بلاد الشام والفرقة الناجية والطائفة المنصورة
ولذلك يجب على السلفي أن يهتم بدراسة بلاد الشام: تأريخياً وعقدياً؛ لأنَّ السلفي:
منهجيّ في دراسته.
منهجيٌّ في عباراته.
منهجيّ في تصورّاته.
الشامُ رأى: طَلْعَةَ إبراهيمَ -عليه السلام- وإسحاق، ويعقوب، وكثير من النبيين… إلى عيسى ابن مريم -عليهم الصلاة السلام-، ثم أُسري بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأهل الحديث ورثة الأنبياء.
ورأى الشام: طلعة عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمر بن عبدالعزيز، والشافعي، وابن تيمية، وابن قيّم الجوزيّة، وأبي الفداء بن كثيروغيرهم.
وأهل الحديث أتباع منهج الصحابة الأبرار، والعلماء الأخيار.
أرض الشام: هي الأرض المقدسة، والأرض المباركة، وخيرة الله من أرضه، وأرض الرباط والجهاد، ومحلّ حزب الله من عباده، وهم الطائفة المنصورة: أهل الحديث والعلم بالآثار، ومن تبعهم بإحسان: اقتداء بمنهج السّلف الصالح -رضوان الله عليهم- عقيدةً ومنهجاً وسلوكاً وتربيةً.
أهل الشام سوط الله في أرضه، ينتقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، قال علي: «فلا تسبوا أهل الشام، ولكن سبوا شرارهم؛ فإنّ فيهم الأبدال»([1]).
أرض الشام فيها المسجد الأقصى؛ وهو: محل إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.
والإسراء رابط مهم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
والإسراء رابط مهم بين إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والإسراء رابط مهم بين الأنبياء، بيان للخلق أجمعين: أنَّ رسالتهم واحدة.
والإسراء رابط مهم بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصديقين.
والإسراء رابط مهم بين منهج النبوة ومنهج الطائفة الناجية.
ولعظم حادثة الإسراء والمعراج سميت سورة في القرآن بالإسراء، وفي هذه السورة بناء منهجيّ وعقديّ للمسلم.
والمعراج رابط مهم بين الأرض والسماء.
والمعراج فهم لمعنى صفة الاستواء، وفيه ردّ على أهل البدع والأهواء.
والمعراج رابط مهم بين المؤمن وعقيدته.
والمعراج رابط مهم بين المؤمنين والأنبياء.
والمعراج رابط مهم بين المؤمنين والملائكة.
والمعراج رابط مهم بين عبدالله المؤمن وبين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
والمسجد الأقصى منبر دعوة التوحيد منذ إبراهيم إلى قيام الساعة.
وفي فهم منهج الطائفة المنصورة العبر المهمّة من كتاب الله، ومن سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم على أرض الشام:
فينبغي أن يهتم المسلمون بهذا الدين، وعلى هذا المنهج المنير البصير، وهو: منهج النبوة على هذه الأرض؛ فتتوافق بركة الدعوة مع بركة المحل.
والنبي صلى الله عليه وسلم ربط في حديثٍ بين مسألتين:
1- مسألة فساد أهل الشام.
2- ومسألة وجود الطائفة المنصورة.
قال صلى الله عليه وسلم:«إذا فَسَدَ أهْلُ الشَّامِ؛ فَلا خَيْرَ فِيكُم».
وقال: «لا تَزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتيِ ظاَهرينَ عَلى الحَقِّ لا يَضُرُهُم من خَذَلَهم، ولا من نَاوأهُم، حتَّى يَأتِي أمْرُ الله وهمْ على ذَلِكَ» ([2]).
فعندما نقول: إنّ أرض الشام حلبة الصراع ومعترك النزاع؛ يعني هذا: أنه يتوالى عليها الفساد والإصلاح، والفساد يفعله المُخَرِّبون، والإصلاح يفعله المصلحون على منهج النبوة.
ولذلك فحين يتسلّط أعداء الله نرى أنَّ أهلها في فسادٍ عقدي وعملي؛ فمن أجل الإصلاح لا بدَّ من الإخلاص في النيّة والتعاون الشرعي، والإقبال على العلم، واتباع منهج النبوة، والعمل الصالح.
إن ارتباط بلاد الشام بالفرقة الناجية، والطائفة المنصورة: ارتباط منهج وعقيدة.
ونحن لا نفرّق بين مكة والمدينة وبلاد الشام؛ فقد ربط الله -سبحانه وتعالى- بين مكة وبلاد الشام في سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء:1] فكما كانت البداية في مكة، وانطلق نور الإسلام من بطحائها، ستكون النهاية نصراً مؤزراً للإسلام في بلاد الشام؛ ففي حديث عِمران بن حصين قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَال طائفةٌ من أُمَّتيِ يُقاتِلُونَ على الحَقِّ، ظَاهِرينَ عَلى من نَاوَأَهُم، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُم الدَّجالَ» ([3])، وقتال الدجال معروف أنه في فلسطين وأنه يقتل بباب لدّ([4])، وأنَّ عيسى -عليه السلام- يقتله بحربته، ويُري المؤمنين دمه، وأنَّ اليهود يومئذٍ يقتلون شرَّ قِتْلَة، وينطق الحجر والشجر: «يا مُسلم يا عَبَدَالله هَذا يَهُوديٌّ ورائِي تَعالَ فْاقْتُلْهُ» ([5])؛ فلا شكَّ أنَّ الخير قادم، والنصر آتٍ بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
([1]) صححه شيخنا -رحمه الله- في «الضعيفة» (4779) موافقاً للحاكم والذهبي، وهو موقوف.
لكن لا يصح في (الأبدال) حديث مرفوع، وذكر الشيخ في «الضعيفة» (1474-1479) جملة من أحاديث (الأبدال) حاكماً عليها بالردّ.
ومراد علي بن أبي طالب: أولياء الله الصالحون، وليس الأبدال على المصطلح الصوفي المنكر.
وانظر -غير مأمور- «تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي» (ص101).
([2]) «الصحيحة» (1959)، و «صحيح الجامع» (7294).
([3]) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح؛ كما هو في «الصحيحة» برقم (1959)، و«صحيح الجامع» (7294)، والحديث ألفاظه كثيرة وأصله في «الصحيحين».
([4]) وهي مدينة في فلسطين -أعادها الله للمسلمين، ونصرهم على عدوهم نصراً مبيناً-، والحديث عند الترمذي عن مجمع بن جارية، وقد صححه شيخنا -رحمه الله- في «السلسلة الصحيحة» (2457)، وفي «صحيح الجامع» (8126).
([5]) متفق عليه من حديث ابن عمر، وأبي هريرة -رضي الله عنهما-.
المصدر: كتاب المستقبل للإسلام بمنهج السلف الكرام ، لفضيلة الشيخ سليم الهلالي حفظه الله