۞۞۞
"فنعم الساكن ونعمالمسكن"
فائدة من الامام العلامة والحبر الفهامةابن قيم الجوزية في" الفوائد " - (1 / 178):
قال –رحمه الله-:
فصل
من لم يعرف نفسه كيف يعرفخالقه
فأعلم أن الله تعالى خلقفي صدرك بيتا وهو القلب ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى فهو مستوعلى عرشه بذاته بائن من خلقه والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستو على سريرالقلب وعلى السرير بساط من الرضا ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره وفتح إليهبابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلى لقائه وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصنافالرياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعلفي وسط البستان شجرة معرفة فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من المحبة والإنابة والخشيةوالفرح به والابتهاج بقربه وأجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من تدبير كلامه وفهمه والعملبوصاياه وعلق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمدمن شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ثم أحاطعليه حائطا يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ومن يؤذي البستان فلا يلحقه إذا هم وأقامعليه حرسا من الملائكة يحفظونه في يقظته ومنامه ثم أعلم صاحب البيت والبستان بالساكنفيه فهو دائما همه إصلاح السكن ولم شعثه ليرضاه الساكن منزلا وإذا أحس بأدنى شعث فيالسكن بادر إلى إصلاحه ولمه خشية انتقال الساكن منه فنعم الساكن ونعم المسكن.
۞۞۞
فسبحان الله رب العالمين كم بين هذا البيت وبيت قد استولى عليهالخراب وصار مأوى للحشرات والهوام ومحلا لإلقاء الأنتان والقاذورات فيه فمن أرادالتخلي وقضاء الحاجة وجد خربة لا ساكن فيها ولا حافظ لها وهي معدة لقضاء الحاجةمظلمة الأرجاء منتنة الرائحة قد عمها الخراب وملأتها القاذورات فلا يأنس بها ولاينزل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوام الشيطان جالس علىسريرها وعلى السرير بساط من الجهل وتخفق فيه الأهواء وعم يمينه وشماله مرافقالشهوات وقد فتح إليه باب من حقل الخذلان والوحشة والركون إلى الدنيا والطمأنينةبها والزهد في الآخرة وأمطر من وابل الجهل والهوى والشرك والبدع وما أنبت فيهأصناف الشوك والحنظل والأشجار المثمرة بأنواع المعاصي والمخالفات من الزوائدوالتنديبات والنوادر والهزليات والمضحكات والأشعار الغزليات والخمريات التي تهيجعلى ارتكاب المحرمات وتزهد في الطاعات وجعل في وسط الحقل شجرة الجهل به والإعراضعنه فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق والمعاصي واللهو واللعب والمجون والذهاب معكل ريح واتباع كل شهوة ومن ثمرها العموم والغموم والأحزان والآلام ولكنها متواريةبإشغال النفس بلهوها ولعبها فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشةضنك وأجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الهوى وطول الأمل والغرور ثم ترك ذلكالبيت وظلماته وخراب حيطانه بحيث لا يمنع منه مفسد ولا حيوان ولا مؤذ ولا قذر.
۞۞۞
فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت فمن عرف بيته وقدرالساكن فيه وقدر ما فيه من الكنوز والذخائر والآلات انتفع بحياته ونفسه ومن جهلذلك جهل نفسه وأضاع سعادته.
وبالله التوفيق. اهـ.
۞۞۞
تعليق