الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
إن من أسماء الله الحسني : اللطيف , الخبير ، و هما اسمان تكرر ورودهما مجتمعين في عدة آيات من القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) [الأنعام : 103] ، وقال تعالى : ))أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(( [الحج : 63], وقال تعالى في ذكر وصية لقمان الحكيم لابنه : ))يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(( [لقمان : 16], وقال تعالى : ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (( [الملك : 14] ، وقال تعالى : ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً(( [الأحزاب : 34].
أما الخبير فمعناه : أنه أدرك علمه السرائر , واطلع على مكنون الضمائر , و علم خفيات البذور و لطائف الأمور ودقائق الذرات ؛ فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور الخفية التي هي في غاية اللطف و الصغر , وفى غاية الخفاء , ومن باب أولى و أحرى علمه بالظواهر و الجليات.وأما اللطيف , فله معنيان : أحدهما بمعنى الخبير ؛ وهو أن علمه دق و لطف حتى أدرك السرائر و الضمائر و الخفيات: والمعنى الثاني أي : الذي يوصل إلى عباده و أوليائه مصالحه بلطفه و إحسانه من طرق لا يشعرون بها.قال ابن القيم رحمه في نونيته :فلطف الله بعبده هو من الرحمة , بل هو رحمة خاصة ؛ فالرحمة التي تصل إلى العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف.يقال : لطف الله بعبده ولطف له , أي تولاه ولاية خاصة , بها تصلح أحواله الظاهرة والباطنة , وبها تندفع عنه جميع المكروهات من الأمور الداخلية و الأمور الخارجية.فأما الأمور الداخلية لطف بالعبد , و أما الأمور الخارجية لطف للعبد.فإذا يسر أمور عبده و سهل له طرق الخير و أعانه عليها فقد لطف به , وإذا قيض له أسباباً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له.ولهذا ؛ في قصة يوسف عليه السلام حيث قدر الله أموراً كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة إلى يوسف و أبيه , وكانت في مبدئها مكروهة للنفوس , ولكن صارت عواقبها أحمد العواقب , وفوائدها أجل الفوائد.ولذا ؛ قال عليه السلام : )(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ)) أي أن هذه الأشياء التي حصلت لطف لطفه الله له , فاعترف – عليه السلام – بهذه النعمة.ولطف الله بعبده وله باب واسع , وتفضل الله تبارك و تعالى بما شاء منه على من يشاء من عباده – ممن يعلمه محلاً لذلك و أهلاً له , و الفضل و بالله يعطيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.ومن لطفه بعباده المؤمنين : أنه جل و علا يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور , من ظلمات الجهل والكفر و البدع و المعاصي إلى نور العلم و الإيمان و الطاعة .ومن لطفه بهم : أنه يقيهم طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء , التي هذا طبعها ؛ فيوفقهم لنهى النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء , مع توافر أسباب الفتنة و جواذب المعاصي و الشهوات ؛ فيمُن عليهم ببرهان لطفه ونور إيمانهم الذي من عليهم به ؛ فيضعونها مطمئنة لتركها نفوسهم , منشرحة بالبعد عنها صدورهم.ومن لطفه بعباده : أنه يُقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم , لا بحسب مراداتهم ؛ فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح ؛ فيقدر بهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم ؛ قال تعالى : ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ(( [الشورى : 19] ومن لطفه جل و علا بهم : أنه يقدر عليهم أنواعاً من المصائب و ضروباً من البلايا و المحن سوقاً لهم إلى كمالهم وكمال نعيمهم.ومن لطفه بعبده سبحانه : أنه يقدر له أن يتربى في غذاية أهل الصلاح والعلم والإيمان , وبين أهل الخير ؛ ليكتسب من أدبهم و تأديبهم , و أن ينشأ كذلك بين أبوين صالحين و أقارب أتقياء وفى مجتمع صالح ؛ فهذا من أعظم اللطف بالعبد ؛ فإن صلاح العبد موقوف على أٍسباب كثيرة من أعظمها نفعاً هذه الحالة.ومن لطف الله بعبده : أن يجعل رزقه حلالاً في راحة و قناعة يحصل به المقصود , ولا يشغله عما خلق به من العبادة و العلم والعمل به ؛ بل يعوض على ذلك.ومن لطفه جل وعلا بعبده : أن يقيض له إخواناً صالحين و رفقاء متقين يعينونه على الخير , ويشدون من أزره في سلوك سبيل الاستقامة , والبعد عن سبل الهلاك والانحراف.ومن لطفه جل و علا بعبده : أن يبتليه ببعض المصائب ؛ فيوفقه إلى القيام بوظيفة الصبر فيها ؛ فيناله رفيع الدرجات وعالي الرتب , وأن يكرمه بأن يوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وتأميل الرحمة و انتظار الفرج وكشف الضر ؛ فيخف ألمه وتنشط نفسه.قال ابن القيم رحمه الله : " فإن انتظاره و مطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة , ولا سيما عند قوة الرجاء المنقطع بالفرج ؛ فإنه يشد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه و راحته ما هو من خفي الألطاف وما هو فرج معجل , وبه و بغيره يفهم معنى اسمه اللطيف . "انتهى كلامه رحمه الله.وكم هو نافع للعبد أن يعرف معنى هذا الاسم العظيم و دلالته , وأن يجاهد نفسه على تحقيق الإيمان به والقيام بما يقتضيه من عبودية لله عز وجل ؛ فيمتلئ قلبه رجاء و طمعاً في نيل فضل الله و الظفر بنعمه وعطاياه . متحرياً في كل أحواله الفوز بالعواقب الحميدة و المآلات الرشيدة , واثقاً بربه اللطيف , ومولاه الكريم , ذي النعم السوابغ , والعطايا و النوال , ومن يتحر الخير يعطه , ومن يتوق الشر يوقه , والفضل بيد الله وحده , يؤتيه من يشاء , والله ذو الفضل العظيم.إن الناظر في أحوال أهل السنة في دماج وما حصل لهم من قصفٍ ليلا ونهارًا بل يكون في بعض الأيام كالمطر إن الناظر في هذا وغيره ليجد الدلائل البينات على سعة لطف الله بعباده الطيبين، فهم قلة في العدد والعتاد، وحوصروا ومنعوا الغذاء والدواء، فأرد الله عزوجل رفعة بعض، وتكفير سيئات بعض، ويتخذ منهم شهداء، وهكذا البلاء على ثلاثة درجات، إما رفعة، وإما تكفير للسيئات، وإما تعجيل لعقوبة بدلا من الآخرة، وكلها خير للمؤمن.
كما أنه يريد أن يهلك الظالمين بأيديهم وأيدي المؤمنين، إن في ذلكم لآيات لأولي الأبصار .
إن من أسماء الله الحسني : اللطيف , الخبير ، و هما اسمان تكرر ورودهما مجتمعين في عدة آيات من القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) [الأنعام : 103] ، وقال تعالى : ))أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(( [الحج : 63], وقال تعالى في ذكر وصية لقمان الحكيم لابنه : ))يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(( [لقمان : 16], وقال تعالى : ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (( [الملك : 14] ، وقال تعالى : ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً(( [الأحزاب : 34].
أما الخبير فمعناه : أنه أدرك علمه السرائر , واطلع على مكنون الضمائر , و علم خفيات البذور و لطائف الأمور ودقائق الذرات ؛ فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور الخفية التي هي في غاية اللطف و الصغر , وفى غاية الخفاء , ومن باب أولى و أحرى علمه بالظواهر و الجليات.وأما اللطيف , فله معنيان : أحدهما بمعنى الخبير ؛ وهو أن علمه دق و لطف حتى أدرك السرائر و الضمائر و الخفيات: والمعنى الثاني أي : الذي يوصل إلى عباده و أوليائه مصالحه بلطفه و إحسانه من طرق لا يشعرون بها.قال ابن القيم رحمه في نونيته :
وهو اللطيف بعبده ولعبده واللطف في أوصافه نوعان
إدراك أسرار الأمور بخبرة واللطف عند مواقع الإحسان
فيريك عزته ويبدى لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشأن
إدراك أسرار الأمور بخبرة واللطف عند مواقع الإحسان
فيريك عزته ويبدى لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشأن
كما أنه يريد أن يهلك الظالمين بأيديهم وأيدي المؤمنين، إن في ذلكم لآيات لأولي الأبصار .
تعليق