بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
المقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , "يأيّها الذين ءامنوا اتقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُسْلِمُونَ " , "يأيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان عَلَيْكُمْ رَقِيباً", "يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" , وبعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى , وأحسن الهدي هدي محمد ع, وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار , أما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق , ليظهره على الدين كله , أرسله بالدعوة إلى توحيده وإفراده بالعبادة دون ما سواه , وبالنذارة عن الشرك وهدمه ليكون الدين كله لله ؛ ألا يُعبد غيره , وألايُستغاث إلا به , ولا يُرجى , ولايُخشى غيره , وألايُذبح , ولايُنذر إلا إليه , وهذه هي دعوة الرسل جميعاً ؛ قال تعالى:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ), وقال:( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ), وغيرها من الآيات , وفي الحديث " الأنبياء إخوة لعَلَّات دينهم واحد وشرائعهم شتى " ؛ فما من نبي إلا أرسله الله بالتوحيد والتحذير من الشرك والبراءة منه ومن أهله .
ولقد عاش النبي ع يدعو إلى التوحيد ويقرر أصوله ويدافع عنه ويحمي جنابه , وكذلك أصحابه من بعده والتابعون ثم دبَّ الشرك في أقوام متأخرين رأوا أن بناء الأضرحة والطواف حولها , والذبح لها ,والنذر لها لا يخالف التوحيد , وأن دعاءها من دون الله , وتشييد بنائها من صالح الأعمال , وغرهم الشيطان فزين لهم الشرك في صورة التوحيد , وأظهر لهم التوحيد في صورة انتقاص الأولياء والصالحين بل صاروا يدافعون عن عبادة القبور , ويهاجمون الدعاة إلى التوحيد , ويرمونهم بالعظائم ؛ تارة ببغض الأولياء والصالحين , وأخرى بالتشدد في الدين ؛ ومايدري هؤلاء الجهال أن هذا هوحبل الله المتين وصراطه المستقيم , والله سبحانه يقول:( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قال عمر بن الخطاب ط: "الطاغوت هو الشيطان" , وقال الإمام مالك:"الطاغوت كل ماعُبد من دون الله" , وقد عرَّفه الإمام ابن القيم بتعريفٍ جامعٍ فقال :" والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أويعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ؛ فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى الطاغوت ومتابعته ".([1])
ومنه تعلم أن عبادة الطاغوت هي : قصد غير الله بصرف العبادة له سواء كان حجراً أو شجراً أو ملكاً أو نبياً أو ولياً أوغيره , وهو ما يسميه العامة بالسر ؛ قائلين : إن الولي الفلاني فيه السر أو مكشوف عنه الحجاب أو إنه واصل أو يقبل النذر أو إنه قادر على النفع والضر ؛ فمن تكلم عنه ضره وأنزل عليه العقوبة والبلاء , ويحكون في ذلك من الخرافات ما لايحصيه هذا المقام ؛ فهذا هو اعتقاد المشركين الأوائل في أصنامهم , والله سبحانه يقول:(قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) فهذا قول الله سبحانه , وذاك قول عُبَّاد القبور والأضرحة , ومن أصدق من الله قيلاً ؟
فمن كان فيه السر " النفع والضر " فهذا هو الإله الذي تجب له العبادة دون ما سواه .
قال ابن القيم رحمه الله:"فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت ويقولون : إن هذا الحجر , وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر أي تقبل العبادة من دون الله تعالى فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له , ويتمسحون بذلك النُّصُب ويستلمونه , ولقد أنكر السلف التمسح بحجر المقام الذي أمر الله تعالى أن يُتخذ منه مصلى كما ذكر الأزرقي في كتاب تاريخ مكة عن قتادة في قوله تعالى :" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " قال : إنما أُمروا أن يصلوا عنده ولم يُؤمروا بمسحه , ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها ذُكر لنا من رأى أثره وأصابعه فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق"اهـ.
وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب : فتنة أنصاب القبور وهي أصل فتنة عبادة الأصنام كما قاله السلف من الصحابة والتابعين وقد تقدم .
ومن أعظم كيد الشيطان : أنه ينصب لأهل الشرك قبر معظم يعظمه الناس ثم يجعله وثناً يُعبد من دون الله ثم يوحي إلى أوليائه : أن من نهى عن عبادته واتخاذه عيداً وجعله وثناً فقد تنقصه وهضم حقه فيسعى الجاهلون المشركون في قتله وعقوبته ويكفِّرونه , وذنبه عند أهل الإشراك : أمره بما أمر الله به ورسوله ونهيه عما نهى الله عنه ورسوله : من جعله وثناً وعيداً وإيقاد السرج عليه وبناء المساجد والقباب عليه وتجصيصه وإشادته وتقبيله واستلامه ودعائه أو الدعاء به أو السفر إليه أو الاستغاثة به من دون الله مما قد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله : من تجريد التوحيد لله وأن لا يعبد إلا الله فإذا نهى الموحد عن ذلك غضب المشركون واشمأزت قلوبهم وقالوا : قد تنقص أهل الرتب العالية , وزعم أنهم لا حرمة لهم ولا قدر , وسرى ذلك في نفوس الجهال والطغام , وكثير ممن ينسب إلى العلم والدين حتى عادَوا أهل التوحيد ورموهم بالعظائم ونفَّروا الناس عنهم , ووالَوا أهل الشرك وعظموهم وزعموا أنهم هم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله ويأبى الله ذلك فما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتبعون له الموافقون له العارفون بما جاء به الداعون إليه لا المتشبعون بما لم يعطوا لابسو ثياب الزور الذين يصدون الناس عن سنة نبيهم ويبغونها عوجاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".([2])
فهؤلاء الضلال المنافحون عن الأضرحة وتشييد المساجد عليها يحاربون توحيد الله , وجهلوا أو تجاهلوا أن أول شرك وقع في الأرض كان بسبب الغلو في الصالحين , واتخاذ قبورهم مساجد وعبادة الله عندها قال الله تعالى عن قوم نوح :" وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا , وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا" ؛ فهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح لما ماتوا جعلوا لهم أصناماً على صورهم وسموها بأسمائهم قاصدين بذلك تعظيمهم وتخليد ذكرهم وتذكر فضلهم إلى أن آل بهم الأمر إلى عبادتهم.
ويشهد لهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس م أنه قال : "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسخ العلم عبدت ".
وروى ابن جرير الطبري عن محمد بن قيس عند قوله تعالى : (وقالوا لا تذرن آلهتكم) الآية ، قال : " كانوا قوماً صالحين من بني آدم ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دبَّ إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم "؛ فجمعوا بين فتنتين :
الأولى : العكوف عند قبورهم.
الثانية : تصوير صورهم ونصبها في مجالسهم والجلوس إليها.
فبهذا وقع الشرك لأول مرة في تاريخ البشرية ؛ فهما أعظم وسائل الشرك في كل زمان ومكان , وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجَّاب وتهدي لها كما تهدى للكعبة وتطوف بها كما تطوف بالكعبة وتنحر عندها كما تنحر عند الكعبة.
وقال ابن القيم : " وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة ؛ تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم ؛ فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام , ولهذا لعن النبي ع المتخذين على القبور المساجد والسرج , ونهى عن الصلاة إلى القبور, وسأل ربه سبحانه أن لا يجعل قبره وثناً يعبد , ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً , وقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد , وأمر بتسوية القبور , وطمس التماثيل ؛ فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جهلاً وإما عناداً لأهل التوحيد , ولم يضرهم ذلك شيئاً , وهذا السبب هو الغالب على عوام المشركين .
ومن أسباب عبادتها أيضاً : أن الشياطين تدخل فيها وتخاطبهم منها وتخبرهم ببعض المغيبات وتدلهم على بعض ما يخفى عليهم وهم لا يشاهدون الشياطين فجهلتهم وسقطهم يظنون أن الصنم نفسه هو المتكلم المخاطب وعقلاؤهم يقولون : إن تلك روحانيات الأصنام , وبعضهم يقول : إنها ملائكة, وبعضهم يقول : إنها العقول المجردة , وبعضهم يقول : هي روحانيات الأجرام العلوية , وكثير منهم لا يسأل عما عهد بل إذا سمع الخطاب من الصنم اتخذه إلهاً , ولا يسأل عما وراء ذلك".([3])
فتأمل ماذكره ابن عباس م , وانظر مايجري عند قبور الأولياء والأضرحة ؛ فترى العبادات من ذبح ونذر وطواف ودعاء وتوسل وغيرها قد صرفت لغير الله جل وعلا , فجزء يطلب الولد وجزء يطلب سعة الرزق , وجزء يطلب الشفاعة والبركة وآخر يطلب الشفاء والعافية من المرض ....إلخ ؛ بل إن بعض الأضرحة كتب عليها "تنفع لأهل الأديان الثلاثة "!! ؛ وحول الضريح أقوام من السدنة والحُجَّاب والمجاورين يحكون الخرافات عن كرامات صاحب القبر من عطاء ومنع وشفاء ورزق وحرب لأعدائه الذين خالفوه وعابوا في جنابه أو قللوا من بركته وكبريائه فيالله من هذا الشرك والضلال !! ويالغربة الإسلام في دياره !!!
وأما عن صناديق القرابين فحدث ولاحرج ؛ قد امتلأت بأموال المغفلين والمخرفين يأكلها السدنة بلا تعب ولامشقة , وحجتهم أنهم من محاسيب الولي ومن مقاطيع الضريح يعني : المنقطعين لعبادته .
وأما عن المجاورين للضريح فجزء قد حمل مفاتيحه , وأي شرف يعدل ذلك عندهم, بل ولا مفاتيح الكعبة !!! , وجزء قد كسا الحيطان والأعمدة , وجزء قد نصب التماثيل والأحجار والخشب ؛ ففي غرفة الضريح إما تمثال من حجر أوخشب أو طين قدكسوه بأفخر الثياب كأنه بيت الملك الوهاب !! يقصده الرجال والنساء عند الحوائج والكربات كما يقصدون رب الأرض والسموات , ويدعون الأعظم الرفات من دون بارىء البريات !! ؛ فهذه الأضرحة والأوثان اتخذها الناس أنداداً من دون الله وصرفوا لها خالص القربات ؛ فإن قلنا: يا قوم أخلصوا لله التوحيد والعبادات ؛ قالوا : إنكم تبغضون الأولياء والسادات , وإن قلنا إنهم لا ينفعونكم ولا يضرون قالوا : إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون !! فلا تتكلم عليهم فيضروك , ولاتنتقص أقدارهم فيؤذوك ؛ فإنهم قد بَيَّنُوا فيمن سبهم , ومن خصائص الألوهية جرَّدهم , وضربوا لك الأمثال الباطلة , وذكروا لك الكرامات الكاذبة وقالوا : نحن لانعبدهم إنما نتوسل بهم , ونرجو بركتهم وشفاعتهم عند الله تعالى !! قلنا لهم : هذه عقيدة المشركين الأوائل كما قال تعالى عنهم:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى), وقال:(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وقد أحسن الشيخ حافظ بن أحمد حكمي – رحمه الله - في وصف حال هؤلاء المشركين بالقبور فقال في منظومته "سلم الوصول ":
ومـن على القـبر سراجاً أوقدا | أو ابتنى على الضريح مسجدا |
فـإنــه مـجــدد جـهـارا | سـنن اليهـود والنـصارى |
كـم حذر المخـتار عن ذا ولعن | فاعله كما روى أهل السـنن |
بـل قـد نهـى عن ارتفاع القبر | وأن يزاد فـيه فوق الشـبر |
وكل قـبر مشـرف فقـد أمـر | بأن يُسوَّى هـكذا صح الخبر |
وحـذر الأمــة عـن إطرائه | فغـرهم إبليس باستجـرائه |
فخـالفـوه جهـرة وارتكبـوا | ما قـد نهى عنه ولم يجتنبوا |
فانـظر إليهم قـد غلوا وزادوا | ورفـعوا بـناءها وشـادوا |
بالشيــد والآجـر والأحجـار | لا سيما فـي هذه الأعصـار |
وللـقنـاديـل عليـها أوقـدوا | وكـم لواء فوقـها قد عقدوا |
ونـصـبوا الأعـلام والرايـات | وافتتنـوا بالأعظـم الـرفات |
بـل نحـروا في سوحها النحائر | فعل أولي التسييـب والبحائر |
والتمسـوا الحاجات من موتاهم | واتخـذوا إلههــم هواهـم |
قد صـادهم إبليـس في فخاخه | بل بعضهم قد صار من أفراخه |
يـدعـو إلى عبـادة الأوثـان | بالمـال والنفـس وباللسـان |
فليـت شـعري من أبـاح ذلك | وأورط الأمـة في المهـالـك |
فـيا شـديد الطـول والإنـعام | إليك نشكو غـربة الإسـلام |
وقد أردت بهذا البحث المختصر أن أُحَذِّر المسلمين من هذه المساجد التي تُبنى على القبور؛ فهي من ضمن مساجد الضرار التي تحارب الدين وتناقض توحيد رب العالمين ,وقد نقلت من كلام العلماء الراسخين إجماع المسلمين على حرمة الصلاة في هذه المشاهد بالأدلة من الكتاب والسنة النبوية ؛ فحَرِيُّ بكل مسلم أن يسعى في المحافظة على صلاته وأدائها في المساجد لا في المشاهد فإن الصلاة عمود الدين , وهي أول مايحاسب عليه العبد يوم القيامة , ولا يلتفت لكلام أئمة الضلال الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون, ومن هؤلاء (محمد أحمد فراج) إمام مسجد الضريح عمار الذى هو أحد مساجد الضرار, فإنه خطب وتكلم عن جواز الصلاة فى هذه الأضرحة ولبَّس على كثير من الناس أمور دينهم, فصار كثير من العامة مضطرباً فى هذه المسألة مع أنها من الأمور المعلومة من دين الإسلام بالاضطرار.
فأردت بهذا البحث العلمى أن أبين ما فى كلامه من المجازفات والمغالطات, ومن الكذب والجهالات, حيث إنه ذكر حكم الصلاة فى المقبرة ليلبس على الناس بها, فإن هذه المساجد قد بنيت فى الأصل للضريح رجاء بركته وصرف العبادة له, فقدس الناس البقعة التى دفن فيها هذا الولى واعتقدوا أن الصلاة حول قبره وعنده, والعبادة فيه أفضل من العبادة فى بقية المساجد, وهذا من الغلو الذى حرمه الله تعالى ورسوله, وقد وقع أول شرك فى الأرض بسبب هذا الغلو فى الصالحين كما سيأتى بيانه, فكيف يقال إن الصلاة فى هذه المساجد لها نفس حكم الصلاة فى المقبرة؟ مع أن المقصود من كلام الأئمة فى شأن الصلاة فى المقبرة هو أن من حضرته الصلاة: هل يشرع له أن يصلى بعيداً عن القبور فى ناحية المقبرة أم لا, أى أنه لا يقصد الصلاة فيها أصلاً, وإنما تحضره اتفاقاً, فهذا هو محل الخلاف وليس المقصود أن تصير المقابر مساجداً, فهذا لم يقله عالم بل عاقل أبداً!!.
وقد بينت ذلك فى بحثى أتم بيان ثم عرضت للشبه التى ذكرها وبينت بطلانها بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء المحققين, وقد ذكر هذا الخطيب فى كلامه أموراً لا تخص مسألة اتخاذ القبور مساجد حتى يهيج الناس على أهل السنة الذين يحاربون الشرك ويدعون إلى توحيد الله جل وعلا.
ومن هذه المسائل ما هو كذب وافتراء, لقنه إياه إخوانه من الصوفية والحزبيين وفساق القرآء, وهذه سيُسأل عنها يوم القيامة, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومنها ما يجهله من الأحكام الشرعية, فهو بسبب جهله متخبط فيها لا يعرف الحق من الباطل, ولا السنة من البدعة, ولا التوحيد من الشرك.
ومنها ما يعلم الحق فيه ولكنه يعاند ويكابر ويرده انتصاراً لأهل الباطل, أو محبة للرئاسة على أمثاله.
وقد جمعت هذه المسائل التى خاض فيها فى رسالة مستقلة, وبينت ما ذكره من الكذب والمجازفة والجهل, ورأيت تأخير نشرها لعله أن يقرأ هذا البحث فيراجع الحق, فإن الرجوع إلى الحق فريضة, والتوبة مقبولة من العبد مالم يغرغر.
وأردت بهذه الرسالة بيان المسألة الأصلية, وهى اتخاذ القبور مساجد ببحث علمى مبيناً فيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة, وكلام علماء الأمة, نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعامة المسلمين, حتى يتعلم الجاهلون ويستيقن الموحدون, ولا يرتاب الناس فى هذا الحكم الواضح المبين, وخروجاً من الكتمان, ووفاء بالميثاق الذى أخذه الله على أهل العلم بالبيان, كما فى قوله تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ).
وأخيراً أود أن أذكر بأمر هام لا يحتاج إلى بيان, وهو أن الهدف من هذه الرسائل ونحوها من النصائح هو دعوة المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة, ونبذ هذه البدع والخرافات والشركيات حتى تصح عقيدتهم وعبادتهم, وكما قال الإمام مالك-رحمه الله-:"لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
وأذكر كل مسلم يقرأ كلامى هذا بقول رسول الله ع:"أول ما يحاسب عليه العبد من دينه الصلاة, فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح, وإذا فسدت فقد خاب وخسر", فعلى كل مسلم أن يتقى الله فى صلاته فيؤديها فى المساجد لا فى الأضرحة والمشاهد, وليعلم أن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئاً, وكل نفس بما كسبت رهينة, وليس فى الآخرة مجال لمجاملة العائلة والحمية الجاهلية, ومناصرة القبيلة بالباطل (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
فالبدار البدار بالتوبة والرجوع إلى الواحد الغفار, وترك الصلاة فى الأماكن التى تغضب العزيز الجبار.
وإننى أنصح خطيب مسجد الضريح بالتوبة والرجوع الصريح, عن الباطل والضلال الذى خاض فيه, وألا يغتر بثناء عباد القبور عليه, وليعلم أنه موقوف مسئول بين يدى الله عز وجل.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)
وقد جاء البحث مقسماً إلى فصول :
الفصل الأول : شروط قبول الأعمال عند الله تعالى.
الفصل الثاني : تعريف مسجد الضرار
الفصل الثالث : تفسير قوله تعالى :(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ), وبيان أقوال المفسرين من أهل العلم .
الفصل الرابع : الأدلة على حرمة اتخاذ القبور مساجد وبيان معنى ذلك .
الفصل الخامس : شبهات وردود .
وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل عملي كله صالحاً ولوجهه خالصاً ؛وأن ينفع به المسلمين وأن يجعله زخراً لي يوم العرض عليه , وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه / أبوحمزة
محمد بن عبد العليم الماضي السلفي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
محمد بن عبد العليم الماضي السلفي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
([1]) ( إعلام الموقعين 1/50).
([2]) ( إغاثة اللهفان 1/212 ).
([3]) (إغاثة اللهفان 2/222).