بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد:
(عمل عظيم وخير كبير ونصح جميل )
ـ من نصائح الأخ الجليل أبي صالح محمد المكي الأندونيسي رحمه الله ـ
إخواني الكرام فقد وقع علينا خبر موت أخينا الفاضل الحبيب إلينا أبي صالح محمد المكي الأندونيسي كالصاعقة والله المستعان ولا حول ولاقوة إلا بالله
ولا نملك إلا أن نقول إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى
فوالله ماعرفناه في هذه الشبكة إلاّ وهو مجتهد في نشر العلم
وعمله ومشاركاته تشهد عليه في ذلك
وقد ألقى الله حبه في قلوب الناس خاصة في أعضاء هذه الشبكة الطيبة ، بل حتى فيمن يتصفحها من الضيوف
ولعلّ هذا من صدق نيته ـ نحسبه كذلك والله حسيبه ـ
ومن باب ذكر بعضا من محاسنه ، سأذكر لإخواني عمل عظيم قام به أخونا أبو صالح رحمه الله ليعرف الناس سبب وقع حبه في قلوبنا
أسأل الله أن يجعل عمله هذا سببا مطهرا له وعملا يرفعه يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله قلب سليم
إنّ أخانا الفاضل أبا صالح رحمه الله كان قد أرسل إلي رسالة يسألني فيها عن حال أحد الإخوة الجزائريين ـ سمع أنه على خير وأنه أخ فاضل ـ فطلب مني أن أتفقده و أخبره عن حاله
فأرسلت له رسالة بينت فيها حال ذلك الأخ هداه الله والحالة التي صار عليها وأخبرته بأن يستر عليه لأنه تحت النصح والله المستعان ( والأخ المسؤول عنه تاب من خطإه ذلك إن شاء الله )
فتأسّف كثيرا أخونا أبو صالح وآلمه ذلك الخبر، فطلب مني أن أرسل له رقم هاتف الأخ الذي يسأل عنه ( رغم أنه لم يلتقي به من قبل ولا يعرفه ، إنّما سمع عنه من طرف إخوة طيبين من أندونيسيا أنه أخ فاضل )
وبعد ذلك ردّ علي رحمه الله بمايلي :
وعليكم السلام ورحمة الله
أحبك الله الذي أحببتنا من أجله
وولدي صالح لما حكيت له تحسر كثيراوقال أنه سيكتب للأخ ــ هداه الله نصيحة وإن شاء الله ترسلها له أخونا الحبيب عبد الحكيم
ووالله أخي عبد الحكيم أنني متألم جدا لحاله وأدعوا له أن الله يهديه
وقد حكيت أمره لأحد طلبة العلم الكبار في المملكة وقال لي خذوا بيده وأعينوه على الخير وذكره بالله ولا ينبغي التشهير به وليس فيه مصلحة راجحة
فعلا هذا أخي الحبيب عبد الحكيم أطلب منك رقمه من أجل أن أتصل به أنا شخصيا وأنصحه بإذن الله . اهـ
رحمه الله من أخ فاضل ــ يتصل من المملكة السعودية إلى الجزائر من أجل أن ينصح أخ في الله لم يعرفه من
قبل ، أسأل الله أن يجزيك الجنّة بهذا العمل الطيب
وبعد أن أرسلت له رقم هاتف ذلك الأخ ردّ علي ولده الفاضل صالح فقال:
والحمد لله حصل اتصال بأخينا ــــ الجزائري في هذا اليوم مع والدي وحصل تناصح وتجاوب من أخينا ـــ وتكلم بكلام طيب جزاه الله خيرا يدل على حسن معتقده ونسال الله أن يوفقه
ووالدي نصحه بنصائح قيمة وكان الأخ ـــ لا يزيد على قوله جزاكم الله خيرا نصيحتكم وهي مقبولة بصدر رحب
وقال له أبي إن ولدي صالح كتب لك نصيحة سيرسلها مع الأخ عبد الحكيم فقال له طيب .اهـ
ووالدي نصحه بنصائح قيمة وكان الأخ ـــ لا يزيد على قوله جزاكم الله خيرا نصيحتكم وهي مقبولة بصدر رحب
وقال له أبي إن ولدي صالح كتب لك نصيحة سيرسلها مع الأخ عبد الحكيم فقال له طيب .اهـ
إليكم الرسالة :
من أبي قدامة صالح بن محمد المكي الإندونيسي إلى أخينا في الله ــ الجزائري
الســــــلام علــــــيكم ورحمــة الله وبركـــــاته
بسم الله الرحمان الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ للهِ ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء : 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأَحزاب : 70-71].
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخير الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة.
و َبَعْدُ :
فاعلم أخي الحبيب ــ رحمك الله أنَّ مما جرت فيه حكمة الله عز وجل أنَّ الخطأ والزلل من طباع البشرية؛ وأنَّ المرء مهما صلح حاله واستقام فلا بدَّ أن يقع في الذنوب والمعاصي؛ والناسُ في هذا الباب الخطير بين مقلٍّ ومستكثر .
وعلى المسلم البصير أن يتأمَّل في حكمة الله سبحانه في تخليته بين العبد وبين ذنبه؛ وإقدارِه عليه؛ وتهيئة أسبابه له؛ ولو شاء لعصمه وحال بينه وبين الذنب ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة؛ وغاياتٍ لو تفكَّر بها المتفكر لكانت سبباً في استقامة حاله بعد اعوجاجها؛ ورجوعه إلى طاعة ربِّه ومولاه بعد انصرافه عنها .
فإذا وقع العبدُ أخي ـــ بالذنب فليعرف مدى حاجته وفقره إلى حفظ الله تعالى؛ ولْيوقن أنَّه إنْ لم يحفظه ويصنه أنه هالك ولا بدّ؛ والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق .
فمن وقع في الذنب وفتح الله له باب التوبة؛ فلْيقرَّ لربِّه سبحانه وحاجته إليه؛ ولْيتواضع لمولاه؛ ولْينكسر بين يديه سائلاً إيّاه المغفرة لذنبه والثبات على الطاعات؛ فإنَّ هذه القلوب تتقلّب والسعيد مَن صرَّف الله قلبه على العمل الصالح؛ ولم يكله إلى نفسه وجهده؛ ولذا كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؛ فقيل له في ذلك؛ فقال:" إنه ليس آدميٌ إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله؛ فمَن شاء أقام ومَن شاء أزاغ" وقد يكون في القلب أنواعٌ من الأمراض المزمنة؛ التي لا يشعُر بها العبد؛ فيقضي عليه اللطيف الخبير بذنبٍ ظاهرٍ؛ فيجد ألمَ مرضه فيبحث عن دواء نافعٍ له فيشربه فيزول داؤه؛ ولا علاجَ أنفعَ للذنوب والمعاصي من التوبة النصوح؛ التي تفتح لصاحبها بعد ذلك أبواب الرجاء والعمل .
واعلم أخي الحبيب ـــ رحمك الله أن العبدَ إذا أذنب سُلِب حلاوةَ الطاعة والقرب ووقع في الوحشة؛ فإن كان ممن يصلح؛ اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة؛ فحنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عوَّدها من برِّه ولطفِه؛ وإن ركنَت واستمر إعراضُها ولم تحن إلى ما تعوّدته من الطاعات؛ ولم تحس بحاجتها وفقرها إلى مراجعةِ قُرْبِها مِن ربّها؛ عُلِم أنها لا تصلح لله سبحانه؛ فبقيت تتخبط في أودية المهالك .
هذا واعلم أخي الحبيب ـــ رحمك الله أن الواجب على العبد أن يُسارع للتوبة كلما أحدث ذنباً؛ ولْيوقن بسعة رحمة الله عز وجل إن أقبل عبدُه عليه؛ ولْيحسن الظن به سبحانه؛ ولْيثق بكريم عطائه ولطفه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللهَ فيغفر لهم» .
وليس معنى هذا ترغيبَ العباد وحضّهَم على الذنوب والمعاصي؛ ولكن فيه بيانُ سعةِ رحمةِ الله وعظيمِ جودِه .
فالله عز وجل يحب التوابين ويفرح بتوبتهم؛ ولمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب؛ ثم إذا كان ممن سبقت له العنايةُ قضى له بالتوبة .
واعلم أخي الحبيب ـــ رحمك الله أنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة مما يكرهه الله عز وجل ظاهراً وباطناً؛ قال الله تعالى: ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ).
ونحن إخوانك أهل السنة نحب لك الخير واليد إذا جرحت تداوى ولا تقطع مباشرة وأوصيك بمراقبة الله عز وجل
والسلام عليكم ورحمة الله
كتبه أخوك في الله والمحب لك الخير
أبو قدامة صالح بن محمد المكي الإندونيسي
غفر الله له
والله لقد كانت نصيحة لي قبل أن تكون لغيري والله المستعان
أسأل الله أن يرحمه ويدخله الجنة وأن يبارك له في ذريته من بعده
فوالله إن فقد الناصحين لمصيبة عظيمة
والحمد لله رب العالمين
تعليق