إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطريق واحد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطريق واحد

    الطريق واحد


    اعلم رحمك الله أن الطريق الذى يضمن لك نعمة الإسلام واحد لا يتعدد، لأن الله كتب الفلاح لحزب واحد فقط فقال:{ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (22):المجادلة.

    وكتب الغلبة لهذا الحزب وحده فقال:{ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(56):المائدة.

    ومهما بحثت فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلن تجد تفريق الأمة إلى جماعات وتحزيبها فى تكتلات إلا مذموما، قال الله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}:الروم.

    وكيف يقر ربنا عز و جل أمة على التشتت بعدما عصمها بحبله، و هو يبرىء نبيه صلى الله عليه وسلم منها حين تكون كذلك وتوعدها عليه فيقول:{إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (159)}:الأنعام.

    عن معاوية بن سفيان أنه قال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال:

    "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون فى النار، وواحدة فى الجنة، وهى الجماعة".

    قال الأمير الصنعانى-رحمه الله-: "ليس ذكر العدد فى الحديث لبيان كثرة الهالكين، ةإنما هو لبيان اتساع طرق الضلال و شعبها، ووحدة طريق الحق، نظير ذلك ما ذكره أئمة التفسير فى قوله: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}(153):الأنعام.

    أنه جمع السبل المنهى عن اتباعها لبيان تشعب طرق الضلال وكثرتها وسعتها، وأفرد سبيل الهدى والحق لوحدته وعدم تعدده".

    وعن بن مسعود رضى الله عنه قال: "خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: هذه سبيل الله. ثم خط خطوطا عن يمينه، و عن شماله، ثم قال:هذه سبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه".ثم قرأ: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}(153):الأنعام.

    فدل هذا الحديث بنصه على أن الطريق واحد.

    قال ابن القيم: "وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما عث به رسله وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة والأبواب عليهم مغلقة، إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله".

    قلت: ولكن كثرة بنياته العاديات تشكك فيه وتخذل عنه وإنما انحرف من انحرف من الفرق استئناسا بالتعدد، وتوحشا من التفرد واستعجالا للوصول وجبنا عن تحمل الطول.

    قال ابن القيم: "من استطال الطريق ضعف مشيه".

    والله المستعان.


    تعريف الطريق:

    من كلام ابن القيم الأول نتبين الطريق، ونتبين أن المقصود بالطريق هاهنا هو الركن الثانى من أركان التوحيد بعد شهادة أن لا أله إلا الله أى: شهادة أن محمًدا رسول الله،

    وهو أيضا الركن الثانى من أركان العمل المتقبل؛إذ لا يقبل عمل-كما هو معلوم- إلا بشرطين:

    1-إخلاص الدين لله تعالى.

    2-تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولست الأن بصدد الأستدلال لهذه القاعدة المشهورة؛ لأن الغاية من هذا المبحث هو بيان السبيل النبوية التى لايوصل إلى الله سواها؛ فإن "الجهل بالطرق واّفاتها والمقصود يوجب التعب الكثير، ممع الفائدة القليلة"

    وبيان أن هذه السبيل واحدة، لايجوز الافتئات فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس البشر أو غير ذلك ممَا يعلم بطلانه من دين الله الذى جاء ليوحد أهله لا ليفرقهم؛ وقد قال الله تعالى:

    { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا(103) }:اّل عمران

    وقد جاء تفسير هذا الحبل الكفيل بجمع المسلمين ب: "كتاب الله".

    قال ابن مسعود رضى الله عنه: "إن هذا الصراط محتضر، تحضره الشساطين ينادون يا عبد الله هلم! هذا الصراط ؛ ليصدوا عن سبيل الله! فاعتصموا بحبل الله؛ فإن حبل الله هو كتاب الله".

    *وفى هذا الأثر فائدتان:

    الاولى: أن الصراط واحد، وإنما تحتف به الشياطين بغية تفريق الناس من حوله، ولا تجد سبيلا إلى تفريقهم أحسن من ادعاء تعدده! فكل من رام إيهام الناس أن الحق ليس محجورا فى سبيل واحدة، فإنما هو شيطان، وقد قال الله تعالى:

    {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ(32)}: يونس.

    الثانية: تفسير "حبل الله" -الذى يجب أن يعتصم به المسلمون ليتحدوا- بكتاب الله، وهذا لا يتعارض مع قول ابن مسعود رضى الله عنه أيضا: "الصراط المستقيم الذى تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم"

    وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمترك لهم الكتاب والسنة؛ كما قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا: كتاب الله وسنتى".

    وذلك أيضا لأن السنة ككتاب الله فى كونها وحيا ثم هى تفسير لكتاب الله، بل خير من فسر كلامه تعالى من خلقه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه:

    { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ(44)}: النحل.

    وقالت عائشة رضى الله عنها: "كان خلقه القراّن"

    ولذلك أمر النبى صلى الله عليه وسلم أمته إذا دبت إليهم الفرقة بالاستمساك بسنته، فقال: "......وإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى و سنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم و محدثات الامور؛ فإن كل محدثة بدعة....".

    قال ابن بطة_رحمه الله_ فى بيان سبب اجتماع كلمة السلف على عقيدة واحدة:

    "فلم يزل الصدر الاول على هذا جميعا، على ألفة القلوب واتفاق المذاهب: كتاب الله عصمتهم، وسنة المصطفى إمامهم، لايستعملون الأراّء ولا يفزعون إلى الأهواء فلم يزل الناس على ذلك والقلوب بعصمة مولاها محروسة والنفوس عن أهوائها بعنايته محبوسة".

    وصدق رحمه الله فإن دين الله واحد لا يختلف قال سبحانه:

    { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)}: النساء.

    وهذا الطريق الذى ندعو إليه هو أوضح الطرق و أبينها وأغناها وأكملها فعن العرباض بن سارية رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ بعدى إلا هالك".

    وإذا حاول المرء تكميله أ, تزينه بما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه فإنما يعرج بهم فى طرقات بل فى أودية المهالك، وهذا الذى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البدعة الضلالة".

    ولذلك أشتد نكير السلف الصالح على من يزيد فى الدين أو يوغل فيه برأيه.

    قال عمر بن الخطاب رصى الله عنه: "إياكم ومجالسة أصحاب الرأى فإنهم أعداء السنة، أعيتهم السنة أن يحفظوها، ونسوا _وفى رواية: وتفلتت عليهم_ الأحاديث أن يعوها، وسئلوا عما لا يعلمون فاستحيوا أن يقولوا: لا نعلم! فأفتوا برأيهم، فضلوا و أضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل، إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه بالوحى عن الرأى، ولو كان الرأى أولى من السنة لكان باطن الخفين أولى بالمسح من ظاهرهما".

    وذلك لأن الدين مبناه على الاتباع لا الأختراع والرأى فى الغالب مذموم، لأن كثيرا من أمور الدين لا يهتدى إليها العقل بمفرده، لاسيما وأن العقول تتفاوت فى إدراكتها، وفة المؤثرات فيها، والرأى قد يحمد.

    وقال ابن مسعود رضى الله عنه : " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالعتيق".

    وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنه: " كل بدعة ضلالة وإن راّها الناس حسنة!".


    ومادام حديثى عن أثر البدعة فى قطع الطريق على طالب الصراط المستقيم، فإننى أذكر أثر ابن عباس فى ذلك، يدل على سعة علم الصحابة، فعن عثمان بن حاضر قال: " دخلت على ابن عباس فقلت: أوصنى فقال: نعم! عليك بتقوى الله، والاستقامة والاثر، اتبع ولا تبتدع".

    فتأمل هذا ! فنه جمع له أمرين هما:

    تقوى الله: وهى هنا بمعنى الإخلاص، لأنها قرنت بالاتباع.

    والاتباع: الذى هو معنى الصراط المستقيم كما سبق.
    ثم حذره مما يضاد ذلك، ألا وهو البدعة، وهكذا كان عامة كلام السلف جامعا مانعا على وجازته.

    وقد كان السلف الصالح يشتدون على من يبتغى أقوال الرجال ليزاحم بها أحكام رسول الله صلى الله عليه سلم، مهما سمت مرتبة هؤلاء الرجال الأفاضل.

    ولا ريب أن التأدب مع أهل العلم ومحبتهم وتقديمهم على من بعدهم، واتهام المرء رأيه مع اّرائهم أمر فى غاية الأهمية، لكن هذا شىء وتقديم النص من الوحيين بعد اتضاحه شىء اّخرز

    قال عروة لأبن عباس: " ويحك! أضللت الناس! تأمر بالعمرة فى العشر وليس فيهن عمرة؟! فقال: ياعرى! فسل أمك. قال: فإن أبابكر وعمر لم يقولا ذلك، ولهما أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع له منك.فقال: من هاهنا تؤتون! نجيئكم برسول الله، وتجيئون بأبى بكر وعمر؟! –وفى طريق: أهما ويحك! أّثر عندك أم ما فى كتاب الله، وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه وفى أمته-".

    وفى رواية: "أراهم سيهلكون؛ أقول: قال النبى صلى الله عليه وسلم ويقول: نهى ابو بكر وعمر!!".

    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله- عقب هذا الأثر: " وفى كلام ابن عباس ما يدل على أن من بلغه الدليل فلم يأخذ به تقليدا لإمامه؛ فإنه يجب الإنكار عليه لمخالفنه الدليل".

    وقال أيضا: " وقد عمَت البلوى بهذا المنكر خصوصا ممَن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل فى الصد عن الأخذ بالكتاب والسنة، وصدوا عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيم أمره ونهيه، فمن ذلك قولهم:

    "لا يستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد والاجتهاد انقطع"!

    ويقول: "هذا الذى قلدته أعلم منك بالحديث وناسخه ومنسوخه"!.

    ونحو ذلك من الأقوال التى غايتها ترك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى، والاعتماد على من يجوز عليه الخطأ، وغيره من الأئمة يخالفه، ويمنع قوله بدليل فما من إمام إلا والذى معه بعض العلم لا كله، فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم ذلك أن ينتهى إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه، كما قال تعالى:

    { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء (3)}: الأعراف.
    وقال: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}: العنكبوت.

    وقد تقدم حكاية الإجماع على ذلك، وبيان أن المقلد ليس من أهل العلمن وقد حكى أيضا أبو عمر ابن عبد البر وغيره إجماعا على ذلك".

    وقد بلغ من تعظيم سلفنا الصالح للسنة أنهم كانوا يعرضون على السيف من يردُ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل الشافعى وقد شكا بشرا المريسى إلى القاضى أبى البخترى، قال –رحمه الله-: " ناظرت المريسى فى القرعة، فقال –أى: المريسى-: يا أبا عبد الله، هذا قمار!! فأتيت أبا البخترى فقلت له: سمعت المريسى يقول: القرعة قمار! يا أبا عبد الله، شاهد اّخر وأقتله".

    وفى رواية: "شاهد اخر و أرفعه على الخشبة وأصلبه".



    الطريق واحد (من كتاب ست درر من أصول أهل الأثر)

    للشيخ عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضانى الجزائرى
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو ياسر يوسف قاضي; الساعة 05-08-2008, 08:56 PM.

  • #2
    فائدة عظيمة .
    جزاك الله خيرا يا أبا ياسر .

    تعليق


    • #3
      وإياك أخي الكريم
      مشكور على الإهتمام والمرور

      تعليق

      يعمل...
      X