إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

::التثريب والتأنيب لأهل التحريش والتخبيب:: لأبي عبد الله أبي بكر بن ماهر بن جمعة المصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ::التثريب والتأنيب لأهل التحريش والتخبيب:: لأبي عبد الله أبي بكر بن ماهر بن جمعة المصري


    التثريب والتأنيب لأهل التحريش والتخبيب


    الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد

    فاعلم -رحمني الله وإياك- أن من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية تحقيق الألفة والمحبة والمودة بين المسلمين، وتحقيق اجتماعهم واتحادهم، وسد كل الذرائع والوسائل والأسباب التي تؤدي إلى ضد ذلك، كالنفرة والوحشة والبغضاء والتدابر والتقاطع بين المسلمين، وأدلة ذلك في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كثيرة بثيرة لمن تأملها، ومن أعظم أسباب الوحشة والنفرة والفرقة والبغضاء والتقاطع والتدابر بين المسلمين، تخبيب المرأة على زوجها، وإفسادها عليه بأي نوع من أنواع الإفساد، وقد صح في ذم فاعل ذلك الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ففي زوائد مسند الإمام أحمد جـ 10 صـ 5449 حديث رقم 23446 طبعة دار المنهاج ما نصه:
    حدثنا عبدالله [القائل حدثنا: هو أبو بكر القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان راوي المسند، وعبدالله: هو ابن أحمد بن حنبل] حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منا من حلف بالأمانة، ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه، فليس منا» الحديث في صحيح الجامع جـ 2 صـ 956 حديث رقم (5436) مرموزًا له بـ (حم، حب، ك) أي أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وعزاه الألباني -رحمه الله- إلى الصحيحة برقم (325) وقال فيه: صحيح.
    قلت: قال شيخنا الوادعي -رحمه الله- في الجامع الصحيح جـ 3/صـ 102 من كتاب النكاح والطلاق "الناشر مكتبة صنعاء الأثرية، الطبعة الثانية لسنة 1425 هـ، قال ما نصه:
    تحريم المحارشة بين المرأة وزوجها
    قال أبو داود -رحمه الله- (جـ14 صـ77):
    حدثنا الحسن بن علي، أخبرنا زيد بن الحباب، عن عمار بن رُزَيق، عن عبدالله بن عيسى، عن عكرمة، عن يحيى بن يعمَر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا» هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح.وقال الإمام أحمد -رحمه الله- (جـ2 صـ397):ثنا أبو الجوَّاب، ثنا عمار بن رُزَيق به. انتهى كلام الشيخ مقبل -رحمه الله-.
    الحديث ذكره الشيخ الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع جـ2 صـ1069 حديث رقم (6223) طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة لسنة 1408هـ وقال: صحيح.
    وقد صححه في غير ما موضع من كتبه.
    قلت: إسناد أبي داود هذا إسناد حسن، إن كان عبدالله بن عيسى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ظاهر ما في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، فقد ذكر عمار بن رُزَيق فيمن روى عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وذكر عبدالله بن عيسى فيمن روى عن عكرمة مولى ابن عباس، وذلك في ترجمة عكرمة، وترجمة عبدالله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى نفسه.
    غير أن في ترجمة عبدالله بن عيسى هذا في التهذيب ما نصه:
    وقال أبو الحسن بن البراء عن ابن المديني: هو عندي منكر الحديث ... إلى أن قال –أي صاحب التهذيب-: والمذكور في الأصل عن علي بن المديني تعقبه ابن عبد الهادي بأنه قاله في عبدالله بن عيسى الذي يروي عن عكرمة عن أبي هريرة حديث: من خبب امرأة، وأما ابن أبي ليلى فذكره ولم يذكر فيه شيئًا. انتهى
    قلت: فعلى المحكي من كلام ابن المديني يكون عبدالله بن عيسى في هذا السند ليس هو ابن أبي ليلى الثقة، وإنما هو آخر منكر الحديث،هذا إن كان المتن الذي بين أيدينا هو المَعْنِيَّ، وعلى كل حال، فالحديث صحيح سندًا ومتنًا من غير هذا الطريق كما مر، والله أعلم.
    قلت: وفي لسان العرب، طبعة دار الحديث بالقاهرة لسنة 1423هـ مادة خبب:
    "ورجل خبٌّ وخِبٌّ: خَدَّاع جُرْ بُز خبيث منكر ... والأنثى: خَبَّة ... والتخبيب: إفساد الرجل عبدًا أو أمةً لغيره، يقال: خَبَّبَها فأفسدها".
    وقال ابن الأثير [مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري] في النهاية في غريب الحديث والأثر جـ2 مادة خبب، صـ4، طبعة دار الفكر لسنة 1421هـ:
    "الخَبُّ بالفتح: الخَدَّاع، وهو الجُرْ بُز الذي يسعى بين الناس بالفساد. رجل خَبٌّ وامرأة خَبَّة، وقد تكسر خاؤه، فأما المصدر فبالكسر لا غير ... ومنه الحديث: "من خَبَّبَ امرأة أو مملوكًا على مُسْلم فليس منا" أي خدعه وأفسده."
    قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في شرحه على سنن أبي داود جـ8 صـ429، حديث رقم (5161) طبعة دار الحديث القاهرة لسنة 1422هـ:
    "من خَبَّبَ زوجة امرئ" أي: خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك " أو مملوكه" أي: أو أمته، أي: أفسده عليه بأن لاط أو زنى به أو حَسَّنَ إليه الإباق أو طلب البيع أو نحو ذلك" انتهى.
    وقال -رحمه الله- أيضًا- جـ4 صـ270، حديث رقم (2175):
    "من خبب" بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي: خدع وأفسد "امرأة على زوجها" بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها "أو عبدًا" أي: أفسده "على سيده" بأي نوع من الإفساد، وفي معناهما إفساد الزوج على امرأته، والجارية على سيدها. انتهى.
    قلت: ولفظة: «ليس منا» في الحديث تدل في هذا السياق على تحريم الحلف بالأمانة، وتحريم تخبيب المرأة على زوجها لما عرف من مضادة هذا التخبيب لقواعد الإسلام العامة الحريصة على تحقيق المودة بين الزوجين، قال -تعالى-:
    {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
    وإذا تأملت لفظ الحديث : «من خبب زوجة امرئ أو مملوكه، فليس منا» وجدت أنه خص بالذكر الزوجة والمملوك، وإن كان تخبيب الزوج على زوجته والسيد على مملوكه في معناه، كما مر منقولاً، والذي يظهر من هذا أن تخبيب الزوجة على زوجها أيسر وأهون وأمكن من تخبيب الزوج على زوجته، ذلك؛ لما ثبت في البخاري (
    304) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: « أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرَّجُل؟» قلن: بلى، قال: «فذاك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذاك من نقصان دينها» الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم [32-(79)] من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ورواه برقم [132-(80)] من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- كلاهما بنحو لفظ البخاري عن أبي سعيد -رضي الله عنه-.
    فالنساء ناقصات عقل ودين، ومن هنا يسهل على المحرش والمخبب الاستحواذ على عقولهن لما جبلن عليه من نقص العقل والدين، بخلاف الرجال فعندهم -في الجملة- من الدين والعقل ما يزنون به الأمور بميزانها الصحيح، ولا يسهل استمالتهم واستعطافهم ببريق الألفاظ ولمعانها، كما هو الشأن بالنسبة للنساء، فيسهل إغراء المرأة أو إغواؤها بالخروج عن طوع زوجها وأمره ونهيه، وعن ولايته، وتزيين ذلك الخروج لها بأنواع الزخرفة والتزيين، وكذلك الشأن بالنسبة للمماليك -ذكورًا وإناثًا- فإنه يسهل تخبيبهم على سادتهم أكثر من تخبيب سادتهم عليهم؛ لرجحان عقول السادة في الجملة- وخفة عقول المماليك، وجهلهم في الجملة.
    ومن هنا يمكنك القول بأنه يسهل التحريش بين الرعية والمحكومين وبين الحاكم والراعي، وتخبيب الرعية على الراعي أسهل من تخبيب الراعي على الرعية؛ لرجحان عقول الحكام والرعاة والملوك على عقول المحكومين والرعايا -في الجملة- وبناءً على ذلك نقول:
    من ثوَّر رعية على حاكمهم أو حرش بينهم، فليس منا، أما بالنسبة لشأن الرب والعبد، فإنه يسهل إفساد العبد المربوب المخلوق، وإفساد عبادته لربه، أما الرب -سبحانه- فلا سبيل لأحد كائنًا من كان إلى حمله على ظلم عبده أبدًا، أو فعل ما هو نقص في حقه –سبحانه-.
    هذا، وإن المحرش بين الرجل وزوجه، والمفرق بينهما، هو من إخوان السحرة المفسدين، ومن جند إبليس اللعين، ومن المتشبهين باليهود، ومن التاركين لشرع خاتم النبيين، قال -تعالى- في كتابه الكريم عن اليهود:
    {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.
    وقد روى مسلم -رحمه الله- في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، برقم [65-2812] طبعة دار ابن رجب لسنة 1421هـ، روى بسنده إلى جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»
    قلت: والتحريش بين الرجل وزوجه هو من أعظم التحريش والإفساد في الأرض.
    وروى مسلم في صحيحه، برقم [67-2813] بسنده إلى جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
    «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا» قال: «ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته» قال: «فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت» قال الأعمش: أُراه قال: "فيلتزمه".
    قلت: فالمفرق بين الرجل وزوجه ممدوح عند إبليس، مذموم عند رب العالمين، قريب من إبليس، بعيد من رب العالمين.
    هذا، ومعلوم أن الطلاق مباح جائز إذا انعقدت أسبابه، وكان بقاء العشرة الزوجية والحياة الزوجية منافيًا لمقصود النكاح، ومع ذلك، فإن الله -سبحانه- لم يجعل الطلاق أول الحلول للمشاكل الزوجية، بل جعلها آخرها، قال -عز وجل-:
    {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} إلى أن قال:
    {
    وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاً مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}.
    قلت: فجعل التفرق آخرًا مع جوازه شرعًا وعقلاً وعرفًا، خلافًا لإصر وغُل النصارى، فكيف بمن خبب المرأة على زوجها، أو الزوج على امرأته، فجعل التفرق بالطلاق أو الخلع أول لا آخرًا بغير سبب موجب لذلك؟!
    وروى البخاري في صحيحه برقم (6065) طبعة بيت الأفكار الدولية لسنة 1419ه ومسلم في صحيحه برقم [23-(2559)] طبعة دار ابن رجب 1421ه واللفظ له-أي: لمسلم- عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» وفي لفظ لمسلم بعده زيادة: «ولا تقاطعوا» وفي لفظ لمسلم بعده، قوله: «كما أمركم الله» بعد قوله: «وكونوا عباد الله إخوانًا».
    قلت: والمحرش بين الرجل وزوجه، والمفرق بينهما بغير حق، فيه من الحسد للزوجين المتوادين أو لأحدهما ما فيه، كما أنه ساعٍ في حل عرى الأخوة، وفي فتح أبواب التباغض والتقاطع والتدابر بين المسلمين على مصاريعها، فبئس الفتح، وبئست الأبواب.
    وروى البخاري في صحيحه برقم (5142) بسنده إلى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن يبيع أحدكم على بيع بعض،ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب» الحديث رواه مسلم برقم [49-(1412)] بلفظ:«لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطبْ بعضكم على خِطبة بعض».
    وروى مسلم في صحيحه برقم [54-(1413)] بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَسُمِ المسلم على سوم أخيه، ولا يخطُبْ على خطبته».
    قلت: وفي ذلك كله الحرص على أخوة المسلمين، وسد ذرائع الفرقة والتباغض والتقاطع والتدابر، وهذا من أصول الإسلام وقواعده، ألا ترى أن أهل السنة يُسَمَّون بأهل السنة والجماعة، وأن أهل البدعة يسمون بأهل البدعة والفرقة، فالجماعة وصف لازم لأهل السنة، والفرقة وصف لازم لأهل البدعة، فمن سعى في الفرقة بين الرجل وزوجه، فله نصيب من السعي في الفرقة بين المسلمين، وهو سالك مسلك أهل البدع في التفريق، وقد قرن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الحديث بين نهي المسلم عن سَومه على سوم أخيه، ونهيه عن خِطبته على خطبة أخيه، ومعلوم أن ما كان يتعلق بالأعراض أعظم مما يتعلق بالأموال، ولهذا جاز للمرأة أن تبيع وتشتري، ولم يجز لها أن تزوج نفسها، ولا أن تزوج غيرها، خلافًا لمن جوز ذلك قائسًا التزويج على البيع والشراء، وهو قياس مع الفارق، فهو فاسد الاعتبار، فكيف إذا كان مخالفًا للنص؟!
    وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى المسلم عن خطبته على خطبة أخيه، مع أن المخطوبة لا تزال أجنبية عن خاطبها، فكيف بمن فرق بين الرجل وزوجه، بعد أن صارت في عصمته، وكان بيده عقدة النكاح، وكانت قد أخذت من زوجها ميثاقًا غليظًا؟!
    قلت: والأصل في النهي أنه للتحريم حتى يدل دليل على خلاف ذلك، وقد جاءت رواية مصرحة بنفي حل بيع المسلم على بيع أخيه، وخطبته على خطبة أخيه، فقد روى مسلم في صحيحه برقم [56- (1414)] بسنده إلى عبدالرحمن بن شِماسة أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر».
    قلت: وتحريم التحريش بين الرجل وزوجه، ونفي حل ذلك ثابت من باب أولى، سواء كان الحامل للمحرش على ذلك التحريش إرادة تزوجه بالمرأة أم لا.
    وروى البخاري في صحيحه برقم (5152) بسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قُدِّر لهال أ» فقوله: «لا يحل» كافٍ في تحريم ذلك، وفي لفظ للبخاري برقم ( 2723): «لتستكفئ» وفي لفظ له -أيضًا- برقم (2727): «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن التلقي، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، وأن تشترط المرأة طلاق أختها، وأن يستام الرجل على سَوْم أخيه، ونهى عن النجْش ...» الحديث، وفي لفظ له أيضًا- برقم (6601): «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صَحْفتها، ولتَنْكِحْ، فإن لها ما قُدِّرَ لها»
    وفي لفظ للبخاري -أيضًا- برقم (2140): نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لبادٍ، ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسألِ المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها».
    الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم [52-(1413)] بلفظ:«لا تناجشوا، ولا يبع المرء على بيع أخيه، ولا تسألِ المرأة طلاق الأخرى لتكتفئ ما في إنائها».
    فلا يجوز للمرأة أن تسعى في طلاق أختها، ولا أن تشترط على زوجها شرطًا ليس في كتاب الله،كاشتراطها على زوجها قبل التزويج تطليقه للأخرى، مع أن العادة قاضية بحصول الضرر بين الضرائر، وما سميت الضَّرة ضرة إلا لحصول الضرر بسبب اجتماع الضرائر تحت زوج واحد، ومع ذلك لا يجوز لإحداهن أن تطلب من زوجها تطليق الأخرى أو الأخريات؛ لأن هذا الضرر مغتفر في بحر مصالح التزويج والتعدد، ولا يقال هنا: لابد من التخلية قبل التحلية، ذلك؛ لأن المحل هاهنا قابل لجمع أربع نسوة حرائر، وما شاء الله من الإماء بدلالة الأدلة الشرعية الموافقة للعقل الصريح.
    وروى مسلم في صحيحه برقم [16-(1519)] بسنده عن أبي هريرة قال: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُتَلَقَّى الجَلَبُ» وفي اللفظ الذي برقم [17-(1519)]: «لا تَلَقَّوا الجَلَبَ، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سَيِّدُه السوق، فهو بالخيار».
    هذا، وروى مسلم برقم [19-(1521)] بسنده عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس، قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُتَلَقَّى الرُّكبانُ، وأن يبيع حاضر لبادٍ» قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: حاضر لباد؟ قال: لا يكونُ له سمسارًا. الحديث رواه البخاري برقم (2158).
    وروى مسلم في صحيحه برقم [20-(1522)] قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير عن جابر ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال:، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبعْ حاضر لبادٍ، دعوا الناسَ يرزق الله بعضهم من بعض» غير أن في رواية يحيى: «يُرْزقُ»
    قلت: فكانت هذه النواهي كلها دفعًا للإضرار بالمسلم ذكرًا كان أو أنثى، ولا شك في أن تخبيب الزوجة على زوجها يُعَدُّ من أعظم الإضرار بأحد الزوجين أو كليهما، وقد جاء الإسلام بدفع الضرر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه، فلا تضار زوجة بزوجها، ولا زوج بزوجته، وعلى المحرش بينهما إثم تحريشه، وعلى المخبب إثم تخبيبه، وكل من هذا التحريش وذاك التخبيب فسوق بصاحبه، يخدش عدالته أو يزيلها ويسقطها كلها جمعاء، بحيث يرد خبر صاحبه وشهادته، فكيف إذا كان مثل هذا التحريش بين الزوجين، أو تخبيب أحد الزوجين على الآخر ذا ضرر متعدٍ إلى غير الزوجين -أيضًا-؟!
    وقد استدل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله- على كراهة الطلاق بقوله -تعالى-:
    {
    لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
    فقال ما معناه: ذكر الله اسمي الغفور والرحيم مع الفيء، أما مع العزم على الطلاق فذكر اسمي السميع والعليم المتضمنين لتهديد الـمُطَلِّق -أو كما قال -رحمه الله-.
    قلت: وإذا كان الأمر كذلك مع أن الزوج الذي بيده عقدة النكاح هو الـمُطَلِّق باختياره، فكيف بالمحرش المخبب الذي ليس له في الأمر ناقة ولا جمل؟! إلا أن تكون ناقة التحريش، وجمل الإفساد!! اللهم غَفرًا.
    هذا، وإن تخبيب المرأة على زوجها هو من جنس إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير جرم، وقد قال -تعالى-:
    {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
    وإذا كان الأمر كذلك، فليُعلم أن تخبيب الزوجة على زوجها، أو الزوج على زوجته، فيه حق للرب وحق للعبد، ويجب على مثل ذلك المخبب التوبة إلى الله عز وجل- بشروطها المعلومة من الندم على ذلك، والإقلاع عنه، والعزم على عدم العودة إليه، ورد المظالم إلى أهلها أو التحلل لديهم من تلك المظالم، وجعل تلك التوبة خالصة لوجه الله -سبحانه وتعالى-.
    روى البخاري في صحيحه في كتاب المظالم برقم (2449) بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:«من كانت له مظلمة لأحد أو شيء فليتحلَّلْه منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه».
    قلت: وليس الحق في التخبيب أو التحريش بين المرأة وزوجها حقًا محضًا لله -سبحانه وتعالى- فوجب التحلل من مظلمة التخبيب والتحريش من أصحاب الحقوق، ووجبت التوبة إلى الله من مخالفة شرع الله بهذا التخبيب وذاك التحريش،كما يجب على مثل ذلك المخبب أو المحرش الإصلاح -أيضًا- كما قال الله -عز وجل- في القَذَفَة:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
    وكذلك يجب على ذلك المخبب أو المحرش-إضافة إلى التوبة والإصلاح- بيان ما يقتضي المقام بيانه، وما يقتضي عدم كتمانه، وقد قال -عز وجل-:
    {
    إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ *إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
    فمن شروط قبول التوبة الإصلاح لما يقتضي المقام إصلاحه، والبيان لما يقتضي المقام بيانه،ويجب التثبت والتأكد من توبة التائب من الشرك والبدع والمعاصي، فلا يجوز الحكم بتوبته مع عدم التثبت من ذلك، مهما طالت مدة التوقف عن الحكم بتوبته، حتى لو كان التائب صادقًا في توبته في نفس الأمر بينه وبين ربه،ما دامت توبته لم تعلم لدى غيره، بل لو كان المذنب معترفًا بذنبه صادقًا في اعترافه به، لما كان من الحكمة التعجل بالحكم بتوبته بمجرد ذلك، ولنا في قصة كعب بن مالك وصاحبيه –رضي الله عنهم- عبرة، فإن كعب بن مالك وصاحبيه –رضي الله عنهم-، قد صدقوا رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عقب رجوعه من تبوك، ولم يعتذروا له عن تخلفهم عن غزوة تبوك بالكذب كما اعتذر له المنافقون، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في كعب: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» وقال مثل ذلك لصاحبيه، ومع ذلك فقد قال كعب -رضي الله عنه-: "فكمُل لنا خمسون ليلة من حين نُهي عن كلامنا" قلت: أي: حتى أنزل الله توبته عليهم، والحديث بطوله في صحيح البخاري برقم (4418) وفي صحيح مسلم برقم [53-2769)] فكيف إذا كان التائب كاذبًا في توبته، أو مراوغًا ومدعيًا للتوبة والرجوع عن البدعة والضلالة والمعصية وهو ليس كذلك، ورب رجل
    قيل فيه تاب وهو لم يتب، ورب
    رجل قيل فيه رجع وهو لم يرجع، ورب متظاهر بالتوبة وهو مقيم على البدعة والحَوبة.
    وقارن بين قوله -تعالى- عن زكريا:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} وبين فعل المخبب والمحرش!! وتذكر قوله -تعالى-:
    {
    وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ *فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
    ومن خبب امرأة على زوجها، إرادة التزوج بها، معتقدًا أن زواجه بها خير من بقائها تحت زوجها الأول، فقد استحسن، وقدم بين يدي الله ورسوله، ومن استحسن فقد شرع كما جاء عن الشافعي -رحمه الله- .
    هذا، ولو أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات –أي طلاقًا بائنًا بينونة كبرى- أو طلقها طلقة رجعية، ولم يراجعها في العدة، فبانت بينونة صغرى، فتزوجها غيره، لم يكن لزوجها الأول أن يخببها على زوجها الثاني ولا أن يحرش بينهما من أجل أن يطلقها زوجها الثاني أو تختلع منه حتى يتزوج بها، ومن كان ذا غيرة على زوجته من أن تفضي إلى غيره، ويفضي غيره إليها، فلتمنعه غيرته، ولتحجزه عن تطليقها ما أمكنه، وليصبر نفسه عليها، وإلا، فلا يلتمس له مخرجًا بمعصية الله -سبحانه-. نعم، هذه الغيرة
    مركوزة في الطباع، وفي جبلة العقلاء من بني الإنسان، ولكن الأمر كما قال الله:
    {
    وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
    وكما قال: {
    وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
    فمن لم يتق الله في التطليق، لم يوفق في الرجعة إلا أن يشاء الله، وقد قال -تعالى-:
    {وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
    هذا، وكما أن البدع ليست من السلفية في شيء، فكذلك المعاصي ليست من السلفية في الورود ولا في الصدور، فرب حافظ سقطت عدالته لِتَهَتُّكه، بل يخاف على كثير من السلفيين من جهة الشهوة أكثر من الخوف عليهم من جهة الشبهة ويدخل في الشهوة النساء والمال، فكم من طالب علم!! باع نفسه رخيصة بالمال، واشتُري به، وتنكب عن سبيل السلف، وصار حربًا على المذهب السلفي وأهله، فكيف إذا تخطفته شهوتا المال والنساء معًا؟! نسأل الله العافية.
    إذا علمت هذا، فاعلم أن الزواج هو من جنس الإصلاح في الأرض؛ لأنه عمل صالح، وأن التفريق بين الزوجين والتحريش بينهما، وتخبيب أحد الزوجين على الآخر هو من جنس الإفساد في الأرض، وقد قال -تعالى-:
    {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}
    وذكر الله -عز وجل- قول قوم قارون له إذ قالوا:{وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
    هذا، وإن الإفساد مع دعوى الإصلاح هو من سبيل المنافقين، فمن أفسد في الأرض وزعم أنه مصلح فيها، فقد سلك سبيل المنافقين، قال -تعالى-:
    {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}
    فإذا كان ذاك المفسد بتخبيبه أو بغيره منسوبًا إلى العلم والسنة فقد زاد بإفساده الطين بِلّة، وكان علمه حجة عليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «والقرآن حجة لك أو عليك» وهذا المتن رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري، وفيه انقطاع بين أبي سلَّام وأبي مالك الأشعري، وله طريق آخر متصل عند ابن ماجه والنسائي وأبي عوانة، وبعض الشواهد عند أحمد والترمذي، كما في كتاب الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-:"بين الإمامين مسلم والدارقطني" طبعة مكتبة الرُّشد الرياض، الطبعة الأولى لسنة 1420ه وقد قال -حفظه الله- صـ (72): المتن صحيح لغيره من غير طريق مسلم، قلت: والحديث ذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع جزء (2) صـ (733) رقم (3975) طبعة المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة لسنة 1408هوقال فيه: صحيح.
    وما أحسن!! قول القائل:
    يا معشر القراء يا ملح البلد *** ما يصلح الملحَ إذا الملحُ فسد؟!
    وما أحسن!! قول القائل:
    ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعُظما
    ولكن أهـــانــوه فهـــــانــوا ودنســـــوا *** محيَّاه بالأطمـــاع حتى تجهـــما.
    هذا، وما كان فيه نوع تخشين وإغلاظ للمخالف، فإن القصد منه تحقيق المصلحة الشرعية، وقد قال الله –عز وجل-:

    {
    الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
    وقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
    هذا ومن لم يصبر نفسه عن المعاصي أو لم يتب منها، لم يصر إمامًا مقتدىً به في الخير، قال –تعالى-:
    {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
    هذا، ومن وقع في حفرة المعصية، وكان عنده بقية من دين، أنقذه دينه وأخرجه منها، ورده إلى جادته، وإلا، فلا يُبكى على هالك، والله المسئول أن يعصمنا من الزلل والخطل، وأن يسترنا في الدنيا والآخرة، وأن يعيذنا من سوء المنقلب، وأن يرزقنا حسن العاقبة وخيرها، إنه خير مسئول وخير مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.
    تم الفراغ منه، في ليلة الأربعاء، الموافق التاسع من
    شهر ربيع الأول ، لسنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
    وألف من الهجرة النبوية على
    صاحبها الصلاة
    والسلام

    وكتب
    أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
    أبو عبد الله



    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 01-02-2012, 06:07 AM. سبب آخر: تنسيق الخط والآيات

  • #2
    جزاك الله خيراً أخانا أسامة على نشرك علم الشيخ أبي بكر

    المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد مشاهدة المشاركة
    وما سُمِّيت الضَّرَّة ضَرَّةً إلا لحصول الضرر بسبب اجتماع الضرائر تحت زوج واحد، ومع ذلك لا يجوز لإحداهن أن تطلب من زوجها تطليق الأخرى أو الأخريات؛ لأن هذا الضرر مغتفر في بحر مصالح التزويج والتعدد
    لله درك يا شيخ أبوبكر


    كود HTML:
     إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    فمن شروط قبول التوبة الإصلاح لما يقتضي المقام إصلاحه، والبيان لما يقتضي المقام بيانه،ويجب التثبت والتأكد من توبة التائب من الشرك والبدع والمعاصي،فلا يجوز الحكم بتوبته مع عدم التثبت من ذلك، مهما طالت مدة التوقف عن الحكم بتوبته، حتى لو كان التائب صادقًا في توبته في نفس الأمر بينه وبين ربه،ما دامت توبته لم تُعْلَم لدى غيره ......

    فكيف إذا كان التائب كاذبًا في توبته، أو مراوغًا ومدعيًا للتوبة والرجوع عن البدعة والضلالة والمعصية وهو ليس كذلك، ورب رجل قيل فيه تاب وهو لم يتب، ورب رجل قيل فيه رجع وهو لم يرجع، ورب متظاهر بالتوبة وهو مقيم على البدعة والحَوْبَة
    ومن كان ذا غَيْرَةٍ على زوجته من أن تفضي إلى غيره، ويفضي غيره إليها، فلْتمنعه غَيْرَتُه، ولْتحجزه عن تطليقها ما أمكنه، ولْيصبر نفسه عليها ......
    فمن لم يتق الله في التطليق، لم
    يُوَفَّقْ في الرجعة إلا أن يشاء الله
    فكم من طالب علم!! باع نفسه رخيصة بالمال، واشتُري به، وتنكب عن سبيل السلف، وصار حربًا على المذهب السلفي وأهله، فكيف إذا تخطفته شهوتا المال والنساء معًا؟! نسأل الله العافية
    رفع الله قدر الشيخ أبي بكر في الدارين

    تعليق


    • #3
      يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

      قال شيخنا -حفظه الله تعالى من شر كل ذي شر وسائر إخوانه المشايخ السلفيين وطلبة العلم-:
      "هذا، وكما أن البدع ليست من السلفية في شيء، فكذلك المعاصي ليست من السلفية في الورود ولا في الصدور، فرب حافظ سقطت عدالته لِتَهَتُّكه، بل يخاف على كثير من السلفيين من جهة الشهوة أكثر من الخوف عليهم من جهة الشبهة ويدخل في الشهوة النساء والمال، فكم من طالب علم!! باع نفسه رخيصة بالمال، واشتُري به، وتنكب عن سبيل السلف، وصار حربًا على المذهب السلفي وأهله، فكيف إذا تخطفته شهوتا المال والنساء معًا؟! نسأل الله العافية.
      فجزاه الله خيرًا على هذا النصح وكذلك التحذير من الوقوع في مثل هذه المهالك ومن كان هذا شأنهم .

      تعليق


      • #4
        إقرار
        إذا أذنب العبد ذنبًا كبيرًا ثم أقلع عنه مع اعترافه أنه ذنب، وندم عليه لكونه وقع في الذنب، وعزم على إلا يعود إليه، ورد المظالم إلى أهلها وتحلل منهم، وحصل كل هذا والله أعلم بما في صدور العالمين، فالجماعة المسلمة عليها هجره قبل ظهور توبته والدليل على ذلك قصة كعب، ولما نزلت الآيات الدالات على توبته لم يهجره أحد فلا أدري، هل يلام المرء بعد توفر شروط التوبة أم قبل حصولها والأطراف الثلاثة قد تصالحوا وعفا صاحب القصة وعرض عليه ما يحتمل أن يريده وصرح بأنه لا يريده بل عفا و أصفح فما الذي على المذنب شرعًا وما على الطائفة الظاهرة على الحق أن تستدعيه وتدعوه إلى التوبة أم تعرض عنه وتلومه وتشهر به. الذي أعرفه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر شأن كعب وصاحبيه إلا نزول الوحي في شأنهم ولذا أمر بهجرهم، فإذا أذنب عبد فعليه التوبة بشروطها، فإن لم يفعل تدفعه الجماعة الظاهرة على الحق إلى التوبة، فإن أصر يهجر حتى يعود فإن كان يتصدر للعلم يحذر منه، أما إذا أحدث توبة بشروطها فعلى من لم يبلغه ذلك أن يسأل أطراف أصحاب القضية لا يسأل من بلغه لأنه نوع قضاء والقاضي في الإسلام لا يقضي بعلمه بل يجمع الأطراف وهو سهل في زماننا والحمد لله وبخاصة أن الأطراف جميعهم يرتضونه ويسأل كلا على حدة ، ثم يقرر ما الذي ينبني على ذلك، وما الذي وصل إليه الأمر لعلهم قد تصالحوا قبل أن يصله الأمر فقد وصله بعد انقضاء شهور، وأما عن قولي في شيخ الإسلام فأنا لم أزل أقر بأن من جاء بعده فهو عالة عليه في كل نوع من أنواع العلم ، وهو إمام في العلم والاستقامة والجهاد والصبر، ولم أعلم العقيدة إلا من كتبه وما كتب الإمام محمد بن عبدالوهاب إلا تلخيص لكتب شيخ الإسلام في تقرير توحيد الألاهية والأسماء والصفات، ومن تكلم في شيخ الإسلام بشيئ يسير من النقص أو السوء بينت له فإن قبل وإلا صرحت له بأني سأعتزله لكي يعلم لما اعتزلته وأعتزله إن لم يرجع عن قوله، أرجو أن أثبت على ذلك إلا الممات على عقيدة السلف الصالح ومحبة أهل السنة في كل عصر وفي كل مصر الأحياء منهم والأموات، فأحبهم وأتقرب إلى الله بحبهم أمثال الشيخ ربيع والشيخ يحيى الحجوري وقد وفقني الله إلى زيارته في أيام ربما يقصر عنها من لا يحب ذلك والزيارة لا شك رفعة لي لكن إذ لم يكن عون من الله وتيسير منه وتوفيق وكذلك فعل العبد لا يهدر وإن كان إما حجة له أو عليه على حسب نيته ولو كانت لأولادي فحسب أقول لهم قابلوني في صنعاء في مسجد السنة وبخاصة أنه قد أشار علي أخوان من أهل الخبرة بعدم الذهاب إلى دماج في هذا الوقت لكن بتيسير الله وحده ذهبت فأنا أحب أهل السنة وأحب التوجيه ووالله لا أحب التصدر لأني أعرف قدري، لكن لا أستطيع الامتناع عن قراءة الكتب كتب العقيدة والتفسير والحديث والفقه وباقي العلوم المتعلقة بالعلوم السابق ذكرها، وتركت القراءة في المساجد لما أعرف من النفسي عدم الاستقامة، وأسأل الله العون على الاستقامة على ما يحب ربنا ويرضى، وأحب السلفيين في مصر وأقبل نصحهم وأوصيهم ألا يملوا فالمذنب ضعيف في موطن الضعف والمستقيم قوي ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) فالأعلى يأخذ بيد الأدنى ليكون سببًا في رفعه فلم أزل أحب الشيخ أبو بكر والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ ماجد المدرس أحبهم وأتقرب إلى الله بحبهم وأعتقد حبهم واجبًا شرعيًا لأنهم أهل السنة يعلمون الجاهل ويصبرون عليه، ويأخذون بيد الضال إلى الهدى، والله حسيبهم والحمد لله رب العالمين


        تعليق

        يعمل...
        X