النصيحة ثلاثاً .
[29] إشارة إلى قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء/59]
[30] أخرجه البخاري برقم (7280) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[31] أسند المصنف قصة شبيهة بهذه القصة في كتابه الأحكام فقال : حدثنا أحمد بن عمر العذري ثنا علي بن الحسن بن فهر ثنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد الذهلي ثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وحدثنا فلان عن إبراهيم بكذا ونأخذ بقول إبراهيم قال مالك صح عندهم قول عمر قلت إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم ؛ فقال مالك هؤلاء يستتابون اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ينظر في حال علي بن الحسن بن فهر وبقية رجال السند كلهم ثقات .
[32] أسنده البيهقي ـ رحمه الله ـ في مناقب الشافعي (1/474) فقال أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت علي بن عمر الحافظ ببغداد سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : سمعت بشر بن موسى قال سمعت الحميدي يقول : سأل رجل الشافعي بمصر عن مسألة فأفتاه وقال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذا فقال : الرجل : تقول بهذا قال : أترى في وسطي زناراً ؟ أتراني خرجت من الكنيسة ؟ أقول : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول لي : أتقول بهذا ؟ أروي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أقول به .؟!
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : رجاله ثقات أئمة إلا السلمي وهو محمد بن موسى أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي متهم .
قال البيهقي بعد إسناد القصة : وقرأت في كتاب أبي الحخسن العاصي فيما أخبره أبو العاس الأزهري قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : سمعت الحميدي يقول : كنا عند الشافعي فأتاه رجل فذكر معنى الحكاية .
وقال أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال أنبأني أبو عمرو بن السماك مشافهة أن أبا سعيد الجصاص حدثهم قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول وسأله رجل عن مسألة فقال : روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه : قال كذا وكذا : فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول بهذا : فارتعد الشافعي واصفر لونه وقال : ويحك أي أرض تقلني ؟ وأي سماء تظلني ؟ إذا رويت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً فلم أقل به نعم على الرأس والعين على الرأس والعين اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ابن السماك هو عثمان بن أحمد كما في اللسان والأثر صحيح رجاله محتج بهم
وأخرج القصة بلفظ مقارب ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي (ص67) عن الربيع بن سليمان عن الشافعي ـ وإسنادها صحيح كما ترى .
[33] القصة في تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي برقم (991) بلفظ مقارب .
[34] لو لم يعبر بهذا التعبير لكان خيراً ـ وإن كنا نجزم بأنه أراد ما حصل الشر في زمانه ـ ذ.
[35] أخرجه أبو داود برقم (3664) وابن ماجة (252) وغيرهما من طريق فليح عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة .
وفليح صدوق كثير الخطأ كما في التقريب وهو حال الضعيف المعتبر به ولم يتابع .
قال أبو الأشبال الزهيري في تحقيقه لجامع ابن عبد البر : وظن قوم أنه قد توبع عند ابن عبد البر في العلم .
قال : قلت ومنشأ هذا الوهم أنه ذكر عند المصنف (1146) الراوي عن أبي طوالة هو : أبو سليمان الخزاعي والصواب أنه ابن سليمان وهو فليحوكنيته " أيو يحيى " ـ والله تعالى أعلم ـ اهـ(1/659)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ممن ظن أن فليحاً متابع الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في نحقيقه للمشكاة حيث قال عن الحديث المذكور : .. وفيه فليح بن سليمان وقد توبع في " جامع ابن عبد البر " اهـ الحديث في المشكاة برقم "227"
والخلاصة في الحديث أنه ضعيف الإسناد وقد يكون حسناً بما في الباب من شواهده وهذا الإسناد ضعفه العلامة الوادعي كما في الأحاديث المعلة ونقل كلام ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبي زرعة (المعلة ص466) وكذلك شيخنا المجاهد يحيى بن علي الحجوري في تحقيقه لكتاب أخلاق العلماء للآجري ص62)
[36] أخرجه مسلم برقم (1905) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[37] أخرجه مسلم برقم (2985) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[38] إسناده ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك ومن طريقه أخرجه الترمذي برقم (2654) وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسحاق بن يحيى بن طلحة ليس بذاك القوي عندهم تكلم فيه من قبل حفظه اهـ
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ في تحقيقه على أخلاق العلماء للآجري : إسناده ضعيف جداً إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك اهـ
وللحديث شواهد منها حديث جابر عند ابن ماجة برقم (254) وغيره وفيه عنعنة ابن جريج عن أبي الزبير وابن جريج ربما دلس عن الضعفاء وفيه أيضاً يحيى بن أيوب الغافقي قال الحافظ : صدوق ربما أخطأوقد عدّ الذهبي حديثه هذا من غرائبه كما في السير 8/9) ناقلاً عن ابن عدي .
وجاء عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً وفيه بشير بن ميمون متروك .
وجاء عن أبي هريرة عند ابن ماجة برقم (260) وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد متروك .
وجاء عن ابن عمر عند ابن ماجة برقم (253) وفيه حماد بن عبد الرحمن ضعيف وأبو بكر الأزوي مجهول وهشام بن عمار فيه لين فهذه شواهد الحديث وكلها شديدة الضعف وأحسنها طريق ابن جريج وقد علمت أنها عدت من غرائب الغافقي فيبقى الحديث ضعيفاً ـ والله أعلم ـ
[39] يعلم مما سبق .
[40] وهو عنده يكون شركاً فإن الباعث له على عمله هذا هو الرياء فيكون الغالب على عمله الرياء وهو شرك أكبر ـ نسأل الله الساامة والعافية ـ .
[41] أخرجه البخاري برقم (1) ومسلم برقم (1907) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ
[42] عجيب إنكار وتكذيب المصنف بما ورد عن بعض السلف في هذا وما في معناه فقد جاء عن عدد منهم ـ رحمهم الله ـ ونحن نورد هنا من وقفنا له على هذا :
1ـ الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : قال : لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله ولا ما عنده فما زال بهم العلم حتى أرادوا به الله وما عنده " أسنده عنه الدارمي وفيه حسان بن مسلم .
قال شيخنا يحيى : لم أر له ترجمة الآن اهـ (مقدمة سنن الدارمي ص170)
وجاء عنه أنه قال : كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة " أسنده عنه ابن عبد البر في الجامع (1/774) وإسناده ضعيف .
2ـ مجاهد بن جبر ـ رحمه الله ـ : قال : طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزق الله بعد فيه النية " أسنده عنه الدارمي قال أخبرنا عبد الله بن سعيد حدثنا عبد الله بن الأجلح قال حدثني أبي عن مجاهد فذكره
قال شيخنا يحيى : عبد الله بن الأجلح حسن الحديث وأبو الأجلح بن عبد الله الكندي أبو حجية فيه ضعف وانظر "المدخل للبيهقي "رقم (522) و"المعرفة للفسوي" رقم (1/712) وتابعه ليث بن أبي سليم عن مجاهد في "المحدث الفاصل " للرامهرمزي رقم (39) فصار الأثر حسناص اهـ (تحقيقه لمقدمة سنن الدارمي (ص170)
3ـ حبيب بن أبي ثابت قال : طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ثم جائت النية بعد " أسنده عنه ابن عبد البر بإسناد قال المحقق : صحيح (1/749)
4ـ معمر بن رشاد ـ رحمه الله ـ : قال : كان يقال :إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله " أخرجه عبد الرزاق عنه قال : أخبرنا معمر فذكره برقم (20475)
5ـ سفيان الثوري قال : كنا نطلب العم للدنيا فجرنا إلى الآخرة " أسنده عنه ابن عبد البر في الجامع .
6ـ سفيان بن عيينة : قال : " طلبنا هذا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون " أسنده ابن عبد البر .
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : فيما تقدم نقله أن بعضهم ثبت عنه ما أنكر المصنف ثبوته فإذا ثبت فماذا يكون المراد منه ؟
المراد منه هو ما تقدم في كلام معمر بن راشد الصنعاني ـ رحمه الله ـ من أن الطالب تخلجه بعض النيات الخبيثة من الرياء وحب الرياسة وغيرها من المهلكات في أول طلبه فلما يرزقه الله العلم يقوده إلى الله فينابذ النيات الخبيثة ويجتهد في الإخلاص ولهذا قال الإمام ابن عبد البر كما في الجامع (2/50) باب الخبر عن العلم أنه يقود إلى الله ـ عز وجل ـ على كل حال اهـ وقال الدارمي : كما في المقدمة مع شرح شيخنا (ص170) باب من طلب العلم بغير نية فرده العلم إلى النية اهـ فافهم هذا يجل لك ما استشكله المصنف ـ والله أعلم ـ
[43] ومن أدلة ذلك حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ». [ أخرجه البخاري برقم (1409) ومسلم برقم (816) ]
[44] أخرجه الإمام مسلم برقم (2664) عن أبي هريرة .
أما بعد : فهذا فصل من جزء التلخيص لوجوه التخليص للإمام ابن حزم وسبق أن نشرت بعضه وأنشر هذا الفصل لأهميته ولتعلقه بما نشرت من قبل حتى تكتمل الفائدة وقد تطرق فيها الإمام ابن حزم _ رحمه الله _ إلى مسألة مهمة وهو مسألة التقليد والقرائة في كتب الرأي فإلى المقصود
تنبيه : التبويب تسهيلاً وتقريباً لفهم كلامه المتين _ رحمه الله _
آداب طلب العلم وكيفية النبوغ فيه |
3ـ وسألتم - رحمنا الله وإياكم - عن طلب العلم، وهل الآداب من العلم، تعنون النحو واللغة والشعر، وعن طلب الاشتغال بروايات القراء السبعة المشهورين على اختلاف ألفاظها وأحكامها، وعن قراءة الحديث، وعن مسائل، فنعم - وفقنا الله وإياكم لما يرضيه - :
أما الاشتغال بروايات القراء المشهورين السبعة وقراءة الحديث وطلب علم النحو، واللغة، فإن طلب هذه العلوم فرض واجب على المسلمين على الكفاية، بمعنى أن من قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط،
حكم حفظ أم الكتاب
فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها، ولو سورة أي سورة
كانت، أو أي آية، فهذا لابد لكل إنسان منه([1]).
حكم تعلم القراءات السبع
ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة كلهم، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل، قال عليه السلام : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "([3]) ، فكفى بهذا فضلاً، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع، وحرام على المسلمين تضييعه، وذهابه من أشراط الساعة([4])، وكذلك ذهاب العلم([5]).
حكم تعلم النحو واللغة
وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا، لان الله يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم/4]، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا به([6]) ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه([7]) على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو سقط لسقط الإسلام([8]) فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية([9]) لا يجب التقصير عنها لأحد.
الجاهل بالنحو واللغة لا يجوز له أن يفتي في دين الله
وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به. وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء/36]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمونَ﴾ [الأعراف/33]، وقال تعالى: ﴿وَتَقُولونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور/15]. فمن لم يعلم اللسان الذي به خاطبنا الله عز وجل، ولم يعرف اختلاف المعاني فيه لاختلاف الحركات في ألفاظه، ثم أخبر عن الله بأوامره ونواهيه فقد قال على الله ما لا يعلم. وكيف يفتي في الطهارة من لا يعلم الصعيد في لغة العرب وكيف يفتي في الذبائح من لا يدري ماذا يقع عليه اسم الذكاة في لغة العرب أم كيف يفتي في الدين من لا يدري خفض اللام([10]) أو رفعها من قول الله عز وجل ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة/3]ومثل هذا في القرآن والسنة كثير، وفي هذا كفاية.
وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به. وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء/36]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمونَ﴾ [الأعراف/33]، وقال تعالى: ﴿وَتَقُولونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور/15]. فمن لم يعلم اللسان الذي به خاطبنا الله عز وجل، ولم يعرف اختلاف المعاني فيه لاختلاف الحركات في ألفاظه، ثم أخبر عن الله بأوامره ونواهيه فقد قال على الله ما لا يعلم. وكيف يفتي في الطهارة من لا يعلم الصعيد في لغة العرب وكيف يفتي في الذبائح من لا يدري ماذا يقع عليه اسم الذكاة في لغة العرب أم كيف يفتي في الدين من لا يدري خفض اللام([10]) أو رفعها من قول الله عز وجل ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة/3]ومثل هذا في القرآن والسنة كثير، وفي هذا كفاية.
فمن طلب علم النحو واللغة على النية التي ذكرنا فهو أعظم أجر وأفضل علم، ومن طلبهما ليكونا له مكسباً ومعاشاً فهو مأجور محسن، ولكن أجره دون أجر الأول، وفوق سائر الصناعات التي يعاش منها، لأنه يعلم الخير ويبقي آخر عالماً فيمن علم، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى إقامة المظالم وإحياء رسوم الجور والتدرب في أحكام المكوس والقبالات والمخاطبة عن فساق الملوك بما يرضيهم ويسخط الله عز وجل، فقد خاب وخسر وغدا في لعنة الله وراح فيها، لأنه ظالم، وقد قال الله: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود/18].
حكم تعلم الشعر وحفظه
وأما علم الشعر فإنه على ثلاثة أقسام:
أحدها : أن لا يكون للإنسان علم غيره فهذا حرام، يبين ذلك قوله عليه السلام : لان يملأ، أو يمتلئ، جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً([11]).
والثاني: الاستكثار منه، فلسنا نحبه وليس بحرام، ولا يأثم المستكثر منه إذا ضرب في علم دينه بنصيب، ولكن الاشتغال بغيره أفضل.
والثالث: الأخذ منه بنصيب، فهذا نحبه ونحض عليه، لأن النبي عليه السلام قد استنشد الشعر([12])، وأنشد حسان على منبره عليه السلام. وقال عليه السلام : " إن من الشعر حكماً "([13]) وفيه عون على الاستشهاد في النحو واللغة. فهذا المقدار هو الذي يجب الاقتصار عليه من رواية الشعر، وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما من قال الشعر في الحكمة والزهد فقد أحسن وأجر، وأما من قال معاتباً
لصديقه ومراسلاً له، وراثياً من مات من إخوانه بما ليس باطلاً، ومادحاً لمن استحق الحمد بالحق، فليس بآثم ولا يكره ذلك، وأما من قال هاجياً لمسلم، ومادحاً بالكذب، ومشبباً بحرم المسلمين، فهو فاسق، وقد بين الله هذا كله بقوله ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء/224] ([14]).
الكتب ينبغي الاعتناء بها لمن أراد علم النحو والنبوغ فيه
والذي يجب على طالب العلم أن لا يقتصر على أقل منه من النحو، فمعرفة ما يمر من القرآن والسنة من الإعراب، ويكفي من ذلك كتاب الواضح أو كتاب الزجاجي([15]) ، فإن قال وأوغل حتى يحكم كتاب سيبويه([16]) وما جرى مجراه فقد أحسن، وذلك زيادة في فضله وأجره. وأما من اللغة فمثل ذلك أيضاً، ويجزئ عنه منه الغريب المصنف لأبي عبيد([17]) ، فإن زاد وأوغل واستكثر من دواوين اللغة فقد أحسن وأجر. ويجب رواية شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وما خف من مختار أشعار الجاهلين ومختار أشعار المسلمين، غير مستكثر من ذلك، ولكن بقدر ما يتدرب في فهم معاني لغة العرب ومخارج كلامهم.
أهمية علم الحساب
وعلم الحساب([18]) والطب أيضاً من العلوم الرفيعة، فمن طلب علماً من ذلك لينتفع به الناس في القسمة والعلاج وحساب مقابلتهم فهو مأجور. وتعلم هذا المقدار فرض على الكفاية، إذ لو جهل هذا لضاع كثير من الدين، كحساب الوصايا والمواريث ومعرفة البيوع وغير ذلك. ومن طلبهما ليكتسب منهما فمأجور أيضاً، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى الظلم فآثم فاسق([19]).
علم الحديث وشرفه
وأما معرفة قراءة الحديث ففرض على الكفاية بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة/122]. ولا سبيل إلى التفقه في الدين إلا بمعرفة أحكام القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، صحيحه من سقيمه، وناسخه من منسوخه، وما أجمع عليه مما اختلف فيه([20])، فهذا أفضل ما استعمل المرء فيه نفسه، وأعظم ما يحاول لأجره وأمحاه لذنوبه. وقد قسم النبي هذا الباب أقساماً كثيرة كافية كما حدثنا القاضي حمام بن احمد، قال: ثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، نبا أبو أحمد الجرجاني، نبا محمد بن يوسف الفربري، نبا محمد بن إسماعيل البخاري، نبا محمد نبا حماد بن أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل ما بعثني الله [به] من الهدى والعلم كمثل غيث كثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى به [الناس] فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ([21])" ؛ فهذا الحديث أيها الاخوة الأصفياء لو لم يأتنا غيره لكفانا، ففيه جماع طبقات الناس كما ترون، والطائفة الأولى التي أنبتت الكلأ والعشب هم الذين فهموا معاني القرآن والحديث وتدينوا بها وعلموها الناس؛ والطائفة الثانية التي أمسكت الماء فشرب الناس منها فسقوا ورعوا هم الشيوخ الذين رووا لنا الحديث ، وقيدوه وعنوا به وبلغوا إلينا فأخذناه عنهم وإن لم يكن لهم فقه فيه، ولكنهم رضي الله عنهم أجروا فينا أجراً عظيماً، لأنهم كانوا سبب علمنا، فهم شركاؤنا في كل ما قيدنا وعلمنا مما أخذنا عنهم، والطائفة الثالثة هي المعرضة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لا ترفع به رأساً ولا تقبله إذا سمعته ولا تعنى به ولا تطلبه، كما أن تلك القيعان مر عليها الماء مراً، كما دخل خرج، فمن استطاع منكم أيها الإخوة في الله عز وجل أن يكون من الطائفة الأولى النقية فليفعل، فحسب الواحد منا أن يكون في جملة من أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن لم يمنح ذلك، فليكن من الأجادب التي تمسك الماء، لعل الله ينفع بنا وبكم في ذلك، ولو أن يموت أحدنا وهو مقيد بحديث النبي يشاهد مجالسة طالب له مستكثر منه، فأعيذ نفسي وإياكم بالله أن نكون من القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ.
التفصيل في حكم القراءة في كتب الرأي
وأما كتب الرأي، فاعلموا أنها لا تحل قراءتها على معنى تقليد ما فيها والتدين به، ويكفي في هذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ [النساء/59]، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فحرام عليه أن يرد شيئاً مما اختلف فيه إلى قول عائشة وأم سلمة وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ والعباس، رضي الله عنهم أجمعين، وهؤلاء أفاضل الأمة وعلماؤها، فكيف إلى قول أبي حنيفة وإلى سفيان ومالك والشافعي وأحمد وداوود وأبي يوسف ومحمد وابن القاسم لان من رد ذلك إلى غير القرآن وحديث النبي عليه السلام، فقد خالف ما أمره به تعالى في الآية المذكورة([22]). ومن لم [يفعل] ما أمر الله تعالى به، فقد عصى الله عز وجل ورسوله واستحق أقبح الصفات، ولم يحكم بما أنزل الله عز وجل ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[المائدة/47]. وقد أخبرنا حمام بن أحمد ، قال ثنا عبد الله بن علي الباجي ، ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، نبا أحمد بن مسلم، نبا أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، نبا وكيع بن الجراح، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي عليه السلام أنه قال : " لا ينزع العلم انتزاعاً من قلوب الرجال، ولكن ينزع بذهاب العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا([23]) " . وقال عبد الله بن عمر: لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيماً حتى فشا فيهم أبناء سبايا الأمم فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا([24]).
وقد أخبرنا بهذا الحديث أيضاً حمام بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم، نبا أبو أحمد وأبو زيد المروزي كلاهما عن محمد بن يوسف الفربري، عن محمد بن إسماعيل البخاري، نبا سعيد بن تليد، نبا ابن وهبن ثني عبد الرحمن بن شريح وغيره عن محمد أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله يقول : " إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينتزعه بقبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ([25])" فهذان عدلان جليلان أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة وهشام شهدا على عروة، وشهد عروة على عبد الله، وعبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبلغتكم، وليس اختلاف الألفاظ بموجب تعليلاً في الرواية إذا كان المعنى واحداً فقط، فصح ان النبي كان إذا حدث بحديث كرره ثلاث مرات فيؤديه السامع على حسب ما سمع في كل مرة: فهذه صفة الرأي([26]).
لم يكن التقليد في القرون المفضلة
واعلموا رحمكم الله أني أقول إعلاناً لا أسره ان تقليد الآراء لم يكن قط في قرن الصحابة رضي الله عنهم، ولا في قرن التابعين ولا في قرن تابع التابعين، وهذه هي القرون التي أثنى النبي عليها([27])، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا سبيل إلى وجود رجل في القرون الثلاثة المتقدمة قلد صاحباً أو تابعاً أو إماماً أخذ عنه في جميع قوله فأخذه كما هو، وتدين به وأفتى به الناس، فالله الله في أنفسكم، لا تفارقوا ما مضى عليه جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وتابعهم عن [متبوعهم]، وتابع التابعين أولهم عن آخرهم، دون خلاف من واحد منهم، من ترك التقليد واتباع أحكام القرآن وحديث النبي عليه السلام وروايته والعمل به. فاجتنبوا هذه الحادثة في القرن المذموم المخالفة للإجماع المتقدم، وبعد أزيد من مائتين وخمسين عاماً من موت النبي عليه السلام، فكل بدعة ضلالة، فقد نصحت لكم وأديت ما لزمني في ذلك، وبقي ما عليكم. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله قال: لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "([28]) . وإنما يجوز قراءة كتب الرأي على وجه اذكره لكم، وهو طلب ما أجمع عليه أئمة العلماء فيتبع ويوقف عنده، لأن الله أمرنا في الآية التي تلونا([29]) بطاعة أولي الأمر منا ولنعرف ما اختلف فيه العلماء فيعرض على كتاب الله عز وجل، وعلى حديث النبي، فلأي تلك الأقوال شهد القرآن والسنة المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به، ونترك سائر ذلك إن كنا نؤمن بالله وباليوم الآخر، فهو أعرف بنفسه .
فعلى هذا الوجه يجب قراءة كتب الرأي، لا على ما سواه. فمن قرأها على هذا أجر، وانتفع بها جداً، وأما من قرأها متديناً بها غير عارض لها على القرآن وحديث النبي فهو فاسق، لعصيانه ما أمره الله تعالى به، ولأنه لم يحكم بما انزل الله: فمن جمع إلى هذا استحلال مخالفة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يعتقد صحته عنه عليه السلام لقول أحد دونه، واعتقد ان هذا جائز فهو كافر مشرك مرتد عن الديانة، منسلخ عن الإسلام، حلال الدم والمال. وروينا عن النبي انه قال : " كل أحد يدخل الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى([30]) " . ولا يحسبوا أني سبقت إلى هذا القول، فمعاذ الله ان أقول ما لم يقله الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء/65]. فأنا أقول: والله ما آمن من حكم غير رسول الله في دينه.
واعلموا أيضاً أن هذا الذي قلت هو رأي الشافعي ومالك وإسحاق بن راهويه، فإنه بلغني عن مالك، رحمه الله، انه سأله سائل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في رجل قيل له: قال النبي كذا، فقال هو: قال إبراهيم النخعي كذا فقال مالك: أرى أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل([31]). وبلغني عن الشافعي، رحمه الله، انه ذكر يوماً حديثاً عن النبي عليه السلام فقال له إنسان: يا أبا عبد الله، أتأخذ بهذا الحديث فقال له الشافعي: أرأيت يا هذا علي زناراً خارجاً من كنيسة تسمعني أحدث عن النبي صلى الله [عليه] وسلم وتقول لي: تأخذ به وما لي لا آخذ به إذا صح الحديث عن رسول الله فهوديني وقولي([32]). وذكر محمد بن نصر عن إسحاق بن راهويه انه قال: من سب رسول الله أو ترك صلاة فرضاً متعمداً حتى خرج وقتها بلا عذر أو رد حديثاً مسنداً صحيحاً بلغه عن رسول [الله]، فهو كافر مشرك([33]).
وقد سمعنا أصحابنا يحكون عن ابن القاسم، رحمه الله، انه كان لا يجيز بيع كتب الرأي، فسئل عن ذلك فأخبر أنه لا يدري أحق هو أم باطل، وأجاز بيع المصاحف وكتب الحديث،لأن الذي فيها حق.
الأئمة لا يجيزون التقليد
فكيف يظن جاهل لا يتقي الله عزوجل أن مالك بن أنس وابن القاسم يلزمان الناس بتقليدهما وهما يقران أنهما لا يعلمان أحق ما أفتيا برأيهما أم باطل وقد صح ما هو أغلظ من هذا، وهو أن مالكاً رضي الله عنه تمنى عند موته أن يضرب بكل مسألة أفتى فيها برأيه سوطاً، وهكذا كان الأئمة الفضلاء قبل زماننا هذا المدبر([34])، رضي الله عنهم وعن الباقين، وفاء بالجميع إلى طاعته، ووالله لقد خذل الله وجل أمة تدين بشيء تمنى قائله أن يضرب بالسياط ولا يقوله.
خطر تعلم العلم لغير الله
وأما ما ذكرتم من أمر قارئ هذه العلوم إن حضر بباله عند الاشتغال بها حب الرئاسة في الدنيا وطلب الظهور، وكيف إن كان معظم نيته هذا المعنى. فهذا مذهب سوء. صح عن النبي أنه قال : " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً لم يجد عرف الجنة يوم القيامة([35]) " . والحديث الصحيح الذي رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه " يؤتى يوم القيامة برجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها، قال: فما علمت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، وقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار([36]) " ، والحديث الصحيح عن النبي أنه قال : " إن الله تعالى قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه([37]) " .
وفيما ناولني حمام بن أحمد، وأخبرني أنه أخبر به العباس بن أصبغ عن محمد بن عبد الملك بن أيمن. نبا إسماعيل بن إسحاق القاضي ببغداد، نبا إسماعيل ابن أبي أويس، ثني أخي يعني أبا بكر، عن سليمان بن بلال، عن إسحاق بن يحيى ابن طلحة، عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ابتغى العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء، أو ليقبل بأفئدة الناس إليه فإلى النار([38]) " .
وهذه أحاديث في غاية الصحة([39])، وأولاد كعب بن مالك ثقات كلهم، وهم ثلاثة مشهورين: عبد الله وعبد الرحمن وسعيد، فهذا أصلحكم الله وإيانا فتيا نبيكم عليه السلام،وكلام ربكم عز وجل، فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون أم أي قول بعد قول الله تعالى وكلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تطلبون وتقرءون لا كفى الله من لم يكفه قول ربه تعالى، وقول نبيه عليه السلام. فالله الله عباد الله، تداركوا أنفسكم بتصفية نياتكم في هذا الباب وفي العمل المرغوب في الصلاة والصيام والصدقة، ولا تشوفوا في شيء منه قصداً لغير وجه الله تعالى؛ فوالذي لا إله إلا هو إن من طلب علماً من علوم الديانة ليدرك به عرض دنيا أو ذكراً في الناس أو عمل عملاً مما أمره الله تعالى بعمله له فعمله هو لغيره تعالى، لقد كان أحظى له في آخرته وأسلم في عاقبته وأنجى له عند ربه تعالى أن يكون دفافاً أو بهزرياً . ووالله لأن يلقى الله تعالى عبد بكل بائقة دون الشرك، لا أخص من ذلك قتل النفس ولا قطع الطريق ولا ما دونهما، أخف وزراً من أن يلقاه وقد تدين لغيره وصلى وصام لسواه([40]).
واعلموا رحمكم الله أن من تعدم اللهو واللعب حتى مضى وقت صلاة مفروضة ولم يصلها، أخف ذنباً عند الله تعالى ممن صلاها لأجل الناس، ولولاهم ما صلاها، لأن كل إنسان من الذين ذكرنا لم يصل الصلاة التي أمر بها، وزاد هذا الآخر على الأول أن صلاها لغير الله تعالى؛ وكذلك من طلب العلم لغير الله تعالى، فإنه ترك الاشتغال بما يصلحه في دنياه وبما يروح به نفسه من البطالة، وأتعب نفسه في أفضل الأعمال، فقصد به التقرب إلى الناس فوكله الله إلى من قصده، وقال عليه السلام : " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ([41])" أو كما قال عليه [السلام]، فالجد الجد فإن لإبليس اللعين ها هنا مسلكاً خفياً ومدبا لطيفاً ومولجاً دقيقاً يحبط به الأعمال ويهلك به الرجال، أجارنا الله وإياكم من كيده وبغيه، ولا وكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك.
كيف تعرف إن كنت مخلصا لله عز وجل في طلبك للعلم
وأنا أريكم إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله، ميلقاً يعرف به كلواحد منكم وغيركم ممن يقرأ كتابي هذا، إن كانت نيته صادقة لله عز وجل أو مشوبة بقصد إلى غيره، وذلك أن يفكر المرء في نفسه فيما يعمل من طلب علم أو فعل بر فيقول لها: يا نفس، أرأيت لو أن من يراني أو يبلغه خبري من الناس يكون طريقتهم في العلم وفي طلبه وفي عملهم على خلاف ما هم عليه كانوا يكرهون هذا الوجه من طلبي لما أطلب، ولا يستحسنون ما أفعل من البر، أكنت تفعلينه أم لا فإن علم من نفسه أنها كانت تفعل ذلك، سخط الناس أم رضوا، نفق عندهم أو كسد، فليحمد ربه تعالى وليبشر، كان عمله وطلبه خالصاً. وإن وجد نفسه تخبره أن الناس لو كرهوا ما يطلب وما يعمل لم يطلبه ولم يعمله، فليعلم أنه هلك وأن عمله وتعبه عليه لا له، وأنه قد خسرت صفقته، وأنه قد أشرك في نيته وعمله غير ربه تعالى، إذ قرن به الناس، فمن أضيع عملاً أو أسوأ منقلباً من هذا نعوذ بالله من هذه المرتبة، ونسأله التوقي من هذا. وليت شعري على ماذا يحصل المسكين الذي يطلب العلم ليحظى به في دنياه والله لا حصل من ذلك إلا على دنيا منغصة، ولباس خشن، ولذات يستتر بها استتار الغراب بسفاده ولا يتهناها موفرة، وعلى ما لا توفى نفسه منها. ولو طلب الدنيا على وجهها لكان أنفذ لأمره وأعظم لجاهه وأكثر لماله وأوفر للذاته وأتم لهيبته، وأقل لوزره، وأخف لعذابه. ولا يغرنكم ما يقول كاذب على العلماء: " طلبنا العلم لغير الله، فما زال بنا حتى ردنا إلى الله([42]) " ، فلعمري إن جديراً ألا يبارك تعالى في كل شيء ابتدأ لغير وجهه عز وجل، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وأما إن نوى في عمله أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويحكم بالعدل إن ولي شيئاً من أمور المسلمين، وأن يظهر في ذلك الحق ما أمكنه، رضي الناس أم سخطوا، وأحب مع ذلك أن لا يذل ويكرم، وكانت نيته أن لا تأخذه في الله لومة لائم إن آتاه الله حظاً من الدنيا، وسره أن يؤتى مالاً حلالاً لا يأكله بخلافه ولا يكتسبه بدينه ولم يترك لذلك أمراً يعتقده حقاً، ولا استعمل لأجل رغبته فيما ذكرنا أمراً يراه باطلاً([43])، فهذه نية خير ومقصد حسن، ومذهب فاضل كانت عليه الصحابة والتابعون وأئمة الخير. وقد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (1) : " المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف([44]) " . وقد أثنى الله تعالى على ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج/41] والدلائل على كل ما قلنا من القرآن والحديث تكثر جداً، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى.
[1] لأن الأمر كما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ».[ أخرجه البخاري برقم (785) ومسلم (394) عن عبادة بن الصامت ] وفيه دليل على ركنية الفاتحة أما الزيادة عليها فمستحب على الأصح وكلام المصنف يوهم وجوبها وانظر كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ حول هذه المسألة كما في كتابه الماتع صفة صلاة النبي ـ الأصل ـ (1/303ـ310) وانظر المحلى (3/273) رقم المسألة (360)
[2] وهم نافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن كثير المكي وزياد بن العلاء البصري وعبد الله ابن عامر اليحصبي وعاصم بن أبي النجود الأسدي وحمزة بن حبيب الكوفي وعلي بن حمزة الكسائي [ وانظر تراجمهم في شرح طيبة النشر لابن الجزري ص8ـ12]
[3] أخرجه البخاري برقم (5027) عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
[4] لحديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب . حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك . ولا صدقة . وليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة . فلا يبقى في الأرض منه أية . وتبقى طوائف من الناس والشيخ الكبير والعجوز . يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله . فنحن نقولها ) فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة . ثم ردها عليه ثلاثا . كل ذلك يعرض عنه حذيفة . ثم أقبل عليه في الثالثة فقال ياصلة تنجيهم من النار . ثلاثا ﴾
أخرجه ابن ماجة برقم (4049) بسند صحيح رجاله ثقات وروي موقوفاً على حذيفة عند الحاكم برقم (8589) بإسناد صحيح قال البزار في مسنده (7/260): وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة موقوفا ، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب ، عن أبي معاوية .اهـ
وهذا منه إعلال للحديث بالوقف
قال البوصيري ـ رحمه الله ـ : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن أبي مالك بإسناده ومتنه .. اهـ [ مصباح الزجاجة 4/194]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا يرد قول البزار من تفرد أبي معاوية برفعه فإن قول البوصيري : بإسناده يقتضي أنه يكون أبو عوانة رواه مرفوعاً فيكون أبو معاوية متابعاً وعلى كل سواءً قلنا إن الحديث موفوع أو موقوف فله حكم الرفع لأن مثل هذا لا يقال من قبيل الرأي وقد صححه مرفوعاً كل من الحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح والبوصيري والعلامة الألباني في الصحيحة برقم (87) والعلامة الوادعي في الصحيح المسند وقد أعل بعضهم الحديث مرفوعاً وموقوفاً ولم يصب في ذلك .
ثم إن الحديث من أدلة العذر بالجهل وليس من أدلة عدم تكفير تارك الصلاة ـ وبالله التوفيق
[5] لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا ».[ أخرجه البخاري برقم (80) ومسلم ( ) ]
[6] قال ابن خلدون وهو يتكلم عن علوم اللسان العربي :
أركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب. ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة.اهـ المراد [مقدمة ابن خلدون (ص339) ]
وقال ـ وهو يتكلم عن التفسير :
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب، فوضعت الدواوين في ذلك، بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان. فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن، لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم.اهـ [المقدمة ص279]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وفي المصنف لابن أبي شيبة برقم (30546) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم ﴾ وإسناده صحيح قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله اهـ [ اقتضاء الصراط ص 207]
[7] لقد فصل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة تفصيلاً حسناً فقال :
فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا اهـ المراد [ الرسالة الفقرة رقم 167 وفقرة 168]
[8] قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية اهـ [اقتضاء الصراط ص207]
قوله : ثم منها .. الخ هو التفصيل الذي ذكره الشافعي ـ رحمه الله ـ .
[9] لأن تعلمها على هذه النية من الدين قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين اهـ [ اقتضاء الصراط ص 162]
[10] روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أبي الأسود الديلي ـ رحمه الله ـ قدم أعرابي في زمان عمر فقال من يقرئني مما أنزل الله على محمد قال فأقرأه رجل براءة فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " ( 1 ) بالجر فقال الأعرابي أوقد برئ الله من رسوله إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة ... وفيه : فقال عمر ليس هكذا يا أعرابي قال فكيف هي يا أمير المؤمنين فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " فقال الأعرابي وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة وأمر بالأسود فوضع النحو .اهـ
وفيه رجل مبهم وعنعنة ابن جريج .
فائدة : قال في صبح الأعشى ـ بعد ما أورد طرفاً من القصة المذكورة ـ : (1/206)
على أن الحسن قد قرأها بالجر على القسم وقد ذهب على الأعرابي فهم ذلك لخفائه اهـ
[11] بوب عليه الإمام البخاري فقال : " باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعم والقرآن " والحديث عنده برقم (6155) ومسلم (2257) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
قال أبو عبيد ـ رحمه الله ـ : ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر اهـ (الفتح شرح حديث رقم 6154)
وقال ابن رشيق : فإنما هو من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن اهـ (العمدة 1/29)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وقد ذم قوم الشعر مطلقاً استدلالا منهم بحديث أبي سعيد الخدري في مسلم برقم (2459) قال بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ».
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وان كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه و سلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب ... إلى أن قال : وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق اليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله اعلم اهـ [شرحه على المسلم 15/17]
قوله وقالوا : هو كلام .. " جاء مرفوعاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (7692) عن عبد الله بن عمرو وقال : لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن زياد اهـ
قلت : وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف في حفظه وللحديث شاهد عند البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الشِّعْرِ فَقَالَ :« هُوَ كَلاَمٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ ».
قال البيهقي : وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلٌ. (الكبرى برقم (1113) )
فهذا شاهد قوي فيحسن الحديث ـ والله أعلم ـ
وقال العلامة الألباني : صحيح لغيره اهـ (صحيح الأدب برقم (664)
[12] أخرجه مسلم برقم (2255) من حديث عمروبن الشريد عن أبيه قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا ». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ « هِيهِ ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.
[13] أخرجه البخاري برقم (6145) عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ .
[14] قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : وهو يتكلم عن تناشد الأشعار في المسجد :
أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك ، فمن مانع مطلقا ، ومن مجيز مطلقا. والأولى التفصيل ، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان ، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها ، فهو حسن في المساجد وغيرها ؛ كقول القائل :
طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ... وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز ؛ لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر ، والمساجد منزهة عن ذلك ؛ لقوله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}. وقد يجوز إنشاده في المسجد ؛ كقول القائل :
كفحل العداب القرد يضربه الندى ... تعلى الندى في متنه وتحدرا
وقول الآخر :
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز ؛ لأنه خال عن الفواحش والكذب اهـ [ الجامع لأحكام القرآن 12/248 تفسير سورة النور ]
وقال في تفسير سورة الشعراء :
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهي ، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر ، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا ، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى ، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله اهـ المراد [ الجامع 13/133]
[15] الزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى 340هـ اهـ [ بغية الوعاة للسيوطي 2/77 والسير 15/475] وأما كتابه فهو " الجمل " .
[16] إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارس البصري اهـ [ السير 8/351ـ352]
[17] الامام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله اه (السير 10/490) واسم كتابه : "الغريب المصنف في علم اللسان " قال ابن درستويه : .. والغريب المصنف من أجل كتبه في اللغة اهـ (السير 10/494) وقال محقق السير لم يطبع بعد ومنه نسختان بدار الكتب المصرية ونسخة بمكتبة الفاتح بتركيا اهـ ومكث في جمعه أربعين سنة (10/496)
[18] قال السيوطي ـ رحمه الله ـ : علم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم : علم الفتوى وعلم الأنساب وعلم الحساب .. ـ ثم تكلم على وجه ذلك ـ قال : وأما الحساب : فلتصحيح المسائل وقسمة التركات اهـ (الرد على من أخلد في الأرض ص 180)
[19] والأعمال بالنيات .
[20] معرفة هذا فرض على الكفاية وقد يكون فرضاً على الأعيان قال ابن اللبان (اللباب 10/241ـ242) :
الفقه معرفة أحكام الدِّين ، وهو ينقسمُ إلى فرض عين ، وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال عليه الصلاة والسلام " طلبُ العِلْمِ فريضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ " وكذلك كل عبادة أوجبها الشَّرع على كل واحد يجب عليه معرفة علمها مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه .
وأما فرض الكفاية ، فهو أن يتعلم حتى يبلغ رتبة الاجتهاد ؛ فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعاً ، وإذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط الفرض عن الآخرين .. اهـ
ومثّل له القرطبي بقوله : كتحصيل الحقوق وإقامة الحدود والفصل بين الخصوم ونحوه ؛ إذ لا يصلح أن يتعلمه جميع الناس فتضيع أحوالهم وأحوال سراياهم وتنقص أو تبطل معايشهم ؛ فتعين بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين اهـ [الجامع لأحكام تفسير سورة البرائة]
[21] أخرجه الإمام البخاري برقم (79) ومسلم (2282)
[22] قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معرض كلامه على معاني الآية :
1ـ أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان
2ـ أن قوله فإن تنازعتم في شيء نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه
3ـ أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه وتعالى هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته
4ـ أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة اهـ ملخصاً (الإعلام 2/91ـ92)
[23]
[24] الأثر أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (38747) عن طريق وكيع به وإسناده صحيح وروي مرفوعاً أخرجه ابن ماجة برقم (56) وفيه سويد بن سعيد ضعيف وأعله العلامة الألباني بالانقطاع فقال : وعلته الانقطاع فإن عبدة بن أبي لبابة لم يلحق ابن عمر كما قال المزي في تحفة الأشراف (6/360) الضعيفة برقم (4336) .
والحديث أخرجه البزار في مسنده برقم (2424) وفيه قيس بن الربيع قال البزار بعد إخراجه الحديث : وهذا الحديث لا نعلم أحداً قال عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو إلا قيس ورواه غير قيس مرسلاً اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا إشارة منه إلى إعلال المرفوع وقيس هذا قال الحافظ : صدوق تغير لكبره وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به اهـ
وتعقبه صاحبا التحرير : بأنه ضعيف يعتبر به ثم بينّا وجه ذلك .
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : كلام الحافظ لا يظهر منه إلا ما تعقبا به ويدل على ذلك قوله في الفتح عند شرح حديث رقم (7307) : قيس بن الربيع ضعيف من قبل حفظه اهـ
وقال الحافظ الذهبي في الميزان (3/393) : صدوق في نفسه سيء الحفظ اهـ
والمرسل رواه يعقوب الفسوي (3/20) بسند صحيح عنه ـ أي عروة ـ فهو مرسل اهـ من قول العلامة الألباني .
فالمحفوظ أنه مرسل و المرفوع مع الاتصال وهم فالأثر صح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وصح مرسلاً عن عروة وجاء عنه من قوله .
[25] الحديث في الصحيحين بلفظ مقارب لهذا اللفظ أخرجه البخاري برقم (7307) ومسلم (6799)
[26] قال العلامة أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على المحلى (1/121) : فسر المصنف الرأي في بعض رسائله بانه الحكم في الدين بغير نص بل بما يراه المفتي أحوط وأعدل في التحليل والتحريم والإيمان قال : ومن وقف على هذا الحد وعرف ما معنى الراي اكتفى في إيجاب المنع بغير برهان إذ هو قول بلا برهان اهـ وكان حدوث الرأي في القرن الأول قرن الصحابة والقياس في القرن الثاني اهـ من حاشية الأصل منسوباً للسيد محمد بن إسماعيل الأمير علامة اليمن .
والرأي منه ما هو محمود ومذموم حقق ذلك الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في المعالم (2/125)
[27] إشارة إلى حديث عمران بن الحصين ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ». قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِى أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً .. الحديث
أخرجه البخاري برقم (2651) ومسلم (2535) واللفظ لمسلم
[28] الحديث أخرجه أبو عوانة في مستخرجه برقم (101) عن تميم بن أوس الداري وأصله في صحيح مسلم برقم (55) بزيادة ولكتابه وبدون ذكر أنه كرر الدين النصيحة ثلاثاً .
[29] إشارة إلى قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء/59]
[30] أخرجه البخاري برقم (7280) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[31] أسند المصنف قصة شبيهة بهذه القصة في كتابه الأحكام فقال : حدثنا أحمد بن عمر العذري ثنا علي بن الحسن بن فهر ثنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد الذهلي ثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وحدثنا فلان عن إبراهيم بكذا ونأخذ بقول إبراهيم قال مالك صح عندهم قول عمر قلت إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم ؛ فقال مالك هؤلاء يستتابون اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ينظر في حال علي بن الحسن بن فهر وبقية رجال السند كلهم ثقات .
[32] أسنده البيهقي ـ رحمه الله ـ في مناقب الشافعي (1/474) فقال أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت علي بن عمر الحافظ ببغداد سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : سمعت بشر بن موسى قال سمعت الحميدي يقول : سأل رجل الشافعي بمصر عن مسألة فأفتاه وقال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذا فقال : الرجل : تقول بهذا قال : أترى في وسطي زناراً ؟ أتراني خرجت من الكنيسة ؟ أقول : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول لي : أتقول بهذا ؟ أروي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أقول به .؟!
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : رجاله ثقات أئمة إلا السلمي وهو محمد بن موسى أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي متهم .
قال البيهقي بعد إسناد القصة : وقرأت في كتاب أبي الحخسن العاصي فيما أخبره أبو العاس الأزهري قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : سمعت الحميدي يقول : كنا عند الشافعي فأتاه رجل فذكر معنى الحكاية .
وقال أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال أنبأني أبو عمرو بن السماك مشافهة أن أبا سعيد الجصاص حدثهم قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول وسأله رجل عن مسألة فقال : روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه : قال كذا وكذا : فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول بهذا : فارتعد الشافعي واصفر لونه وقال : ويحك أي أرض تقلني ؟ وأي سماء تظلني ؟ إذا رويت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً فلم أقل به نعم على الرأس والعين على الرأس والعين اهـ
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ابن السماك هو عثمان بن أحمد كما في اللسان والأثر صحيح رجاله محتج بهم
وأخرج القصة بلفظ مقارب ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي (ص67) عن الربيع بن سليمان عن الشافعي ـ وإسنادها صحيح كما ترى .
[33] القصة في تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي برقم (991) بلفظ مقارب .
[34] لو لم يعبر بهذا التعبير لكان خيراً ـ وإن كنا نجزم بأنه أراد ما حصل الشر في زمانه ـ ذ.
[35] أخرجه أبو داود برقم (3664) وابن ماجة (252) وغيرهما من طريق فليح عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة .
وفليح صدوق كثير الخطأ كما في التقريب وهو حال الضعيف المعتبر به ولم يتابع .
قال أبو الأشبال الزهيري في تحقيقه لجامع ابن عبد البر : وظن قوم أنه قد توبع عند ابن عبد البر في العلم .
قال : قلت ومنشأ هذا الوهم أنه ذكر عند المصنف (1146) الراوي عن أبي طوالة هو : أبو سليمان الخزاعي والصواب أنه ابن سليمان وهو فليحوكنيته " أيو يحيى " ـ والله تعالى أعلم ـ اهـ(1/659)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : ممن ظن أن فليحاً متابع الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في نحقيقه للمشكاة حيث قال عن الحديث المذكور : .. وفيه فليح بن سليمان وقد توبع في " جامع ابن عبد البر " اهـ الحديث في المشكاة برقم "227"
والخلاصة في الحديث أنه ضعيف الإسناد وقد يكون حسناً بما في الباب من شواهده وهذا الإسناد ضعفه العلامة الوادعي كما في الأحاديث المعلة ونقل كلام ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبي زرعة (المعلة ص466) وكذلك شيخنا المجاهد يحيى بن علي الحجوري في تحقيقه لكتاب أخلاق العلماء للآجري ص62)
[36] أخرجه مسلم برقم (1905) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[37] أخرجه مسلم برقم (2985) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
[38] إسناده ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك ومن طريقه أخرجه الترمذي برقم (2654) وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسحاق بن يحيى بن طلحة ليس بذاك القوي عندهم تكلم فيه من قبل حفظه اهـ
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ في تحقيقه على أخلاق العلماء للآجري : إسناده ضعيف جداً إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك اهـ
وللحديث شواهد منها حديث جابر عند ابن ماجة برقم (254) وغيره وفيه عنعنة ابن جريج عن أبي الزبير وابن جريج ربما دلس عن الضعفاء وفيه أيضاً يحيى بن أيوب الغافقي قال الحافظ : صدوق ربما أخطأوقد عدّ الذهبي حديثه هذا من غرائبه كما في السير 8/9) ناقلاً عن ابن عدي .
وجاء عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً وفيه بشير بن ميمون متروك .
وجاء عن أبي هريرة عند ابن ماجة برقم (260) وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد متروك .
وجاء عن ابن عمر عند ابن ماجة برقم (253) وفيه حماد بن عبد الرحمن ضعيف وأبو بكر الأزوي مجهول وهشام بن عمار فيه لين فهذه شواهد الحديث وكلها شديدة الضعف وأحسنها طريق ابن جريج وقد علمت أنها عدت من غرائب الغافقي فيبقى الحديث ضعيفاً ـ والله أعلم ـ
[39] يعلم مما سبق .
[40] وهو عنده يكون شركاً فإن الباعث له على عمله هذا هو الرياء فيكون الغالب على عمله الرياء وهو شرك أكبر ـ نسأل الله الساامة والعافية ـ .
[41] أخرجه البخاري برقم (1) ومسلم برقم (1907) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ
[42] عجيب إنكار وتكذيب المصنف بما ورد عن بعض السلف في هذا وما في معناه فقد جاء عن عدد منهم ـ رحمهم الله ـ ونحن نورد هنا من وقفنا له على هذا :
1ـ الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : قال : لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله ولا ما عنده فما زال بهم العلم حتى أرادوا به الله وما عنده " أسنده عنه الدارمي وفيه حسان بن مسلم .
قال شيخنا يحيى : لم أر له ترجمة الآن اهـ (مقدمة سنن الدارمي ص170)
وجاء عنه أنه قال : كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة " أسنده عنه ابن عبد البر في الجامع (1/774) وإسناده ضعيف .
2ـ مجاهد بن جبر ـ رحمه الله ـ : قال : طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزق الله بعد فيه النية " أسنده عنه الدارمي قال أخبرنا عبد الله بن سعيد حدثنا عبد الله بن الأجلح قال حدثني أبي عن مجاهد فذكره
قال شيخنا يحيى : عبد الله بن الأجلح حسن الحديث وأبو الأجلح بن عبد الله الكندي أبو حجية فيه ضعف وانظر "المدخل للبيهقي "رقم (522) و"المعرفة للفسوي" رقم (1/712) وتابعه ليث بن أبي سليم عن مجاهد في "المحدث الفاصل " للرامهرمزي رقم (39) فصار الأثر حسناص اهـ (تحقيقه لمقدمة سنن الدارمي (ص170)
3ـ حبيب بن أبي ثابت قال : طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ثم جائت النية بعد " أسنده عنه ابن عبد البر بإسناد قال المحقق : صحيح (1/749)
4ـ معمر بن رشاد ـ رحمه الله ـ : قال : كان يقال :إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله " أخرجه عبد الرزاق عنه قال : أخبرنا معمر فذكره برقم (20475)
5ـ سفيان الثوري قال : كنا نطلب العم للدنيا فجرنا إلى الآخرة " أسنده عنه ابن عبد البر في الجامع .
6ـ سفيان بن عيينة : قال : " طلبنا هذا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون " أسنده ابن عبد البر .
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : فيما تقدم نقله أن بعضهم ثبت عنه ما أنكر المصنف ثبوته فإذا ثبت فماذا يكون المراد منه ؟
المراد منه هو ما تقدم في كلام معمر بن راشد الصنعاني ـ رحمه الله ـ من أن الطالب تخلجه بعض النيات الخبيثة من الرياء وحب الرياسة وغيرها من المهلكات في أول طلبه فلما يرزقه الله العلم يقوده إلى الله فينابذ النيات الخبيثة ويجتهد في الإخلاص ولهذا قال الإمام ابن عبد البر كما في الجامع (2/50) باب الخبر عن العلم أنه يقود إلى الله ـ عز وجل ـ على كل حال اهـ وقال الدارمي : كما في المقدمة مع شرح شيخنا (ص170) باب من طلب العلم بغير نية فرده العلم إلى النية اهـ فافهم هذا يجل لك ما استشكله المصنف ـ والله أعلم ـ
[43] ومن أدلة ذلك حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ». [ أخرجه البخاري برقم (1409) ومسلم برقم (816) ]
[44] أخرجه الإمام مسلم برقم (2664) عن أبي هريرة .
تعليق